يعتبر تقديم التقييم (feedback) إلى الآخرين بخصوص أدائهم أمراً أساسياً جداً لتحسين هذا الأداء. ومع ذلك، عندما تسير جلسات تقديم الآراء التقييمية على نحو سيئ، فإنها تصبح مؤذية للموظفين، وهنا يتشكل ضرر الآراء التقييمية، وتؤثر سلباً على تفاعلهم مع العمل، وعلى مستويات إنتاجيتهم. وقد أشارت دراسة بحثية استندت إلى تحليل لكم هائل من البيانات الضخمة إلى أنه على الرغم من أن 70% من الأشخاص الذين يتلقون آراءً تقييمية سيكون أداؤهم فوق المتوسط، فإن 30% من عمليات تقديم الرأي التقييمي تعتبر "مؤذية" لأداء الموظفين.
علامات تدل على ضرر الآراء التقييمية
فما هي المؤشرات الأساسية التي تدلك على النوع المؤذي من الآراء التقييمية؟ فيما يلي 5 علامات رئيسية تشير إلى أنك تنفذ هذه العملية بطريقة خاطئة:
أنت لا تزيد من الوعي الذاتي لدى الموظف
ليس الهدف من تقديم الرأي التقييمي جعل رامي ينجز العمل المطلوب منه في الوقت المناسب، أو جعل سالي تكفّ عن تبنّي موقف دفاعي فقط، بل الهدف أيضاً هو زيادة الوعي الذاتي لدى هؤلاء الموظفين، بحيث يستطيع واحدهم أن يفهم بحق كيف تؤثر أفعاله في زملائه الآخرين، وكيف يبدو في نظرهم.
اقرأ أيضاً: منح تقييم محفز للموظف صاحب الأداء الرفيع
يُشير تأثير دانينغ-كروجر الشهير إلى أنه كلما كان الناس أقل كفاءة، كانوا أقل وعياً بذاتهم. لذلك قد يكون من المفيد على الأغلب تذكير الأشخاص ذوي الأداء الضعيف بالواقع الحقيقي للعالم من حولهم. علاوة على ذلك، وكما تبيّن هايدي غرانت هالفورسون في كتابها الأخير، "عندما تجد أن لا أحد يفهمك وما الذي بوسعك فعله حيال هذا الأمر، فإن الأشخاص ذوي الكفاءة العالية حتّى ينظرون إلى نفسهم بطريقة تختلف عن نظرة الناس الآخرين إليهم، الأمر الذي يقودهم إلى الدخول في نزاعات شخصية كثيرة مع الآخرين. وبالتالي، غالباً ما تكون هناك فجوة بين نظرتنا إلى أنفسنا ونظرة الآخرين إلينا.
هناك حلّان فقط لهذا الأمر. الحل الأول، هو تغيير آراء الناس فينا، وإقناعهم بأننا فعلياً أشخاص جيدون، تماماً كما ننظر إلى أنفسنا. أما الحل الآخر، فهو أن نغيّر آراءنا بأنفسنا لتتوافق مع آراء الناس فينا. على سبيل المثال، إذا كان معظم الناس يعتقدون بأنك شخص مغرور، فقد يكونون منطقياً على حق، وإذا كانت نظرة الناس هذه إليك تزعجك، فربما يجب عليك فعل شيء حيال ذلك. باختصار، يسهم تقديم الآراء التقييمية بطريقة فعالة في كشف الفجوة الموجودة بين الطريقة التي نرغب من الآخرين أن ينظروا فيها إلينا، والطريقة التي ينظرون بها فعلياً إلينا؛ أما تقديم الآراء بطريقة غير فعالة، فإنه لا يخبرك بشيء لا تعرفه أصلاً.
أنت لا تقدّم ما يكفي من الآراء التقييمية السلبية
رغم أن تقديم الآراء التقييمية الإيجابية إلى الآخرين أسهل، فإن أكثر أنواع الآراء التقييمية فائدة ونفعاً من الناحية العملية هي الآراء السلبية. فجوهر الرأي التقييمي السلبي ليس توجيه سهام النقد إلى الشخص أو رفضه، وإنما الكشف عن أي آراء يحملها الشخص تجاه نفسه قد تكون مفرطة في إيجابيتها مقارنة مع أدائه الموضوعي. بعبارة أخرى، يكون الرأي التقييمي سلبياً عندما يبيّن لنا بأننا لسنا جيدين إلى الدرجة التي نعتقدها.
اقرأ أيضاً: ما الذي يفترضه الموظفون عند عدم تلقيهم آراء تقييمية؟
من الطبيعي أن يكون قبول هذا الأمر واستيعابه شيئاً صعباً، لأنه يجرح نرجسيتنا وغرورنا. غير أن الرأي التقييمي السلبي هو أمر لا غنى عنه لكي نصبح أفضل: ما لم نعلم ما هي الأشياء الخاطئة التي نقوم بها، فلن تكون لدينا الرغبة في تحسين أنفسنا.
