على الرغم من إنفاق 2.5 تريليون دولار أميركي سنوياً على الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمياه وغيرها من مشروعات البنية التحتية العامة، لا تزال الدول في جميع أنحاء العالم تخفق في الوصول إلى الحد الذي تحتاج إليه من الاستثمار، وفقاً لأحد التقديرات. وبالتالي، ليس من المستغرب أن يكون هناك اهتمام متجدد بمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تكمل شركات القطاع الخاص استثمارات القطاع العام في مقابل جني الثمار مثل الرسوم. وفي مثال على ذلك، يقترح البيت الأبيض استخدام الاستثمارات الخاصة لتمويل معظم الجزء المقترح من الميزانية الأميركية للإنفاق على مشروعات البنية التحتية، والذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار أميركي.
لكن العديد من مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تخرج عن مسارها الصحيح. على سبيل المثال، اكتشفت مراجعة أجراها الاتحاد الأوروبي لتسعة من هذه المشروعات بين عامي 2000 و2014 أنّ 7 منها كانت متأخرة عن جدولها الزمني وتخطت الميزانية المحددة لها. واكتشف المسؤولون عن مشروع إنشاء طريق سريع بين الولايات بالقرب من مدينة إنديانابوليس الأميركية أنه تجاوز الميزانية المحددة له بنسبة 51% ومتأخر بعامين عن تاريخ الانتهاء المقترح. هذه المتاعب المتداولة لا تجعل مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمثابة مصدر إزعاج عام (أو أكثر) فحسب، بل تخلق عقبات سياسية كبرى يجب تخطيها عند الحاجة إلى تمويل خارجي لأحد مشروعات البنية التحتية الضرورية.
مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الإخفاقات، حققت بعض مبادرات الشراكة بين القطاعين العام والخاص نجاحاً كبيراً، وتقدم هذه المبادرات مجموعة من الدروس القيّمة عن إدارة أي مشروع كبير يضم العديد من المؤسسات - انظروا إلى التحولات الرقمية التي تضم العديد من شركات الاستشارات والتدريب وعمليات الدمج والتكامل وتنصيب برمجيات الشركات ونقل المقرات الرئيسية للشركات، وغيرها.
وتعد الحكمة المستفادة من إدارة هذه المشروعات هي أنّ العقود الصارمة والتطبيق الأكثر صرامة لها يزيد فرص نجاح المشروع. لكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، أجرينا مقابلات بحثية مع 72 مديراً من مؤسسات تقدم وتمول استشارات قانونية، وتدير مشروعات وتقدم استشارات لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في أميركا الشمالية. وأخبرنا العديد ممن أجرينا معهم المقابلات أنّ التركيز على بنود العقد جعل الشركاء يتصرفون في كثير من الأحيان كأعداء وليس كحلفاء. وقال مدير إحدى الوكالات شبه الحكومية في كندا: "يفضل عملاء القطاع العام إبرام عقود صارمة قمعية تنحاز بشدة لطرف واحد، وهو ما يبدأ العلاقة بين الشركاء بطريقة خاطئة". وأخبرنا آخرون أن المتعاقدين يستغلون بنود العقد في كثير من الأحيان لزيادة أرباحهم على حساب المشروع.
كانت هناك شكوى متكررة أخرى تتمثل في أن التركيز الشديد على الالتزام بمراحل المشروع صرف الانتباه اللازم بعيداً عن مراقبة صحة علاقات العمل بين الكيانات العامة والخاصة. وقال مستشار أحد هذه المشروعات في الولايات المتحدة: "تُعد الشراكة مهمة للغاية. إذ لا يدرك الكثيرون أن الناس يعتادون على سلوك مألوف بشكل سريع. إنهم مثل زوجين تزوجا بعد موعدين غراميين فقط، إذ لا تكون لديهما أساليب لحل الأمور معاً".
ومن خلال هذه المقابلات، سمعنا عن أساليب غير مألوفة يستخدمها قادة معظم المشروعات الناجحة لمنع هذه المبادرات الكبرى - التي تنطوي على مخاطر عالية - من التأخر عن جدولها الزمني أو تجاوز الميزانية المحددة لها أو كلا الأمرين. ووجدنا أنّ نجاح المشروع لم يكن له تأثير يُذكر في محاولة إجبار جميع الأطراف على الالتزام بالتعهدات التعاقدية الصارمة. بدلاً من ذلك، عندما درسنا العوامل التي أدت إلى علاقات عمل مثمرة خلال مدة هذه المشروعات، اكتشفنا أنها كانت تتميز بثلاثة أمور مشتركة: 1- الالتزام بشراكة قوية خارج إطار بنود العقد، 2- آليات مدمجة لمشاركة وجهات النظر حول المشروع (لاسيما المشكلات والمخاوف)، 3- أساليب فعالة للتحول من الفشل إلى الإنجاز.
التزامات شخصية ملحوظة خارج إطار العقد
هناك قاعدة بسيطة لكن صعبة التحقيق تكمن في صلب مشروعات البنية التحتية الناجحة بشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي: أنه يجب على كل طرف الالتزام بتحقيق أهداف الآخرين بقدر التزامه بتحقيق أهدافه.
العقود وحدها لا يمكن أن تحقق ذلك: يمكن للوثائق القانونية أن توضح الأمور التي يجب أن تسير على نحو صحيح (مثل الإنفاق والمسؤوليات والخطوات والتسليمات والتواريخ) وماذا يحدث عندما تسير الأمور على نحو خاطئ. لكنها لا يمكنها توقع كل الأمور التي قد تسير على نحو خاطئ، ولا توفر خارطة طريق لكيفية إصلاح الأمور سريعاً. وهذا يتطلب من القادة من كل كيان أن يعربوا بانتظام عن اهتماماتهم ومخاوفهم، والمساعدة في حلها. ويتمثل جزء مهم من هذا في إقرار كل طرف بالمصالح التي ربما لم يذكرها في عقود المشروع، والتي قد لا تكون محل اهتمام الأطراف الأخرى.
عندما بدأت هيئة الطرق والمرور في أستراليا (التي تُعرف الآن بـهيئة الطرق والخدمات البحرية) مشروع تمديد طريق المحيط الهادئ السريع بمسافة 408 أميال (657 كيلومتراً) عام 1996، كان مشروع طريق "بالينا" الجانبي أحد أول المشروعات. إذ تضمن مشروع إنشاء طريق بطول 7.5 أميال في ولاية نيو ساوث ويلز مشاركة 5 مؤسسات تقدم خدمات التصميم والتعاقد والخدمات الجيوتقنية. كان المشروع يمثل تحدياً تقنياً كبيراً لأنه كان يجب إنشاء الطريق على أرض ضعيفة. وكانت هيئة الطرق والمرور تعول كثيراً على نجاح مشروع طريق "بالينا" الجانبي؛ لأن مثل هذه العقود كانت جديدة نسبياً في البلاد، وكان الضغط على الهيئة هائلاً.
لم تكن المؤسسات معتادة على العمل معاً؛ لذلك كان عليها وضع مبادئ تشغيلية للمشروع. وكانت هذه المؤسسات بحاجة إلى أن تبرهن باستمرار لهيئة الطرق والمرور أنها كانت تعمل معاً كفريق متكامل يتبادل الأفكار المبتكرة ويحل المشكلات التقنية المعقدة التي تظهر (وكان هناك العديد من هذه المشكلات).
عيّنت المؤسسات أشخاصاً في ثلاثة أدوار لتعزيز علاقات العمل بينها: مدير تحالف وفريق قيادة التحالف وفريق إدارة التحالف. ثم استعانت الفرق بخبراء وظيفيين ودربتهم ليكونوا قادة مسؤولين عن تحقيق مقاييس رئيسية في مجالاتهم. كان هؤلاء الخبراء الوظيفيون يتواصلون أسبوعياً بشأن حالة المشروع مع فريقيّ قيادة وإدارة التحالف، ومن خلال الاجتماعات التي تُعقد كل أسبوعين ورسائل البريد الإلكتروني المنتظمة والزيارات الميدانية الأسبوعية.
كل هذا كفل للمؤسسات الخمس الاطلاع على مشكلات المشروع وحلها معاً. كذلك مكّن تدريب القيادة الخبراء الوظيفيين من تعلم كيفية حل المشكلات بشكل بناء. ووقعت إحدى هذه المشكلات قرب نهاية المشروع، عندما كان يجب على بناة الطريق إضافة حشوة باهظة التكلفة - أكثر مما كان متوقعاً في البداية - لدعم الأرض الضعيفة. تقبل جميع الشركاء هذا الواقع، على الرغم من أنه قلص أرباحهم، وذلك تماشياً مع مبادئ الربح والخسارة المشتركة التي وضعوها لهذه الشراكة.
وكانت النتيجة أنهم أنهوا العمل قبل سبعة أشهر من الموعد المحدد وبتكلفة أقل 100 مليون دولار عن التقديرات في المرحلة الأولى من التصميم.
مناقشة الاختلافات بلا جدال
خلال عملنا الاستشاري والمقابلات التي أجريناها، وجدنا أنه من النادر أن يشير شركاء هذه المشروعات إلى اهتماماتهم تجاه أي مشروع خارج إطار أهدافهم المشتركة. تشمل مثل هذه الاهتمامات غير المعلنة التعامل مع الحد الأدنى من الشكاوى العامة، واكتساب سمعة جيدة للظفر بمشروعات الشراكة المستقبلية وتحقيق ربح من المشروع (حتى لو كان قليلاً). يُعد الإفصاح عن مثل هذه الاهتمامات بصراحة وصدق عاملاً مهماً لنجاح المشروع.
لكن لماذا يعد الإفصاح عن هذه التصورات غير المعلنة مهماً للغاية؟ لأن فعل ذلك ينزع فتيل - أو على الأقل يقلل - الأزمات الحتمية التي تتصاعد سريعاً عندما تكون تصرفات الأشخاص ودوافعهم محل تساؤل.
وعندما لا يؤدي أحد الأطراف الدور المطلوب منه كما كان متوقعاً - مثل أن يفوّت موعد تسليم، أو لا يرتقي أداؤه إلى الجودة اللازمة، أو يغفل عن إحدى الخطوات - قد تتسرع الأطراف الأخرى في الحكم عليه. وعلى مدى العقدين الماضيين، استمعنا لآراء مثل "إنهم يتساهلون فحسب"، و"إنهم لا يهتمون بالجودة"، و"لم يعودوا يستعينون بأفضل العناصر في المشروع" خلال هذه المشروعات.
وتكمن مشكلة هذه التصورات في أنها قد تثير الشكوك بين الشركاء وتؤدي إلى اتخاذ تدابير مضادة تزيد الأمور سوءاً. وكانت الطريقة التي اتبعها شركاء مشروع طريق "بالينا" الجانبي لتقليل مثل هذه الآثار السلبية هي عقد اجتماعات أسبوعية لأعضاء فريق التحالف. ساعدت مثل هذه الاجتماعات الشركاء على التحول من إلقاء اللوم على بعضهم بسبب المشكلات إلى تحمل المسؤولية معاً لحلها. كذلك أدت هذه الاجتماعات إلى انخفاض معدل انسحاب الموظفين من المشروع إلى 5% فقط، وهو أقل بكثير من المعدل المتوسط في هذه الصناعة الذي يتراوح من 20% إلى 25%.
الاعتراف بالإخفاقات وتصحيحها سريعاً
تُعد مشروعات البنية التحتية التي تتم بالشراكة بين القطاعين العام والخاص جزءاً حيوياً من النسيج الاقتصادي لأي دولة. إذ يمكن أن تصبح صحة سكان أي منطقة وقاعدتهم الصناعية ووظائفهم السياسية على المحك إذا لم يكن هناك التزام بمواعيد التسليم النهائية في هذه المشروعات، وإذا تجاوزت ميزانياتها الحد المسموح، وإذا ظهرت مشكلات في الجودة؛ ما يشكل بيئة قاسية على مدراء وقادة المشروعات بصفة خاصة. وفي بيئة عمل كهذه، من الطبيعي أن يتجاهل أعضاء الفريق المشكلات الصغيرة، وأن يتأخروا عن الجدول الزمني، وأن يلقوا اللوم على الآخرين، وأن يخفوا آثارهم. في المقابل، يعترف أعضاء الفريق في مشروعات الشراكة الناجحة بالفشل عندما يحدث، ثم يتصرفون بسرعة لتصحيح هذه الإخفاقات. وبهذه الطريقة، فإنهم يستخدمون هذه الإخفاقات كفرص لتقوية التزامهم بالشراكة.
ولن يتحقق هذا الوفاق إلا عندما يتفق الشركاء من البداية على كيفية تعاملهم مع المشكلات الحتمية، وقبل فترة طويلة من إبرام أي عقود. لقد وجدنا أنّ هذا أمر مهم لتدريب المتعهدين الرئيسيين في أحد مشروعات الحفر البحري الفاشلة، والذي يكلف مليارات عدة من الدولارات. وفي حين أنها كانت شراكة كاملة بين شركات من القطاع الخاص، فإن الدروس المستفادة منها مهمة أيضاً لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لم يتمكن المتعهدان من الوفاء بمواعيد التسليم النهائية واختلفا بشدة حول كيفية إعادة المشروع إلى مساره الصحيح. ألقى المتعهدان باللوم على بعضهما في فشل المشروع وكانا بالكاد يتحدثان معاً لدرجة أقل من الحد الأدنى من التواصل اللازم لإنجاز العمل. بالإضافة إلى ذلك، تسبب متعهد فرعي رئيس - يقع في منطقة زمنية مختلفة - في تعقيد الأمور أيضاً، متجاهلاً طلبات بالعمل أسرع.
ولإعادة علاقتهما ضمن إطار العمل، عقد المتعهدان جلسات تمكن أعضاء الفريق خلالها من التعبير عن العقبات واقتراح أساليب لتذليلها. ولقد يسرنا إجراء حوارات بناءة حول هذه المشكلات، بما فيها عدم ثقة كل شركة في الجدول الزمني الخاص بالشركة الأخرى (لم تصدق فرق إحدى الشركتين تصريح الشركة الأخرى بأنها لم تحدد وقتاً أكثر من اللازم في الجداول الزمنية للمشروع). وتحول تركيز الشركاء من الانشغال بمواعيد التسليم النهائية إلى قطع الوعود بإنجاز العمل. بالإضافة إلى ذلك، التزم قادة المشروع في الشركتين بتحقيق انتصار قصير المدى، وهو الحصول على موافقة الجهات التنظيمية بنهاية العام. وهذا بدوره تطلب من كل شركة الموافقة على إكمال وثائق التصميم الفني اللازمة للحصول على الموافقات الإنشائية وإثبات التزامهم بمعايير السلامة والجودة.
هذه الجهود أظهرت ما تعنيه شراكة العمل الحقيقية، وتمكن الفريقان من تحقيق أهدافهما المتفق عليها بشكل متبادل. وساعدهم هذا في تحويل علاقة العمل بينهما إلى الأفضل خلال ما تبقى من المشروع.
بناء شراكات أفضل
تنطبق الدروس المستفادة من الآليات التي تؤدي إلى نجاح أفضل الشراكات بين القطاعين العام والخاص على أي مبادرة كبرى تكون فيها أكثر من مؤسسة مسؤولة عن نجاحها. يجب أن تعني كلمة "شريك" حقاً أننا "مسؤولون عن هذا الأمر معاً"، وهو الشعور الذي لا يمكن أن يثبته أي عقد. وكما قال أحد مدراء مشروعات البنية التحتية بالشراكة بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة: "يمكن تعريف النجاح على أنه موقف ينتهي فيه المشروع في الوقت المحدد وبالميزانية المحددة، ويكون كل المشاركين في المشروع سعداء مع نهاية التجربة". ويكون لدى قادة المشروعات الذين لديهم خطة واضحة لكيفية تحقيق أهداف المشروع والحفاظ على قوة علاقات العمل بين جميع الأطراف طوال العملية احتمالية نجاح أكبر بكثير من غيرهم.