لم تكن شهرة الفنانة المصرية سيفين محمد حافظ نسيم المعروفة بالوسط الفني باسم يسرا وليدة الصدفة أو الحظ، بل كانت ثمرة جهد وتعب وحالات من الفشل والإقصاء تجرعتها في بداية مسيرتها الطويلة والحافلة بالإنجازات والتي بدأت في أواخر سبعينيات القرن الماضي. تؤمن يسرا بأنّ عشقها للتمثيل لا ينضب وطموحها لا يُحدّ، وبأنها ما زالت إلى اليوم في عملية بحث عن تقديم الأفضل في كلّ خطوة تخطوها.
إليكم تفاصيل المقابلة مع النجمة يسرا
هل الفن متعة أو رسالة في المقام الأول بالنسبة إليك؟
يسرا: الفن بالنسبة إليّ هو كل هذه المعاني وأكثر. الفن ليس فقط مهنة بل هو أيضاً متعة ورسالة وقيمة وحقيقة ومرآة للمجتمع الذي نعيش فيه. الفن من أرقى العطاءات التي منحنا إياها الخالق. الناس الذين يعرفون كيف يتذوقون الفن لديهم نعمة مختلفة عن أولئك الذين لا يعرفون تذوّقه. الفن هو قصة جميلة جداً وربنا يعطينا آية ودليلاً في كل شيء جميل حولنا، وهذا فن. إنّ الله بنفسه خلق لنا الحياة بشكل جميل، وخلق الطبيعة بشكل رائع فعندما نتأمّل عملية الخلق نشعر أنّ الفن راق وجميل.
استناداً إلى تاريخك المهني الطويل في مجال التمثيل، بالإمكان القول أنك أدركت وفي وقت مبكر الفرق بين الانتشار والاختيار. وما هي الحكمة التي يمكن استخلاصها من تجربتك التمثيلية اليوم؟
في الماضي كان إنتاج التلفزيون قليل جداً، وكذلك الأمر في السينما. لذلك كان الممثل بحاجة إلى العمل في شكل كبير دون وجود العديد من الخيارات، وذلك لتحقيق الشهرة عند الجمهور. إنّ البروز يحتم العمل الكثيف بغية الشهرة، أما في الوقت الحالي، هناك فرصة أكبر وأفضل لاختيار العمل وتقييمه قبل اتخاذ القرار للمشاركة فيه، حيث لم تعد الأعمال الكثيرة هي مقياس الشهرة للفنان بل قيمة العمل الذي يقدمه الفنان وقربه من الجمهور.
هل لديك فريق عمل يهتم باختياراتك؟
لا، بل أهتم بكل التفاصيل وأقرر وحدي ما يتعلّق بعملي.
إنّ الاستمرارية تتطلب تنظيماً وعملاً دؤوباً على التفاصيل، كيف تمكنت من إمساك خيوط النجاح والمحافظة عليه؟
لقد كنت مؤمنة بأنّ على الفنان أن يتغيّر ويواكب كل ما هو جديد في المهنة للاستمرار، ويجب عليه أن يكون محاطاً بدم جديد ويحاول التطرق في شكل دائم إلى مواضيع جديدة من خلال أعماله. لا تنفع نمطية الشكل في كل شيء، بل كان من الواجب عليّ أن أكون مختلفة لأجدّد دمائي الفنية المهنية.
لقد حاولت قدر الإمكان الاستمرار في المكانة التي منحني إيّاها الخالق، وبذلت جهدي لأكبر فيها كوني عاشقة لمهنتي وأحترمها بشكل كبير. لقد منحتني هذه المهنة الكثير من الثقافة وعلّمتني في شتى المجالات الحياتية.
الإبداع هو موهبة وترصيع هذه الموهبة يعتمد على العلم، إذا اعتبرنا أنّ كل مخرج أو ممثل عملت معه عبارة عن مجموعة ورشات تدريب تمثيلية. من هم أبرز الأساتذة الذين تعلمت منهم في الوسط الفني؟
كلّ الأساتذة الذين عملت معهم تركوا في داخلي بصمة أو أثراً معين، لا يمكن أن نعمل مع شخص ما دون أن نتعلّم على الأقل أمراً واحداً منه، مع العلم أنّ هناك أشخاصاً يدخلون إلى حيواتنا ويخرجون منها ولا يتركون بصمة فينا. أما الأساتذة أمثال يوسف شاهين وعادل إمام وعلي بدرخان وإيناس الدغيدي ومحمد عبد العزيز وصلاح أبو سيف وغيرهم فيمكن القول أنهم أشخاص مميّزون وينضحون بالإبداع وكل واحد منهم يتمتّع بشخصية مختلفة وله بصمة مختلفة عن الآخر. إنّ تكويني الذي أنا عليه اليوم هو نتاج بصمة كل واحد منهم في شخصيتي.
ما هي أبرز المنعطفات في تبلور شخصية يسرا الفنانة؟
كل مرحلة عمرية لها معنى ولها إحساس ولها سقفها الخاص، بمعنى أنّ التفكير يتركّز حول الشهرة في عمر مبكر، وبعد ذلك تأتي مرحلة الاختيار، ثم يكون البحث عن أعمال ذات أهمية تبقى في تاريخ الفنان، أما بعد ذلك، فتأتي مرحلة الدخول في قضايا مهمة. كل مرحلة مررت بها في حياتي الفنية أعطتني ثقلاً من نوع مختلف. ما كنت أنظر إليه بطريقة سطحية لم يعد كذلك اليوم.
هل تقسين على نفسك بالانتقاد أم تدللين ذاتك؟
إنني أقسو على نفسي بشكل كبير. وأشعر بالتقصير طوال الوقت، كما أشعر أنني لم أقدّم ما هو كاف. إنّ حالة الإشباع الفني لا أشعر بها سوى للحظات خلال تقديم مشهد جميل أو "ماستر سين" إلا أنّ ذلك لا يستمر لفترات طويلة لأنّ رغبة تقديم الأفضل لا تفارقني.
متى صفقت يسرا لنفسها للمرة الأولى؟ ومتى كانت آخر مرة؟
لم أصفّق يوماً لنفسي. يمتلكني طموح طيلة الوقت بأنني لم أفعل شيئاً بعد وأمامي الكثير لأقدمه وتكبر الرسالة أمامي أكثر فأكثر.
ما هي أصعب المواقف التي تعرّضت لها في مجال الفن؟ وكيف استطعت تجاوزها؟
صوّرت في بداية حياتي الفنية حوالى 20 فيلماً ولم يتم عرضهم، وحين شاركت في أفلام وعُرضت بعد ذلك لم أحظ بالنجاح الذي كنت أصبو إليه، إلا أنني بعد ذلك حاولت فهم الأسباب الكامنة وراء فشلي، وسألت نفسي هل يتعلق الأمر بي أم بتوقيت العرض أم المواضيع التي عالجتها هذه الأفلام. وبدأت أدرس وأفهم وأتعلّم. كنت أتعلّم أمراً جديداً كل يوم.
ألقاب كثيرة منحت لنجوم الفن في مصر، هل تفرحك الألقاب وهل أنت معها؟ وما هو اللقب الذي تمنحينه لنفسك؟
خطأ فادح أن تلقب الفنانة نفسها وتعلن أن الجمهور هو من منحها اللقب. لكن عندما يمنحني الجمهور لقب ما يكون الموضوع مختلفاً وذا معنى أكبر وأعمق، وقد أطلق عليّ الجمهور ألقاباً عدّة في الحقيقة.
ماذا عن سيفين؟ هل أخذت إجازة من التمثيل في حياتها؟
سيفين لم تأخذ يوماً إجازة من التمثيل. جميعنا نعيش في التمثيل، ليست سيفين وحيدة في هذا العالم ولا يسرا وحدها. جميعنا نؤدّي أدوارنا في الحياة.
هل من أيقونات في التمثيل وضعتهن أمام طموحك؟
هل يمكن إيجاد أيقونات أمثال فاتن حمامة أو نادية لطفي أو مديحة يسري أو شادية أو ليلى مراد؟! هناك الكثير من الأيقونات لكنّني توقفت أمام استمرارية فاتن حمامة، نظرت إليها كل الوقت باحترام ومحبة. حين اعتزلت شادية لم تقل يوماً "أنا لست فنانة"، بل على العكس كانت شديدة الاهتمام في أن يقال عنها "الفنانة شادية"، حتى عندما فارقت الحياة كتب عنها "الفنانة شادية"، هي لم تتملّص يوماً من فنّها. فاتن حمامة كانت قدوة لي في أمور كثيرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى هند رستم. كنت على اتصال وتواصل بكل هذه الأيقونات حتى أيامهن الأخيرة، لأنهن مَن جعلونا نحبّ الفن ونحترمه وننظر إليه بمنظور مختلف ونرى قيمته الحقيقية وفي الوقت نفسه كنّ الرموز الحقيقية التي أضعها نصب عينيّ.
الشعور بالمنافسة الإيجابية يحفّز قدرات الممثل على التألق، بعيداً من منافستك لنفسك، من تنافسين اليوم؟
لم أسع يوماً لأنافس أحداً بعينه. أعرف إمكانياتي وأنافس نفسي كل الوقت لأنني أريد أن اكون أفضل مما كنت عليه. لا علاقة لي بغيري. لو انشغل كل شخص بغيره، لن يكون قادراً على تقديم أي عمل.
بين الغناء والتقديم والتمثيل هل من اهتمامات لم تفصحي عنها؟ وهل من تجارب ما زالت طي الكتمان؟
أعلن وأكرّر دائماً وبشكل صريح لا أشعر أنني قدمت أيّ عمل من حيث الاكتفاء. نجحت في الغناء بشكل كبير، وأغنية "ثلاث دقّات" أكدت نجاحي الغنائي. أما بالنسبة إلى التقديم، فقد شعرت بالسعادة في تقديمي لبرنامج "العربي" وبرنامج "بروجكت ران واي". إلى جانب هذا أيضاً، أنا أعشق التمثيل لأنّ لدى كل إنسان أكثر من وجه في الحياة وكل إنسان يستخدم وجهاً في الوقت والمكان المناسبين، وأنا أقوم بهذا وأقدّمه من خلال رسالة وهذا فائق الجمال وهو ما يهمنّي.
لماذا ابتعدت من المسرح؟ هل هو شح العروض أم العشق السينما؟
يصعب جداً تقديم المسرح في يومنا هذا، يجب أن يعود المسرح إلى عصره الذهبي. سعر بطاقة المسرح غالية جداً، ولكي نقدّم عملاً مسرحياً نحتاج مصاريف كبيرة بسبب الاستعراضات لأنها أساسية وركن فني ترفيهي مهم بالنسبة إليّ، وإذا لم توجد هذه العناصر في المسرح فعندها يصعب الدخول في عمل مسرحي.
حصلت على العديد من التكريمات وليس آخرها تسمية شارع باسمك. ما هي أهم التكريمات التي دفعت بك قدماً على الصعيد النفسي والمعنوي؟
التكريم الأساسي هو حبّ واحترام الجمهور لي. عندما يدافع عنّي جمهوري في أيّ قضية أعتبره أكبر تكريم في حياتي.
كيف يتجلى طموحك اليوم؟
طموحاتي لا تنتهي على الإطلاق ولا يحدّها حدّ.
ماذا قدّم لقب سفيرة النوايا الحسنة ليسرا معنوياً وماذا أنجزت من خلاله؟
تعلّمت الكثير من كوني سفيرة نوايا حسنة. أتاح لي هذا العمل مقابلة نماذج في الحياة كنا نسمع عنها ولا نشعر بها، لكن عندما نعيش بين هذه النماذج ونلمس معاناة الآخرين سواء الأمراض أو الجهل أو الفقر أو الإهمال نشعر عندها بقيمة النعم التي منحنا إياها الخالق، وعندها نستطيع تقويم ما نملك من نعم. إنّ أجمل ما يمكن أن يحصل في الدنيا هو أن نعرف كيف نقدّم مساعدة ما للمحتاجين إليها. المساعدة مهمة جداً في الحياة وللإنسانية بشكل خاص.
هل تتبرّئين من أحد أعمالك لو قدّر لك ذلك؟
التبرؤ من أحد أعمالي كلمة كبيرة لا يمكن أن أقولها أو أفعلها، لاسيما أن التبرؤ يعني في مضمونه الشعور بالعار، وهذا لا يمكن أن يحصل معي. أحبّ كل أعمالي حتى التي لم تنل نجاحاً كبيراً.
هل يمكن أن تكتبي مذكراتك؟ وهل توافقين على تصوير فيلم عن حياتك؟ ومن ترشحين لأداء دورك؟
لا أتصوّر أنّني من الممكن أن أكتب مذكّراتي، لكن يمكن أن أكتب لحظات أو معاني أو مواقف في حياتي، لا تتعلّق المسألة بالتدخل في حياتي أو معرفة تفاصيل عنها بمنظور مختلف، لكن ما أريد قوله هو ما سأقوله في حال وضعت ما أريده في كتاب. لم أتخذ قراراً في هذا الموضوع حتى اللحظة لكن من الممكن أن يحصل في يوم ما ولم أحسم هذا القرار. من المؤكّد أنّني لن أقدّم فيلماً عن حياتي.
إذا طلبنا منك أن تطلقي عنوانًا على مسيرتك الفنية، ما هو العنوان؟
لا أعرف ما العنوان الذي يليق بمسيرتي. أعتقد أنّك ستكونين أفضل مني في اختيار هذا العنوان لمسيرتي الفنيّة. لن أطلق عنوانًا على مسيرتي لأنني ببساطة لم أفكّر في هذا الأمر.