ولكن لسوء الحظ، كلما كان الموظفون يشغلون مرتبة وظيفية أعلى، كانت وتيرة تلقيهم للآراء التقييمية السلبية أقل. فمعظم الناس يشعرون بالرهبة تجاه السلطة ويتوقون إلى تملّق من يمتلكها. وهذا الأمر يخلق حلقة مفرغة، بحيث إن آراء الناس بذاتهم وثقتهم بأنفسهم تتعزز كلما ارتقوا السلم الوظيفي في المؤسسة، ما يجعلهم أكثر حصانة تجاه الرأي التقييمي السلبي ولا سيما مع تنامي نفوذهم وسلطتهم. كما تظهر الأبحاث أيضاً أن تردد القادة في قبول الرأي التقييمي السلبي يجعلهم أقل قدرة على تقديم هذا النوع من الرأي إلى مرؤوسيهم. وبالتالي، ستكسب المؤسسات الكثير من خلال عدم الاكتفاء بتقديم الرأي التقييمي السلبي إلى المدراء لديها، وإنما تدريب هؤلاء المدراء أيضاً على كيفية تقديم هذا النوع من الرأي السلبي إلى أعضاء فرقهم.
هذه التوصية تأتي على النقيض تماماً من الأخبار التي نسمعها مؤخراً عن العديد من الشركات التي لجأت إلى حظر تقديم الآراء التقييمية السلبية طالبةً التركيز فقط على نقاط قوّة الموظفين، وغضّ الطرف عن الأشياء التي يمكن أن "تُخرجهم عن مسارهم" أو "فرص تطويرهم" (وهي عبارة ملطفة شائعة الاستعمال بين صفوف مسؤولي الموارد البشرية للإشارة إلى نقاط الضعف الموجودة لدى هؤلاء الموظفين).
رأيك التقييمي لا يستند إلى بيانات قوية
ثمة عنصر جوهري آخر لتقديم الرأي التقييمي بطريقة فعالة، ألا وهو الاعتماد على البيانات الموثوقة والصحيحة. ولا يهم إذا كانت مؤسستك تفتقر إلى أنظمة رصد معقدة أو مقاييس أداء موضوعية، لأن تقديم الآراء التقييمية إلى موظف معيّن يمكن في جميع الأحوال أن يستند إلى أدلة وأمثلة عملية عن الأداء. ومن الناحية المثالية، يجب قياس أداء هؤلاء الموظفين بالمقارنة مع مجموعة معيارية معينة أو في مقابل مؤشرات الأداء الرئيسية التي تحكم عملهم.
اقرأ أيضاً: ما الذي يسيء المدراء فهمه حول التقييم؟
إضافة إلى ما سبق، يجب أن يكون هناك ارتباط واضح بين كل دليل من الأدلة المستعملة وسلوك الشخص المعني. وتسهم عمليات مراجعة الأداء الشامل جيدة التصميم في توفير كل هذه البراهين والمعلومات المطلوبة. وبالتحديد هنا نقصد نوعاً معيناً من عمليات مراجعة الأداء الشاملة التي تسمى (تقييم الأداء بطريقة 360 درجة)، وهي عملية تشمل المدراء المسؤولين عن الموظف المعني وزملائه ومرؤوسيه، حيث يطلب منهم جميعاً إعطاء رأيهم بأداء الموظف. وهناك نتائج غير مفاجئة تبيّنها الدراسات المستقلة التي تشير إلى أن من أكثر الطرق فعالية في تحسين أداء الموظفين في العمل هي اعتماد نتائج هذا النوع من مراجعات الأداء الشاملة كأساس لعملية تقديم الآراء التقييمية وبرامج الإرشاد والتوجيه. فهذا الأمر يسمح للموظفين الخاضعين للمراجعة بتقييم أدائهم الذاتي بموضوعية، كما أنه يمنحهم مسطرةً أو مقياساً مستقلاً لتحديد حجم التغيير بدقة.
أنت لا تمنح الموظف مثالاً عملياً يساعده على فهم وضعه الحقيقي
هناك مقولة شائعة في اللغة الإنجليزية تنصّ على ما معناه بأن "البيانات تقدم المعلومات فقط، أما القصص والأمثلة العملية فتساعد في التسويق والإقناع"، وكما يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: " تُعتبر البيانات لا معنى لها وفارغة دون جانب نظري". وبالتالي، أي رأي تقييمي تعطيه إلى الناس سيكون تأثيره محدوداً، ما لم ترفقه بمثال عملي أو قصة ذات مغزى، عن سلوك الشخص، إضافة إلى بعض الشرح والتفسير عوضاً عن تقديم مجرد توصيف بسيط.
يعتبر وجود نموذج نظري قوي بين يدي من يقدم الرأي التقييمي مهماً جداً، وهو بأهمية البيانات ذاتها. كما تعتبر "نظرية الطباع الشخصية"، وهي واحدة من نظريات علم النفس المعنية بدراسة الطبيعة البشرية، أداة قوية لفهم البيانات المتعلقة بالسلوك. فهي نظرية شاملة ومعمقة تستند إلى أكثر من 100 عام من الأبحاث الأكاديمية. وبناءً عليه، فإن العديد من إجراءات تحسين أداء الموظفين تجمع ما بين تقييم الطبيعة الشخصية للموظف، ونتائج "مراجعات الأداء الشاملة" من أجل تقييم الأداء (بناءً على المراجعة الشاملة) وإمكانية التطور (بحسب شخصية الموظف).
على سبيل المثال، لا يكفي أن نقول لرامي بأن لديه مشكلة في إنجاز المهام المطلوبة بحسب أولويتها؛ فقد يكون مفيداً لنا فهم أن هذه صفة معتادة تلازم الأفراد الذين يتمتّعون بدرجة منخفضة من الحكمة والحذر ودرجة عالية من سرعة الاهتياج. ومن المفيد أن نعلم أيضاً بأن أداء هؤلاء الأفراد قد يتحسن عندما يعملون بشكل مشترك مع زملاء لهم ممّن يتقنون عملهم ويتوخون الحذر. وكما يقول أرسطو: "الإنسان يشبه الأشياء التي يمارسها بشكل متكرر". وبالتالي، فإن إحدى نقاط القوة الأساسية التي يجب أن تتصف بها جلسات الآراء التقييمية المصممة جيداً هي إعطاء الموظف المعني أمثلة عملية حول الأشياء التي يكررها دائماً و"لماذا" يفعل ذلك، بحيث يتمكن من فهم طبيعته وحالته بشكل أفضل.
أنت لا تقدم رأيك التقييمي إلى الموظف بطريقة تناسب شخصيته
لطالما حظيت الأساليب القيادية المختلفة بتغطية إعلامية كبيرة. لكن عندما تقدم رأياً تقييمياً إلى موظف ما، فليس المهم فعلياً التركيز على أسلوبك الشخصي في القيادة، سواء كنت تتحدث معه بأسلوب مباشر وصريح، أو بطريقة فيها شيء من التعاطف والاهتمام. لأن الشيء الأهم هنا هو التفكير في أسلوب "المتلقي"، وتذكر أن الناس مختلفون.
فردّ فعل كل إنسان سيتوقف على طبيعة شخصيته، وطبيعة الرأي التقييمي المقدّم له. وهذه الحقيقة معروفة لدى الأشخاص الذين يتمتعون بخبرة كبيرة في تقديم الآراء التقييمية، لذلك فإنهم يميلون عادة إلى تكييف أسلوبهم وصياغة رسالتهم بحسب شخصية المتلقي الذي يعملون معه. على سبيل المثال، إذا كان الشخص الخاضع للتقييم يركز على الحقائق، والتحليلات وكان شخصاً مفكراً، فإن هؤلاء المدراء يشددون على البيانات. أما إذا كان الشخص يتمتع بالحساسية العاطفية أو كان عُصابياً، فإنهم يحاولون إضفاء جو من الوئام، ويجعلون الشخص يشعر بالراحة قبل موعد جلسة التقييم، كما أنهم يبدؤون النقاش وينهونه بملاحظة إيجابية.
اقرأ أيضاً: ما الذي يجب عليك فعله إذا اعتقدت أن تقييم أدائك خاطئ؟
حاول الاستفادة من معرفتك بطبيعة الشخص الخاضع للتقييم من أجل تعديل أسلوبك بحيث تكون مقنعاً في أدائك معه. ففي نهاية المطاف، كل جلسة من جلسات تقييم الأداء تحتاج إلى ممارسة التأثير والإقناع، وهذا بدوره يقتضي منك تعديل أسلوبك وصياغة رسالتك بطريقة مناسبة للشخص الخاضع للتقييم.
أخيراً، يجب التذكير بأن دورة تقديم الرأي التقييمي لا تنتهي بمجرد انتهاء جلسة التقييم. بل عملياً، هي مجرد البداية الفعلية للإرشاد والتوجيه. كما أنها تتطلب المتابعة اللاحقة من خلال وضع أهداف دقيقة بحاجة إلى إنجاز، وتحديد بعض التغييرات القابلة للقياس. وكما تبين النماذج الشاملة المستعملة في الإرشاد والتوجيه، فإن عملية تقديم الرأي التقييمي لا تكون كاملة، إلا عند تحديد "المسار المستقبلي" مع الموظف المعني، ووضع الإجراءات التي ستُستعمل في سبيل تحقيق ذلك، مع تحديد الشكل الفعلي للنجاح بعيداً عن ضرر الآراء التقييمية.
اقرأ أيضاً: كيف توجه ملاحظات تقييمية لأشخاص يبكون وينفعلون أو يجادلون؟