يتناول باستيان بيرغمان في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان "اضغط على زر التشغيل: لماذا تحتاج الشركات إلى استراتيجية الألعاب؟" (هارفارد بزنس ريفيو برس، 2025)، كيف تستخدم الشركات ذات الاستراتيجيات البعيدة النظر الألعاب لكسب العملاء. فيما يلي مقتطف من هذا الكتاب.
عندما طرحت شركة بربري على شركة ميثيكال غيمز، وهي مبتكرة لعبة بلانكوس بلوك بارتي الشهيرة المعتمدة على البلوك تشين، تقديم خط الأزياء الجديد الخاص بها من خلال شخصيات فريدة داخل اللعبة، ظن فريق ميثيكال غيمز الذي يقوده المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة، جون ليندن، أن العرض مجرد مزحة. لكن بربري كانت جادة؛ إذ إنها أرادت كسب جمهور رقمي جديد له توقعات وسلوكيات مختلفة جداً في التسوق. درس خبراء الشركة الطرح جيداً؛ إذ بينت أبحاثهم حول توجهات المستهلكين العالمية أن المستهلكين المستهدفين لا يتسوقون فحسب، بل يتفاعلون مع العلامات التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي ويلعبون ألعاب الفيديو ويمنحون الأولوية للتجارب الممتعة بدلاً من السلع المادية. كان تخصيص منتجات الشركة ضرورة قصوى.
مثلت لعبة بلانكوس بلوك بارتي المنصة المثالية بسبب تنسيقها القائم على العالم المفتوح والبلوك تشين. يستطيع اللاعبون امتلاك دمى بلاستيك الفينيل الرقمية المعروفة باسم "بلانكوس" وتصميمها وشراءها وبيعها وتعديلها. هذه الدمى قابلة للتخصيص ولها تصميمات وقدرات فريدة من نوعها مستوحاة من الثقافة الشعبية والأنماط الفنية المختلفة.
هدفت بربري إلى إدخال اللاعبين في تجربة نموذجية لمنتجاتها داخل اللعبة. ابتكر الفريق شخصية جديدة باسم "شاركي بي" يستطيع اللاعبون شراءها وتمثيل أنفسهم بها افتراضياً، وإضفاء الطابع الشخصي على هذه الشخصية باستخدام تمثيلات افتراضية لملابس مجموعة صيف 2021 الخاصة بالشركة، ما يخلق مزيجاً بين مجالي الموضة الراقية واللعب الرقمي. طرحت الشركتان الإصدار المحدود للشخصية (إذ أتاحتاها لـ 750 لاعباً فقط) مع إكسسوارات مثل الحقائب النفاثة والأحذية وأربطة الأذرع بعد شهرين فقط من بدء الشراكة، وتمكنتا من بيع المجموعة بأكملها خلال 22 ثانية بسعر 299.99 دولاراً لكل دمية. كان السعر مرتفعاً مقارنة بمتوسط تكلفة العناصر داخل اللعبة، لكن ذلك لم يمنع اللاعبين من الشراء. يبين ارتفاع السعر أن الشخصية حصرية وتوفر تجربة متميزة، وشراؤها يمنح الفرصة للانتماء إلى مجموعة مميزة من اللاعبين، وهذا ما تبينه منتجات شركة بربري الحقيقية عن الذين يشترونها. بعد أقل من دقيقة واحدة من بدء رحلة بربري في عالم ألعاب الفيديو، حققت الشركة إيرادات بلغت 225 ألف دولار أميركي.
الأهم من ذلك هو أن بربري كسبت جمهوراً رقمياً جديداً وحافظت على أصالتها في الوقت نفسه. بصرف النظر عن الأرباح، خلقت بربري لنفسها فرصاً تجارية جديدة تدعم مساعيها المستقبلية.
بالمثل، يحاول العديد من الشركات اليوم تلبية توقعات المستهلكين التي تتغير كثيراً. يرغب الناس بخوض التجارب الممتعة أكثر من الحصول على السلع والخدمات، وذلك لأن القيمة التي يحصلون عليها من هذه التجارب تدوم طويلاً بعد استهلاك السلع أو الاستفادة من الخدمات.
تبين الأبحاث أن 80% من العملاء أكثر عرضة لشراء ما تقدمه الشركات عندما توفر هذه الأخيرة تجارب مخصصة وغامرة بشدة، بينما يتوقع 64% من العملاء أن تستجيب الشركات التي تقدم هذه التجارب لأسئلتهم وطلباتهم فورياً. تظهر البيانات بما لا يدع مجالاً للشك أن الأشكال التقليدية لوسائل الإعلام وآليات تعزيز اندماج المستهلكين، أي تلك التي تعتمد على قواعد التسويق المجربة والمثبتة، لا تلبي هذه الرغبات. بينما انخفض المعدل اليومي لمشاهدة البرامج التلفزيونية بنسبة 21% بين عامي 2020 و2024، من المتوقع أن استهلاك الوسائط الرقمية سيزداد بنسبة 28% بين عامي 2020 و2026. العامل المحفز الرئيسي لاتساع هذه الفجوة هو ألعاب الفيديو.
الانتشار الواسع لألعاب الفيديو
يمثل الـ 3.3 مليارات شخص الذين لعبوا ألعاب الفيديو يومياً تقريباً عام 2024 نحو 60% من سكان العالم القادرين على الاتصال بالإنترنت. ما يبينه ذلك هو أن ألعاب الفيديو هي منصات ووسائل تكنولوجية لا مثيل لها من حيث قدرتها على الانتشار.
حتى لو لم تكن من هواة ألعاب الفيديو، من المرجح أنك تتفاعل معها على نحو متكرر على أي حال. على سبيل المثال، لا تصف زوجتي نفسها بأنها من هواة الألعاب، لكنها تلعب لعبة الألغاز "2048" في هاتفها على نحو متكرر، كما أنها تحب باقة ألعاب نيويورك تايمز، وهي السبب الرئيسي لنجاح الصحيفة في زيادة إيراداتها الرقمية في الوقت الذي شهد فيه قطاع النشر فترة عصيبة. من المرجح أن أطفالك يلعبون بعض ألعاب الفيديو بصحبة أصدقائهم، وربما تحب أنت أو شريكك لعبة "ووردل". ربما يحاول شخص يجلس بجانبك في الحافلة مطابقة العناصر بحماس لجمع الأحجار الكريمة الملونة (يلعب نحو 270 مليون شخص لعبة "كاندي كراش ساغا" مرة واحدة على الأقل شهرياً).
يلعب والد زوجتي البالغ من العمر 65 عاماً لعبة رويال ماتش بضع دقائق في كل حفل عشاء. التقيت أنا وزملائي مؤخراً بمديرة تنفيذية في شركة تأمين كبيرة في أحد المؤتمرات، وقالت بكل ثقة إنها ليست من هواة الألعاب، لكن زميلها سألها مباشرة عن عدد المرات التي تلعب فيها لعبة "سكرابل غو". انتبه للآخرين في المكتب أو في الاجتماعات العائلية أو في الأماكن العامة، وستلاحظ أن الجميع يلعب الألعاب.
الفكرة الخاطئة المنتشرة عن هواة الألعاب، التي تصورهم على أنهم يعانون الوحدة ويجلسون أمام التلفاز في أقبية منازلهم، هي فكرة عفا عليها الزمن وغير دقيقة مطلقاً، ولا يرجع ذلك فقط إلى أن الناس يلعبون الألعاب بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو الديموغرافية، فقد بدأت الألعاب بالانتشار في مختلف السياقات اليومية، إذا كنت تشاهد نتفليكس أو آبل تي في +، من المرجح أن هذه المواقع دعتك لممارسة الألعاب التي هي بمثابة امتداد طبيعي لعروض المحتوى التقليدية. إنستغرام ليس لعبة، ولكنه يؤدي وظيفة لعبة في جوهره، وهذا أحد أهم أسباب نجاحه الكبير.
ينطبق الأمر نفسه على تطبيق دوولينغو الشهير لتعلم اللغة. إذا كنت تحسن مهاراتك في لغة أجنبية لسبب ما، ربما لاحظت أن استخدام هذا التطبيق يشبه ممارسة لعبة. مؤخراً، تعمقت الشركة أكثر في مجال الألعاب بعد استحواذها على استوديو نيكست بيت لألعاب الهاتف المحمول بهدف تقديم دروس الموسيقى للمستخدمين عبر لعبة مخصصة للهاتف.
تدخل العلامات التجارية الكبرى والشركات والمؤسسات غير الربحية مجال الألعاب وتستخدم استراتيجيات مختلفة للتكيف مع التغيرات الهائلة في توقعات المستهلكين وآليات تعزيز اندماجهم. إليك بعض الأمثلة:
- أصدرت ماستركارد بطاقات ائتمان بطابع لعبة ليغ أوف ليجندز تسمح للاعبين باسترداد عروض استعادة النقود داخل اللعبة وكسب الحسومات الخاصة.
