أجريت لقاءات مع 33 من كبار المدراء التنفيذيين وقادة صناعة النشر في أكثر من 30 دولة، وذلك في الفترة الممتدة من أغسطس/آب إلى أكتوبر/تشرين الأول 2020، دار خلالها الحديث حول تأثير الجائحة العالمية على صناعة النشر على المستوى الوطني. وقد شكلت نتائج المناقشات التي جرت بيننا أساس تقرير الاتحاد الدولي للناشرين الذي صدر تحت عنوان "من المواجهة إلى التعافي: تداعيات جائحة كوفيد-19 على صناعة النشر العالمية".
خلال الحديث مع الناشرين من جميع أنحاء العالم لدراسة وبحث تأثير الجائحة، سلّط الجميع تقريباً الضوء على أهمية التضامن من أجل الوصول للتعافي. ولذلك عندما بدأت أفكر في ترتيب أولوياتي كرئيسة قادمة للاتحاد الدولي للناشرين، وجدت أنه يجب أن يكون على رأس جدول أعمالي القيام بدعم اتحادات الناشرين من جهة والناشرين أنفسهم من جهة أخرى في التغلّب على تداعيات الجائحة والتعافي منها لنصبح أقوى مما كنا عليه من قبل.
وقد كانت إحدى مبادراتي الأولى بصفتي رئيسة للاتحاد الدولي للناشرين، ترجمة دعوات قادة صناعة النشر لتحويل التضامن إلى عملٍ ملموسٍ على أرض الواقع. وفي سبيل القيام بذلك قمت بتشكيل لجنة لقيادة استشارات واسعة النطاق في صناعة النشر للوقوف على التحديات الرئيسة التي تواجه الناشرين جراء الجائحة، ولإعداد وتقديم توصيات من مختلف المصادر المعنية بشأن كيفية المضي قدمًا.
وما يميّز هذه الاستشارات ويجعلها مختلفة عن غيرها هو الحرص على تضمينها مجموعة أوسع من عناصر نُظُم بيئة النشر — مثل المطابع، ومتاجر الكتب، والمكتبات، والمؤلفين، والمعلمين، وما إلى ذلك — بغرض البناء على قضية التضامن في الصناعة، وهو الأمر الذي تُحفزه الجائحة. وقد كان الإنجاز الأول للجنة هو "الميثاق الدولي لتعزيز استدامة ومرونة قطاع النشر" الذي يحظى بدعم عدد متزايد من أصحاب االعلاقة في عالم النشر كالتزام رمزي لمواصلة التعاون رفيع المستوى على مستوى الصناعة ككل، والذي تجلّى خلال الجائحة.
في الفترة الممتدة من يوليو/تموز إلى أغسطس/آب 2021، تحدثت شخصياً إلى أكثر من 50 من أصحاب المصلحة للحصول على موافقتهم على "الميثاق". والذي كان له بالغ الأثر لدى كل الشركاء، حيث حظيت مبادرتي بإشادة بالغة وترحيب من جانب أصحاب العلاقة الذين أكدوا أنها جاءت بالوقت المناسب وفي فترة كان الجميع بحاجة ماسة إليها. وفي الوقت الذي أواصل فيه هذه المناقشات، أردت التوقف لحظة للتفكير في بعض الموضوعات التي ظهرت خلال هذه المحادثات.
لا يمكننا العودة لما كنا عليه من قبل
يترجم الميثاق الدولي لتعزيز استدامة ومرونة قطاع النشر، كثيراً من المشاعر السائدة في صناعة النشر، والتي تنظر إلى أن الجائحة تُمثل لحظة فارقة للتغيير في الصناعة وأنها منحتنا وقتاً للتركيز على القيم والأهداف المشتركة. وبناءً على نتائج محادثاتي، تبيّن لي وجود اتفاق على نطاق واسع أن صناعة النشر لا يمكنها أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، وأن التعاون المُعزز عبر سلسلة قيمة النشر بأكملها هو أمر مطلوب لتنشيط الصناعة، وسد فجوة المصالح المتعارضة، واغتنام الفرص التي يوفرها التحول الرقمي المتسارع.
في حين أن العديد من الكيانات التي تحدثت إليها أخضعت نفسها لمراجعات تنظيمية داخلية، إلا أنني أيقنت أنها تتشارك — على نطاق واسع — في رؤية أهمية وجود نظام للنشر أكثر ترابطًا ويوفر مزيداً من التعاون. وفي الواقع يرى العديد من أصحاب العلاقة أن هذا الميثاق والخطة يمكن أن يكونا محفزين لبناء علاقة جديدة وأكثر عمقاً مع الاتحاد الدولي للناشرين. ولكن لسوء الحظ، كشفت حملة التواصل التي قمت بها أيضًا عن كيانات في سلسلة قيمة النشر تحتاج إلى تفاعل أفضل من قبل الناشرين.
حلول التحول الرقمي المؤقتة ستصبح دائمة
لقد حظي التحول الرقمي المتسارع باهتمام كبير، حيث يفكر قادة النشر في أنه سيُصبح الوضع الطبيعي الجديد لأنشطة النشر العالمي، ومن المرجح أن تؤدي هذه الاتجاهات إلى تغيير كبير في الأحداث الأدبية ونماذج الأعمال. ويبدو أن اعتماد الأحداث الأدبية على برامج المشاركة الفعلية قد أصبح شيئاً من الماضي، حيث تواصل معظم معارض الكتاب اعتماد البرامج الهجينة والرقمية لزيادة المشاركة — حتى بعد انحسار الجائحة.
كما أن هناك أيضاً إشارات أولية على أن الرقمنة التي نتجت عن الجائحة ستعطل نموذج أعمال النشر التقليدي من خلال تسريع أمور مثل اعتماد الطباعة عند الطلب فقط، وتقديم خدمات المعالجة عبر النسخ الورقية والوسائط الرقمية والصوتية والفيلمية. ولكن القرصنة الرقمية — التي تم تسليط الضوء عليها في تقرير الاتحاد الدولي للناشرين لعام 2020 — أصبحت أكثر وضوحاً كمشكلة تدفع أصحاب العلاقة في نظام النشر للنظر بحلول أكثر ابتكاراً مثل إدارة الحقوق الرقمية القائمة على تقنية "البلوك تشين".
التضامن يعني أكثر من مجرد التعاون في الفرص الرقمية
كشفت مناقشاتي مع أصحاب المصلحة حول الميثاق الدولي لتعزيز استدامة ومرونة قطاع النشر عن دعوات من صناعة النشر إلى تعميق التضامن بشكل يتجاوز الاستجابة لاتجاهات الرقمنة. حيث تنظر بيئة النشر إلى الجائحة على أنها حافز لزيادة التعاون في حل مشكلات الصناعة مثل تمكين الأصوات المهمشة وغير المسموعة، والتعاون بغرض التنوع والشمول، وإعادة النظر بالتعامل العادل بين المشاركين في سلسلة قيمة النشر — مثل إعادة ضبط العلاقة بين الناشرين والرسامين.
هناك أيضاً موضوع بالغ الأهمية ظهر في محادثاتي وهو مدى اختلاف رؤية مسارات التعافي والتوقعات بين الناشرين على مستوى العالم. ففي حين أن أسواق النشر في بعض البلدان — خاصة أسواق النشر المتقدمة التي حققت تدفقات لإيرادات متنوعة من البنية التحتية الرقمية القوية — قد تعافت تقريباً إلى مستويات مبيعات ما قبل الجائحة، إلا أن أسواق النشر الأخرى تواجه تحديات وجودية بالفعل. على سبيل المثال قيل لي إن 85% من الناشرين المصريين قد توقفوا عن العمل، وفي المكسيك أصبح 40% من الناشرين غير قادرين على تحمل تكاليف المشاركة في معرض "غوادالاخارا للكتاب". وبناءً عليه يحتاج زملاؤنا في هذه الأسواق التي تتراجع فيها معدلات التعافي إلى دعم عاجل عبر توضيح قيمة النشر لصانعي السياسات حتى يتمكنوا من طلب المزيد من المساعدة.
من الواضح بشكل لا يقبل الشك أن إحدى النتائج الأخرى للجائحة العالمية على النشر تتمثل في تضخيم التفاوتات القديمة بشكلٍ واضح — التأثير السلبي للجائحة على التنوع في المراجع، وعلى النشر باللغات الأصلية، وعلى الطلاب الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى خدمات إنترنت موثوقة. ومن الواضح أيضاً أنه من دون وجود تضامن متزايد سيكون هناك ازدواج لمسار التعافي في النشر ينتج عنه من يمتلك القدرة على التعافي ومن لا يمتلكها.
بالنسبة للعديد من المعنيين ببيئة النشر كانت الجائحة العالمية تعني أيضاً تحركاً نحو رأسمالية أصحاب المصلحة. ففي عالم تتسارع فيه التغييرات البيئية والاجتماعية والتغييرات في الحوكمة، أصبح المعنيون ببيئة النشر أكثر انخراطاً في كيفية معالجة صناعة النشر للتحديات المجتمعية الحرجة وكيفية زيادة دعم صناعة النشر للصناعات الأخرى على المستوى العالمي في الوقت ذاته. على سبيل المثال تعقد الرابطة الإسبانية لنقابات الناشرين حالياً مشاورات حول كيفية تطبيق استراتيجيات الاقتصاد الدائري في عالم النشر، وينظر اتحاد بائعي الكتب الأوروبي والدولي للجائحة كمحفز لإشراك الزملاء بإفريقيا في دعم التعافي بالبلدان التي تعرضت صناعة النشر فيها إلى ضربات موجعة.
وبشأن تطوير القوى العاملة لتصبح قادرة على التكيّف مع هذه التحديات الجديدة، أثيرت أهمية مبادرات تطوير المهارات المتعلّقة بصناعة النشر — مثل أكاديمية الاتحاد الدولي للناشرين — عدة مرات في مناقشاتي. حيث تبيّن وجود طلب قوي على مورد تدريب عالمي مركزي لدعم أصحاب المصلحة في بيئة النشر لبناء مهارات القوى العاملة الناشئة التي يتطلبها الوضع الطبيعي الجديد لصناعة النشر.
هل ترغب بالمساهمة في خطة الميثاق الدولي لتعزيز استدامة ومرونة قطاع النشر؟
مع استمرار النقص في الرؤى والبيانات حول كيفية تأثير الجائحة على النشر العالمي، فإن استشارات "الميثاق" هي آلية لاستمرار جهود الاتحاد الدولي للناشرين للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن التحديات الرئيسة التي تواجه النشر، وتطوير حلول عملية، وتحديد الشراكات المحتملة ومصادر التمويل لتنفيذ الإجراءات اللازمة على أرض الواقع. ولمواصلة البناء على روح التعاون التي أظهرتها صناعة النشر خلال الأزمة، أردت مشاركة أفكاري من المراحل الأولية لاستشارات "الميثاق" في استعراض للتضامن، بحيث يُمكننا جميعاً التعلّم والمضي قدماً سوياً في هذه الظروف غير المسبوقة.
ومن المرجح أن يكون مستقبل صناعة النشر بعد الجائحة أكثر اعتماداً على التعاون والوحدة والتضامن، وهو ما اتضح جلياً في أحلك اللحظات خلال الجائحة. فإذا كانت مؤسستك ترغب في مناقشة دعم الميثاق أو المشاركة في استشارات خطة الميثاق، فلا تتردد في التواصل معي.