قتل الصيادون العام الماضي 35 ألف فيل للحصول على أنيابها. نواجه أزمة عنيفة، لكن لدينا استراتيجية بسيطة من 3 عناصر لإنقاذ الأفيال: 1) أوقفوا القتل، 2) أوقفوا الاتجار، 3) أوقفوا الطلب.
نُشِرَت الاستراتيجية المذكورة أعلاه على موقع الويب الخاص بحملة "96 إليفانتس" (96 Elephants) في عام 2016، وقد وضعتها جمعية الحفاظ على الحياة البرية (WCS)، وأصبحت واحدة من أنجح الجهود الرامية إلى الحفاظ على الحياة البرية على الإطلاق*. شكّلت الجمعية ائتلافاً مكوناً من مئات حدائق الحيوان والشركات والمتبرعين الأفراد الذين نجحوا في حظر الاتجار بالعاج في الولايات المتحدة والصين، وسَن تشريعات لمكافحة الاتجار بالأحياء البرية في الولايات المتحدة، والحد بشكل كبير من الصيد غير المشروع للأفيال.
قال نائب الرئيس التنفيذي للشؤون العامة في جمعية الحفاظ على الحياة البرية، جون كالفيللي: "لا يمكن تصوُّر أن نتمكن بنجاح من تنفيذ استراتيجيتنا الرامية إلى حماية الحياة والأماكن البرية في جميع أنحاء العالم دون إعداد قصص مؤثرة واستخدامها".
العبارات المذكورة أعلاه من جمعية الحفاظ على الحياة البرية هي مثال جيد لما نسميه قصة الاستراتيجية. عادة ما تنشأ الاستراتيجية التنافسية من عملية عقلانية للغاية تستند إلى حقائق وتحليلات. قد تبدو رواية القصص، التي كثيراً ما تقترن بالخيال والترفيه، نقيضاً للاستراتيجية، لكنهما ليسا متعارضين. قال كالفيللي: "يستند عملنا إلى العلم، لكن الحقائق والحجج العلمية وحدها لا تكفي لإقناع أي شخص باتخاذ إجراء".
ما الهدف من الاستراتيجية؟
الاستراتيجية التنافسية هي أداة لتحقيق ميزة تنافسية. وهي تتطلب فهماً دقيقاً للوضع الأولي للشركة وتطلعاتها وقدراتها، وتطلعات منافسيها وقدراتهم، واحتياجات عملائها، وديناميات الموقف.
لكن الاستراتيجية الذكية على الورق ليست سوى نقطة البداية لإشراك مَن سينفذونها. إذ يجب أيضاً التعريف بالاستراتيجيات وفهمها، كما يجب أن تحفز على اتخاذ إجراء.
تفشل معظم وثائق الاستراتيجية والعروض التقديمية فشلاً ذريعاً فيما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة. فقد كشفت دراسة حديثة أن 28% فقط من المدراء يمكنهم تسمية 3 أولويات استراتيجية لشركاتهم بشكل صحيح، فما بالك بمعرفة كيفية اتخاذ إجراءات بناءً عليها.
يمكن أن تكون قصص الاستراتيجية بمثابة جسر متين بين الحجج والإجراءات والمقاصد والنتائج والخبراء الاستراتيجيين والمنفِّذين.
قوة القصة
يمكن تعريف القصة على أنها سرد مصمَّم لجذب الانتباه. بعبارة أخرى، لا تتعلق القصة بما يتم نقله من خلالها فقط، بل تتعلق أيضاً بمدى تأثيرها على جمهورها.
يفهم البشر العالم من خلال القصص التي نرويها. وأدمغتنا مهيأة لفهم السرود التي تنطوي على تحديات درامية وأبطال يتغيرون في أثناء عملية التغلب على هذه التحديات لتحقيق أهدافهم. للقصص قيمة تطويرية، على الرغم من قدرتها على نقل المعلومات دون الاعتماد على التجارب المباشرة.
