الدروس المستخلصة من النجاح الباهر الذي حققته شركة “جيو”

5 دقائق
شركة "جيو بلاتفورمز"
نور فوتو/غيتي إميدجيز

ملخص: تمكنت شركة "جيو بلاتفورمز" (Jio Platforms) عبر تجربتها الفريدة في التعاون مع عمالقة الشركات التكنولوجية العالمية إلى جانب براعتها المحلية من التعامل مع سوق ضخمة من الزبائن المتوسطي الدخل. إذ يمكنها اليوم بفضل نطاقها الهائل وقدرتها على الابتكار والتعاون الفريد تقديم حلول متكاملة لقطاعات التجارة بالتجزئة والبقالة والتكنولوجيا المالية والقطاع الطبي والزراعي والتجارة الإلكترونية واحتياجات الدفع الإلكتروني، إضافة إلى خدمات الاتصالات والترفيه المنزلي بأسعار معقولة. ويمكن لتلك الخبرات المستقاة، إضافة إلى إمكانية وصول المستهلكين إلى الإنترنت، والفرص التجارية، وحتى فرص الترفيه تغيير حياة أكثر من مليار شخص في الهند. ويستكشف كاتبو هذه المقالة سبب نجاح شركة "جيو" والدروس التي يمكن أن نستخلصها من تطورها.

 

أثبتت شركة "جيو بلاتفورمز" الهندية أنها شركة مزعزِعة باعتبارها أكثر من مجرد شركة اتصالات تقليدية. طُرحت منصة "جيو" بصفتها منصة "تجريبية مجانية" (فريميوم) تقدم خدمات الإنترنت المجانية للزبائن الهنود الذين يتأثرون بالأسعار لزيادة معدل تبني خدماتها وتوسيع نطاق السوق أمامها. لم يكن الزبائن الهنود الذين يبلغ متوسط ​​دخلهم حوالي 150 دولاراً شهرياً قادرين في الماضي على الوصول إلى خدمة الإنترنت بسرعة عالية والعديد من التطبيقات والحلول الرقمية المصاحبة بمثل تلك الأسعار المنخفضة.

لكن بعد فترة وجيزة من طرح خدماتها جذبت شركة "جيو بلاتفورمز" أكثر من 426 مليون مشترك لتصبح أكبر مشغل للاتصالات في الهند. وهي مصنفة اليوم كثالث أكبر شبكة اتصالات في العالم بالنظر إلى عدد الاشتراكات. كما اجتذبت استثمارات وشراكات تكنولوجية من عمالقة الشركات التكنولوجية مثل "إنتل" و"كوالكوم" (Qualcomm) و"ميتا (فيسبوك) و"جوجل"، وهو ما مكّنها من تطوير نموذج فريد من التعاون مع المنافسين. لماذا حققت شركة "جيو" نجاحاً كبيراً، وما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من تطورها؟

إضافة قيمة مبتكرة إلى بيئة عمل الاتصالات

وصفنا في مقال سابق نُشر في "هارفارد بزنس ريفيو" كيف تمكنت شركة "زوماتو" (Zomato)، وهي شركة توصيل طعام من تحويل قطاع بأكمله عبر الاستفادة من التكنولوجيا الحالية. وبالمثل، لم تبتكر شركة "جيو" أي تكنولوجيا جديدة، بل طوّرت بدلاً من ذلك مزيجاً من الاتصال العالي السرعة بالإنترنت وبيئة عمل شاملة للتكنولوجيا الرقمية لم تكن متوفرة في السابق لمعظم الزبائن في الهند. وهي تُعتبر اليوم شركة تكنولوجية حديثة مزعزعة تخلق قيمة فريدة لشريحة من الزبائن المتوسطي الدخل.

وتقدم شركة "جيو" خدمات اتصالات 4 جي وشبكة من التطبيقات بحوالي 15 دولاراً شهرياً. وقد يؤدي هذا الحل الميسور التكلفة، والمصمم خصيصاً للسوق الهندية على نطاق واسع، إلى تحسين الحياة اليومية للشخص العادي، لا سيما أن معظم سكان الهند لا يمتلكون أجهزة كمبيوتر. في حين تؤمّن لهم شركة "جيو" فرص الوصول إلى البنوك والتجارة والموردين والتجار، حيث يمكن لرواد الأعمال الصغيرة تحسين التنسيق بين الموظفين وشركاء سلاسل التوريد في أثناء التواصل مع رواد الأعمال الصغيرة الآخرين والزبائن عبر منصة "جيو مارت" (JioMart)، وهي شبكة بيع بالتجزئة طورتها الشركة. ويمكن للشبكة الناتجة، والتنسيق المحسن، والنقل السلس للمعلومات بين الأطراف أن يقلل من أوجه عدم الكفاءة والهدر والاستغلال الذي ينتج غالباً عن نقص المعرفة وضعف الاتصالات في المناطق الأقل نمواً. كما يمكن لتلك التحسينات أن تخلق أيضاً ما يدعوه خبراء الاقتصاد "فائض الإنتاج والاستهلاك" الذي يوفر قيمة للمجتمع بأسره.

كما يوفر هذا الحجم غير المسبوق فرصاً تجارية رائعة، إذ جمعت شركة "جيو بلاتفورمز" 20 مليار دولار من عمالقة الشركات الرقمية مثل "جوجل" وميتا (فيسبوك) ومن رواد التكنولوجيا المبتكرين مثل "كوالكوم" و"إنتل". وتقدم هذه الشركات العملاقة بدورها خدماتها عبر منصة "جيو بلاتفورمز" بأسعار مناسبة للسوق العامة في الهند. وهو ما يمنح شركة "جيو بلاتفورمز" تقييماً إجمالياً للأسهم بقيمة 72 مليار دولار، الذي يُشاع أنه قد ارتفع إلى حوالي 110 مليارات دولار.

تعزيز بيئة عمل قائمة على الشراكة

يعتقد رئيس مجلس إدارة شركة "جيو"، موكيش أمباني، أن "البيانات هي النفط الجديد". ويُعد تأمين البيانات وإدارتها ومشاركتها أمراً أساسياً لخلق الآثار المترتبة على وجود الشبكات في قطاع الاتصالات. تحسّن كل علاقة جديدة مع زبون ما الإيرادات، كما أنها تقود إلى بيانات إضافية أيضاً، وهو ما يعزز زخم دولاب موازنة البيانات (data flywheel). وقد اكتسبت شركة "جيو بلاتفورمز" بالفعل أكثر من 426 مليون زبون، وتواصل إضافة خدماتها لتعزيز نقاط التماس عبر الاستفادة من بيئة العمل القائمة على الشراكة.

كما توفر شراكات "جيو بلاتفورمز" المتنوعة تطبيقات الترفيه والدفع والصحة والاتصالات والتجارة الإلكترونية. على سبيل المثال، لدى شركة "جيو" شراكات مع منصات بث المحتوى عبر الإنترنت مثل "نتفليكس" و"أمازون" و"ديزني بلاس هوت ستار" (Disney + Hot Star) و"سوني"، وهو ما يوفر للمستهلكين محتوى ترفيهياً لم يكن متاحاً من قبل، في منصة واحدة وبأسعار معقولة. كما تُعتبر منصة "جيو موني" (JioMoney) وسيطاً بين الزبائن والبنوك وبطاقات "ماستركارد" و"فيزا" والتجار لدعم جميع المدفوعات، وهو ما يؤدي إلى تحسين إتاحة قروض الائتمان الصغيرة وتقليل التكاليف في النظام المالي. بالإضافة إلى ذلك، تتيح شركة "جيو" للجهات الفاعلة الأخرى، مثل شركات تصنيع السيارات، التواصل مع الزبائن من خلال تطبيقات مخصصة.

السعي إلى التعاون مع المنافسين

تُعد شركة "جيو بلاتفورمز" مثالاً على التعاون مع المنافسين، أي تعاون الشركات المتنافسة في سبيل تحقيق أهداف مشتركة. كما يسعى عمالقة التكنولوجيا إلى الشراكة مع شركة "جيو" نظراً لتقنياتها المستقبلية (4 جي الآن و5 جي في المستقبل القريب) وبيئة عملها الفريدة. على سبيل المثال، يمكن لشبكة الكابلات القائمة على الألياف الضوئية في شركة "جيو" أن تسهل عمل وحدة تشغيل الألعاب المستندة إلى السحابة "إكس كلاود" (Xcloud) التي طورتها شركة "مايكروسوفت"؛ إضافة إلى عروض "جوجل"، بما فيها "يوتيوب" و"جوجل مابس"؛ وخدمة "واتساب باي" التي طورتها شركة "فيسبوك" وأن تصل إلى مليار شخص في الهند.

وتَعد الشراكة مع شركة "مايكروسوفت" بجلب التكنولوجيا السحابية والبنية التحتية إلى ملايين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في الهند في أثناء إنشاء مراكز بيانات سحابية تساعدها على تلبية احتياجاتها. وقد توفر أنظمة التكامل مع خدمة "واتساب باي" تواصلاً رقمياً بين التجار والزبائن. وعلى الرغم من أن أسعار هواتف 4 جي المحمولة الأساسية في شركة "جيو" بلغت 20 دولاراً للزبائن المنخفضي الدخل، أتاحت الشراكة مع شركة "جوجل" تطوير جيل جديد من الهواتف الذكية للمستهلكين الهنود. يبلغ سعر تلك الهواتف 90 دولاراً تقريباً، وهي مزودة بنظام تشغيل "أندرويد أو إس" وتطبيقات "جوجل" الأخرى المحملة مسبقاً، كما يوفر النظام إمكانية القراءة وتقديم المساعدة الصوتية بـ 10 لغات هندية. كما تهدف الشراكات مع "إنتل" و"كوالكوم" إلى تمكين تطوير خدمات 5 جي وطرحها وتوسيعها.

وغالباً ما تكون مثل تلك الشراكات التي يشارك فيها قادة عالميون متكاملة ومتآزرة، لكن قد يصعب إدارتها. على سبيل المثال، توجد مسألة كيفية تقسيم الإيرادات من أنظمة الدفع بين الجهات الفاعلة، إذ سيرغب الجميع في الحصول على حصصهم من الأرباح.

توفير تجربة رقمية فريدة من خلال الوساطة

يمكن لشركة "جيو بلاتفورمز" بفضل قدرتها على الوصول إلى الزبائن وقدراتها التكنولوجية تشجيع رواد الأعمال في العصر الجديد على تطوير حلول للجماهير وبيعها عبر متاجر "جيو". وجرى بالفعل طرح العديد من تلك التطبيقات. على سبيل المثال، يمكن لتطبيق "جيو هيلث هب" (JioHealthHub) تمكين الأشخاص من الوصول إلى رعاية صحية عالية الجودة والحصول على الاستشارات عبر الإنترنت، في حين تستخدمه المستشفيات لتقديم خدمات الحجر الصحي للمرضى الخارجيين والمرضى المقيمين في أثناء حالات الطوارئ وتخزين السجلات الطبية بشكل آمن. كما تُستخدم منصة "إمبيبي" (Embibe) لتكنولوجيا التعليم والمستندة إلى الذكاء الاصطناعي للتعلم التفاعلي بالشراكة مع الحكومات المحلية لطرح تلك الخدمات في المدارس. وتُستخدم منصة "جيو ميت" (JioMeet)، التي تتسم بفعاليتها من حيث التكلفة وأمانها لعقد المؤتمرات والاجتماعات، وتربط منصة "جيو غلاس" (JioGlass) المعلمين والطلاب من خلال فصول دراسية افتراضية ثلاثية الأبعاد وصور مجسمة. كما يوفر تطبيق البث التدفقي للموسيقى "جيو سافن" (JioSaavn) الموسيقى بالشراكة مع منصات "سوني ميوزك" (Sony Music) و"تي-سيريز" (T-Series) و"تِبس" (Tips) و"ياش راج فيلم" (YRF) و"ساريغاما" (Saregama) و"إيروس" (Eros) و"وارنر ميوزك" (Warner Music). وتشجع منصة "جيو غيمز" (JioGames) مطوري البرمجيات على صنع الألعاب ونشرها على منصات "جيو بلاتفورمز". وتوفر منصة "جيو ديفيلوبرز" (JioDevelopers) مجموعة برمجيات وبنى أساسية لتطوير التطبيقات وإنشائها.

تمكنت شركة "جيو بلاتفورمز" (Jio Platforms) عبر تجربتها الفريدة في التعاون مع عمالقة الشركات التكنولوجية العالمية إلى جانب براعتها المحلية من التعامل مع سوق ضخمة من الزبائن المتوسطي الدخل. إذ يمكنها اليوم بفضل نطاقها الهائل وقدرتها على الابتكار والتعاون الفريد تقديم حلول متكاملة لقطاعات التجارة بالتجزئة والبقالة والتكنولوجيا المالية والقطاع الطبي والزراعي والتجارة الإلكترونية واحتياجات الدفع الإلكتروني، إضافة إلى خدمات الاتصالات والترفيه المنزلي بأسعار معقولة. ويمكن لتلك الخبرات المستقاة، إضافة إلى إمكانية وصول المستهلكين إلى الإنترنت، والفرص التجارية، وحتى فرص الترفيه تغيير حياة أكثر من مليار شخص.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي