كيف ترى شخصية الرئيس التنفيذي الناجح؟ يُحكى ذات مرة، أنه كان هناك مدير كبير متنور في مؤسسة يتحدث بصراحة عن تقاعده القريب، فقال: "أنا قلق حول المرحلة القادمة من حياتي. ولست متأكداً مما ستكون عليه حياتي دون عملي. كيف سأقضي أوقاتي؟ وكيف سأواجه حقيقة أنه يمكن استبدالي بشخص آخر؟ وأن العالم يمكنه الاستمرار وسيستمر فعلاً من دوني؟ وكيف سأتمكن من استشعار شخصيتي، وقوتي، وشركتي ومعنى لحياتي فور تقاعدي؟". ثم أضاف: "عندما تزوجت، أقسمنا أنا وزوجتي على البقاء معاً على الحلوة والمرة، في الفقر والغنى، ولكن ليس وقت الغداء، كيف سنمضي كل ذلك الوقت معاً؟".
وبعد تفكير عميق، استطاع هذا المدير إيجاد الإجابات عن تلك الأسئلة، وتمكن من التصالح مع دورة التغيير العظيمة في الحياة، وسمّى شخصاً موهوباً ليخلفه، حيث أعدّه ليتسلم زمام الأمور، ثم تقاعد. وعاش هو وزوجته وخليفته ومؤسسته جميعاً بسعادة إلى الأبد.
للأسف، هذه قصة خيالية في عالم الأعمال الحقيقي. فمعظم المؤسسات لا يستطيع كبار مدرائها تقبّل فكرة التقاعد. وبناء على بحث أجراه تشامورو بريموزيك في شركته "هوغان أسيسمنتس" (Hogan Assessments)، بالإضافة إلى عمل الإشراف والتدريب الذي قام به الكاتب الآخر داتنر، تعرّفنا على أربعة سيناريوهات شائعة جداً للخلافة على الإدارة. في كل واحد منها نجد أن شخصية المدير الذي يجب عليه التقاعد تساعد في توضيح وتفسير ما يحصل.
عدم وجود خليفة أو خطة للخلافة
عند البحث عن شخصية الرئيس التنفيذي فإن بعض كبار مدراء المؤسسات يرفضون ببساطة حقيقة وجوب تقاعدهم. ولذلك يفشلون في تسمية خليفة لهم. ويرفضون مناقشة خططهم ويتابعون أعمالهم كما لو أنهم سيبقون في مناصبهم إلى الأبد. وهذا النموذج موجود بكثرة بين كبار الإداريين الذين ينخفض لديهم مستوى التأقلم، ويمكن اعتباره المصطلح السيكولوجي الذي يعبّر عن حالة الهدوء والاتزان. فالأشخاص الذين لديهم مستوى منخفض من التأقلم يملكون قابلية للمرور بحالة من الفزع والقلق أكثر من احتمال قيامهم بتغيير كبير في حياتهم. بالإضافة إلى أنهم لا يعتقدون بوجود من يستطيع الحلول محلهم وتسلم المنصب بعدهم.
ولتجاوز هذه المشكلة، يحتاج كبار المدراء النظر إلى الإنجازات على أنها تركاتهم طويلة الأجل بدلاً من اعتبارها نتائج آنيّة أو أنها سبب لتمديد بقائهم في مناصبهم. فقد يصعب عليهم وضع خطة للخلافة ببساطة لأنهم لا يجيدون التخطيط. فلربما كانوا أشخاصاً مهمين يواجهون صعوبة في إدارة مجالات مغايرة لمجالاتهم في العمل والحياة. إذ يحتاج كبار المدراء الأقل تنظيماً وانضباطاً إلى تشجيع ودعم إضافيين طوال عملية التخطيط.
وبغضّ النظر عن سبب تردد المدير في اختيار خليفة له، يجب أن تمتلك المؤسسات مجموعة سياسات صارمة للخلافة لا استثناء فيها، بحيث يُفرض بموجبها على كل واحد من كبار الإداريين إعداد شخص واحد على الأقل وتجهيزه، ولو جزئياً، لتسلم المنصب عند الحاجة إليه.
تجاوز اضطرابات تعيين خليفة
إذ يصعب التعامل مع المدراء الذين لا يتخذون أي خطوة لوضع أو تطبيق خطة للخلافة، إلا أن الأمر يصبح أشد صعوبة عندما يتظاهر المدراء بوضع خطة أو يقاومون عملية الانتقال بشكل سلبي. وبحسب مراجعات التحليلات الأولية، فإن المدراء المتباطئون (وهذه صيغة ملطَّفة بمعنى "عدائي") يُظهرون أنهم ينصاعون للمطلب القانوني بإيجاد خليفة لهم، ولكنهم يأتون بحجج كثيرة لعدم إمكانية إيجاده. حتى إنهم في بعض الأحيان يجرون عدة مقابلات مع مرشحين من داخل المؤسسة وخارجها لإثبات أنهم يحاولون إيجاد خليفة لهم. ولكنهم سيجدون بعد ذلك عدة أسباب لعدم العثور على أي مرشح مناسب. وربما يقول المدير أن الأمر يحتاج إلى أكثر من شخص واحد ليحل محلّه. أو يقدم عرض العمل لأشخاص يثق تماماً أنهم لن يوافقوا على طلبه فتكون حجة أُخرى لعدم تعيين أحد. حيث يفكر هذا النوع من المدراء أنهم إذا لم يجدوا من يصلح لتسلم المنصب مكانهم، فلن يتم استبدالهم، وبذلك يستطيعون اختيار الوقت والطريقة المناسبين لتقاعدهم بأنفسهم.
ويجب على مالكي الأسهم في المؤسسة إيلاء المزيد من الاهتمام للمدراء المتباطئين. والحرص على مراقبة تقدمهم كي يتمكنوا من محاسبتهم على جهودهم ونتائج عملهم. وعلى المؤسسات أن تقول لكبار مدرائها أنه إذا لم يكن هناك من يصلح أن يكون بديلاً عنهم فذلك يزيد من احتمال إقالتهم في وقت أقرب وبالشروط التي تضعها المؤسسة، لا أن يتأخر تقاعدهم أو يتم بشروطهم.
اختيار الخليفة غير المناسب
يختار المدراء الذين تم تشجيعهم أو دفعهم إلى اختيار خليفة لهم بانتقاء الشخص غير المناسب. وهناك أنواع محددة من المدراء الذين يميلون إلى فعل ذلك. فالمدير المغرور الذي بطبيعته أناني ونرجسي غالباً ما يختار موظفين أقل كفاءة أو أقل موهبة منه حتى لا يتفوق أحد عليه. وخير مثال على ذلك، المدرب الأسطوري لفريق "مانشستر يونايتد" أليكس فيرغُسون، الذي اشتهر بترشيحه لديفيد مويز خليفة له على الرغم من أنه في الحقيقة لم يُدر نادياً كبير قط ولم يحصل على أي كأس من قبل. فكانت نتيجة ذلك على الفريق تعكس انعدام خبرة مويز وعدم جهوزيته لاستلام هذا المنصب.
كما يتميّز المدير المغرور باختيار أشخاص أهم صفاتهم التملّق والمبالغة في الإطراء والمديح، ليضمن بذلك استمرار نفوذه حتى بعد تركه منصبه رسمياً. يهتم المدير المغرور بنفسه ومركزه الاجتماعي أكثر من نتاج عمله في المؤسسة، ولذلك يختار بشكل لا إرادي خليفة سيفشل في المنصب ليثبت أنه كان مديراً استثنائياً لا غنى عنه أو يثبت ضرورة استمراره في منصبه، ووجوب عودته لإنقاذ المؤسسة من الأزمة التي تسبب بها فشل خليفته.
وربما يميل المدير المغرور إلى اختيار خليفته بناء على مدى الشبه الذي يراه بينه وبين نفسه، لا بناء على كفاءته. فلذلك يتوجب أن يكون لمالكي الأسهم في المؤسسات قدرة على التصويت فيما يخص خلفاء المناصب الرئيسية في المؤسسة. وذلك من أجل منع المدراء من استخدام المعايير الخاطئة في اتخاذ قرارتهم.
تحجيم وتكذيب الخليفة
هناك عدة أسباب لقيام المدير قصداً أو دون قصد بتحجيم خليفته. ومن أكثر الأسباب وضوحاً: عدم انسجام المدير مع فكرة تعيين خليفة له وتدريبه وتطوير قدراته. ومن المهم أن يكون لدى المدير درجة جيدة من الحساسية الشخصية بينه وبين الآخرين ليستطيع تقديم الدعم الضروري في حالات الخلافة على المناصب عالية الأهمية.
كما أن المبالغة في الحرص يسبب المشاكل. فالمدير الذي يميل لأن يكون حريصاً لدرجة مبالغ فيها يهتم بأدق التفاصيل في التقارير ليجعلها أكثر تعقيداً وصعوبة على خليفته، فلا يستطيع التعامل معها. أما المدير المتنوّر فيعلم أن مقولة "ليست هذه طريقتي في العمل" لا تساعد، بينما مقولة "هذا ما عليك إنجازه بالتحديد" أفضل بكثير.
ولربما كان التشكيك سبباً رئيسياً آخر لسلوك المدير في الحطّ من شأن خليفته. حيث يتسبب المدير كثير الشك بنشوء التوقعات السلبية التي تتحقق ذاتياً. وهو ما يدعى أحياناً متلازمة الاستعداد للفشل. وللأسف، وبحسب تجربتنا، فإن المدراء غالباً ما يكون لديهم صعوبة خاصة بالتعامل مع خليفتهم إذا كانت امرأة. وغالباً ما تكون المرأة مطالبة ببذل جهد أكبر من الرجال لتثبت جدارتها وقدرتها وفق معايير أداء أعلى من تلك التي تُطبّق على الرجال. ولذلك، يجب على مجالس الإدارة في المؤسسات الحرص على وجود تساوٍ في الفرص وعدم وضع عقبات إضافية أمام النساء والأقليات وذلك في سعيهم للحصول على التقدير.
ولكي يعيش الجميع بسعادة إلى الأبد في حياتنا الواقعية، يتوجب على كبار المسؤولين كمجلس الإدارة، ورئيس إدارة الموارد البشرية، والمستثمرين وغيرهم، التوجه إلى المدير وإخباره بأنهم يتعاطفون معه ويتفهمون مدى صعوبة وثقل أمر التقاعد وتخطيط الخلافة. وأنهم سيفعلون ما بإمكانهم لتقديم الدعم التكتيكي والعاطفي الذي يحتاجه خلال هذه الفترة. وعليهم إخباره أنهم يجلّون إمكاناته ومواهبه ويقدّرون خدماته، وأنه بتقاعده وتسليمه الأمور لخليفته سيترك أثره الجليل إلى جانب تركته في المؤسسة بأمان.
أخيراً، إن معرفة شخصية الرئيس التنفيذي وصفاته التي تؤدي إلى السلوك السلبي تساعد كلاً من المدير عالي المستوى الذي يُقدم على التقاعد وأعضاء مجلس الإدارة لإيجاد حلول مُرضية للمدير ولشركته التي يغادرها على حد سواء.
اقرأ أيضاً: