فن لفت الانتباه: كيف تصوغ إعلاناً جذاباً في زمن التشتت الرقمي؟

5 دقيقة
فعالية الإعلانات
باتريشيا ماروكوين/غيتي إميدجيز

في اقتصاد جذب الانتباه السائد اليوم، يجب أن تتنافس الرسائل الإعلانية مع عدد متزايد من العناصر التي تجذب الانتباه لكي يلاحظها المستهلكون. قال توماس إليوت إن البشر "يشتتهم التشتيت عن التشتت". من الشائع أن يتصفح البشر البريد الإلكتروني أو يرفعوا المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أو يمارسوا ألعاب الفيديو على هواتفهم في أثناء تفاعلهم مع أوساط الحياة الواقعية (مثل العروض العامة أو التجمعات).

يحاول المعلنون التغلب على هذه المشتتات عادة من خلال عرض إعلانات منبثقة على تطبيقات الهاتف المحمول تكون مخصصة للمستخدم على نحو فوري وفقاً لنشاطه أو مكانه أو ظروف استخدامه للتطبيق، قد يشمل ذلك الإعلانات المستندة إلى الموقع الجغرافي التي تعتمد على بيانات نظام تحديد المواقع العالمي الخاصة بالمستهلك، بالإضافة إلى تقنيات مثل توجيه الإعلانات بناءً على تتبّع المستخدم عبر أجهزته المختلفة والإعلانات المبرمجة التي تُعرَض تلقائياً اعتماداً على تحليل سلوك المستخدم في الوقت الفعلي. لكن هل هذه الآليات ناجحة فعلاً في بيئات يكون فيها الانتباه مشتتاً جداً؟

يشير علم النفس التقليدي إلى أن الإجابة هي لا؛ فوفقاً لنظرية التداخل الناتج عن المهام المزدوجة (DTI)، يتراجع أداء الفرد عندما يعمل على عدة مهام في آن معاً. تشير هذه النظرية في جوهرها إلى التزاحم المعرفي الذي يحدث عندما يضطر الفرد لأداء مهمتين في الوقت نفسه فتتزاحمان على موارده الذهنية المحدودة. بالنسبة للمستهلك الذي يوزع انتباهه على مهام متعددة في العالمين الافتراضي والواقعي معاً، قد تُمثل الإعلانات المخصصة عبر الإنترنت عبئاً إضافياً، ما قد يفاقم مشكلة التداخل الناتج عن المهام المزدوجة.

مع ذلك، يبين بحثنا الجديد أنه في عالم "الواقع المعزز" اليوم، الموضوع ليس بهذه البساطة دائماً. فهناك أنواع معينة من الإعلانات قد يكون المستهلك المشتت مثالياً لتلقيها.

ورقتنا البحثية (الخاضعة لمراجعة الأقران) التي ستنشرها قريباً مجلة إم آي إس كوارترلي (MIS Quarterly) هي أول ورقة بحثية تختبر نظريات التداخل الناتج عن المهام المزدوجة والإعلانات المنبثقة في وسط شبه واقعي. طوّرنا تطبيقاً مخصصاً يستطيع المشاركون في البحث استخدامه لممارسة لعبة الجناس اللغوي (إعادة ترتيب الأحرف لتشكيل الكلمات) على جهاز محمول يعرض إعلانات منبثقة من حين لآخر. في الوقت نفسه، طلبنا من المشاركين مشاهدة مقطع مدته نحو 14 دقيقة لمباراة في دوري كرة القدم الأميركية على التلفاز. وأبلغنا المشاركين، وعددهم نحو 600 مشارك موزعين في 3 دراسات، أننا سنقيّم أداءهم لاحقاً بناءً على عدد الكلمات التي شكّلوها وعلى مقدار المعلومات التي يتذكرونها عن المباراة. في نهاية كل دراسة، اختبرنا قدرة المشاركين على تذكّر الإعلانات التي تلقوها، وذلك دون علمهم. وكانت النتائج مفاجئة.

ارتبط ازدياد التفاعل مع اللعبة ارتباطاً إيجابياً مع تذكّر الإعلانات بدلاً من أن يخفض قدرة المشاركين على التذكّر. في هذا السياق على الأقل، لم تكن الطاقة الذهنية المتاحة لدى المشاركين محدودة جداً؛ إذ يبدو أن الانخراط الأكبر في اللعبة ولّد طاقة ذهنية إضافية استخدمها المشاركون لملاحظة الإعلانات المنبثقة أيضاً.

تتعارض هذه النتيجة مع نتائج الأبحاث التي أجراها الباحثون على مدى عقود، التي تعتمد على نظرية التداخل الناتج عن المهام المزدوجة التي تنص على أن التعرض للمزيد من العناصر التي تجذب الاهتمام خاصة التي تقاطع نشاطات أخرى، يضعف الانتباه والتذكر. ينبع هذا التعارض من اختلاف رئيسي في السياق؛ إذ يجري العلماء أغلبية الدراسات حول التداخل الناتج عن المهام المزدوجة في ظروف مخبرية ثابتة ومضبوطة، حيث تكون المهام معزولة بإحكام، في حين أننا وضعنا المشاركين في دراستنا ضمن بيئة غنية بالوسائط وشبه واقعية تعكس طرق تفاعل البشر مع التكنولوجيا اليوم بدقة أكبر، ووجدنا أن الدماغ لا يقسّم الانتباه بين المهام في هذه الظروف الديناميكية، بل يمكنه تعزيزه انتقائياً عندما تكون المهام مترابطة ضمن السياق نفسه. (شرحنا هذا التمييز بعمق أكبر في ورقتنا البحثية).

التفسير الأفضل لهذه الظاهرة التي تبدو مناقضة للمنطق هو ما يسميه الباحثون النفسيون "التلقائية" (automaticity)، وهي حالة يؤدي فيها الدماغ وظائفه على نحو آلي بدلاً من الاستفادة من قدرته المحدودة لمعالجة المعلومات كما يفعل عادة. تشير دراستنا إلى أنه عندما يركز الفرد كثيراً على مهمة "مشتتة للانتباه" مثل ممارسة لعبة على الهاتف في أثناء مشاهدة التلفاز، ثم تتعرض هذه المهمة للمقاطعة، فإن التلقائية تُؤدي إلى معالجة الدماغ للمهمة والمقاطعة على أنهما حدث واحد.

هذا يعني أن التلقائية تجعل من "المشتتات" مثل الألعاب عبر الإنترنت وتطبيقات المراسلة ومقاطع الفيديو في موقع يوتيوب فرصة ثمينة للمسوقين. ضمن هذه السياقات، يمكن زيادة فعالية الرسائل التسويقية بالاستفادة من انخراط المستهلك الحالي. تعيد هذه الرؤية صياغة فهمنا لتعدد المهام وإعلانات الهاتف المحمول؛ فالمشتتات لا تشتت الانتباه دائماً، بل يمكن أن تولد زخماً يعزز فعالية الإعلانات.

بعد ذلك، اختبرنا في دراساتنا إعدادات مختلفة للشاشات؛ إذ عرضنا في إحداها عناصر جذب الانتباه الثلاثة جميعها على شاشة واحدة مقسمة (مقطعاً من المباراة ولعبة الجناس والإعلانات المنبثقة). كانت نسبة الانخراط الإضافي، التي قسناها من خلال معدل تذكّر الإعلانات المنبثقة بين المشاركين، أكبر بنسبة 11.4% مقارنة بعرض كل عنصر في شاشة مستقلة، لأن المشاركين لم يضطروا إلى توزيع انتباههم بين شاشتين مختلفتين.

افترضنا أن البيئة الافتراضية أو المادية التي تكون فيها العناصر الجاذبة للانتباه بعضها أقرب إلى بعض هي بيئة أكثر ملاءمة للإعلانات المنبثقة التي تقاطع النشاط الأساسي، وأطلقنا على هذه البيئة اسم "البيئة المتقاربة العناصر" في ورقتنا البحثية.

غيّرنا أيضاً نوع الإعلانات المعروضة. كان معدل تذكّر المشاركين للإعلانات المنبثقة أعلى بنسبة 29.9% عندما أبرزت الإعلانات موضوع جذب الانتباه الرئيسي (أي عندما كانت تعرض لاعبي كرة القدم ومعدّاتها)، مقارنة بالإعلانات العشوائية التي لا علاقة علنية لها باتحاد كرة القدم الأميركي. استنتجنا أن التوافق مع البيئة المحيطة يساعد على إيصال الرسائل الإعلانية الفعّالة في الإعلانات المنبثقة على تطبيقات الهواتف المحمولة.

كان التوقيت من العوامل المهمة أيضاً. عندما ظهرت الإعلانات في لحظات أقل حماساً في بيئة أوسع؛ أي بالتزامن مع المقاطع المُعادة أو تعليقات المذيعين بدلاً من اللحظات الأكثر حماساً بالنسبة للمشاركين، كانت معدلات التذكّر أعلى بنسبة 12.85-16.2%.

أخيراً، اكتشفنا أدلة تبين أن التلقائية زادت بمرور الوقت والتعرض المتكرر للإعلانات، أي أن الزمن الذي احتاج إليه المشاركون لتذكر الإعلانات التي عُرضت في السلسلة على النحو الصحيح كان أقل، خاصة إذا شاهدوا الإعلان نفسه أكثر من مرة. تتناقض هذه النتيجة مع نتائج الدراسات السابقة التي تبين أنه كلما زاد التعرض للمحتوى غير ذي الصلة، زاد احتمال تجاهله. يبدو أن التلقائية تعاكس هذه القاعدة، ما يشير إلى أن التعرض للمزيد من الإعلانات المنبثقة المقاطِعة يزيد فعالية الإعلانات. بطبيعة الحال ستنخفض قدرة المشاهدين على الانتباه للإعلانات بعد حد معين من التكرار، لكن إذا انتقى المسوقون اللحظات بعناية، فقد يلاحظون أن المقاطعات المتكررة فعالة أكثر من عرض الإعلان المنبثق مرة واحدة فقط.

رفع فعالية الإعلانات

تشكّل نتائجنا مجتمعةً إطار عمل قد يساعد العلامات التجارية على زيادة احتمال إيصال رسائلها الإعلانية عبر الهواتف المحمولة، ما يتيح لها عرض عدد أقل من الإعلانات المنبثقة بفعالية أعلى. نعتقد أن هذا النهج مربح لكل من الشركات ومستخدمي الإنترنت، ونقترح في بحثنا على المعلنين عبر الإنترنت ما يلي:

السعي للوصول إلى المستهلكين المشتتين في البيئات المتقاربة العناصر.

تستطيع الشركات التي تستخدم الإعلانات المستندة إلى الموقع الجغرافي الانتظار حتى يدخل المستهلكون المتاجر لعرض الإعلانات المنبثقة بدلاً من عرضها عندما يكون المستهلك في موقف السيارات أو بعيداً عن المتجر.

تخصيص الإعلانات المنبثقة بحسب البيئة المحيطة من خلال تقديم محتوى متوافق في اللحظات المناسبة.

على سبيل المثال، يمكن عرض محتوى مخصص لمحبي المغنية تايلور سويفت لمشاهدي حفلتها الموسيقية في فترة تغيير الأزياء أو قبل الفقرة الإضافية (سواءً كانوا يشاهدون البث المباشر للحفلة على التلفاز أو يحضرونها شخصياً).

على نطاق أوسع، تتعارض النتائج التي توصلنا إليها مع الفكرة التي تنص على أن انتباه الإنسان مورد محدود. في البيئات الديناميكية التي تتعدد فيها عناصر جذب الانتباه، قد يعزز التشتت فعالية الإعلانات المنبثقة بدلاً من أن يخفضها إذا كانت معروضة بذكاء وفي التوقيت المناسب ومتوافقة مع تجربة المستخدم الحالية. هذه الإعلانات قابلة لإعادة الاستخدام أيضاً؛ إذ إن المستهلكين المشتتين يشعرون بالإرهاق بسرعة أقل. هذا درس مهم بالنسبة للمسوقين؛ ففي عالمنا المليء بالمشتتات، قد يكون الاعتماد على الإعلانات التي تقاطع النشاطات الرقمية هو الاستراتيجية المناسبة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي