هل تساءلت ذات يوم ما هي سمات رائد الأعمال الناجح؟ أو ما السمات التي يجب أن تتمتع بها إذا أردت أن تُنشئ عملاً تجارياً جديداً بنجاح؟
حسناً، من الصعب حصر الإجابة في حفنة من السمات والسلوكيات؛ فما أكثر الخصال التي يحتاجها رائد الأعمال لكي يظفر بالنجاح!
لكن إذا اضطررت إلى اختيار سمتين فقط، فسأختار التركيز والإصرار، فهما السمتان اللتان رأيتهما متجسدتين في كل رائد أعمال ناجح قابلته تقريباً.
التركيز من سمات رائد الأعمال الناجح
لقد تعلمت مبكراً مدى أهمية التركيز وأيقنت صعوبته عندما عملت في منصب الرئيس التنفيذي لشركة ناشئة تدعى "إنترالينكس" (Intralinks). فقد كانت الشركة تصنع مساحات عمل رقمية للتعاملات المالية الكبيرة. وعندما تسلمت دفة القيادة من المؤسسين، كانت الشركة تحقق إيرادات سنوية قدرها 3 ملايين دولار، بينما تتكبد خسائر قدرها 18 مليون دولار سنوياً. وفي تلك المرحلة كانت الشركة تنتج 7 منتجات مختلفة، وكانت على مقربة من الإفلاس وإيقاف نشاطها التجاري.
وكان افتقار الشركة إلى التركيز أحد أسباب هذا الانهيار.
ولهذا كان أول شيء فعلته آنذاك هو معرفة أي من هذا المنتجات السبعة يمكننا التخلي عن إنتاجه، ولماذا كان إيقافه منطقياً وحكيماً من الناحية الاستراتيجية. كان أحد منتجاتنا يتضمن عملية منح قروض مشتركة من عدة جهات مُقرضة. وقدم هذا المنتج حلاً لعملية بالغة التعقيد تتضمن عشرات الهيئات ومئات المشاركين. وعليه، قررنا إيقاف العمل على المنتجات الستة الأخرى، والتركيز على هذا المنتج لأنه كان يحل أكبر مشكلة.
وعندما عقدت اجتماعاً مع الفريق لشرح حيثيات اتخاذ هذا القرار، أخبرتهم أنه من الصعب بمكان أن نحقق تفوقاً في منتج واحد بعينه، وبالتالي فمن المستحيل أن نتفوق في 7 منتجات! وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فسيتسبب في تشتيت جهودنا ولن نحقق أي نجاح على الأرجح. واستغرق الفريق بعض الوقت لاستيعاب هذا الخبر المفاجئ والصعب، لكنهم تفهموا الأمر في نهاية المطاف ووافقوا عليه.
أما مجلس الإدارة، المؤلف في معظمه من مساهمين في رأس المال الاستثماري ولم يسبق لهم إدارة شركة، فقد نزل عليهم الخبر كالصاعقة. فبحسب رأيهم كان إيقاف العمل على منتجات تمثل مصادر محتملة لتحقيق إيرادات في وقت كانت فيه الشركة في حاجة ماسة إليها، ضرباً من الجنون. لكنني كنت أسوق الحجج على ضرورة تحديد خياراتنا، وتركيز جهودنا في ذلك الوقت. وفي نهاية المطاف، وافقوني الرأي.
تواجه فئات معينة من رواد الأعمال صعوبة كبيرة في تبني هذا السلوك المُرَكّز. فكثير من هؤلاء الرواد مبدعون للغاية، أو يصيبهم الملل بسرعة، أو بارعون في العمل على عدة محاور في آن واحد. ولهذا يجب أن يحرص رواد الأعمال من هذه الفئات على أن يحيطوا أنفسهم بقدر أكبر من الزملاء ذوي السلوك المُرَكّز، كالمؤسسين المشاركين، أو المدراء، أو الاستشاريين.
الإصرار من السمات الأكثر أهمية
أما السمة الأخرى الأكثر أهمية في سمات رواد الأعمال فهي الإصرار. إذ ينسب لألبرت أينشتاين مقولة: "الغباء هو فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة". أحياناً يكون ذلك السلوك هو المطلوب لبدء مشروع استثماري بنجاح. وأشار روس بيرو إلى هذه المقولة عندما قال: "إن لا.. لا تعني بالضرورة الرفض، بل فقط ’ليس الآن’".
وفيما بعد قررت شركة "إنترالينكس" محاولة طرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي في البورصة. وبحلول ذلك الوقت كنا نحقق نمواً سريعاً جداً، إذ قفزت إيراداتنا من 3 ملايين في 1999 إلى 20 مليوناً في 2000. وأجرينا عرضاً عاماً للأفكار في أغسطس/آب 2000. وكانت أسواق البورصة تتداعى مع انفجار فقاعة شركات الإنترنت ("فقاعة الدوت كوم"). وقمنا بالعروض التقديمية القياسية البالغ عددها 75 عرضاً أمام المستثمرين. واستقر بنا الحال على بنك "جيه بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase) في جنوب مانهاتن بنيويورك "لتسعير السهم"، أي العمل مع موظفي البنك للاتفاق على سعر السهم الذي ستبدأ عنده البورصة التداول. وقررنا ألا نُسعّر الأسهم بسبب الأسواق الآخذة في الانهيار، فقد كان لدينا سجل أعمال لكنه لم يكن قوياً كما ينبغي ليصمد في وجه البيع المحتمل حدوثه. ولهذا قررنا ألا نطرح أسهمنا للاكتتاب العام الأولي في البورصة. وكان ذلك قراراً صعباً؛ حيث كنت أعتزم بشكل شخصي أن أبدأ التداول في سوق بورصة "ناسداك" (NASDAQ) في اليوم التالي. لكننا اضطررنا إلى إبقاء أسهمنا خاصة، لبعض الوقت على الأقل.
وبعد ذلك، تقدم بنك آخر لقيادة دورة ثانية من التمويل الخاص. وأجرينا 50 عرضاً تقديمياً آخر للمستثمرين، لكن اضطر البنك إلى الانسحاب بسبب نزاع. ثم جاء بنك آخر، وأجرينا 50 عرضاً تقديمياً مرة أخرى، ثم قرر أحد عملاء البنك تقديم عرض لشراء حصة مسيطرة في شركتنا، ما أجبر البنك على الانسحاب (لكن لم تحدث عملية الاستحواذ).
ثم عثرنا على شركة رأس مال مغامر (جريء) رائعة تُدعى "روه كابيتال" (Rho Capital). وبعد 8 شهور، وما يربو على 215 عرضاً تقديمياً حصلنا على دورة تمويلية بمبلغ 50 مليون دولار. فهل كنا فاقدين صوابنا عندما عقدنا 215 اجتماعاً، وقوبلت عروضنا "بالرفض" بعد كل اجتماع منها تقريباً؟ قطعاً لا، فنحن كنا ببساطة نظهر إصرارنا ونعبر عن مثابرتنا، وتلك هي أحد مقومات النجاح لرائد الأعمال.
إن المحافظة على التركيز وإظهار الإصرار والتعبير عن المثابرة في رحلة تكوين المشروع الريادي من أهم مقومات النجاح لرائد الأعمال، لذلك حافظ على سمات رائد الأعمال الناجح واسع إلى تطويرها.