تواجه القطاعات التي تعتمد على الابتكار تحد مستمر للإبقاء عليه، لاسيما في قطاع المستحضرات الدوائية الحيوية، حيث يعد تحويل الجزيئات إلى عقاقير دوائية عملية محفوفة بالمخاطر ومعرضة للفشل.
فعندما أسس فيفيك راماسوامي وفريقه شركة "رويفنت ساينسيس" (Roivant Sciences) في عام 2014 وبدؤوا بتطوير العقاقير لمرض الزهايمر، كانوا قد اتخذوا قرارهم حينها للاستفادة من الجانب الابتكاري في قطاع صناعة الأدوية وإنشاء منصة ابتكار أكثر استدامة. وبعد إجراء تقييمات مكثفة، اتفقوا على إطلاق مبادرتين هما: إعادة تنظيم حوافز الموظفين؛ والإدخال المنظم للمواهب والممارسات الخارجية.
تكاد تكلفة هاتين المبادرتين أن تكون معدومة مقارنة بالمبالغ الضخمة التي تُنفق بهدف تعزيز الابتكار إلا أنّها تذهب سدى. ومع ذلك، فقد نجحوا في جمع عشرات ملايين الدولارات عن طريق الزيادة في قيمة شركة رويفنت. ونرى أن مثل هذه التدابير والخطوات يمكن تبنّيها وتكييفها بنجاح من قبل الشركات الأخرى في قطاع صناعة الأدوية والقطاعات الأخرى التي تسعى إلى تجنب الوقوع في حالة من الركود على الصعيد الابتكاري.
وخلال الفترات السابقة اضطرت رويفنت ساينسيس إلى التعامل مع بعض الحقائق المؤلمة: ففي عام 2016، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على 22 دواء جديداً فقط، وهو أدنى رقم منذ عام 2007. وسمحت الزيادات السنوية في أسعار العلاجات الحالية للقطاع بالحفاظ على مستوى الربحية ذاته، إلا أنه لهذه الإصلاحات قصيرة المدى تكاليفاً باهظة من جانب آخر، حيث انخفض مستوى الرضا العام وزادت إجراءات التدقيق السياسية. وفي استطلاع أجرته مؤسسة غالوب، كان قطاع الصناعات الدوائية أكثر القطاعات الخاصة التي لا تحظى برضا الرأي العام، محتلاً بذلك مرتبة أقل من مرتبة المحامين.
وكانت أولى الجوانب التي عالجتها الشركة هي مشكلة السوء في توزيع الحوافز، إذ إن جميع شركات صناعة الأدوية تقريباً تقول إنها تشجع على المخاطرة، إلا أنه في كثير من الأحيان يؤدي فشل البرامج الفردية لتطوير العقاقير الدوائية إلى حدوث أضرار مهنية أو فقدان الوظيفة للفرق البحثية المعنية.
تفعل الشركات ذلك على الرغم من أنّ الفشل في مثل هذه الحالات يأتي لأسباب لا تتعلق بخبرة وكفاءات الفريق الذي يعمل على البحث غالباً، وإنما تكون أسبابه علمية بحتة في كثير من الأحيان. ونتيجة لذلك، تثبط هذه الفرق ولا تُحفّز لحماية واستكمال البرنامج التطويري، وبالتالي تحويل الموارد عن المسار الصحيح الكفيل بتحقيق النتائج المرجوة من البرنامج.
أطلقت رويفنت، لمحاربة هذه الظاهرة، برنامج مكافآت للفرق التي ترفع العلم الأحمر للبرامج التي يشعرون أنه يجب إيقافها. ولتعزيز مشاركة الموظفين في نجاح الشركة ككل بدلاً من برامج بحثية محددة، تتيح رويفنت خيار امتلاك حصة منها أو من إحدى الشركات التابعة لها لأي فرد من موظفيها. وباستثناء مشاكل الأداء الفردية، فقد وعدت رويفنت جميع أعضاء الفرق البحثية بمناصب جديدة ضمن إحدى الشركات التابعة لها في حال فشل برنامجهم البحثي.
أما مبادرتها الابتكارية الثانية فكانت تهدف إلى تعزيز الانفتاح على الأفكار الجديدة والممارسات الخارجية. وقد يبدو هذا الأمر واضحاً وسهل التطبيق، إلّا أنّه شكّل تناقضاً صارخاً مع الممارسات التقليدية للشركات في قطاع الأدوية المعتمد على التوظيف الداخلي، ومقاومة تبني الأفكار الجديدة، ومنظومة العمل البيروقراطي المتشدد.
دأبت رويفنت ساينسيس منذ تأسيسها على استقطاب العلماء أصحاب الفكر المنفتح والرافضين للأنظمة البيروقراطية التي تحكم القطاع، حيث وصفت إحدى المقالات فريق علماء الشركة أنهم "مجموعة من الفرسان المخضرمين العازمين على قلب موازين قطاع صناعة الأدوية".
وفي الحين ذاته، وظّفت الشركة مواهب من خارج المجال العلمي من قطاعات أخرى مثل المال والخدمات الاستشارية والتكنولوجيا والأوساط الأكاديمية والسياسية، وقامت بتسليمهم أدواراً في مجال تطوير العقارات الدوائية، حيث تتمثل مهامهم في إيجاد أفكار جديدة تعزز من كفاءة العمليات التطويرية للعقاقير الدوائية المشهورة بتكاليفها المرتفعة وتستغرق وقتاً طويلاً.
وكان لهذه المحفزات التي جمعت بين العلماء غير النمطيين والخبرات الأخرى من خارج المجال العلمي تأثير إيجابي قوي. فعلى سبيل المثال، أوضح أحد كبار العلماء في الشركة لأحد الموظفين الجدد من غير العلماء بأن العقبة الرئيسة التي تواجههم في تسجيل المرضى المسنين ضمن التجارب التي تعنى بمرض الخرف تكمن في نقل المرضى من وإلى مواقع الاختبار السريرية، حيث يعد أمر النقل من التحديات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة من المرضى. كما أن إهمال تسجيل بيانات الزيارات السريرية يؤدي إلى تقديم بيانات ذات جودة منخفضة، فضلاً عن التكاليف الباهظة الناجمة عن التأخير في مواعيد الزيارات.
ولمعالجة ذلك، اعتمد الموظفون الجدد على تجارب خارجية لتقديم حلول جديدة، ما أفضى إلى إقامة شراكة عالمية مع شركة ليفت (Lyft) ، والنتيجة كانت توفير خدمة نقل من المنزل إلى موقع الاختبار وبالعكس، ما عزز من آلية تسجيل البيانات وتخفيض التكاليف وتحقيق نتائج بشكل أسرع، حيث أجريت التجربة الرئيسة التي شملت 1150 مريضاً بنجاح في غضون 15 شهراً فقط، متفوقة بذلك على معايير القطاع في دراسات مماثلة.
أدت هذه الحلول الابتكارية في رويفنت ساينسيس مع ذلك إلى نشوء بعض التحديات غير المتوقعة، حيث كان يشعر كبار العلماء في الشركة أنهم على عدم وفاق مع الموظفين الجدد المندفعين للعمل، والذين على حد تعبير أحد الموظفين: "لا يعلمون ما لا يعلمون". وفي الوقت نفسه، كان هناك بعض الأشخاص الجدد الأكفاء من غير العلماء المحتمل قبولهم للعمل في الشركة الذين يخشون الانضمام إلى طاقم عمل الشركة، وذلك ظناً منهم بأنهم لا يصلحون أو قد يفشلون في وظائفهم الجديدة.
وضع فيفيك راماسوامي وفريقه، استجابة للنتائج المستقاة من الاستطلاعات والمقابلات مع الموظفين، خطوات تهدف إلى مواصلة تحفيز الابتكار وإزالة أي عوامل قد تعيقه. ومن ضمن هذه الخطوات: تطوير آلية توظيف قادرة على استكشاف الأشخاص الذين يتمتعون بالمواهب والخبرات الاستثنائية التي تتماشى مع بيئة الشركة غير التقليدية المتمثلة بخليط من العلماء وغير العلماء. بالإضافة إلى برنامج تدريبي جديد لمدة شهرين ضمن الشركة يصمم لكل موظف جديد خصيصاً ويتضمن جلسة لمدة ساعة مع راماسوامي يقدم بها لمحة عن مبادئ الشركة وثقافتها.
وطبّقت الشركة على نحو شبيه بالقطاعات الأخرى، برنامج "خيار التقيد/عدم التقيد" للموظفين الجدد، والذي يمنحهم خيار ترك العمل بالشركة من دون أي شروط ومساعدتهم في البحث عن وظيفة أخرى في حال لم يروق لهم العمل لدى رويفنت ساينسيس بعد فترة 3 أشهر. وبالنسبة للمخاوف المتعلقة بثقافة العمل لدى الشركة، طبقت إدارة رويفنت سياسة الإجازات التي تسمح للموظفين بأخذ إجازات لمدة هم يحددونها، وهذا النوع من السياسات أكثر شيوعاً في قطاع التكنولوجيا من قطاع صناعة الأدوية.
وتتمتع اليوم رويفنت ساينسيس بأسلوبها الابتكاري غير التقليدي، وهذا يتضح جلياً في محفظة منتجاتها من الأدوية التي باتت في مراحلها التطويرية الأخيرة والتي تنافس بها العديد من الشركات الأخرى ذات الموقع الريادي في المنتجات العلاجية التي تتنوع بين الأمراض العصبية وصحة المرأة والغدد الصماء والأمراض الجلدية والبولية والأمراض النادرة. وفي الوقت ذاته، ساعدت الإجراءات التي اتُخذت بخصوص آراء الموظفين على إنشاء بيئة عمل أكثر استدامة قائمة على التعاون والعمل بروح الفريق الواحد.
وتتجلى بعض الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه التجربة: إن اتخاذ خطوات جريئة بخصوص المحفزات، واستقطاب الخبرات والممارسات الخارجية تعد من العوامل الأساسية التي تستند إليها ثقافة الابتكار. ومع ذلك، وكما هي الحال مع جميع الابتكارات، يجب على المسؤولين التنفيذيين أن يبقوا حذرين لأي عواقب سلبية غير متوقعة واتخاذ التدابير الاحترازية للتخفيف منها. كما نجح قادة رويفنت بتأسيس منصة ابتكار قوية، وأدركوا أيضاً مدى الحاجة لمواءمة ثقافة الشركة للحفاظ على هذه الإنجازات المحرزة.