ملخص: أجرينا دراسة استقصائية شارك فيها 669 مديراً في مستويات مختلفة من عشرات الشركات في العالم بهدف تقييم وعي المدراء المعاصرين لأهمية التقدم اليومي في العمل، وسألنا فيها عن الأدوات الإدارية التي تؤثر في دافعية الموظفين وعواطفهم. قام المشاركون في الاستقصاء بتقييم 5 أدوات بحسب أهميتها، وهي دعم الموظف من أجل إحراز تقدم في العمل وتقدير العمل الجيد وتقديم الحوافز وتقديم الدعم الشخصي وتحديد الأهداف الواضحة.
بإمكاننا شرح الخطوات العديدة (وغير المفاجئة على الإطلاق) التي تحفّز تقدم الموظفين وتعزز روحهم المعنوية؛ لكن لعلّنا نفيدكم أكثر بطرح مثال عن مدير يتّبع هذه الخطوات على الدوام، ثم اقتراح وسيلة بسيطة تساعد أي مدير لاتّباعها أيضاً.
مديرنا النموذجي هو إبراهيم الذي راقبنا عمله في قيادة فريق صغير من المهندسين الكيميائيين في شركة أوربية متعددة الجنسيات، ولنسمها "كروغر-برن" (Kruger-Bern). كان الفريق يعمل على مشروع بعنوان "نيو بولي" (New Poly) له مهمة واضحة وهادفة بدرجة كافية تتمثل في تطوير مادة بوليمر آمنة وقابلة للتحلل الحيوي لتحلّ محل البتروكيماويات في مستحضرات التجميل ثم في مجموعة واسعة من المنتجات الاستهلاكية لاحقاً. لكن كما هو الحال في كثير من الشركات الكبيرة فقد كان المشروع قائماً ضمن بيئة مؤسسية مربكة وخطيرة أحياناً تغيّر الإدارة العليا فيها أولوياتها باستمرار وترسل إشارات متضاربة وتتردد في التزاماتها. كانت الموارد شحيحة إلى درجة مزعجة، وكان انعدام اليقين يلقي ثقله على مستقبل المشروع والمسار المهني لكل أفراد الفريق، وكي تزداد الأمور سوءاً واجهنا مشكلة في بداية المشروع حين أبدى أحد الزبائن المهمين رد فعل غاضباً على إحدى العينات ما أصاب الفريق بالاضطراب. ومع ذلك كان إبراهيم قادراً على تعزيز حياة أعضاء الفريق الداخلية في العمل بإزالة العقبات بصورة واضحة مرة تلو الأخرى ودعم التقدم مادياً وأفراد الفريق عاطفياً.
قائمة التحقق اليومي
مع حلول نهاية كل يوم عمل، استخدم قائمة المراجعة هذه لمراجعة أحداث اليوم ووضع خطة لما سوف تفعله في اليوم التالي على اعتبارك مديراً، وبعد أيام قليلة ستصبح قادراً على تحديد المشكلات بإلقاء نظرة سريعة على الكلمات المفتاحية الرئيسة.
- أولاً، ركز على ما شهدته من تقدم وعثرات وتمعَّن في الأحداث التي ساهمَت فيها (محفزات أو معززات أو مثبطات أو مسممات).
- ثانياً، فكر في الإشارات الواضحة للحياة الداخلية في العمل والمعلومات الإضافية التي توفرها عن التقدم والأحداث الأخرى في العمل.
- وأخيراً، رتب الأولويات في الإجراءات التي ستتخذها، فأهم خطوة من مراجعتك اليومية هي وضع خطة العمل لليوم التالي وتحديد أفضل إجراء لتيسير إحراز التقدم.
تفوق إبراهيم في أسلوب إدارته بأربع طرائق.
أولاً، أسس مناخاً إيجابياً على نحو تدريجي وبالتالي رسّخ القواعد السلوكية لكامل الفريق، فمثلاً عندما هددت شكوى الزبون استمرار المشروع، عمل إبراهيم مع الفريق على الفور على تحليل المشكلة دون توجيه اتهامات مضادة وتطوير خطة من أجل إصلاح العلاقة مع الزبون، وكان بذلك نموذجاً يُحتذى به عن الاستجابة للأزمات في العمل؛ ليس بالذعر أو توجيه الاتهامات بل بتحديد المشكلات ومسبباتها، وتطوير خطة عمل منسقة. هذا الأسلوب عملي وله أثر رائع إذ يمنح المرؤوسين شعوراً بإحراز تقدم على الرغم من العثرات والإخفاقات التي لا بد من مواجهتها في أيّ مشروع معقد.
ثانياً، تمكن إبراهيم من متابعة نشاطات فريقه اليومية وما يحرزونه من تقدم عن كثب إلا أن ذلك حدث على نحو تلقائي نتيجة للمناخ الحيادي المتسامح الذي حرص على ترسيخه؛ إذ كان أعضاء الفريق يحرصون على مشاركته المستجدات حول العوائق التي يواجهونها والتقدم الذي يحرزونه والخطط التي يعزمون تنفيذها من دون أن يطلب ذلك. مثلاً في إحدى مراحل المشروع كان على أحد زملائه الأكثر اجتهاداً، براء، إيقاف تجربة على مادة جديدة لأنه لم يتمكن من ضبط المعايير على الجهاز كما يجب. كان ذلك سيئاً لأن فريق "نيو بولي" لا يستطيع استخدام الجهاز سوى مرة واحدة في الأسبوع فقط؛ إلا أن براء أخبر إبراهيم بما حدث على الفور. كتب براء ملاحظة في يومياته تلك الليلة: "لم يكن راضياً عن ضياع أسبوع كامل لكنه بدا متفهماً"، شجع إبراهيم بتفهمه أفراد فريقه على الاستمرار بمشاركته المعلومات اللازمة على النحو الذي يتيح له منحهم ما يحتاجون إليه لإحراز التقدم.
ثالثاً، وجّه إبراهيم دعمه بما يتوافق مع الأحداث الجارية في الفريق والمشروع، وتمكن بصورة يومية من توقع الإجراء التدخلي المناسب الذي سيوقع أكبر أثر في الحياة الداخلية في العمل لأعضاء الفريق والتقدم الذي يحرزونه، سواء تمثل في توفير عامل محرض محفز أو إزالة عامل مثبط، أو توفير عامل معزز أو معالجة عامل سام، وإذا لم يتمكن من توقع التدخل كان يطلب مشورة أفراد الفريق. لم يكن تحديد الإجراء التدخلي المناسب صعباً عليه غالباً، فمثلاً في اليوم الذي وصلته فيه بعض الأخبار المبهجة عن تمسّك رؤسائه بالمشروع. كان يعرف أن فريقه مذعور من عملية إعادة الهيكلة التي تنتشر الشائعات عنها في الشركة، وعلم أن هذا التشجيع سيكون مفيداً. ومع أن الخبر أتاه في يوم العطلة إلا أنه سارع لنقل الأخبار السارّة للفريق.
أخيراً، أثبت إبراهيم أنه بإمكان أفراد فريقه الاعتماد عليه باعتباره مرجعاً لا مديراً تفصيلياً؛ إذ كان يحرص على أن تبدو متابعته لأفراد فريقه تفقداً لأحوالهم لا مراقبة لعملهم، وعلى الرغم من أن الأمرين يبدوان متماثلين في الظاهر، فالمدير التفصيلي يرتكب أربعة أخطاء:
- أولاً، لا يتيح لموظفيه الاستقلالية في تنفيذ العمل ويملي عليهم كل تحركاتهم، على عكس إبراهيم الذي حدد لأفراد فريق مشروع "نيو بولي" هدفاً استراتيجياً واضحاً ولكنه احترم أفكارهم حول طرق تحقيقه.
- ثانياً، يسأل المدير التفصيلي مرؤوسيه عن عملهم باستمرار دون تقديم أي مساعدة حقيقية، في المقابل نرى أن إبراهيم كان يساعد أفراد فريقه في تحليل المشكلات التي يبلغونه عنها ويتقبل التفسيرات البديلة؛ ما يؤدي بالنتيجة إلى مساعدتهم على إعادة الأمور إلى مسارها.
- ثالثاً، يسارع المدير التفصيلي لإلقاء اللوم على الآخرين عند ظهور المشكلات؛ ما يدفع مرؤوسيه لإخفاء المشكلات بدلاً من مناقشة طرق التغلب عليها صراحة كما فعل إبراهيم مع براء.
- رابعاً، يميل المدير التفصيلي إلى كَنز المعلومات كما لو كانت سلاحاً سرياً، وذلك يوقع ضرراً كبيراً لا يدركه سوى القلة على الحياة الداخلية في العمل؛ إذ عندما يدرك الموظفون أن مديرهم يحجب عنهم معلومات قد تكون مفيدة فسيشعرون أنه يتعامل معهم كما لو كانوا أطفالاً، فتخبو دافعيتهم ويتعطل عملهم. ولذلك كان إبراهيم يحرص على إبلاغ أفراد فريقه بآراء فريق الإدارة العليا حول المشروع واحتياجات العملاء وآرائهم والمصادر المحتملة للدعم أو المقاومة ضمن المؤسسة أو خارجها.
تمكّن إبراهيم بكل هذه الطرق من تعزيز المشاعر الإيجابية والحوافز الذاتية والتصورات المؤيدة لدى أفراد الفريق، ولذا يمكن اعتبار سلوكه مثالاً قوياً عن قدرة أي مدير في أي مستوى على مواجهة كل يوم مع العزم على تعزيز التقدم.
من المؤكد أن كثيراً من المدراء مهما كانت نواياهم حسنة سيواجهون صعوبة في تأسيس هذه العادات التي تبدو طبيعية لدى إبراهيم، والوعي بأهميتها هو الخطوة الأولى طبعاً ولكن تحويل الوعي بأهمية الحياة الداخلية في العمل إلى عمل روتيني يتطلب انضباطاً. ولذلك وضعنا قائمة مراجعة يمكن للمدراء العودة إليها يومياً ( انظر "قائمة المراجعة اليومية للتقدم")، ويتمثل هدفها في توجيه عمل الإدارة نحو إحراز تقدم حقيقي يوماً بعد يوم.
حلقة التقدم
تحفّز الحياة الداخلية في العمل الأداء الجيد الذي يعتمد على التقدم المستمر ويعزز بدوره الحياة الداخلية في العمل، فيما يُشار إليه بـ "حلقة التقدم" لأنه يُظهر إمكانات الفوائد ذاتية التعزيز.
إذاً فأهم أثر لمبدأ التقدم هو أن دعم المدراء للموظفين وتقدمهم اليومي في العمل الهادف يؤدي إلى تحسين حياتهم الداخلية اليومية في العمل ورفع سوية أداء المؤسسة على المدى البعيد؛ ما يعزز بدوره الحياة الداخلية في العمل أكثر، وبطبيعة الحال ثمة جانب سلبي يتمثل في احتمال نشوء حلقات ملاحظات سلبية. أما إن فشل المدراء في دعم التقدم والموظفين الذين يسعون لتحقيقه فسوف تصبح حياتهم الداخلية في العمل سيئة وسيكون أداؤهم رديئاً فيقوض بالتالي حياتهم الداخلية في العمل أكثر.
سيتمكن المدراء بدعم التقدم في العمل الهادف، من تحسين كل من حياة الموظفين الداخلية في العمل وأداء المؤسسة على حد سواء.
الأثر الثاني لمبدأ التقدم هو أن المدير لن يقلق بشأن محاولة قراءة حالات موظفيه النفسية أو التلاعب بخطط الحوافز المعقدة من أجل ضمان الحفاظ على دافعية الموظفين وضمان سعادتهم؛،فما دام يبدي الاحترام والتقدير الأساسيين لهم سيتمكن من التركيز على دعم العمل نفسه.
إن كنت حريصاً على أن تكون مديراً فعالاً، فيجب أن تتعلم كيف تنشئ حلقة الملاحظات الإيجابية هذه، وهذا أمر قد يتطلب إجراء تغيير كبير. يركز كلّ من كليات الأعمال والكتب التخصصية في الأعمال والمدراء عادة إما على إدارة المؤسسات أو إدارة الأشخاص؛ لكن إدارة الأشخاص ولربما إدارة المؤسسة بأكملها ستصبح أسهل إذا وجهت تركيزك على إدارة التقدم. ليس عليك التوصل إلى طريقة لسبر أغوار حياة مرؤوسيك الداخلية في العمل؛ بل يكفيك أن تيسّر لهم إحراز تقدم مطّرد في عمل هادف وتبرز لهم هذا التقدم وتعاملهم بأسلوب يرضيهم كي تولّد لديهم المشاعر والدوافع والتصورات الضرورية كي يقدموا أداء ممتازاً وسوف يساهم عملهم المتقن في نجاح المؤسسة ككل، وأروع ما في الأمر هو أنهم سوف يحبون عملهم.