أثبت الاقتصاد السلوكي أن الأشخاص ليسوا فاعلين عقلانيين كلياً، إذ تحفزهم الحقائق والمنطق فقط. يمكن أن تربط القصص المكونات المنطقية للاستراتيجية بسرد يجذب الانتباه، ما يمكن أن يدفع جمهورها إلى اتخاذ إجراء. قليلون مَن سيقودون بحذر أكبر إذا قُدِّمَت لهم قائمة مملة تضم إحصاءات حوادث الطرق، بينما قد يتحمس كثيرون للقيادة بحذر أكبر من خلال قصة نابضة بالحياة عن عائلة معينة تقود ليلاً على طريق تكسوه الثلوج.
تتمتع القصص أيضاً بميزة المرونة؛ ففي عملية إعادة روايتها، تتطور لتعكس الظروف والدروس الجديدة. وهذا يجعلها مناسبة تماماً للاستراتيجيات التكيفية المطلوبة في عالم اليوم الذي تعتمد المنافسة فيه على سرعة التعلم في سياق متغير.
حتى إن بعض مستخدمي نهج التفكير المنظومي يزعمون أنه لا يمكننا فهم المواقف المعقدة إلا من خلال القصص أو التبسيط المفيد الذي يقدم وصفاً جيداً بما يكفي للنظام وإطاراً للعمل، دون تعقيد أو ملل أو غموض.
يدرك عالم الأعمال قوة القصة جيداً عندما يتعلق الأمر بالتسويق. على سبيل المثال، حملة "فقط افعلها" (Just Do It) التي أطلقتها نايكي (Nike)، وكانت واحدة من الحملات الأكثر شهرة في التاريخ الحديث، جعلت العملاء أبطال قصتهم بثلاث كلمات فقط.
ويمكن أيضاً، بل ويجب، أن تستفيد الاستراتيجية التنافسية من قوة القصص.
تكتسب الشركات حقها في الوجود أو تجدده فقط إذا قدمت شيئاً جديداً للعالم، كما وصفنا في كتابنا "آلة الخيال" (The Imagination Machine). يجب أن تكون الاستراتيجية قائمة على العالم كما هو، ولكن يجب أيضاً أن تخلق شيئاً جديداً وذا قيمة من خلال الخيال والأفعال. كما أخبرنا الروائي الألماني الذي ألّف روايات شائقة من أكثر الروايات مبيعاً والمخطط الاستراتيجي في مجال الأعمال، فيت إيتزولد: "الاستراتيجيات هي قصص، بدأت في الحاضر الواقعي وتم حلها في المستقبل غير المعروف حتى الآن".
صياغة قصة الاستراتيجية بصورة جماعية
جرت العادة أن تكون صياغة الاستراتيجية من أنشطة الصفوة التي يشارك فيها قادة الشركات وعدد قليل من الأشخاص في قسم الاستراتيجيات. ومع ذلك، يدعو أحد التوجهات الحديثة في الاستراتيجية إلى الانفتاح، كما ورد في أحدث كتب أستاذ الإدارة كريستيان ستادلر الذي يحمل عنوان "الاستراتيجية المفتوحة" (Open Strategy). لدينا الآن الوسائل اللازمة لصياغة الاستراتيجية بصورة تعاونية، باستخدام أدوات مثل زووم وسلاك وإير بورد (AirBoard). فعندما تكون عملية صياغة الاستراتيجية مفتوحة للموظفين القريبين من العملاء أو المنافسين، إضافة إلى المكلفين بالتنفيذ، فإن الاستراتيجية الناتجة يمكن أن تكون أكثر إقناعاً ويمكن فهمها على نحو أفضل وتحمُّل مسؤولية تنفيذها.
لا تتعلق قصص الاستراتيجية بربط سرد ما باستراتيجيتك بأثر رجعي فقط، فهي تحقق أفضل النتائج عند صياغتها بصورة جماعية. لبناء قصة الاستراتيجية، يجب عليك:
1. تحديد السياق الواقعي لقصتك
لبدء صياغة سرد للاستراتيجية، ستحتاج إلى جمع معلومات عن 7 مكونات أساسية واقعية لإرساء أسس قصتك:
- أنشطة شركتك
- أصول شركتك
- سلوكيات عملائك
- موقع عملائك
- إيراداتك
- كيف تغيرت الإيرادات مع مرور الوقت؟
- ما الذي أدى إلى تلك التغييرات؟
تصف أول نقطتين جانب العرض من الأعمال، بينما تصف النقطتان الثالثة والرابعة جانب الطلب، وتغطي آخر 3 نقاط العلاقة بين العرض والطلب بمرور الوقت.
2. الاستفادة من قوة الأسئلة
في أي عملية لصياغة الاستراتيجية، يكون هناك توتر بين البنية التنظيمية (الضرورية لضمان الدقة والاتساق) والاستكشاف (الذي يُعد بالغ الأهمية للابتكار). يمكن أن تدعو الأسئلة، التي يتم طرحها بترتيب مدروس، إلى القيام باستكشاف منظم، مع الحفاظ على الاتساق العام. ويمكن أيضاً أن تُظهر تفاصيل محددة ستجعل قصتك نابضة بالحياة وخالدة.
بناءً على طريقة الأسئلة السبعة التقليدية (من وما وماذا وأين ومتى ولماذا وكيف وكم)، نوصي بطرح الأسئلة التالية حول شركتك ومنافسيك. ستساعدك الأسئلة الموجودة في العمود الأيمن على جمع ملاحظات بناءً على السياق الواقعي الذي حددته بالفعل. وستساعدك الأسئلة الموجودة في العمود الأوسط على فهم قصتك، وستساعدك الأسئلة الموجودة على اليسار على تصور المستقبل. يمكن بعد ذلك دمج إجاباتك لتثمر عن قصة هادفة للاستراتيجية وجاهزة لاتخاذ إجراءات بناءً عليها، مثل السيناريو.
تأليف قصة الاستراتيجية
طرح الأسئلة التالية حول شركتك ومنافسيك سيضمن أن تكون عملية صنع الاستراتيجية منظمة (ما يُعد ضرورياً لضمان الدقة والاتساق) مع السماح في الوقت نفسه بالاستكشاف (وهو أمر بالغ الأهمية للابتكار). ستساعدك الأسئلة الموجودة في العمود الأيمن على جمع ملاحظات بناءً على السياق الواقعي الذي حددته بالفعل. وستساعدك الأسئلة الموجودة في العمود الأوسط على فهم قصتك، وستساعدك الأسئلة الموجودة على اليسار على تصور المستقبل.
الملاحظة | الفهم | الرؤية المستقبلية | |
---|---|---|---|
العرض | الملاحظة ما الأنشطة التي نقوم بها؟ ما الأصول التي نستخدمها؟ | الفهم ما الذي يميز أنشطتنا وأصولنا؟ ماذا يمكن أن يعني هذا التميز فيما يتعلق بخلق قيمة في المستقبل؟ | الرؤية المستقبلية كيف يمكن أن تتغير الأنشطة والأصول؟ |
الطلب | الملاحظة مَن هم عملاؤنا؟ أين هم؟ | الفهم ما الذي يميز عملاءنا؟ ماذا يمكن أن يعني هذا التميز فيما يتعلق بخلق قيمة في المستقبل؟ | الرؤية المستقبلية كيف سيتغير سلوك العميل و/أو المواقع؟ |
العلاقة بين العرض والطلب | الملاحظة كيف نَمَت إيراداتنا؟ متى تغيرت إيراداتنا؟ ما التغييرات في العرض والطلب التي تسببت في ذلك؟ ما الذي أدى إلى هذه التغييرات في العرض والطلب؟ | الفهم ما الذي يميز النمو في إيراداتنا والتغييرات في العرض والطلب ومحفزات هذه التغييرات؟ ماذا يمكن أن يعني هذا التميز فيما يتعلق بخلق قيمة في المستقبل؟ | الرؤية المستقبلية ماذا يمكن أن تعني هذه التغييرات للإيرادات المحتملة؟ متى يمكنها إحداث تغييرات في العرض والطلب؟ وما هي هذه التغييرات؟ كيف يمكن أن تتطور محفزات التغييرات في العرض والطلب؟ |
3. كتابة قصة استراتيجيتك
يجب أن تكون القصة ذات بداية ووسط ونهاية واضحين. وينطبق الأمر نفسه على الاستراتيجية؛ إذ يجب أن تحدد الماضي والحاضر والمستقبل. تُطبِّق استراتيجية جمعية الحفاظ على الحياة البرية ذلك بالضبط:
- الماضي: قتل الصيادون العام الماضي 35 ألف فيل للحصول على أنيابها.
- الحاضر: نواجه أزمة عنيفة.
- المستقبل: لدينا استراتيجية بسيطة من 3 عناصر لإنقاذ الأفيال: 1) أوقفوا القتل، 2) أوقفوا الاتجار، 3) أوقفوا الطلب.
ستساعدك إجاباتك عن أسئلة الملاحظة والفهم والرؤية المستقبلية على ربط الماضي والحاضر والمستقبل بقصة استراتيجيتك. وفي النهاية سيكون لديك سرد يبدأ بما تفعله الشركة، ويصف ما يجب تغييره، وينتهي بما ستفعله الشركة في المستقبل.
4. اختبار قصتك
لاختبار قصة استراتيجيتك، جربها على الجماهير الداخلية التي ستحتاج إلى فهمها وتنفيذها، وعلى الشركاء الخارجيين وأصحاب المصلحة الذين سيحتاجون إلى الموافقة عليها واعتمادها. توظف جمعية الحفاظ على الحياة البرية متخصصين في التواصل بدوام كامل لإدخال الاستراتيجية في قصص مخصصة لأصحاب المصلحة مع محتوى سمعي وبصري نابض بالحياة، واختبارها قبل إطلاقها.
احترس من المزالق الشائعة عن طريق الاستقصاء بصراحة عما يلي: هل هي سهلة الفهم؟ هل تجذب الانتباه؟ هل هي محفِّزة؟ هل تشير بوضوح إلى مَن يجب أن يقوم بكل دور؟
5. رواية القصة
الخطوة الأخيرة هي تجهيز القصة لروايتها، واختزالها إلى جوهرها الأساسي، مع الاحتفاظ بالتفاصيل الضرورية وتقديم حجة مقنعة لاتخاذ إجراءات.
أطلقت جمعية الحفاظ على الحياة البرية حملتها بحزم لأصحاب المصلحة وكانت فعالة في الضغط على الحكومات لسن تشريعات ضد الاتجار بالعاج، ودعّمتها بحملة عامة بارزة للتوعية وجمع التبرعات.
اسأل نفسك عما إذا كانت استراتيجية شركتك ستُفهَم في غضون 5 دقائق أو أقل. فكر فيما إذا كان يمكن اختزال الأشياء التي تركز عليها إلى عدد قليل من القضايا المحورية، والتخلي عن بعض الشمولية التي تتسم بها استراتيجيات عديدة. حدد ما إذا كان يتم فهمها فقط، أم يتم أيضاً حفظها وتقدير قيمتها كدليل لكل فرد سيتم تكليفه بالتنفيذ. اروِ قصة الاستراتيجية وناقشها على نحو متكرر، وليس مرة واحدة فقط في السنة.
أفضل طريقة للربط بين السياق والقصد في عملية صنع الاستراتيجية هي من خلال القصص لأنها تجعلنا نفهم ونهتم. فالقصص المروية بشكل جيد تجعل الراوي والمستمع أكثر حكمة. من خلال القصص يتم تحويل الحقائق والمعلومات إلى نموذج ذهني مشترك لكيفية عمل الشركة ووجهتها. ومعرفة كيفية بناء قصة الاستراتيجية كنموذج ذهني مشترك وقابل للتطور، لن يحسن التنفيذ فحسب، بل سيرفع أيضاً معدل التعلم بالشركة بشكل كبير، ما يمكن أن يكون مصدراً رئيسياً للميزة التنافسية في عالم اليوم الذي يسير بخطى سريعة.