كتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقاً) "لا توجد أزمة طاقة، ولا أزمة تعليم، ولا أزمة صحة في منطقتنا العربية، لدينا أزمة إدارة. نحن أمة تملك موارد عظيمة، وتضم كفاءات عظيمة؛ ولكننا نفتقد مَن يدير هذه الموارد والكفاءات لصناعة أمة عظيمة". أصبح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكماً لإمارة دبي ونائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في عام 2006. ومنذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة الإنجازات وتعددت المبادرات، وأصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل قيادته مركزاً اقتصادياً وتجارياً وثقافياً عالمياً، وغدت دبي حلماً للطامحين لحياة أفضل وفرص عمل وفيرة، وحتى لهُواة السياحة الراقية. لقد أثبت نهجه في القيادة نجاعته، وإليكم 5 دروس قيّمة في القيادة يمكن استلهامها من تجربته.
رؤية واضحة
ينطوي نهج الشيخ محمد بن راشد على صياغة رؤى واضحة ومقنعة تكون بمثابة قوة توجيهية للمؤسسة أو الحكومة التي يقودها، وغالباً ما تتميز هذه الرؤى بأهداف طموحة ونظرة استشرافية. بدا هذا جلياً عندما أطلق رؤية الإمارات 2021 ورؤية 2030 بهدف أن تصبح دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أفضل الأماكن عيشاً على مستوى العالم. ومع ذلك، فإن وجود الرؤى وحدها لا يكفي؛ فلا بُد من التخطيط الاستراتيجي بوصفه وسيلة لتحقيق تلك الرؤى. يتضمن ذلك تطوير خطط مدروسة وقابلة للتنفيذ، ومصممة لتحقيق الأهداف طويلة المدى. لذلك، حدّد الشيخ محمد بن راشد المحاور الرئيسة في الدولة التي ينبغي التركيز عليها والمبادرات والخطط اللازمة لتحويل الأهداف إلى واقع ملموس. يقول الشيخ محمد بن راشد في كتابه "رؤيتي، التحديات في سباق التميز": "يجب أن تستهدف رؤية القائد الحقيقي اهتمامات محددة وتجيب عن أسئلة مهمة؛ مثل:
- ما مصلحة الوطن في هذه الرؤية؟ وما مصلحة المجتمع وعالم الأعمال؟ ومن سيستفيد منها وكيف؟ وكيف ستعزز التنمية والإنجازات التي نتجت عن الرؤى السابقة؟
- هل الرؤية مبنية على خطط محددة أم ستُنفَّذ على نحو عشوائي من دون أي ربط بين مراحلها؟
- هل هي واقعية وممكنة أم أنها رؤية جامحة لا تستطيع أي موارد مالية أو بشرية تحقيقها؟ على سبيل المثال، قد تحتاج المجمعات السكنية والسياحية العملاقة مثل جزر النخلة إلى موارد ضخمة لا تستطيع العديد من الدول تحملها. وفي حين أنها قد تكون مجدية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد يكون من المستحيل بنائها في عدد من الأماكن الأخرى؟
- ما الوقت المثالي لاقتراح الرؤية؟
- ما أفضل طريقة لتنفيذها؟
- هل الفريق التنفيذي جاهز؟ ومن هم أعضاؤه؟ وأين سيكتسب المهارات اللازمة ذات المستوى العالي؟
- .كيف سيموَّل تنفيذ الرؤية؟
- كيف ستقنع المستثمرين بتمويل المشروع؟
- كيف ستسوق المنتج النهائي وما هو السوق المستهدف؟ أين ومتى؟"
إذاً، ووفقاً للشيخ محمد بن راشد، فإن القيادة الفعالة لا تتطلب القدرة على وضع أحلام كبيرة فحسب، بل تتطلب أيضاً المهارة اللازمة للتخطيط الدقيق لهذه الأحلام وتنفيذها.
نشر ثقافة الابتكار
تؤكد مقولة الشيخ محمد بن راشد "الابتكار هو مفتاح التقدم والازدهار" على قوة الابتكار في التغلب على تعقيدات العالم الديناميكي وتحقيق النجاح. ففي عصر يتسم بالمنافسة الشديدة والتغيير الدائم، تصبح القدرة على الابتكار أمراً لا غنى عنه بالنسبة للمؤسسات والمجتمعات والأفراد على حد سواء. وقد تبنى الشيخ محمد بن راشد الابتكار باعتباره حجر الزاوية في قيادته، وحفز التغييرات التحويلية التي جعلت من دولة الإمارات العربية المتحدة دولة فريدة ومؤثرة عالمياً. تضمنت رؤيته الاستراتيجية استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبحث والتعليم، وشجعت على تطوير الاقتصاد القائم على المعرفة. وتؤكد مبادرات مثل "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، ومؤسسة دبي للمستقبل التزامه بتعزيز الابتكار ودمجه في مختلف القطاعات، مثل الرعاية الصحية والتعليم والتنمية المستدامة.
الابتكار بأبسط معانيه هو خلق أفكار جديدة وقيمة مضافة، ولا يعد مجرد ميزة تنافسية؛ بل هو جوهر النجاح المستدام؛ إذ يعمل رواد الأعمال والقادة في بيئات ديناميكية، حيث تصبح القدرة على التكيف والتفكير المستقبلي أمراً ضرورياً. وهنا يبرز دور الابتكار بطرائق حاسمة؛ أولها أن الابتكار يتعلق بتحديد الاحتياجات غير الملباة وإيجاد الحلول؛ أي لا بد لرواد الأعمال والقادة أن يبتكروا بغية تطوير المنتجات أو الخدمات أو العمليات التي لا تلبي متطلبات العملاء فحسب، بل تتوقعها في كثير من الأحيان. وهذا النهج الاستباقي لا يجذب العملاء فحسب، بل قد يؤدي أيضاً إلى إنشاء أسواق جديدة تماماً. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الابتكار ارتباطاً وثيقاً بالتميز وتقديم ميزات فريدة، واستخدام أحدث التقنيات، وتنفيذ نماذج أعمال جديدة. بالإضافة إلى أنه يعزز مرونة القادة ورواد الأعمال وانفتاحهم على التغيير، خصوصاً مع تغير بيئات العمل والأسواق، وتغير تفضيلات الناس، وتقدم التكنولوجيا.
يمكن القول إن القادة المبتكرين يلهمون فرقهم ويمكنوهم ويرفعون كفاءاتهم، ويسهمون في تعزيز بيئة تعاونية تقدر الأفكار الجديدة. وهذا لا يعزز مشاركة الموظفين فحسب، بل يجذب أيضاً أفضل المواهب ويحافظ عليها.
المرونة في مواجهة التحديات
واجهت دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من التحديات طوال تاريخها، وقد أظهرت الدولة في ظل قيادة الشيخ محمد بن راشد مرونة ملحوظة وفطنة استراتيجية للتغلب على هذه العقبات. ومن أحد أكبر التحديات التي واجهتها كان التباطؤ الاقتصادي العالمي في عام 2008، والذي أثر بشدة في القطاعين العقاري والمالي في الدولة. ولمواجهة هذا التحدي، نفَّذ الشيخ بن زايد سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الشاملة، وأصبح تنويع الاقتصاد استراتيجية رئيسية، ما أدى إلى تقليل الاعتماد على عائدات النفط، وزيادة الاعتماد على قطاعات مثل السياحة والتجارة والتكنولوجيا. لقد عمدت حكومة الإمارات إلى جذب الشركات الدولية وتعزيز الابتكار والاستدامة الاقتصادية عن طريق السياسات الداعمة للأعمال وتقديم الخدمات المالية وإطلاق العديد من المبادرات التي تحتضن الابتكار والتكنولوجيا. ومن التحديات الأخرى التي واجهتها دولة الإمارات الحاجة إلى رأس مال بشري ماهر لدعم اقتصادها المتطور، فركز الشيخ محمد بن راشد على أهمية التعليم والتدريب وإطلاق المبادرات من أجل إعداد الكوادر الوطنية الكافية، مع التركيز على رعاية المواهب المحلية وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة.
وطوال هذه التحديات، اتسمت قيادة الشيخ محمد بالقدرة على التكيف والتفكير الاستراتيجي والالتزام برفاهية الأمة. ويمكن القول إن المرونة أمر بالغ الأهمية للقادة؛ لأنها تمكّنهم من تحمل الشدائد، والتكيف مع التغيير، والتغلب على التحديات بفعالية. في مواجهة النكسات، يحافظ القادة المرنون على التركيز ويجدون حلولاً إبداعية، ما يضمن النجاح على المدى الطويل. القادة الذين يتمتعون بالمرونة لا يتحملون التحديات والإخفاقات فحسب، بل يلهمون فرقهم أيضاً لمواجهة التحديات بتفاؤل وتصميم، وتحويل العقبات إلى فرص للنمو والابتكار. يقول الشيخ بن زايد "كل مشكلة هي فرصة للنمو والتحسين".
التعلم والتطوير المستمر
يوضح نهج القيادة للشيخ محمد بن راشد التزامه الثابت بالتعلم المستمر والتطوير. فطوال رحلته، سعى الشيخ باستمرار إلى النمو الشخصي والمهني، ويمكن رؤية ذلك في اطلاعه على أحدث التطورات العلمية والتكنولوجية ومواكبتها، وإطلاقه المبادرات التعليمية باستمرار، وآخرها مبادرة محمد بن راشد للتعلم الذكي. والدرس المستفاد من مثاله واضح: ينبغي للقادة أن يتبنوا عقلية التعلم المستمر؛ "فالنجاح ليس وجهة، بل رحلة مستمرة من التحسين"، على حد قوله. يغدو التعلم والتطوير المستمر أمران ضروريان للقادة، خصوصاً في عالم ديناميكي يتميز بالتقدم التكنولوجي السريع، وبيئة العمل المتغيرة، والقضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة. فالقادة الذين يعطون الأولوية للتعلم المستمر وتعزيز المهارات يضعون أنفسهم في مكان يسمح لهم باتخاذ قرارات مستنيرة، ويعززون قدرتهم على التكيف بسرعة مع التغيير، وتشجيع الابتكار داخل مؤسساتهم، وإلهام فرقهم.
القيادة بالقدوة
"أعظم القادة هم أولئك الذين يقودون بالقدوة". تجسد مقولة الشيخ محمد بن راشد أحد أهم صفات القادة وهي ممارسة ما يعظون به. بصفته نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، أظهر الشيخ محمد بن راشد باستمرار الصفات التي يدعو إليها في الآخرين؛ سواءً كانت التركيز على الرؤى والتخطيط الاستراتيجي، أو التزامه بالابتكار، أو تعاونه وتفانيه في خدمة المجتمع والدولة، أو تواضعه ومشاركته الوثيقة مع المجتمع.
والقيادة بالقدوة هي نهج قيادي مفاده أن يضع القائد معاييراً للسلوك وأخلاقيات العمل والقيم ثم يطبقها نفسه قبل الآخرين. تكمن أهمية هذا النهج في قدرته على بناء الثقة والمصداقية؛ فعندما يوائم القادة أقوالهم وقيمهم ومبادئهم مع أفعالهم، فإنهم يؤسسون للأصالة، ويعززون الشعور بالشفافية والموثوقية، ويحفزون الآخرين ويلهمونهم، كما يكتسبون احترامهم وإعجابهم. علاوة على ذلك، يدرك القائد الحقيقي أن هدفه الأساسي هو تلبية احتياجات أتباعه واهتماماتهم، والارتقاء بهم وتمكينهم بدلاً من فرض سيطرته عليهم؛ "فالقيادة هي الخدمة وليس الحكم" وفقاً للشيخ محمد بن راشد. في جوهر الأمر، يعزز منظوره فكرة أن القيادة الحقيقية تمتد إلى ما هو أبعد من الخطابة، بل تنطوي على الاستثمار الشخصي والرغبة في الارتقاء إلى مستوى المعايير الموضوعة للآخرين. ومن خلال ذلك، يخلق القادة تأثيراً مضاعفاً، ويسهمون في نجاح الفرق التي يقودونها.