بحث: لماذا نفقد الاتصال ببعض الأشخاص في شبكات علاقاتنا؟

6 دقائق
شبكات العلاقات الشخصية والمهنية

ملخص: تخيل أن شبكات علاقاتك الشخصية والمهنية هي مجموعة من 6 دوائر متحدة المركز بحيث تقل قوة العاطفة مع تحركك نحو الدوائر الخارجية الأكبر. وتضم الدائرة الداخلية عدد قليلاً من الأشخاص الذين تلجأ إليهم عندما تمر بضوائق شديدة. وتتكون الدائرة الخارجية من حوالي 1,500 من الأشخاص الذين تعرفهم شكلاً فقط. قارن المؤلفان بين شبكات العلاقات الشخصية والمهنية لمئات الأفراد قبل الجائحة وبعدها، ووجدا أن الدائرة الخارجية تقلصت. لكن هذا التقلص كان مقترناً بتقوية علاقاتنا الأوثق. يُعد الحفاظ على التواصل مع الأشخاص في الدوائر الخارجية أمراً بالغ الأهمية للابتكار والإبداع وحل المشكلات ورفاهة الموظفين.

يُظهر بحثنا الأخير أن عدد الأشخاص في شبكات علاقاتنا المهنية والشخصية تقلص في أثناء الجائحة بنسبة تقترب من 16%، ما يعادل فقدان أكثر من 200 شخص. ولهذا التقلص بعض الجوانب السلبية الخطيرة. إذ إنه يمكن أن يُصعِّب الحصول على فرص العمل. ويمكن أن يعيق التقدم الوظيفي ويجعل من الصعب الحصول على ترقية. وبالنسبة إلى الشركات، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستوى الإبداع والاعتماد بشكل أكبر على التفكير الجماعي. فالأشخاص الذين لديهم عدد أقل من العلاقات في العمل يشعرون بقدر أقل من الانتماء ويكونون أقل ميلاً إلى الاندماج مع المؤسسة والارتباط بها، ما يجعلهم أكثر عرضة إلى مغادرة المؤسسة وربما حتى الاحتيال والإهمال والتقصير.

في الظروف العادية، لا تتقلص شبكات علاقاتنا فحسب بل تتعرض إلى "الغربلة". فبدلاً من فقدان الأصدقاء ببطء بمرور الوقت مع تغيير مكان إقامتنا أو وظائفنا أو إنجاب الأطفال، عادة ما نبني علاقات جديدة لتحل محل تلك التي فقدناها.

الشيء غير المعتاد الذي حدث في أثناء هذه الجائحة هو أن العلاقات القديمة لم تحل محلها علاقات جديدة. وفي الوقت الذي يعاني فيه الكثير من الأشخاص من الشعور بالوحدة والانفصال عن العمل، من الضروري أكثر من أي وقت مضى المحافظة بشكل متعمد على علاقتنا بالمعارف العابرين.

افهم كيفية عمل شبكات العلاقات

قبل الجائحة طلبت الباحثتان جيليان ساندستروم وإليزابيث دن من المشاركين حساب عدد المرات التي تفاعلوا فيها مع شخص غريب أو مع أحد معارفهم خلال اليوم العادي. ومن خلال الأحاديث الجانبية في أروقة الشركة واللقاءات التي تحدث بالصدفة، وجدتا أن الشخص العادي يتفاعل مع 11 إلى 16 شخصاً لا يعرفهم معرفة جيدة. وقد توصلتا إلى أن هذه التفاعلات مع الغرباء والمعارف تجعلنا أكثر سعادة وتؤدي إلى زيادة شعورنا بالانتماء للمؤسسة.

ولكننا خلال الجائحة، حوّلنا اهتمامنا من بناء علاقات مع الغرباء إلى تقوية علاقتنا بأفراد العائلة والأصدقاء وزملائنا المقربين. تخيل أن شبكات علاقاتك هي مجموعة من 6 دوائر متحدة المركز بحيث تقل قوة العاطفة مع تحركك نحو الدوائر الخارجية الأكبر، وتضم الدائرة الداخلية 5 أو نحو ذلك من الأشخاص الذين تلجأ إليهم عندما تمر بضوائق عاطفية ومالية شديدة. وتتكون الدائرة الخارجية من حوالي 1,500 من المعارف أو الروابط الضعيفة التي تكون مع الأشخاص الذين تعرفهم شكلاً فقط. عندما قارنا بين شبكات العلاقات الشخصية والمهنية لمئات الأفراد قبل الجائحة وبعدها، وجدنا أن الدائرة الخارجية تقلصت. لكن اقترن هذا التقلص بتقوية علاقاتنا الأوثق.

أطلقت الباحثتان اللتان تدرسان استجابات شبكة العلاقات للتوتر والقلق على هذه النزعة اسم "التكور". وعند تحليل التفاعلات الرقمية في شركة تقنية، كشفت دراسة أُجريت بقيادة إيثان برنستين من كلية هارفارد للأعمال عن نمط مشابه. فقد زاد التواصل بين الزملاء المقربين بنسبة 40% بعد تطبيق الحظر الشامل على حساب انخفاض التواصل بنسبة 10% بين الزملاء الذين لا تربطهم علاقة وثيقة. فعلى المدى الطويل، يؤدي التكور وندرة فرص التفاعل مع الغرباء إلى تقلص شبكة العلاقات.

لكن شبكات علاقات النساء لم تتقلص بقدر شبكات علاقات الرجال. في الواقع، يرجع الجزء الأكبر من تقلص شبكات العلاقات عموماً إلى أن شبكات علاقات الرجال أصبحت أصغر. عندما قارنا شبكات علاقات ما يقرب من 200 شخص في يونيو/حزيران لعام 2019 ثم حللنا شبكات علاقات الأشخاص أنفسهم في يونيو/حزيران لعام 2020، وجدنا أن شبكات علاقات الرجال تقلصت بنسبة 30% تقريباً أي ما يعادل فقدان أكثر من 450 شخصاً، على عكس شبكات علاقات النساء التي بالكاد تقلصت.

بالنظر إلى أن النساء تحملن عبء الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال بشكل مفرط في أثناء الجائحة ويخرجن من القوى العاملة بمعدلات مثيرة للقلق، فإن هذه الأخبار السارة مثيرة للدهشة. كما أن ذلك يسلط الضوء على نقطة رئيسية طرحتها ماريسا في كتاب "الكيمياء الاجتماعية" (Social Chemistry)؛ ففي كثير من الأحيان يركز الأشخاص على توسيع شبكات علاقاتهم بدلاً من فهم كيفية عمل تلك الشبكات واستغلال الوقت المتاح لديهم للمساعدة في تلبية احتياجاتها.

من المستبعد جداً أن تقضي النساء وقتاً أطول في التعارف وبناء العلاقات من الرجال. ولكن أسلوب التواصل الطبيعي للمرأة منحها ميزة في أثناء الجائحة. إذ إن النساء يتحدثن بهدف الحفاظ على التقارب العاطفي، سواء وجهاً لوجه أو عبر الهاتف أو من خلال إرسال رسائل لبعضهن البعض. وفي دراسة قارنت بين كيفية محافظة الرجال والنساء على التقارب العاطفي، وجد روبن دنبار العالم في مجال علم النفس التطوري وزميله سام روبرتس أن هذا لم يحدث مع الرجال. فبدلاً من التحدث "يقوم الرجال بالأنشطة معاً"؛ فهم يمارسون الرياضة ويتناولون المشروبات ويصطادون ويلعبون معاً، ولكنهم لا يتحدثون معاً. ولذلك فقد جعلت القيود الاجتماعية الناتجة عن الجائحة من الصعب للغاية على الرجال البقاء على اتصال.

أكِّد مجدداً على ما هو مهم بالنسبة إليك

بدون التواصل وجهاً لوجه، يتدهور ارتباطنا العاطفي بالأصدقاء وأفراد العائلة بشكل سريع. وبعد شهرين بدون اللقاء وجهاً لوجه، يقل الشعور بالتقارب بين الأصدقاء وأفراد العائلة بنسبة تزيد على 30%. بعد ذلك تصبح الصداقات باردة وتفتقر إلى الود. وبعد 5 أشهر، وهي مدة أقل بكثير من الوقت الذي انقضى منذ تطبيق الحجر المنزلي لأول مرة، يقل الشعور بالتقارب بين الأصدقاء بنسبة 80%.

في أوقات الأزمات، يعتقد الأشخاص أن إمكانية وصولهم إلى الأشخاص في شبكات علاقاتهم أقل مما هي عليه بالفعل. وينطبق هذا بصفة خاصة على الأشخاص الذين لديهم عدد أقل من الأشخاص في شبكات علاقاتهم. وعندما يبدو أن العالم أصبح أصغر، فإن التذكير بالنطاق الحقيقي لعلاقاتنا يمكن أن يساعد بشكل كبير. ويمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة في هذا الصدد.

وجدت تانيا مينون ونيد سميث، الأستاذان في "جامعة ولاية أوهايو" و"جامعة نورث وسترن"، أن التذكير بهويتك وقيمك الأساسية يمكن أن يساعدك في التغلب على الميل إلى التكور. تبدأ شبكات علاقاتنا في التوجه نحو الدوائر الداخلية عندما نشعر أن الأمور تخرج عن سيطرتنا. ولكن التأكيد مجدداً على الأشخاص والأشياء المهمة بالنسبة إليك يخلق شعوراً بالراحة والسيطرة ويسهل الوصول إلى الأشخاص الذين توقفت عن التواصل معهم.

ركز على إعادة التواصل

في الأشهر المتبقية من الالتزام بالتباعد الاجتماعي وفي أثناء الانتقال إلى العمل عن بُعد الذي سيستمر إلى ما بعد زوال الجائحة بالنسبة إلى الكثيرين، من المهم التركيز على إعادة التواصل مع الأشخاص في شبكة علاقاتنا. فبدون بذل جهد نشط لتجديد العلاقات التي خسرناها، من المرجح أن تكون عواقب تقلص شبكات علاقاتنا طويلة الأجل.

ومع ذلك، غالباً ما يتردد الأشخاص في التواصل. فهناك اعتقاد خاطئ بأن الأمر سيبدو غريباً ومحرجاً، أو ربما أنت فقط غير متأكد مما ستقوله لهم. في الواقع، الأمر بقدر سهولة قول "شكراً لك" أو التفكير فيما يمكنك تقديمه أو حتى طلب المساعدة. هل هناك موجه سابق أو شخص كان له دور فعال في حياتك المهنية ولم تتحدث معه منذ فترة؟ خصص ما يكفي من الوقت للتعبير عن تقديرك له؛ فالتعبير عن الامتنان يُعد حافزاً قوياً للتواصل. هل قرأت مقالاً أو سمعت مدونة صوتية ذكّرتك بزميل أو عميل سابق؟ أرسلها له واجعله يعرف أنك تفكر فيه. يمكن أن يكون طلب المساعدة أيضاً طريقة فعالة لإعادة التواصل. فهو يمنح الشخص الآخر فرصة تقديم خدمة ومساعدة لك ويحيي الشعور بالهدف.

عند التواصل مع الآخرين لا يكون السبيل إلى تفادي تقلص شبكات العلاقات هو قضاء الوقت في حضور الساعات الترفيهية عبر برنامج "زووم" أو محاولة مقابلة الأشخاص عبر الإنترنت. في الواقع، يُظهر بحثنا أن المؤتمرات المرئية لا تساعد في الحفاظ على الترابط الاجتماعي. إذ إن محاولة فهم سلوك غير لفظي والتعبير عنه عبر الإنترنت لا يساعد بقدر ما يشتت الانتباه. فعلى سبيل المثال، من المستحيل النظر إلى الكاميرا وقراءة لغة عيون شخص ما في الوقت نفسه. إجراء مكالمة هاتفية قد يكون استراتيجية أفضل. فعندما نسمع صوت شخص آخر نصبح أكثر تعاطفاً ونستمع جيداً. ولذلك، يمكن أن تكون المكالمة الهاتفية جيدة مثل العناق، وقد تَبين في إحدى الدراسات أنها قللت مستويات هرمون الكورتيزول الذي يُعد مؤشراً حيوياً للتوتر.

غالباً ما تكون العوائق التي تحول دون التواصل عن بُعد أكبر عند محاولة التواصل مع الأشخاص الذين لم ترهم منذ فترة أو المعارف العابرين في العمل الذين لا تعرفهم جيداً. ولكن هذه هي العلاقات العُرضة للخسارة. أظهرت دراسة قارنت بين الاستشارات التي تلقاها مسؤولون تنفيذيون من معارفهم الحاليين والأشخاص المعرضين لخطر الاختفاء من شبكات علاقاتهم أن الزملاء السابقين الذين كانوا على وشك أن يصبحوا بمثابة "خسائر جانبية" مصاحبة لتقلص شبكة العلاقات قدموا استشارات متعلقة بالعمل أفضل من التي قدمها المعارف الحاليون. ولذلك قد يكون من المفيد أن تطلب معرفة وجهات نظر هؤلاء الأشخاص. تخيل أنهم طلبوا التحدث معك لمدة 20 دقيقة، ما سيكون رد فعلك؟ في الوقت الحالي، يتلهف الكثير من الأشخاص إلى التفاعل الاجتماعي، ولذلك يمكن للترحيب البسيط أن يحيي شعورهم بالانتماء.

بعد أن أدرك بريندان أوريوردان، الذي يعمل في قسم البيانات والتحليلات المحوسبة بشركة "سوفولك كونستركشن" (Suffolk Construction)، أنه بحاجة إلى أن يكون مبادراً فيما يتعلق بالحفاظ على العلاقات السطحية، بدأ في تخصيص 30 دقيقة من وقته كل أسبوع للدردشة مع زملائه. قال بريندان: "كانت الاستجابة رائعة. لم يسبق لأي شخص إلغاء الموعد أو رفضه قائلاً إنه مشغول جداً. وعادة تتلقى رسالة عبر البريد الإلكتروني في غضون نصف ساعة مع دعوة تقول: لنفعل ذلك!".

يُعد الحفاظ على شبكة علاقاتك الشخصية والمهنية والتواصل مع الأشخاص في الدوائر الخارجية أمراً بالغ الأهمية للابتكار والإبداع وحل المشكلات ورفاهة الموظفين. لذلك أعد قائمة تضم 3 أشخاص لم ترهم منذ فترة وتواصل معهم. سيكون يومك أفضل وسيعود ذلك عليك بالنفع في عملك أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي