متى عليك التفكير في شراء شركة صغيرة؟

5 دقائق

لقد درّسنا لمدة خمس سنوات في كلية هارفارد للأعمال مادة تحضّر الطلاب للبحث عن شركة صغيرة وشرائها وإدارتها بالشكل الصحيح. ولقد كانت هذه المادة تُدرّس دائماً في الفصل الدراسي الربيعي من السنة الثانية ضمن برنامج دراسي يمتد لسنتين.

ولما كان تخرّج الطلاب وهم يدرسون هذه المادة يلوح في الأفق القريب، كنا نطلب منهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيبحثون بعد تخرجهم عن شركة يشترونها، ومتى سيقومون بذلك. وفي كل سنة كان حوالي ثلث الطلاب الذين يقارب عددهم 80 طالباً يقررون أنهم سيباشرون في البحث عن شركة يشترونها بعد التخرج مباشرة؛ كما كان ثلث الطلاب يُفيدون بأنّ هذا المسار المهني لا يعنيهم، على الأقل في المدى المنظور؛ في حين كان الثلث الباقي من الطلاب يقولون أنهم يخططون للعمل لبعض الوقت بهدف تعلم المزيد عن الشركات والأعمال والإيفاء ببعض الالتزامات وتسديد بعض الديون، لكنهم بكل تأكيد سيباشرون في البحث في غضون سنتين على الأكثر عن شركة خاصة يشترونها.

وهنا تكمن المشكلة: فبحسب ما نعلمه لا يقوم سوى واحد أو اثنان من أولئك الطلاب في الواقع بترك وظائفهم بعد عدة سنوات من أجل البحث عن شركة للشراء. وبغض النظر عن غايات طلاب تلك المجموعة الثالثة وعن المنطق الذي يحتكمون إليه، فإنّ الواقع يشير إلى أنهم من النادر أن يقوموا فعلاً بالبحث عن شركة يشترونها في غضون السنوات الخمس الأولى بعد تخرجهم من كلية الأعمال.

ولما كنا نرغب في دراسة مسألة ما إذا كان هنالك وقت محدد "مناسب" للبدء بالبحث عن شركة للشراء، ركزنا اهتمامنا على الأسباب المؤدية إلى هذا التناقض بين ما يقوله طلاب المجموعة الثالثة وما يفعلونه فعلاً (غير انعدام الدقة في التعبير عن الذات)، وعلى كيفية تفاديه، وعلى ما يمكن أن نتعلم منه حول الوقت المثالي لخوض هذا المسار المهني. وفي ما يلي ما توصلنا إليه.

أولاً. لا شك في أنك تتعلم الكثير عن الشركات والأعمال عندما تشغل وظيفة تقليدية بعد دراستك في كلية الأعمال، لكن ما تتعلمه يختص بالأعمال التي تهمك في وظيفتك. وإذا ما شغلت وظيفة بعد حصولك على ماجستير إدارة الأعمال في مجالات العمل التقليدية كالاستشارات والأسهم الخاصة والخدمات المصرفية الاستثمارية، فإنك ستتعلم الكثير حول الشركات الكبيرة التي تصل قيمتها إلى مئات ملايين أو مليارات الدولارات.

أما الشركات الصغيرة التي تتراوح أرباحها السنوية بين 750,000 و2,500,000 دولار، فإنها لا تتعامل مع الشركات الاستشارية الكبرى أو المصارف الاستثمارية وهي صغيرة جداً لكي تلفت انتباه شركات الأسهم الخاصة. وإذا كانت وظيفتك تتعلق بالخدمات المالية، فإنك مرة أخرى لن تتعامل كثيراً مع الشركات الصغيرة، لأنها لا تشكل حاملاً فعّالاً للاستثمارات المؤسساتية.

إذاً، مع أنّ أولئك الذين يفضلون تأجيل البحث عن شركة للشراء، ويشغلون هذا النوع من الوظائف التقليدية، يتعلمون الكثير حول الأمور المرتبطة بوظائفهم، إلا أنهم لن يتعرفوا على الكثير حول الشركات الصغيرة. فحتى بعد عملهم لسنوات عدة في وظائفهم، لن يتخلصوا من وجود ثغرات في مهاراتهم وخبراتهم في مجال الشركات الصغيرة.

ثانياً. يخبرنا بعض الطلاب أنهم يريدون أن يشغلوا وظيفة تقليدية بهدف جمع رأس المال اللازم للبحث عن شركة يشترونها، وذلك من خلال الادخار. غير أنّ ذلك صعب جداً في الواقع. ففي حين تتباين تكلفة البحث عن شركة خاصة تبايناً كبيراً تبعاً لمتغيرات تلك العملية، إلا أنّ غالبية الطلاب يحاولون ضمان مبلغ 100,000 دولار في متناول أيديهم قبل الشروع  في عملية البحث.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل بوسع المرء ادّخار مبلغ 100,000 دولار من خلال عمله في وظيفة تقليدية؟ لنفترض أنّ مرتّب من يحمل شهادة ماجستير في إدارة الأعمال إذا ما شغل وظيفة تقليدية بعد تخرجه قد يصل إلى 150,000 دولار في العام (بما في ذلك العلاوات، لكن من دون المزايا غير النقدية كالضمان الصحي وما إلى ذلك). وبعد اقتطاع الضرائب الاتحادية والحكومية، يبقى مبلغ 90,000 دولار. اطرح من هذا المبلغ تكاليف السكن (حوالي 3,000 دولار شهرياً بدل استئجار شقة بغرفة نوم واحدة في مدينة نيويورك، حيث موقع العديد من مثل هذه الوظائف). وهكذا نكون قد وصلنا إلى مبلغ 54,000 دولار قبل شراء أي من الاحتياجات الأساسية كالغذاء والمستلزمات المنزلية والثياب أو وسائل التسلية والترفيه أو الذهاب في العطلة السنوية.

وباعتماد تكلفة للمعيشة في نيويورك تبلغ ضعفي تكلفتها الوسطية في البلاد، فإنّ تقديراتنا تُشير إلى أنه باستطاعتك، إذا ما التزمت الانضباط في الإنفاق، ادّخار مبلغ يتراوح بين 10,000 دولار و20,000 دولار في العام الواحد تخبئه لمشروع بحثك عن شركة خاصة. وفي جميع الأحوال سيتطلب منك الأمر أكثر بكثير من سنتين اثنتين لجمع مبلغ 100,000 دولار بغية تمويل مشروعك بنفسك. قد يحدث أن يستفيد أولئك المدّخرون من مدخراتهم للشروع بالبحث عن شركة خاصة يشترونها بتمويل ذاتي، غير أننا سنلاحظ أنّ السنتين المفترضتين قد أصبحتا خمس أو عشر سنوات.

وماذا عن الطلاب الذين يتحملون أعباء القروض الدراسية، أو الذين قد تلقّوا منحة من الشركة التي يعملون فيها لمتابعة دراستهم والحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال؟ لقد وجدنا أنّ الطلاب الشغوفين والمتحمسين فعلاً لشراء أو إدارة شركة صغيرة خاصة بهم غالباً ما يجدون طرقاً مبتكرة للوفاء بالتزاماتهم من دون اللجوء إلى شغل الوظائف التقليدية في شركة كبرى. على سبيل المثال كان من بين طلابنا من قرروا البحث عن شركة يشترونها بعد تخرجهم مباشرة، على الرغم من أنّ دراستهم للماجستير كانت ممولة من الشركات التي كانوا يعملون فيها سابقاً.

لقد اتفق أولئك الخريجون مع شركاتهم الممولة بأنّ قيمة التزاماتهم تقارب 150,000 دولار، وبأنهم سيحولونها إلى قرض واجب الدفع بعد إتمام عملية الشراء أو الاستحواذ. وهكذا عمد أولئك الخريجون الذين يبحثون عن شركة للشراء إلى إدخال تكاليف القرض ضمن تكاليف عملية الاستحواذ، الأمر الذي أتاح لهم البدء بالبحث عن شركة خاصة يشترونها بعد تخرجهم مباشرة. ولا شك في أنّ 150,000 دولار مبلغ كبير من المال، غير أنه لا يشكل سوى جزء بسيط من تكاليف عملية الاستحواذ التي تتراوح بين 6 ملايين و10 ملايين دولار، بحيث يتفرغ الباحث إلى تحقيق ما يصبو إليه فعلاً – ألا وهو إيجاد شركة مناسبة يشتريها ويديرها بنفسه. ومع أنّ الوظيفة التقليدية التي تُتيح تلقّي الأجر بانتظام تُعدّ فرصة مناسبة لتسديد القروض الدراسية، إلا أنّ ترتيبات مشابهة لتلك التي ذكرناها سابقاً يمكن أن تكون متاحة في هذه الحالة أيضاً.

كل ذلك يدفعنا لطرح سؤال مهم: إذا قررت استحواذ شركة لتديرها بنفسك في وقت لاحق من مسيرتك المهنية، فهل عليك أن تدفع أثماناً إضافية بسبب تأخرك؟ لقد وجدنا أنّ أولئك الطلاب الذين شغلوا وظائف تقليدية لعقد أو أكثر من الزمن قبل أن يشرعوا بالبحث عن شركة للشراء، مثلهم في ذلك مثل الذين بدؤوا بحثهم بعد تخرجهم مباشرة، قد لجؤوا إلى أساليب متنوعة لتمويل عملية بحثهم وهم على استعداد للبحث في طيف واسع من قطاعات العمل؛ غير أنهم يميلون إلى تحديد خياراتهم الجغرافية أكثر من أولئك الذين شرعوا بالبحث بعد تخرجهم مباشرة. غير أننا في العموم لم نجد أية ميزة كبرى ولا أية سلبية كبرى في الشروع بالبحث بعد انقضاء مدة من الزمن في الوظيفة. لعلّ هذه النتيجة تسرّ أصحاب نهج الوظيفة التقليدية، ولكنها بالنسبة إلينا تثبت صحة وجهة نظرنا بأنّ غالبية الناس لا يتعلمون الكثير في وظائفهم التقليدية التي يشغلونها بعد تخرجهم حول شراء الشركات الصغيرة وإدارتها، وبأنّ غالبية الناس غير قادرين على ادّخار مبلغ ملحوظ من المال من وظائفهم التقليدية بهدف تمويل بحثهم عن شركة خاصة تمويلاً ذاتياً.

وهذا بدوره يعيدنا إلى سؤالنا الأساسي حول ما إذا كان هنالك وقت مناسب للانطلاق بالبحث عن شركة للشراء أم لا. ولما كنا لا نرى سوى فارق طفيف بين نهج الذين يشترون شركة صغيرة مبكراً ونهج الذين يقومون بذلك بعد فترة من الزمن، فإننا نجد أنّ ريادة الأعمال من خلال الاستحواذ على شركة صغيرة وإدارتها ذاتياً يمكن أن تنجح في أية مرحلة من مراحل مسارك المهني، فليس هنالك من "وقت مناسب" لذلك. وإنّ شغل وظيفة تقليدية بعد الحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال لبضع سنين لا يجعل الأمور أكثر سهولة –لكنه لا يجعلها أيضاً أكثر صعوبة. غير أننا نرى في الوقت ذاته أنّ المبررات التي تُطرح عادة كسبب لتأجيل البحث عن شركة خاصة والسعي عوضاً عن ذلك إلى شغل وظيفة تقليدية بعد الحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، إنما هي مبررات غير منطقية ولا أساس لها. وهكذا، إذا أردت أن تبحث عن شركة تستحوذها وتديرها بنفسك بعد التخرج مباشرة، حتى ولو كان لديك التزامات مالية مترتبة عليك من دراستك، فلا تتردد في القيام بذلك. وإذا لم تجد الوقت مناسباً لذلك الآن، لأسباب مهنية أو أسرية، فإنك قد تجد الوقت مناسباً لذلك لاحقاً. لكن تمسّك بحلمك، فهو أثمن من أن تتنازل عنه بهذه البساطة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي