ما الذي تعلمته شركة “بي دبليو سي” من سياسة العمل المرن لجميع موظفيها؟

4 دقائق

أشارك كل يوم ثلاثاء في تمام الساعة 7:30 صباحاً بتوقيت المحيط الهادي في مؤتمر بالصوت والصورة مع زملائي في قيادة الشركة من كل أنحاء البلاد. وبما أنني أسكن في الساحل الغربي من أميركا، يكون موعد هذه المؤتمرات باكراً بالنسبة لي. عندما بدأت بالمشاركة في هذه اللقاءات قبل عشر سنوات من الآن، كنت أستيقظ باكراً لأضمن أن يكون مظهري أنيقاً ولائقاً وأن أكون مستيقظة بشكل كامل قبل الدخول على خط المؤتمر. أما في هذه الأيام فقد بت أستغني عن الاهتمام بهندامي ووضع مساحيق التجميل قبل بدء المؤتمر. ولم أعد أتردد في المشاركة بالمؤتمر وأنا جالسة براحة تامة في غرفة الجلوس وأنا مرتدية قميصي الصباحي. ومن خلال صور زملائي الآخرين التي تظهر على شاشتي يبدو لي أنني لست الوحيدة التي تشارك في المؤتمر على هذا النحو.

لم يكن الأمر هكذا فيما مضى. فلقد قطعت شركتنا أشواطاً كبيرة وتقدمت على مدار العقد المنصرم من خلال غرس بذور ثقافة حقيقية للعمل المرن في جميع أنحائها. وهكذا بتنا اليوم قادرين على إنجاز أعمالنا بالطريقة التي تتفق مع حياتنا الخاصة؛ وإذا عنى ذلك المشاركة في مؤتمر بالصوت والصورة في الصباح الباكر من البيت وبلباس رياضي مريح، فلا بأس.   

عندما أُسأل كيف نجحنا في إنجاز هذا التحول، أجيب بصدق وصراحة بأنّ ذلك لم يأت بين ليلة وضحاها، وبأنه لم يكن سهلاً، بل كانت هنالك مصاعب وآلام على طول الطريق، وما زلنا نتعلم. نعرض فيما يلي بعض الدروس التي تعلمناها خلال مسيرتنا والتي نأمل في أن تستفيد منها الشركات الأخرى:  

عليك أن تقصي كتيب قواعد السلوك جانباً. فإذا ما أردت بناء ثقافة مرونة في العمل، لا بدّ لك أولاً من بناء تصور جديد وواقعي حول ما تعنيه تلك المرونة اليوم. واعلم أنّ إحداث تغيير في السلوك يتطلب منك فتح الباب أمام التنوع والإبداع والرشاقة. وبتعبير آخر يتعين عليك أن تكون "مرناً" في بناء ثقافة المرونة. ولذلك فإنّ قواعد السلوك وأي شكل آخر من الأنظمة الرسمية يمكن أن تعمل ضدك. قد يبدو ذلك غريباً وغير منطقي، ولكن الالتزام بتطبيق القواعد والأنظمة يشكل عائقاً على طريق بناء ثقافة مرونة حقيقية. إننا ندعو هذا النهج في شركتنا نهج "المرونة اليومية". فهي ليست قراراً نلزم به جميع فرق العمل في الشركة، بل ذهنية وأسلوب حياة يجب ترك الحرية فيه لكل فرد في أن يطبقها وفق ما يراه مناسباً.

فقد تعني المرونة لمن يعتني بأحد أفراد أسرته من الكبار في السن أن يستطيع مغادرة مكان عمله في ساعة مبكرة لمرافقة والده المسن إلى عيادة الطبيب. وبالنسبة لمن لديه أولاد، قد تعني المرونة أن يكون قادراً على مغادرة العمل في الظهيرة للجري، بحيث يكون المساء مخصصاً لقضائه مع الأولاد. وبالنسبة لشخص ثالث ربما تعني المرونة مغادرة مكان العمل لمدة ساعة بعد الظهر للالتحاق بدرس اليوغا للتزود ببعض الطاقة. وعندما نرى المرونة من هذا المنظور، يسهل علينا أن ندرك كيف أنّ تطبيق القواعد والأنظمة يعرقل في الواقع أي تقدم في هذا المجال. ومن المستحيل إيجاد نمط واحد من المرونة يناسب الجميع. إننا نترك لفرق العمل حرية انتقاء الشكل الذي يناسبهم من المرونة، ما داموا ينجزون أعمالهم بجودة عالية وفي الوقت المطلوب، وما تبقى ليس سوى ضمان أن تكون اللعبة عادلة.

الجميع يستحقون الدرجة ذاتها من المرونة. فما من جيل يحتاج إلى المرونة أكثر من جيل آخر، بل إنّ الجميع يحتاجون إليها ويستفيدون منها ويبحثون عنها بغض النظر عن عمرهم وعن ظروفهم. ولن يتم بناء ثقافة المرونة واعتمادها واحتضانها ما لم تكن لدى قادة الشركة أو المؤسسة قناعة راسخة بأنّ جميع الموظفين فيها يستحقون التمتع بنفس الدرجة من المرونة في العمل. إنّ المرونة لا تخص شريحة معينة من شرائح قوى العمل، ولذلك فعندما تخاطب الموظفين حول موضوع المرونة عليك أن تضمن مخاطبة جميع الشرائح دون تفريق. ففي نهاية الأمر يشكل الموظفون طيفاً متنوعاً من الأشخاص المختلفين، بعضهم لديهم أطفال وبعضهم لديهم أهل كبار في السن وبعضهم يعيشون لوحدهم، ولكنهم جميعاً يرغبون في الاستفادة من المرونة في العمل. ومن غير المسموح به النظر إلى الأسباب التي تجعل أي شخص بحاجة إلى المرونة بوصفها أكثر أو أقل أهمية من أسباب أي شخص آخر.

في موضوع المرونة من غير المسموح التذرع بالثقة. كثيراً ما يخبرني المدراء أنهم يمنحون المرونة لمن يعملون مع الشركة لمدة طويلة من الزمن وينالون ثقتها. لكنني حينئذ أذكّر أولئك المدراء أننا عملياً نضع ثقتنا في عهدة موظفينا منذ يومهم الأول في العمل، فلمَ لا نثق بهم في موضوع المرونة! وما دمت تثق بشخص ما لدرجة أنك توظفه في شركتك وتحتضنه ضمن فريق عملك، فمن البديهي أن تثق به في أن ينجز أعماله ومهامه أينما يشاء ومتى يشاء ما دام يلتزم بالجودة المطلوبة والوقت المحدد. وهكذا أطلب من جميع المدراء النظر إلى موضوع الثقة والمرونة من هذا المنظور.  

المرونة طريق باتجاهين. لا شك في أنّ التحول الثقافي الحقيقي إنما يبدأ من الأعلى. فعندما بدأ الرؤساء التنفيذيون في شركتنا يرتدون سراويل الجينز في العمل، كان ذلك بمثابة رسالة إلى جميع الموظفين الآخرين مفادها أنه بإمكانهم ارتداء الملابس غير الرسمية في العمل. بيد أن تلك الرسالة لم تكن سوى نقطة الانطلاق؛ في حين أنّ الفعل الحقيقي يجب أن ينبع من القاعدة ويتابع مسيره صعوداً إلى أعلى.

كثيراً ما أسافر للتحدث إلى كبار موظفينا الجدد، وغالبيتهم يتسلمون مثل هذه المناصب القيادية لأول مرة في حياتهم، وفي نفس الوقت هنالك من يشرف عليهم ويرأسهم في العمل. ولذلك فهم يمتلكون فرصة فريدة لتمكين الموظفين الذين يعملون ضمن فرقهم من التواصل المباشر مع مدراء المستويات الأعلى، وفي الوقت نفسه للضغط على أولئك المدراء للقيام بما يدعم فرق عملهم ويناسبها. وفي مثل هذه اللحظات أدرك مدى عظمة الدور الذي يؤديه موظفونا في تقوية وتعزيز المرونة على نطاق الشركة كلها.  

لا تعني المرونة بالنسبة لنا أن نعمل بقدر أقل، بل أن نشجع الموظفين على العمل بشكل مختلف وأكثر فاعلية. إنها طريق باتجاهين. نحن نقدم لموظفينا المرونة التي يحتاجونها وبالمقابل قد نحتاج منهم في بعض الأحيان أن يقدموا المزيد من الجهد عندما تتطلب ظروف العمل ذلك. وبالنتيجة عندما نمنح المرونة لموظفينا ونطبقها بشكل صحيح، فإننا نضمن سعادتهم وعافيتهم ونحسن أداءهم وإنتاجيتهم. وهذا ما يساعدنا أيضاً في اجتذاب أفضل الموظفين للعمل مع شركتنا والحفاظ عليهم فيها أطول مدة ممكنة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي