كيف أحدثت شركة نتورك إنترناشيونال ثورة في البنية التحتية للدفع في 50 سوقاً انطلاقاً من الإمارات العربية المتحدة؟

12 دقيقة

في عام 1994، عندما كانت المدفوعات الإلكترونية في المنطقة لا تزال في مراحلها الأولى، كانت لدى شركة نتورك إنترناشيونال رؤية لقيادة قطاع المعاملات المالية. شكّلت البنية التحتية المتطورة في الإمارات العربية المتحدة، وتنوعها، وروحها الابتكارية، نقطة انطلاق مثالية، إلى جانب بُعد نظر المؤسسين، ما مهّد الطريق لنجاح الشركة. وبعد أن تغلبت على تحديات عديدة واستثمرت وقتاً وجهداً كبيرين، توسعت نتورك إنترناشيونال بسرعة، مستفيدة من نجاحها المبكر في الإمارات لتثقيف أسواق جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

الشركة التي تحدّت الصعاب

كان لمؤسسي شركة نتورك إنترناشيونال تصوّر حول تبسيط حياة المسافرين إلى الإمارات، من خلال توفير تجربة سلسة للدفع، وتسجيل الوصول في الفنادق، وتناول الطعام، والتسوق. وفي عام 1994، وبينما كانت المدفوعات الإلكترونية تزدهر عالمياً، كانت الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تعاني تأخراً في هذا المجال. ومع إدراك هذا النقص، استثمر أحد أبرز البنوك الإماراتية في بنية تحتية لدعم المدفوعات عبر بطاقات الائتمان والخصم المسبق الدفع، لضمان تجربة دفع مريحة للزوار مماثلة لتلك التي اعتادوها في بلدانهم. كانت هذه الرؤية الاستباقية سابقة لعصرها، وأرست الأسس لنجاح الشركة. استشرف المؤسسون مستقبل المدفوعات وفهموا الاتجاهات الطويلة الأجل. في ذلك الوقت، كانت غالبية مشتريات المستهلكين في الإمارات تُجرى نقداً. أما اليوم، فقد تغيّرت الصورة جذرياً، إذ أصبحت المدفوعات الإلكترونية تُمثل %60 من المعاملات، في حين انخفضت نسبة استخدام النقد إلى %40.

مواجهة التحديات

في البداية، لم تكن التكنولوجيا اللازمة متوافرة، وهنا كانت نقطة الانطلاق. تعتمد المدفوعات الإلكترونية بصورة أساسية على التكنولوجيا، أو ما يُعرف بـ "التكنولوجيا المالية"، التي تتيح إجراء المعاملات المالية. وكان النجاح يعتمد على امتلاك التكنولوجيا المناسبة والأفراد المهرة، وكلاهما كان نادراً في ذلك الوقت. كان التعلم عملية مستمرة، إذ جلب كل يوم تحديات جديدة. تضمنت الخطوات الأولى تحديد ما يجب فعله، ثم تطوير التكنولوجيا اللازمة لتحقيق ذلك.

في تلك الأيام الأولى، لم يكن هناك بيانات أو خبرات أو تعلم آلي لتوجيه القرارات، بل كان الأمر كله يعتمد على المحاولة والخطأ. إذا نجحت الفكرة، بُني عليها؛ وإذا فشلت، أُعيدت صياغتها من الصفر. ومع مرور الوقت، نمت الشركة من كتابة أول سطور الأكواد إلى دمج مئات الملايين منها في عملياتها.

كانت هناك مجموعتان رئيسيتان من العملاء. تبنّت المؤسسات الكبرى، مثل الفنادق وشركات الطيران، التقنية في وقت مبكر، إذ أدركت فوائد المدفوعات الرقمية، خاصة للمعاملات عن بُعد. ومع ذلك، كان الإنترنت لا يزال في بداياته، ما أضاف تعقيداً لاعتماد التقنية. أما إقناع صغار التجار فكان أكثر صعوبة. فقد فضّلوا التعامل بالنقد لتوفره فوراً؛ إذ كانت المدفوعات تُستلم وتُستخدم فوراً، على عكس المدفوعات الرقمية التي تتسبب في تأخير.