- أضافت لوي فويتون حقيبة اليد الشهيرة التي أصدرتها إلى لعبة ليغ أوف ليجندز أيضاً على شكل خزانة كؤوس.
- طرحت شركة ماونتن ديو مشروباً غازياً موجهاً خصيصاً لهواة الألعاب وأعلنت عنه في لعبة كول أوف ديوتي.
- طرحت شركة بالينسياغا مجموعة أزيائها الأحدث افتراضياً في لعبة فورتنايت قبل تقديمها الأول في منصات العرض في ميلانو وباريس ونيويورك.
- من خلال بيع العناصر في ألعاب مثل ببجي وسبونج بوب وغيرهما، تمكنت وكالة دبليو آر تي آتش واي ومؤسسة إليانور كروك من توفير العلاج للأطفال الذين يعانون سوء التغذية في أقل من 26 ساعة على مدى 10 آلاف يوم.
- أتاحت شركة بيلوتون لعملائها ممارسة لعبة فيديو لسباق الدراجات بينما يحرقون السعرات الحرارية باستخدام أجهزتها، ما سيساعدها على تحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح منصة لياقة بدنية غامرة ومتصلة بالإنترنت.
تبين جدية هذه الشركات في دخول عالم ألعاب الفيديو أن ممارسة الألعاب هي نشاط لا تقتصر فوائده على التسلية. الفوائد التي تستطيع هذه الشركات جنيها كبيرة، وهي فوائد ربما يستطيع العملاء جنيها أيضاً. تمكنك الألعاب من توسيع نطاق الجهود الهادفة لتعزيز اندماج العملاء بسرعة وعلى مستوى العالم، كما أنها تتيح لك الوصول إلى ملايين المستهلكين من خلال نقطة تواصل مخصصة يمكنك التحكم فيها بما يضمن أنها تمثل علامتك وتتوافق مع أهدافك. لا توجد قناة أخرى تمكنك من ذلك، وهذا يشمل وسائل التواصل الاجتماعي.
أين تكمن فعالية استراتيجية الألعاب؟
سيكون تفاعل العملاء مع علامتك التجارية والمحتوى والمنتجات التي تقدمها عبر الألعاب أعلى بكثير مقارنة بتفاعلهم عبر موقعك الإلكتروني، فضلاً عن نقاط التواصل خارج شبكة الإنترنت. يمكن أن يكون هذا التفاعل مستمراً، ما يضمن أن ما تقدمه هو أول ما يخطر على بال العملاء المعاصرين خلال رحلتهم. تساعد الألعاب شركتك على الانخراط في مجتمعات جديدة والتفاعل مع العملاء على نحو مستمر وفي الوقت الحقيقي، كما أنها تساعدك على تطوير هوية أشد أثراً لعلامتك التجارية وتعزيز ولاء العملاء لها. على سبيل المثال، 86% من المستهلكين الذين اشتروا عنصراً افتراضياً داخل ألعاب الفيديو اشتروا العنصر المادي المقابل أيضاً.
تمكنك الألعاب أيضاً من جمع البيانات والحصول على الرؤى المهمة جداً وواسعة النطاق من جمهورك المستهدف، ما يخفض المخاطر وتكاليف البحث والتطوير ويزيد الإيرادات في الوقت نفسه.
هذه الفوائد هي من الأسباب الرئيسية التي دفعت شركة مايكروسوفت للالتزام باستراتيجية الألعاب الخاصة بها من خلال الاستحواذ على شركة أكتيفيجن بليزارد لقاء 68.7 مليار دولار عام 2023، وهي أكبر عملية استحواذ في تاريخ الشركة. ألعاب الفيديو هي نقاط التواصل الأهم مع المستهلكين في القرن الحادي والعشرين، وهي تدفع الشركات إلى إعادة تصور النهج التي تتبعها في تقديم مجموعة متنوعة من الخدمات.
قال الرئيس والمدير التنفيذي السابق لشركة باي بال، دان شولمان: "يلعب الناس ألعاب الفيديو يومياً، كما أنهم يدفعون المبالغ المالية عدة مرات في اليوم. لكنهم يستخدمون باي بال بضع مرات فقط في الأسبوع. هل هناك ما يمكن أن نتعلمه من ألعاب الفيديو ونطبقه في مجال المدفوعات؟" أعتقد أن القطاعات والشركات على اختلافها تستطيع الاستفادة من الألعاب بهذه الطريقة، سواء كانت من العلامات التجارية المبيعة إلى المستهلكين والدائمة التغير أم شركات التعامل التجاري بين الشركات التقليدية.