ملخص: أثبتت البحوث أن النساء يتخذن قرارات بشأن المشتريات الاستهلاكية بشكل مختلف عن الرجال. لكن هل هذا ينطبق على بيئات العمل القائمة على التعامل التجاري بين الشركات؟ قرر كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة ديلويت إجراء بعض البحوث على تلك المسألة، وذلك إدراكاً منهم بتزايد عدد العميلات المرتقبات واعترافاً منهم أيضاً بتدريب المسؤولين التنفيذيين على مهارات البيع الموجه للرجال.
وكشفت المقابلات الشخصية مع مشتري الخدمات المهنية ذوي الخبرة في 18 مؤسسة كبيرة ونتائج الاجتماعات مع المئات من العملاء المرتقبين والحاليين عن وجود اختلافات كبيرة بين الرجال والنساء بصفتهم مشترين في البيئات القائمة على التعامل التجاري بين الشركات. على سبيل المثال، تعتبِر النساء الاجتماع مع مقدم خدمة مرشح فرصة لاستكشاف الخيارات بالاستعانة بخبير متخصص، بينما يعتبر الرجال هذا الاجتماع خطوة شبه نهائية في العملية هدفها تضييق نطاق الخيارات للاختيار من بينها. وبينما يعلّق المشترون الرجال آمالهم على حضور رؤساء الشركات في الاجتماعات، تولي النساء اهتمامهن بالتحدث إلى الأشخاص الذين سيعملن معهم فقط.
وعلى ضوء تلك النتائج وغيرها، طوّرت شركة ديلويت برنامجاً تدريبياً صارماً لزيادة الوعي بالاختلافات في أساليب صناعة القرار بين الجنسين والحاجة إلى تكييف نُهج البيع استناداً إليها. وأسفر التدريب الذي تعتقد شركة ديلويت أنه منحها ميزة في السوق عن تحسين تفاعل الشركاء والمدراء مع جميع العملاء المرتقبين والحاليين، وعن زيادة تقدير ثقافة التنوّع داخل الشركة.
في عام 2005، استعدّ 7 من الشركاء وكبار الموظفين في شركة ديلويت (بمن فيهم المؤلف المشارك لهذه المقالة) للاجتماع مع عميل مرتقب، وهو مستشفى كبير يخوض عملية تحوّل كبيرة. ونظراً لظنهم أن احتمال الفوز بصفقة عمل تُقدّر بملايين الدولارات أو خسارتها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعرضهم التقديمي، حفظ مقدمو العرض الرئيسيون شرائح العرض التقديمي عن ظهر قلب، مولين اهتماماً خاصاً بالتفاصيل الصغيرة؛ وراجعوا كل ما يعرفونه من معلومات عن المستشفى وتدربوا على شرح السبب الذي جعل من شركة ديلويت الخيار الأمثل. كان الهدف من عرضهم هو التأكيد على نهج شركة ديلويت القائم على التعاون في المشاريع؛ وكان على الفريق التفكير من وجهة نظر العميل في أثناء العرض.
نجح الشركاء في تغطية جميع نقاط الحوار خلال الاجتماع. وخرجوا وهم على أتمّ الثقة من أنهم ناقشوا جميع المخاوف الموضحة في العرض، آملين فوز شركة ديلويت بالمشروع. لكنهم شعروا بوجود خطب ما أيضاً في أثناء العرض، إذ لم يصل المستشارون إلى تفاهم تام مع ممثلي العميل. ما الذي يفسر غياب الألفة والتقارب خلال الاجتماع؟ كان أحد جوانب هذا الاجتماع العالي المخاطر مختلفاً عن اجتماعات الشركاء المعتادة، فقد كان نصف العملاء الحاضرين من النساء. وعلى الرغم من علم المستشارين بتلك الحقيقة بالفعل، لم يخطر على بالهم تغيير عرضهم التقديمي تماشياً معها على الإطلاق. ولم يختر المستشفى شركة ديلويت لتولي المشروع في النهاية.
ونظراً لتزايد تكرار مثل تلك القصص، قررنا البحث في أسبابها من كثب. فقد أخبرنا 70% من كبار المدراء في استقصاء داخلي أنهم يدركون وجود اختلافات بين النساء والرجال في البيع. وهي نتيجة مثيرة للاهتمام حقاً. كنا نعلم أن نهج النساء في العمل في شركات الخدمات المهنية يختلف عن نهج الرجال، وقد طورنا بالفعل مبادرة نسائية (تُعرف باسم "شبكة المبادرات النسائية" (WIN)) مهمتها دفع نمو السوق وخلق ثقافة تختار فيها النساء الموهوبات العمل. لكن هل يمكن للمبادرة نفسها أن تسلّط الضوء على العدد المتزايد من المُشترِيات والمؤثِرات من النساء، وأن تكشف ربما عن أساليب البيع الناجحة التي يمكنهن استخدامها؟
تشغل النساء اليوم نحو نصف المناصب الإدارية والمهنية في الولايات المتحدة، بما فيها 37% من وظائف الإدارة و60% من مناصب المحاسبة والمراجعة، وذلك بحسب مكتب إحصاءات العمل. كما أنهن يشكّلن نسبة 41% من الموظفين الذين يتمتعون بسلطة اتخاذ قرارات الشراء. وتوصلنا اليوم إلى حقيقة أن الوقت قد حان لإعادة التفكير في افتراضاتنا حول كيفية استكشاف الفرص وعقد الصفقات، وذلك إدراكاً منا أن غالبية شركائنا ومدرائنا، لا سيّما النساء، قد تدربوا على مهارات البيع الموجه للرجال، وأن النسبة المتنامية لعملائنا المرتقبين تضم في غالبيتها النساء.
تشغل النساء نحو 50% من جميع المناصب الإدارية والمهنية في الولايات المتحدة، ويمثلن نسبة 41% من الموظفين الذين يتمتعون بسلطة اتخاذ قرارات الشراء
شكّ عادل
عززت نتائج الاستقصاء الداخلي أدلة أخرى بشأن الاختلافات بين الجنسين في عملية صناعة القرار. وكانت الرؤى الثاقبة المستخلصة من بحوث الدماغ مذهلة تماماً. فوفقاً لدراسة أُجريت في جامعة كاليفورنيا في إيرفاين، تحتوي أدمغة الرجال على نسبة أكبر من أنسجة المادة الرمادية تقدر بـ 6.5 أضعاف مقارنة بأدمغة النساء، كما تحتوي أدمغة النساء على نسبة أكبر من أنسجة المادة البيضاء التي تقدر بـ 10 أضعاف مقارنة بأدمغة الرجال. وبما أن المادة الرمادية تميّز مراكز معالجة المعلومات وأن المادة البيضاء تسهّل الروابط بين تلك المراكز، افترض العلماء أن هذه الاختلافات تفسر سبب تفوّق الرجال في المهام التي تعتمد على المعالجة المُطلقة، بينما تُظهر النساء قوة نسبية في المهام التي تتطلب استيعاب المعلومات المتباينة ودمجها. علاوة على ذلك، فإن الحبل الشوكي الذي يربط بين الفصوص اليمنى واليسرى أكثر سمكاً بنسبة 10% في المتوسط في أدمغة الإناث. كما تتمتع النساء برؤية محيطية أوسع من الرجال. وفي حال كنت تتساءل، لا يختلف أداء أدمغة الرجال عن أداء أدمغة النساء في مقاييس القدرات المعرفية، مثل اختبارات الذكاء. ومع ذلك، تؤثر تلك الاختلافات في كيفية اتخاذ القرارات.
نحن نعلم من البحوث التي أُجريت على مدى عقود أن النساء يملن إلى التصرف بشكل مختلف عن الرجال بصفتهن متسوقات في بيئات الشركات التجارية الموجهة للمستهلك. لنتأمل هذا المثال البسيط الذي ذُكر في دراسة نُشرت عام 1984 في مجلة التسويق للمستهلكين (Consumer Marketing) بعنوان "الفروق بين الجنسين في استراتيجيات البحث عن معلومات لشراء هدية عيد الميلاد". حيث وجدت الدراسة أن "الإناث يستوعبن المعلومات داخل المتجر بشكل شامل، في حين يقتصر بحث الذكور داخل المتجر على مجموعة فرعية أصغر من المعلومات". بعبارة أخرى، يكون الرجل النموذجي موجهاً بالمهمة والهدف. فعندما يقرر أنه بحاجة إلى شراء بنطال أسود، سيذهب إلى المتجر مباشرة، ويختار واحداً في غضون نصف ساعة، وقد يشتري بنطالين اثنين لكيلا يضطر إلى الشراء مرة أخرى بعد فترة.
من ناحية أخرى، تكون المرأة النموذجية موجهة بالاكتشاف. وبالعودة إلى مثال شراء بنطال أسود، عادة ما تتعامل النساء مع عملية البحث بعقل متفتح. فما تتطلع إليه بالفعل هو الظهور بمظهر مهني في مؤتمر قادم. وإذا لم يعجبها أي من البناطيل في المتجر، أو تفاجأت بوجود خيارات أخرى نالت إعجابها غير البناطيل، فستعدل هدفها بسهولة. وقد تستغرق تلك العملية أكثر من 30 دقيقة بالطبع، لكن من المرجح أن تقود إلى نتيجة مرضية.
هل ينطبق هذا النوع من الاختلاف على كيفية اتخاذ النساء قراراتهن في بيئات العمل القائمة على التعامل التجاري بين الشركات؟ فوجئنا بعدم وجود بحوث مهمة نستخلص منها الإجابة، على الرغم من وجود دراسات كثيرة تتعلق بالنوع الاجتماعي في بيئات الشركات التجارية الموجهة للمستهلك. فبدأنا عام 2006 إجراء مقابلات شخصية مع مشتري خدمات مهنية ذوي خبرة، رجالاً ونساءً على حد سواء. عملوا في 18 مؤسسة كبيرة، بما فيها شركات أمفيسكاب (Amvescap) وبلو شيلد أوف كاليفورنيا (Blue Shield of California) وهيوليت-باكارد (Hewlett-Packard) وجونز لانغ لاسال (Jones Lang LaSalle).
وتدعم الرؤى الثاقبة التي يقدمها هذا البحث، إلى جانب الأدبيات الأكاديمية المتزايدة حول تأثيرات النوع الاجتماعي على الإدراك والاستهلاك، الملاحظات التي استخلصناها في اجتماعاتنا مع مئات العملاء المرتقبين والحاليين. وجمعنا طوال رحلة البحث قدراً كبيراً من المعلومات حول الاختلافات بين الرجال والنساء في منصب صانع القرار المؤسسي الرئيسي. وشرعنا على ضوء تلك الاكتشافات في تعليم شركائنا ليكونوا أكثر وعياً بالاختلافات في أساليب صناعة القرار وليعملوا على مواءمة أساليبهم مع تلك الاختلافات، مع الحفاظ على مصداقيتهم في الوقت نفسه. فعندما يدركون أنهم تبنّوا أسلوباً واحداً للبيع، والذي قد يكون غير مجدٍ عندما يكون الشخص على الجانب الآخر من الطاولة امرأة، فإنهم يكتسبون بذلك منظوراً أوسع يتيح لهم التواصل مع أي عميل بفعالية.
وبطبيعة الحال، دائماً ما تكون النقاشات حول الفروق بين الجنسين محفوفة بالمخاطر. ولنكن واضحين هنا: عندما نتحدث عن أنماط الذكور والإناث، فإننا نتحدث عن الميول، وليس عن أمور مُطلقة. وعلى الرغم من تطلعاتنا الرامية إلى الكشف عن الأنماط التوجهية والسلوكية لدى المُشترِيات من النساء، تجنبنا التعميم كما في أسلوب كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة". بل لكل فرد موقعه بين طرفي السلسلة، وكل منهم يُضفي سماته المرتبطة بالذكورة أو الأنوثة إلى العلاقات والمهام في الحياة اليومية. وكلما زادت معرفتك بالفرد، قلّ اعتمادك على الاستنتاجات العامة حوله. ومع ذلك، إن كان ما يميّز عميلاً مرتقباً بالنسبة لك هو جنسه، فمن المهم حينها أن تكون واعياً بميوله.
فهم الاختلافات
سنبدأ بنتيجة اكتشفناها لا بدّ أن تكون واضحة للجميع، وهي أن معظم النساء اللائي يشغلن مناصب تنفيذية عليا اليوم قد واجهن صعوبات وتعرّضن لكثير من مواقف عدم المساواة على أساس النوع الاجتماعي وأصبحن أكثر حساسية تجاه أي تلميح بسيط حول هذا الموضوع. كما أنهنّ أكثر ميلاً إلى التفكير في أي قضية من منظور النوع الاجتماعي، وأكثر ميلاً حتى إلى ذكر تجاربهن في التعامل المهني والأكاديمي والشخصي مع الرجال في تفاعلاتهن الجديدة. وهنّ سريعات الاستجابة لأي حديث يلمّح إلى التفوق الذكوري. قالت لنا إحدى المسؤولات التنفيذيات: "يميل الرجال إلى اتباع نهج التعالي والسيطرة، كأن يقولوا: لا تقلقن، سنهتم نحن بالأمر. لكني أنا والعديد من النساء الأخريات نعتبر هذا النهج مشكلة، ولا أعتقد أنهم يتبنون هذا النهج في تعاملهم مع العملاء الذكور".
كما استنتجنا أيضاً أن النساء يعتبرن الاجتماع مع مقدم خدمة مرشح فرصة لاستكشاف الخيارات بالاستعانة بخبير متخصص، بينما يعتبر الرجال هذا الاجتماع خطوة شبه نهائية في العملية هدفها تضييق نطاق الخيارات للاختيار من بينها. وكما قال أحد شركائنا: "أعتقد أن العمل مع النساء في التعاملات التجارية صعب جداً، فآراؤهن متقلّبة". ومن السهل في الواقع تفسير ميل المرأة إلى إعادة تقييم طلبها الأصلي أو تعديله بهذه الطريقة. إذ يميل الرجال عادة إلى إنهاء حوار ما بمجرد التوصل إلى فكرة أو حل جيد، بينما تُبدي النساء عادة فضولهن وتطلب سماع أفكار الجميع قبل اتخاذ أي قرار، وتقضي مزيداً من الوقت في إيجاد الحل المثالي. في الواقع، أضاف الشريك الذي وصف النساء بمتقلّبات الرأي قائلاً: "تتصرف النساء بجدية عند استكشاف الاحتمالات وتقييم البائعين".
ويظهر هذا الاختلاف في الأسلوب في نهج طلب تقديم العروض. فبالنسبة للرجال، يُعتبر طلب تقديم العروض أداة لحصر نطاق المشاركة وتوضيح الاحتياجات ومعايير القرار مسبقاً؛ كما أنه يحدد القواعد التي يجب على البائعين بذل قصارى جهدهم لمراعاتها. أما بالنسبة للنساء، فيعتبر طلب تقديم العروض بمثابة خريطة. فهو دليل مفيد، لكن الاستكشاف الحقيقي يبدأ بمجرد تحديد هوية المرشح الأمثل لمشروع ما.
وقد لاحظنا هذا الاختلاف في عرضٍ قدّمه فريق شركة ديلويت إلى إحدى شركات التكنولوجيا الكبيرة عام 2007، وهو الوقت الذي بدأنا فيه إعادة التفكير في نهجنا تجاه المُشتريات من النساء. كان المشروع عبارة عن إعداد نظام لتخطيط موارد المؤسسة تبلغ قيمته عشرات الملايين من الدولارات. وكالعادة، قدمنا عرضنا قبل إلقاء العرض التقديمي إلى ثلاثة رجال وامرأتين من جانب العميل، وتأكدنا من تغطية كل النقاط المحددة في طلب تقديم العروض. شعر شركاؤنا بعد العرض التقديمي أن الأمور تسير لصالحنا، لكننا خسرنا المشروع مرة أخرى. لماذا؟ لأن صانعي القرار أعربوا عن رغبتهم في العمل مع شركة استشارية لها حضور قوي في الفلبين.
وهو ما حيّر الفريق لسببين، أولاً، كان لدى شركتنا مكاتب في الفلبين؛ وثانياً، لم يُذكر هذا العامل في طلب تقديم العرض على الإطلاق. ولو كان موظفونا أكثر تيقظاً لعملية الاكتشاف التي يمارسها المشتري، لأدركوا حينها أن عامل الحضور القوي في الفلبين هو العامل الحاسم. وعندما ألقينا العرض التقديمي أمام الرجال، وجدنا أنهم يبحثون عن عيوب أو نقاط ضعف في حججنا، ونهجهم ذلك هو جزء من عملية الغربلة. من جهة أخرى، تسعى النساء دائماً إلى التوصل إلى حل إبداعي، فتصغي إلى الأفكار، وتعدّل فهمها لما هو مهم، وتطلب الحصول على التفاصيل ذات الصلة.
وعندما نعلّم الرجال على مهارات البيع الموجه للنساء، فنحن نعلمهم بذلك مهارات التعامل مع الناس كأفراد.
وتعلمنا اليوم في أثناء التفاعل مع العملاء المرتقبين أن نسأل أنفسنا: "ما هو العامل الحاسم؟" وجعلنا ذلك واضحاً في عروضنا التقديمية. "نحن نعي تماماً أنك تخوض رحلة البحث عن أفضل شريك"، ونذكر الاحتمالات، "وندرك أن وجهة نظرك ستتغير مع تحدثك معنا ومع منافسينا".
وهناك اختلاف آخر سمعنا عنه وهو رغبة المشترين الذكور التقليديين في تعزيز فكرة سلطة المشتري على البائع. وهو ما يدفع أصحاب المناصب العليا في مؤسسة البائع إلى حضور الاجتماعات تأكيداً منهم على أهمية المشروع؛ وقد يقطع الرئيس التنفيذي حتى أميالاً لدعوة صانع القرار إلى عشاء لتناول شرائح اللحم معه. من جهة أخرى، لا تولي النساء أي قيمة لتلك الطقوس، و"الرؤساء" في رأيهن مرحب بهم في الحوار للمساهمة بخبراتهم ورؤاهم الثاقبة، وليس لإبداء الاحترام والإجلال لهم. بل ما يهم بالنسبة للمُشترِيات من النساء هو الالتقاء بالأشخاص الذين سيعملن معهم. وقد صرّحت إحداهن بذلك في الواقع قائلة: "لا أريد أن أقابل الشخص الأعلى منصباً في المؤسسة ولا حتى بقية أعضاء الفريق، بل أريد أن يلتقي محامي شركتي مع نظيره في الشركة الأخرى".
وتأكد ذلك الاختلاف عندما قدمنا عرضاً لتولي مشروع استشاري تبلغ قيمته عشرات الملايين من الدولارات لإحدى شركات التكنولوجيا الكبيرة في شمال كاليفورنيا. وكان الحضور متنوعاً مرة أخرى؛ حيث ضم ثلاثة نساء ورجُلين من جانب العميل. وأصروا على أن يحضر ثلاثة أشخاص فقط من شركة ديلويت الاجتماع. فاخترنا عدم تضمين قائد القطاع واستدعينا بدلاً من ذلك إحدى مديرات الإدارة العليا من الهند، إذ يتولى مكتبنا الأميركي في الهند الجزء الأكبر من مهمة تقديم العروض. وتبين أن قرارنا كان صائباً، فقد أخبرتنا العميلة لاحقاً أن وجود المديرة الهندية في الاجتماع كان مهماً للغاية، وشعرت بالسعادة للقاء نظيرتها في فريقنا.
وأثبتت البحوث السابقة أن النساء أكثر اهتماماً ببناء العلاقات وبتحدي تحقيق التوازن بين مصالح أصحاب المصلحة. وأكدت دراسة نُشرت في المجلة الدولية لحوكمة الأعمال والآداب المهنية وأُجريت في شهر مارس/آذار عام 2013 على أكثر من 600 مدير من مدراء مجالس إدارة الشركات تلك النتائج. حيث وجدت أن مديرات الإدارة يملن إلى مراعاة الآخرين وتبني نهج تعاوني لاتخاذ القرارات من أجل التوصل إلى قرار عادل وأخلاقي يفيد جميع الأطراف. كما أنهن يشاركن في الأعمال التعاونية وفي بناء الإجماع، ليس فقط لاتخاذ قرارات سليمة وإنما للحصول على دعم لمسار العمل أيضاً. ولاحظ مؤلفو الدراسة أيضاً أن مديرات الإدارة تستجبن للقضايا والمخاوف الاجتماعية المتعددة الجوانب التي تواجه الشركات بفاعلية. وتدعم نتائج مثل تلك البحوث ملاحظاتنا حول كيفية إشراف النساء على قرارات المشاريع الكبيرة.
وهناك المزيد من الاختلافات الجديرة بالملاحظة والدقيقة للغاية حتى. إذ لاحظنا وجود اختلافات في معاني لغة جسد المرأة ولغة جسد الرجل. على سبيل المثال، غالباً ما يومئ الرجال برؤوسهم عندما يذكر المتحدث معلومة مألوفة بالنسبة لهم أو معلومة يوافقون عليها رغبة منهم في مواصلة النقاش، بينما تومئ النساء برؤوسهن للإشارة إلى مدى اهتمامهن بآراء المتحدث ولتشجيعه على ذكر مزيد من التفاصيل. بالإضافة إلى ذلك، يفضّل العملاء الجلوس بجانب الاستشاري للتشاور بشأن قضية ما، بينما غالباً ما تختار العميلات كرسياً على الجانب الآخر من الطاولة للتحدث وجهاً لوجه. وقلة من الناس فقط يفكرون في النوع الاجتماعي عند اختيار الكرسي في الاجتماع، لكنه أمر يستحق النظر فيه عندما يتطلب العمل التوصل إلى تفاهم وتوليد الثقة بسرعة.
إجراء التعديلات
فكرنا بالاعتماد على بحوثنا وبحوث الآخرين في سلوكيات البيع التي يجب الإبلاغ عنها وتغييرها في مؤسستنا. ويحضر العديد من الشركاء وكبار المدراء اليوم بالفعل دورة تدريبية صارمة مصممة لجعلهم أكثر وعياً بأسباب عدم فعالية بعض السلوكيات مع المسؤولات التنفيذيات. نشارك في الدورة أولاً الرؤى الثاقبة المستندة إلى البحوث حول الاختلافات بين الرجال والنساء في أساليب صناعة القرار والتواصل وأنماط التعامل مع الآخرين. ثم نطلب من موظفي خدمة العملاء المشاركة في تجربة محاكاة مكثفة.
فإذا كنت أحد كبار المدراء الذين يخضعون لهذا التدريب، فستعمل على تمرين محاكاة ينطوي على تقديم عرض لعميل. وستحظى خلال التمرين بفرصة التفاعل مع ممثلين تم تدريبهم لأداء أدوار المسؤولين التنفيذيين للعميل، ونراقب أداءك في أثناء تمرين المحاكاة لنقيّم مستوى ما تعلمته. وإليكم ما نبحث عنه:
ماذا تلاحظ؟
هل لاحظت أي إشارات عن العميلة: الكتب الموجودة على رفها، والمجلة على الطاولة، والصورة على مكتبها؟ هل تبدأ بعد إلقاء التحية التعليق على تلك الصور بهدف توطيد العلاقة معها، كأن تسألها عن الأشخاص أو الأماكن الموجودة في صورها؟ إذا قالت إنها أحبت ربطة عنقك، فهل ستقول ببساطة "شكراً"، أم أنك ستروي لها قصة الحدث الذي دفعك إلى شرائها؟ تريد العميلة معرفة الشخص الذي ستعمل معه عن قرب، وقد لا يكشف نهجك المعتاد عن هذا النوع من المعلومات.
وفي الواقع، يُعد الفشل في بناء العلاقات في أثناء الدورات التدريبية الخطأ الأكثر شيوعاً الذي يرتكبه المهنيون الذكور. فغالباً ما ينتقل أعضاء الفريق الذكور إلى الحديث عن الغرض من الاجتماع ويناقشون محتويات جداول أعمالهم بشكل مباشر. وقد لا يكونون على دراية بأن العميلة تعتبر الاجتماع وسيلة للتعرف على الأشخاص الذين ستأتمنهم على إدارة أعمالها، أو يجهلون كيفية الاستجابة لذلك الهدف. وبالتالي، يتمثّل تحدي الاستماع في اكتشاف ماهية أهدافها وافتراضاتها حول كيفية تحقيق تلك الأهداف. وتتمثّل نقطة الانطلاق الجيدة في استغلال الوقت الذي تستغرقه للجلوس في مكتبها لبدء محادثة ما وزرع بذور الثقة.
هل يمكنك التكيف؟
قد تعتبرك المسؤولة التنفيذية شخصاً مطّلعاً على مشكلة مؤسستها ومصدراً مفيداً لتوليد أفكار جديدة. وقد تقيّم مدى قدرتك على التعاون الإبداعي. لكن إذا حاد النقاش عن مساره، فهل ستواصل الحديث عن موضوع النقاش الجديد أم أنك ستحاول إعادة توجيه المحادثة للتركيز على جدول أعمالك؟ يتمثّل الحل في مراقبة أي أدلة تُبديها العميلة في عملية الاكتشاف وتكييف سلوكك وأسلوبك وفقاً لذلك. وبالتالي، فمن الضروري أن تكون ذكياً ومستعداً لتغيير مسار الحديث الذي حفظته عن ظهر قلب.
هل أنت مدرك للفروق بين الجنسين؟
غالباً ما ينخرط الرجال في سلوكيات تُعزز فكرة التفوق الذكوري، ويستشهدون بقدرتهم على ممارسة مختلف أنواع الرياضات تحقيقاً لتلك الغاية. كما أنهم ينجذبون إلى النقاشات التي تدور حول "النظريات" بدلاً من الديناميكيات الاجتماعية والشخصيات التي تجعل المؤسسات تعمل بسلاسة (أو تقوّض أداءها). من جهة أخرى، لا تنجذب النساء إلى المحادثات التي تثير اهتمام الرجال عادة، وهن يتوقعن منك أن تكون على وعي بذلك. وإذا لاحظت أن النهج الذي تستخدمه غير مجدٍ، فتوقف برهة من الوقت، وأصغ بإمعان وابحث عن أرضية مشتركة لمواصلة النقاش.
هل أنت شخص دقيق الملاحظة؟
غالباً ما يحل الرجال المشكلات عن طريق عزل العناصر وتحسين حلول النقاط بسبب قوتهم المعرفية، في حين أن الميزة التكاملية في وظائف دماغ الأنثى تقود النساء إلى تعظيم الحلول التي تهدف إلى تحقيق نتائج أكبر وأكثر شمولية. هل أنت مستعد لمناقشة السياق الأوسع الذي ستُنفذ فيه مبادرتك المقترحة لكي يُكتب لها النجاح؟ هل تمتلك القدرة على تطوير وجهة نظر على مستوى النظام لتقييم الأفكار البديلة بهدف تحقيق نتائج أكثر نجاحاً بشكل عام؟ قد يشمل نطاق اعتبارات العميلة أيضاً نتائج منشودة تتجاوز مجرد حل مشكلة العمل. هل يمكنك توضيح فوائد الشراكة مع شركتك، ليس فقط الفوائد التي ستعود على شركة العميلة وإنما على أعضاء الفريق الذي ستتولى العميلة مسؤولية تطويره أيضاً؟ إذا بدت الأسئلة التي تثيرها العميلة بعيدة عن موضع النقاش، فلا بدّ أن تدرك أنها تبحث عن معلومات تساعدها على اتخاذ قرارها.
ينطوي تدريب مُقدمي العروض التقديمية على مراقبة سلوكياتهم المعتادة وتعديلها على قيمة كبيرة تتجاوز قضايا النوع الاجتماعي. وقد حسّن شركاؤنا ومدراؤنا بالفعل مهاراتهم في مجال الذكاء العاطفي وطوروا قدراتهم على التعامل بتعاطف مع جميع العملاء المرتقبين والحاليين (ومع زملائهم في الفريق وأفراد أسرهم). وعندما نعلّم الرجال على مهارات البيع الموجه للنساء، فنحن نعلمهم بذلك مهارات التعامل مع الناس كأفراد. ونعزز أهمية تقدير ثقافة التنوع في تفاعلاتنا الداخلية، فهو صفقة مربحة لجميع الأطراف.
تغيير في الأسلوب
نظراً لتزايد عدد النساء في مناصب الإدارة، فمن المنطقي اكتساب فهم أوضح لدور النوع الاجتماعي في عمليات البيع وتقديم الخدمات في البيئات القائمة على التعامل التجاري بين الشركات.
ووجدنا في إطار جهودنا الرامية إلى زيادة الوعي وتغيير السلوك في مؤسستنا بدعم من مبادرة ديلويت النسائية أن تأطير المشكلة قد يُحدث فارقاً كبيراً. فقد ساعدنا تقديم موضوع الفروق بين الجنسين كوسيلة لتعزيز رضا العملاء وتوليد الإيرادات في الحصول على ميزة بارزة في السوق، وفي تسريع جهود التنوع الداخلي في الشركة. وأصبحت المعلومات التي اعتبرها البعض شكلية أداة عمل مهمة، مثل "تدريب الحساسية" الموجه لموظفي الموارد البشرية. ونميل على أساس هذه التجربة إلى التعميم: قد تكون الطريقة الأكثر فعالية لنشر ثقافة التنوع داخل مؤسستك هي التركيز على زبائنك. ونعتقد أن التغيير في النهج قد ساعدنا على كسب مزيد من المشاريع. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات قوية لتحديد مقدار العائد على الاستثمار، فنحن مقتنعون بأن التدريب قد أتى ثماره. فقد كان من الضروري زيادة الوعي بفكرة أن منصب صانع القرار أو القائد المؤثر لا يقتصر على الرجال أو بفكرة أن سلوك الشراء الذي لطالما اختبرناه وتوقعناه واحد لا ثاني له. وأدركنا بالفعل بعد سبع سنوات أن شركة ديلويت كانت تخسر الفرص لأننا تعاملنا مع المشترين وفق نهج واحد. لكن يخبرنا شركاؤنا من الذكور والإناث اليوم أن مجموعة أدوات "النساء كمُشترِيات" ساعدتهم على تحسين أساليب عملهم مع صانعات القرار من النساء. وتلك عُقبى محمودة لعملائنا ولنا على حد سواء.