تطلّب التغلب على هذا التفكير جهداً وبناء ثقة. ولضمان ثقة العملاء الأوائل، قُدمت التقنية مجاناً مع ضمانات بالموثوقية. ونظراً لأن أي فشل في المدفوعات قد يهدد مصادر الرزق، وضعت الشركة مهندسيها في مواقع العملاء لمعالجة المشكلات فوراً. أسهم هذا النهج العملي في طمأنة الشركات، ما مهّد الطريق لاعتماد هذه التقنية على نطاق واسع.

مراحل النمو والتطور

في المرحلة الأولى، كانت السوق الإماراتية تتميز بالوعي العالمي والترابط الجيد، ما جعلها أكثر تقبّلاً لإمكانيات الدفع الرقمي. أدركت الشركات الفوائد الواضحة للدفع الإلكتروني من حيث الربحية والنمو، إذ تسعى كل شركة إلى التوسع وزيادة أرباحها. كان من السهل عليها رؤية كيف يمكن لاعتماد الدفع الرقمي أن يساعد أعمالها على الازدهار. وعند التوسع إلى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ودول الشرق الأوسط بعد بضع سنوات، في أوائل الألفية الثانية، كان التحدي يكمن في تثقيف هذه الأسواق الجديدة منذ البداية. ولكننا استطعنا الاستفادة من النجاح في الإمارات بوصفه دراسة حالة قوية. قدمنا الإمارات نموذجاً قريباً جغرافياً، نُظهر من خلاله كيف كانت المدفوعات الرقمية تغيّر الأعمال هناك بالفعل. ولتعزيز قناعة هذه الأسواق الجديدة، دَعَوْنا أشخاصاً من تلك الدول إلى الإمارات ليشهدوا النجاح بأنفسهم، لأن المعاينة تؤدي إلى الإيمان. نظمنا مؤتمرات ورحلات ميدانية وزيارات لتجار التجزئة، ما أتاح للعملاء المحتملين رؤية التكنولوجيا في أثناء العمل. كانت هذه التفاعلات المباشرة بين النظراء أساسية، وأسهمت في خلق إحساس قوي بالثقة والاتصال.

القيمة المضافة

توفر المدفوعات الإلكترونية مزايا عديدة لكل من العملاء والشركات. فهي أولاً، تتيح للعملاء الإنفاق بما يتجاوز المبالغ النقدية التي يحملونها، ما يؤدي إلى زيادة حجم سلة المشتريات. على سبيل المثال، إذا كان المتسوق يحمل 100 درهم نقداً فقط، فإنه سيحد من مشترياته وفقاً لهذا المبلغ. لكن مع المدفوعات الرقمية، يمكنه إجراء عمليات شراء إضافية، ما يعود بالفائدة على تجار التجزئة من خلال زيادة قيم المعاملات، وهو سلوك مُلاحَظ باستمرار في أنماط إنفاق المستهلكين. ثانياً، توفر المدفوعات الرقمية الراحة للعملاء، إذ تُمكّنهم من إجراء عمليات شراء غير مخطط لها، مثل السلع أو الخدمات العالية القيمة، دون القلق بشأن نقص النقد. تُعزز هذه السهولة رضا العملاء وتدفع عجلة المبيعات. ثالثاً، تُحسّن المدفوعات الإلكترونية إدارة الشؤون المالية للشركات. فعلى عكس النقد الذي يعتمد على السجلات اليدوية، تُنشئ المعاملات الرقمية دفاتر إلكترونية، ما يسهّل عملية التسوية ويوفر رؤية أوضح للحالة المالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات التي تتعامل مع مبيعات ذات قيمة عالية أو عدد مبيعات كبير لم تعد تواجه مخاطر تخزين النقد طوال الليل، ما يقلل من المخاوف المرتبطة بالأمان.

فهم الاختلافات الثقافية

بعد تأسيس وجود قوي في دول مجلس التعاون الخليجي، تحوّل تركيزنا إلى إفريقيا، حيث تأخر تبنّي المدفوعات الإلكترونية كثيراً. ركّزت استراتيجيتنا للنمو في إفريقيا على الاستحواذات، بدءاً من شركة إي إم بي (EMP) المصرية الناشئة في منتصف العقد الأول من الألفية، ولاحقاً شركة إم إس سي سي (MSCC) في جنوب إفريقيا. وقد منحتنا هذه الاستراتيجية موطئي قدم نستند إليهما: شمال إفريقيا وجنوبها.

في قطاع المدفوعات، يُعد الحضور المحلي أمراً أساسياً، إذ تُجرى 96-%97 من المعاملات داخل أسواقها المحلية فقط. على الرغم من أن مقرنا الرئيسي في الإمارات، فإن 500 من موظفينا البالغ عددهم 2,500 موظف فقط يعملون هناك، في حين يتوزع الباقون عبر المناطق التي نخدمها. ترتبط المدفوعات ارتباطاً عميقاً بالعادات الثقافية، لذا فإن فهم الفروق الثقافية المحلية أمر بالغ الأهمية. كل سوق لها سماتها الثقافية الفريدة، حتى داخل دول مجلس التعاون الخليجي، ونحن نكيّف نهجنا وفقاً لذلك. على سبيل المثال، يقود قادة محليون العمليات في بلدانهم، ما يضمن أن تكون القرارات مدفوعة بخبرة إقليمية.

ويعكس تطويرنا التكنولوجي هذا الوعي الثقافي، إذ تقود فرق محلية مراكز التقنية في معظم الأسواق. إن التكنولوجيا هي أداة لتحسين الحياة، وليست غاية في حد ذاتها، ومنتجاتنا مصممة لتلبية الاحتياجات المحلية. على سبيل المثال، نحن لا نقدم المنتجات النيجيرية للمواطنين الغانيين، على الرغم من القرب الجغرافي بين البلدين.

أما بناء العلامة التجارية لدينا فيستند إلى 4 ركائز أساسية: الملاءمة، التميز، المعرفة، الاحترام. الملاءمة هي الأساس، إذ نضمن أن تتوافق عروضنا مع احتياجات الأسواق المحلية. نحن نعمل حالياً في 50 سوقاً -على الرغم من أننا لا نملك مكاتب في جميعها- ونواصل تركيزنا على المناطق الرئيسية. ومع النظر إلى المستقبل، قد تشمل خططنا التوسعية آسيا وأوروبا الوسطى والشرقية، مستفيدين من القرب والتشابه بين هذه المناطق والأسواق التي نخدمها. وتُمثل هذه المناطق، التي تقع في نطاق طيران يصل إلى 8 إلى 10 ساعات، فرص نمو واعدة.

مشهد الأعمال المتطور

في الأيام الأولى، هيمنت العلامات التجارية الكبرى للبطاقات الدولية مثل، فيزا وماستركارد وأميركان إكسبرس وديسكفر وداينرز كلوب وبطاقة جيه سي بي (JCB) اليابانية، على المدفوعات الإلكترونية لتشكّل مشهد المدفوعات العالمي.

أما في المرحلة الثانية، فبدأت الدول بتقديم بطاقات ذات علامات تجارية محلية، مثل يونيون باي (UnionPay) في الصين، وروباي (RuPay) في الهند، ومدى (Mada) في السعودية، وميزة (Miza) في مصر، ما وفر بدائل للشبكات الأميركية.

اليوم، في المرحلة الثالثة، أصبح مشهد المدفوعات أكثر تنوعاً من أي وقت مضى. نحن ندعم أكثر من 100 طريقة دفع، بما في ذلك البطاقات المحلية والدولية، والمدفوعات عبر الحسابات البنكية عبر رموز الاستجابة السريعة (QR)، وأنظمة التسوية الفورية التي تديرها البنوك المركزية، وحتى العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs). بالإضافة إلى ذلك، أصبح من الممكن الآن شحن المشتريات على فواتير الهاتف، ما يعكس مجموعة واسعة من خيارات الدفع.

يمكن تلخيص تطور تكنولوجيا المدفوعات في 3 مراحل:

  1. المرحلة الأولى: بطاقات فيزيائية تحتوي على شرائط مغناطيسية تخزن البيانات الأساسية، والتي هيمنت عليها العلامات التجارية الأميركية.
  2. المرحلة الثانية: بطاقات أذكى تحتوي على شرائح مدمجة لتعزيز الأمان والوظائف.
  3. المرحلة الثالثة: التحول إلى التطبيقات المحمولة، والمدفوعات اللاتلامسية، والمصادقة البيومترية. اليوم، يمكن إجراء المدفوعات عبر الهواتف، والأجهزة القابلة للارتداء، أو حتى التعرف على الوجه، ما يقضي على الاعتماد على أي نماذج تعبئة مادية.

لقد تجاوزت المدفوعات الحديثة المواقع المادية أيضاً. إذ يمكن الآن إجراء المعاملات في أي مكان، حتى على ارتفاع 40 ألف قدم في أثناء الرحلات الجوية، ما يعكس الإمكانيات اللامحدودة لأنظمة المدفوعات الحالية. تركز شركتنا على البرمجيات والأجهزة والاتصالات لربط المشترين بالبائعين. نحن نعالج 3.5 مليارات معاملة سنوياً؛ أي نحو 10 ملايين معاملة يومياً، عبر 50 دولة.

التأثير في الأعمال

نحن شركة نشأت في الإمارات، وجذورنا عميقة في مجال المدفوعات الرقمية منذ عام 1994.

في ذلك الوقت، كانت الإمارات تمر بتحول رائع، ليس فقط في تشييد هياكل معمارية، بل أيضاً في بناء رأس المال البشري لابتكار حلول إقليمية. وقد استلهمنا من رؤية البلاد في جعل المستحيل ممكناً، بدأنا بتحويل مجتمع يعتمد على النقد إلى مجتمع يعتمد على المدفوعات الرقمية. في الاقتصاد النقدي، غالباً ما يبقى المال راكداً، ما يُبطئ النمو الاقتصادي. أما المدفوعات الرقمية، فهي تحاكي تدفق الدم في الاقتصاد، إذ تمكّن الأموال من التداول بسرعة، ما يدفع النمو والإنتاجية. وتماماً كما تُعزز البنية التحتية المادية إنتاجية البشر، تُعزز أنظمة المدفوعات الرقمية صحة الاقتصاد.

لقد بنينا برمجيات وحلول بينما كانت الإمارات تبني مستقبلها؛ محققةً إنجازات مثل أطول مبنى في العالم وأفضل شركة طيران. مسترشدين بالالتزام بالتميز نفسه، تبنينا عقلية التحسين المستمر، وطرحنا كل يوم السؤال: "كيف يمكننا جعلها أفضل؟" هذه الفلسفة هي جوهر قيمنا، وتظهر في كل جانب من جوانب عملنا: "ابنِ أفضل كل يوم".

ومن خلال إنشاء بنية تحتية للمدفوعات الرقمية في وقت مبكر، لم نكن ندعم النمو الاقتصادي فحسب، بل مكّنا أيضاً الأعمال الأخرى من الازدهار.

المواطن العالمي

كل شخص يشكّل شخصيته من خلال نشأته والموجّهين الذين يلتقيهم. في بداية مسيرتي المهنية، كان لمؤسسات مثل سيتي بانك دور محوري في غرس عقلية الإمكانيات اللامحدودة. ساعدتُ في إطلاق عمليات سيتي في الهند، انطلاقاً من فريق صغير كان يتصور بنكاً لم يكن موجوداً بالفعل بعد. بنينا كل شيء من الصفر؛ كتابة الأكواد، وإنشاء السياسات، وتوظيف المواهب، وحتى الإشراف على بناء الفروع. كانت تجربة شبيهة بتجربة المؤسس، علمتني الإحساس بالمسؤولية وأهمية الاهتمام بالتفاصيل في كل جانب من جوانب العمل.

مع مرور الوقت، توسعت أدواري على المستوى العالمي. قدتُ عمليات سيتي في جمهورية التشيك وروسيا والمملكة المتحدة وغيرها، وفي النهاية شغلت منصب المدير التنفيذي في أسواق متعددة. جلب كل دور المزيد من المسؤوليات، والتعرض لثقافات متنوعة، ما علمني كيفية التكيف واحتضان وجهات النظر الجديدة. لقد أغنت هذه التنوعات من فهمي للأشخاص والأعمال، وساعدتني على الاستفادة من القوى الثقافية لتحقيق النجاح.

عندما وصلت إلى دبي في عام 2001، بعد العمل في 8 دول، شعرت بأني مستعد للبيئة الديناميكية المتعددة الثقافات في المنطقة. دبي تُجسّد التعايش والفرص، وتجربتي في أسواق مختلفة جعلت الانتقال سلساً. اليوم، تعكس شركتنا هذا التنوع، بموظفين من 50 جنسية يخدمون 50 سوقاً، وهو نتيجة طبيعية لمجموعة المواهب في دبي.

طوال رحلتي، كنت أسعى إلى منحنيات تعلّم حادة، واتخذت أدواراً متنوعة لفهم كل جانب من جوانب النظام البيئي. سواءً في الموارد البشرية، أو التسويق، أو التكنولوجيا، أو المبيعات، كان هدفي دائماً هو إتقان الحرفة وخدمة العميل بصورة أفضل. إن إنشاء بيئة يشعر فيها الناس بالتقدير والدعم أمر بالغ الأهمية. عندما يدرك الأفراد أن إسهاماتهم فريدة وذات معنى، فإن ذلك يعزز النجاح على الصعيدين الشخصي والتنظيمي.

دور المواهب الكبيرة

عندما انضممت إلى نتورك إنترناشيونال، كان هدفي هو رفع مستوى الشركة من جيد إلى عظيم. كانت الخطوة الأولى هي تحديد الجوانب الناجحة بالفعل وتعزيزها. ثم صغتُ استراتيجيتنا على ركيزتين: التسريع والابتكار. ركّز "التسريع" على تعزيز نقاط القوة في الشركة، بينما عالج "الابتكار" المجالات التي تحتاج إلى تحسين بصورة بنّاءة. تجنبتُ اللغة التي قد تُقوّض الثقة، ما ضمِن شعور الفريق بالدعم والتمكين. القيادة، بالنسبة لي، تعني أن أكون جزءاً من الفريق، وأن أعزز التعاون، وأن أعترف بأن أفضل الأفكار غالباً ما تأتي من المجموعة وليس من القائد وحده.

ينبع هذا الاعتقاد من تجربتي في بداية مسيرتي المهنية. بعد حصولي على الماجستير في إدارة الأعمال، كانت أول وظيفة لي تتضمن تحضير القهوة وتنظيف الأرضيات في فرع بنك. قبلتُ ذلك، وفهمت أن لكل دور، مهما صغر، قيمة. ولا يزال هذا المنظور يُرافقني حتى اليوم. من حارس المدخل إلى مُنظفي المكتب، كل دور له أهميته. إذا كانت هناك من وظيفة، فذلك لأنها تخدم هدفاً. إن الاعتراف بقيمة كل مساهمة هو أساس بناء مؤسسة قوية ومتحدة.

المنتجات المتجددة

عندما انضممت إلى الشركة، لاحظت غياب بيان واضح لغاية الشركة (Purpose Statement)، وهو ما كان مفاجئاً. فمن دون ذلك، غالباً ما تفتقر المحادثات إلى التركيز وتُحصر في الربح بوصفه مقياساً رئيسياً للنجاح. على الرغم من أن الربح مهم، فإن الشركات الكبرى تأخذ في اعتبارها أبعاداً أوسع مثل تأثير المجتمع، والرفاه الاجتماعي، ورضا العملاء.

كانت إحدى خطواتي الأولى هي تحديد غاية مستمرة وطموحة: "نساعد الشركات والاقتصادات على النمو من خلال تبسيط المدفوعات والتجارة". هذه الغاية لا نهائية؛ فالنمو الاقتصادي والتجاري لا نهاية له. صُمِّمت هذه الغاية ليتردد صداها عالمياً، عاكسة التنوع الثقافي والخلفيات المختلفة لفريقنا، خاصة في مكان مثل الإمارات حيث يوجد أشخاص من أكثر من 200 دولة.

صُمِّمت الغاية أيضاً لتصمد أمام اختبار الزمن، قد تتطور في المستقبل لكن بما يتماشى مع نمو الشركة ورؤيتها، وليس لأنها وصلت إلى حدودها.

بالإضافة إلى ذلك، كانت منتجاتنا تقليدية إلى حد كبير إبان انضمامي إلى الشركة، وكانت العقلية السائدة هي أن الابتكار المستمر ليس أمراً أساسياً باعتبارنا من رواد السوق. ومع ذلك، لتعزيز ريادتنا وتفوقنا على المنافسين، ركزنا على مجالات رئيسية ثلاثة:

  • الابتكار المرتكز على العميل: تحولنا من التركيز الداخلي إلى التأكد من أن جميع الأفكار وتطوير المنتجات يجري التحقق منها من خلال مدخلات العملاء.
  • دمج تأييد العملاء: رسخنا مبدأ أن نضع العملاء في صميم كل ما نفعله، ونحن فعلاً "نمارس ما نقوله".
  • التطوير التعاوني: أشركنا العملاء في مرحلة مبكرة من عملية تطوير المنتجات، وضمان توافقها مع احتياجاتهم قبل استثمار أكثر من 100 مليون دولار سنوياً في التكنولوجيا.

أصبح هذا النهج التعاوني محورياً في استراتيجيتنا للابتكار.

سرعان ما حددنا العديد من الفرص السهلة ونفذناها، خاصة في الخدمات ذات القيمة المضافة التي سبق اعتمادها في أسواق أخرى ولكنها لم تكن متاحة بعد في أسواقنا. على سبيل المثال، حسّنا أنظمة المعلومات الإدارية (MIS) مع لوحات تحكم تسمح للعملاء بتحليل أدائهم التجاري ومقارنته مع المنافسين والأقران، ما يوفر رؤى قابلة للتنفيذ لاتخاذ قرارات أفضل. كما قدمنا تقنيات لتقليل الاحتيال والمخاطر الائتمانية، ما يساعد العملاء على زيادة الإيرادات وتقليل الخسائر، خاصة في المدفوعات الرقمية. هذا التركيز المزدوج على نمو الإيرادات وتقليل الخسائر جلب فوائد فورية، ما مكّن العملاء من تحسين بيانات الربح والخسارة بفعالية.

الموازنة بين الروح الريادية والاستقرار المؤسسي

الثقة هي مفتاح للتحرك بسرعة، خاصة للقائد، إذ يجب أن تثق بفرقك الأمامية لتعمل دون الحاجة إلى الموافقة المستمرة. لتحقيق ذلك، أعدنا هيكلة الشركة إلى فرق أصغر وأكثر تمكيناً. على سبيل المثال، قسمنا العمليات إلى خطين رئيسيين: أحدهما للمشترين (البنوك) والآخر للبائعين (التجار). مكّننا ذلك من تلبية احتياجاتهم المتميزة بصورة أفضل. كما قسمنا أعمالنا جغرافياً، معترفِين بأن المناطق مثل دول الخليج تختلف عن شمال إفريقيا وجنوبها. ولتلبية الاحتياجات المحلية، تبنينا مبدأ "المدفوعات للأعمال المحلية" وأنشأنا 8 مجموعات جغرافية، كل منها يحتوي على فرق تمكين تتولى مسؤوليات المبيعات والتسويق والتكنولوجيا.

في السابق، كانت التكنولوجيا تُطوَّر مركزياً مع الحاجة إلى موافقة من المستوى الأعلى للاستثمارات. الآن، تتخذ كل مجموعة القرارات بشأن التكنولوجيا وتحدد الأولويات بما يتماشى مع احتياجات السوق المحلية، مع الحاجة إلى موافقة مركزية فقط عندما تؤثر القرارات على الأسواق كافة.

قيمتنا الأساسية "ننتقل بسرعة معاً"، تُبرز أهمية التعاون. بينما قد يكون من السهل تطوير التكنولوجيا، فإن التحدي الحقيقي يكمن في ضمان أنها تلبي احتياجات العملاء وتسهم في نمو الأعمال والاقتصاد.

من الاكتتاب العام إلى الانتقال إلى ملكية خاصة

أدرجنا شركة نتورك إنترناشيونال في بورصة لندن في أوائل عام 2019، ولكن، وبعد ثلاث أو أربع سنوات، لم تعكس أسهم الشركة قيمتها العادلة. فقد أدى عدم الاستقرار الجيوسياسي والأزمات الطبية والتحديات في أسواق مثل إفريقيا إلى خلق تصورات سلبية عن المنطقة. في البداية، كنا نعتقد أن المستثمرين الأوروبيين والغربيين سيقدّرون الديناميكيات بين المخاطر والعوائد في المنطقة، لكن هذا لم يحدث. وبحلول عام 2023، أصبح من الواضح أن الوضع لن يتحسن قريباً.

لمواجهة هذا، بدأت أنا وفريقي بالبحث عن مستثمرين جدد، وأطلقنا لذلك عملية ممنهجة مع الإدارة والمجلس. كانت الشركة مملوكة بنسبة %95 للمستثمرين المؤسسين و%5 للمستثمرين الأفراد، لكن حجم التداول المنخفض جعل من الصعب شراء الأسهم أو بيعها. قررنا أن أفضل خطوة هي إعادة الإدراج محلياً في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تتمركز أعمالنا بصورة رئيسية؛ نحو %65 في الإمارات ونحو %80 في المنطقة. ولكن، بسبب عدم وجود خيار الإدراج المزدوج بين لندن والبورصات في الشرق الأوسط، كان علينا إلغاء الإدراج من لندن وإعادة الإدراج محلياً.

لإتمام هذا الانتقال، أخذنا الشركة إلى الملكية الخاصة من خلال تجمع من شركات الأسهم الخاصة. تم تحديد القيمة السوقية للشركة عند 3 مليارات دولار، وتواصلنا مع عدة مستثمرين. استغرقت العملية عاماً، وشملت إقناع المستثمرين من خلال تقديم عروض تقديمية دقيقة. بدعم من المجلس الاستشاري ومستشارين مثل بي جيه تي بارتنرز (PJT Partners)، وجيه بي مورغان (J.P. Morgan)، وسيتي غروب (Citigroup)، نجحنا في الانتقال إلى شركة مملوكة خاصة.

رؤية للمستقبل

يتمتع مساهمونا الحاليون بفهم قوي للمنطقة، ما يمنحنا أساساً صلباً ويحوّل التركيز من التحديات إلى الفرص. مع مستثمرين مثل بنك أبوظبي الأول (FAB)، وصندوق أبوظبي للتنمية (ADQ)، ومبادلة، وبروكفيلد، ومجموعة العليان، وماستركارد، تتمتع باتصالات قيّمة يمكنها أن تفتح الأبواب وتسهّل التعريف بالشركاء التجاريين الرئيسيين. توفر قاعدة المساهمين هذه دعماً كبيراً للإدارة لدفع النمو والاستثمار.

نحن جدد في أسواق مثل السعودية والمغرب، إذ بدأنا في السعودية منذ عامين وفي المغرب هذا العام، لذا لا تزال هناك إمكانيات كثيرة للنمو في المنطقة. تتطور السوق الإقليمية بسرعة، مع اقتصادات أكثر استقراراً، والآن بعد أن أصبحنا شركة خاصة، فإننا نستكشف أيضاً التوسع خارج المنطقة، إذ تُعتبر منطقة أوروبا الوسطى والشرقية منطقة نمو محتملة.

حالياً، لا توجد أي شركة أخرى تنافسنا في مواقعنا على صعيد المنطقة. وبينما تهيمن البنوك الجنوب إفريقية على جنوب إفريقيا وتبرز بعض معالجات الدفع في شمال إفريقيا، فإننا نتمتع بوجود فريد في 50 سوقاً ضمن دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من وجود منافسة محلية في كل سوق، فإن انتشارنا الإقليمي يعطينا ميزة خاصة في الوقت الحالي.

على مستوى آخر، نحن في نتورك إنترناشيونال، مثل العديد من الشركات، نستكشف تقنيات الذكاء الاصطناعي، بدءاً من التطبيقات الداخلية لتصبح مألوفة مع هذه التكنولوجيا. وباعتبارنا لاعباً رئيسياً في تحريك 120 مليار دولار بين المشترين والبائعين، يجب أن نطبّق الذكاء الاصطناعي بعناية لتجنب تأثير كبير في حال حدوث أي خطأ. حالياً، نستخدم الذكاء الاصطناعي في مجالات ثلاثة لتعزيز الكفاءة وحماية الأعمال:

  • أتمتة العمليات: يُحسّن الذكاء الاصطناعي سرعة العمليات المؤتمتة وكفاءتها، ما يعزز المدخلات البشرية.
  • تقليل مخاطر الائتمان والاحتيال: يساعد الذكاء الاصطناعي على اكتشاف أنماط الاحتيال أو المخاطر، ما يضمن حماية العملاء وإدارة المخاطر.
  • الأمن السيبراني: يعزز الذكاء الاصطناعي تدابير الأمان لدينا من خلال تحديد التهديدات المحتملة أو التسللات.

وفيما يتعلق بالعملات الرقمية، فإننا ندعم الشركات المعتمدة التي تتعامل مع العملات الرقمية في البلدان التي تُنظّمها السلطات المختصة، مثل البنوك المركزية أو وكالات المراقبة.

إن قيمتنا الرئيسية هي "نبني الأفضل كل يوم"، لنضمن عدم التراخي من قِبلنا. فالنجاح والابتكار هما أخبار الأمس، وبعد الاحتفال بالفوز، ننتقل بسرعة إلى التحدي التالي بعقلية "من الصفر".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي