الدراسات العلمية الحديثة تؤكد وجود 3 سمات تميّز أصحاب الأداء العالي

6 دقيقة
الأداء العالي

ملخص: لقد أظهرت الدراسات العلمية منذ زمن طويل أن الاستثمار في الأفراد المناسبين يمكن أن يعزز عوائد المؤسسة إلى حد كبير. لو كانت الموارد غير محدودة، لاستثمرت المؤسسات دون شك في تنمية موظفيها جميعهم. لكن الواقع مختلف. إذ تجبر الميزانيات المحدودة المؤسسات على أن تكون أكثر انتقائية، ما يفسر اهتمامها المتزايد ببرامج تحديد الموظفين ذوي الإمكانات العالية (HiPo). إذاً، كيف يمكن للمؤسسات تحديد الموظفين المناسبين للاستثمار فيهم؟ ما المؤشرات الرئيسية على إمكانات الموظف المتميز الأداء؟ تشير الأبحاث إلى 3 مؤشرات أساسية للإمكانات العالية: 1) القدرة (هل يمتلك الفرد المهارات اللازمة لأداء الوظيفة؟)، و2) المهارات الاجتماعية (هل يستطيع هذا الشخص بناء علاقات عمل تعاونية فعالة والحفاظ عليها؟)، وأخيراً 3) الدافع (هل يتمتع هذا الشخص بالدافع للعمل الجاد وتحقيق الأهداف وفعل كل ما يلزم لإنجاز المهام؟). ربما تستطيع غالبية المؤسسات تحسين عمليات تحديد المواهب من خلال تبسيطها والتركيز على هذه المؤشرات الأساسية الثلاثة لذوي الإمكانات العالية، وسيحقق الاستثمار في هؤلاء الأفراد أعلى عائد على الاستثمار للشركة.

هل يجب على المؤسسات التركيز على تطوير مواهب موظفيها جميعهم أو على قلة مختارة فقط؟ إذا كانت الموارد غير محدودة، فمن المؤكد أن المؤسسات ستستثمر في تنمية الجميع، فعلى أي حال، وكما يُنسب لهنري فورد، إن عدم تدريب موظفيك وإجبارهم على البقاء في الشركة أسوأ بكثير من تدريبهم وتركهم يغادرون. لكن الواقع مختلف. إذ تجبر الميزانيات المحدودة المؤسسات على أن تكون أكثر انتقائية، ما يفسر اهتمامها المتزايد بتحديد الموظفين ذوي الإمكانات العالية (HiPo). تحدد إمكانات الموظف أقصى مدى لتطوره، فكلما زادت إمكاناته، أصبح تطوره أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة.

لقد أظهرت الدراسات العلمية منذ زمن طويل أن الاستثمار في الأفراد المناسبين يمكن أن يعزز عوائد المؤسسة إلى حد كبير. أشارت هذه الدراسات، وبما يتوافق مع مبدأ باريتو، إلى أن نسبة صغيرة من قوة العمل -عبر مجموعة واسعة من المهام والقطاعات والمؤسسات- غالباً ما تكون مسؤولة عن تحقيق نسبة كبيرة من نتائج المؤسسة:

  • يسهم أفضل 1% من الموظفين بـ 10% من نتائج المؤسسة.
  • يسهم أفضل 5% من الموظفين بـ 25% من نتائج المؤسسة.
  • يسهم أفضل 20% من الموظفين بـ 80% من نتائج المؤسسة.

أظهرت الأبحاث الدقيقة عبر مختلف الوظائف والمؤسسات في العديد من القطاعات نمطاً واضحاً: يزداد العائد من توظيف أفضل المواهب -التي تُعرّف على أنها القلة المهمة المسؤولة عن الجزء الأكبر من نتائج المؤسسة- كلما ازداد تعقيد الوظيفة. بالنسبة للوظائف الأقل تعقيداً، مثل الوظائف في مجال التصنيع، يتفوق الموظفون ذوو الأداء العالي على الموظفين المتوسطي الأداء بهامشٍ متوسط يبلغ نحو 50%. لكن بالنسبة للوظائف المتوسطة التعقيد، مثل المدربين أو مدراء المبيعات في الخطوط الأمامية، تتسع فجوة الأداء لتصل إلى 85-100%، وبالنسبة للوظائف المعقدة للغاية، مثل أدوار القيادة العليا، يسهم أصحاب الأداء العالي بأكثر من ضعف ما يسهم به أصحاب الأداء المتوسط.

من الجدير بالذكر أيضاً أن الموظفين الموهوبين يحفزون زملاءهم، خصوصاً مرؤوسيهم المباشرين، من خلال رفع معايير الأداء. فهم من خلال أقوالهم وأفعالهم، يجسّدون سلوكيات العمل الناجحة التي تعزز ثقافة الأداء العالي وينشرونها بين زملائهم. لقد أظهرت الأبحاث أن مجرد ضم موظف متميز الأداء إلى الفريق يمكن أن يعزز فعالية أعضاء الفريق الآخرين بنسبة 5-15%. وبالتالي، ليس من المستغرب أن تُظهر الدراسات الواحدة تلو الأخرى أداءً مالياً أقوى بين الشركات التي تنفذ استثمارات أكبر نسبياً في تحديد أفضل المواهب وتطويرها.

إذا أرادت المؤسسات الاستثمار في الموظفين المناسبين، يجب عليها أولاً تحديد هوية هؤلاء الأفراد، وذلك يطرح بدوره السؤال حول الخصائص التي تحدد الأفراد الموهوبين للغاية، أو بعبارة أخرى، ما المؤشرات الرئيسية على إمكانات الموظف المتميز الأداء؟

تشير المراجعات الأكاديمية إلى أن القرار الحاسم والأهم الذي يجب اتخاذه في هذا الصدد هو تحديد نوع الإمكانات التي تسعى إليها المؤسسة. للأسف، يركز معظم الإجراءات التدخلية لبرامج تحديد الموظفين ذوي الإمكانات العالية على النجاح الوظيفي الفردي، الذي يشيع تحديده على أساس إمكانية الترقية إلى مستويين وظيفيين في غضون 5 سنوات. ولكن القدرة على التقدم في المسار المهني لا تضمن بالضرورة أن يقدم الموظف إسهامات حاسمة في نتائج المؤسسة. في الواقع، ليس لدى العديد من قادة المؤسسات، على الرغم من أنه لا يمكن إنكار نجاحهم الشخصي في الوصول إلى المناصب العليا، تأثير إيجابي في فِرقهم ومؤسساتهم، إذ تشير التقديرات إلى أن نصف القادة على الأقل يفشلون في إشراك موظفيهم أو تحويل فرقهم أو مؤسساتهم إلى كيانات عالية الأداء. وبالإضافة إلى ذلك، من المؤسف أن هناك العديد من القادة الذين يؤثرون سلباً في أصحاب الأداء العالي ويحولونهم إلى أفراد ذوي أداء متواضع.

نعتقد أن الإجراءات التدخلية لبرامج تحديد الموظفين ذوي الإمكانات العالية يجب أن تركز على تحديد الأفراد الذين يُرجح أن يكون لهم تأثير كبير في أداء المؤسسة. بعبارة أخرى، يجب أن تحدد هذه البرامج أصحاب الأداء العالي المحتملين على أنهم الأفراد الذين سيعملون على نحو مستمر على توليد مستويات عالية من الإنتاج تؤثر في نجاح مؤسساتهم أو فشلها. لحسن الحظ، تظهر الأبحاث أن هؤلاء الأفراد غالباً ما يتمتعون بمجموعة مشتركة من السمات القابلة للقياس بغض النظر عن السياق والوظيفة والقطاع، ومن الممكن اكتشاف هذه السمات في وقت مبكر إلى حد ما في العملية.

في مراجعة قارنت بين الأبحاث العلمية التي ركزت على مؤشرات الأداء الوظيفي مع السمات الأكثر طلباً في قوة العمل في القرن الحادي والعشرين، حددنا ثلاثة مؤشرات عامة لأصحاب الإمكانات العالية.

القدرة

هي الفئة الأولى من المؤشرات التي تشير إلى أن الفرد قادر على أداء وظيفة معينة. أفضل مؤشر رئيسي على هذه السمة إظهار الموظف المعرفة والمهارة اللازمتين لأداء المهام الرئيسية للوظيفة. وأفضل مؤشر فردي للأداء الوظيفي هو اختبار عيّنة العمل، الذي ينطوي على ملاحظة المرشح وهو يؤدي فعلياً المهام التي تتضمنها الوظيفة.

مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بقدرة الفرد على النجاح في دور أهم وأكثر تعقيداً في مرحلة ما في المستقبل، يتحول التركيز إلى تقييم مدى احتمالية قدرته على تعلم المعرفة والمهارة المطلوبتين للوظيفة وإتقانهما. المؤشر الفردي الأدق في هذا السياق هو معدل الذكاء أو القدرة المعرفية. لا تتضمن القدرة على التعلم جانباً معرفياً مهماً فحسب، بل أيضاً الحافز لاكتساب معارف ومهارات جديدة بسرعة ومرونة.

دون أدنى شك، يتطلب أي دور قدرات تتجاوز القدرات المعرفية. على سبيل المثال، تتطلب إمكانية الأداء في دور قيادي على المستوى التنفيذي مهارات التفكير الاستراتيجي والقدرة على تكييف المؤسسة لتحقيق النجاح في المستقبل على المدى الطويل. وذلك لا يتطلب البراعة الفكرية فحسب، بل يتطلب أيضاً الرؤية والإبداع بالإضافة إلى عقلية ريادة الأعمال. لذلك لا تشمل المؤشرات الأولية على إمكانية تولي أدوار قيادية رفيعة المستوى القدرة المعرفية فحسب، بل القدرة على الإبداع والموهبة في التفكير المنظومي أيضاً.

المهارات الاجتماعية

تعكس الفئة الكبيرة التالية الأهمية المتزايدة للعمل الجماعي والتعاوني في المؤسسات الحديثة. في الأساس، يجب أن يكون الموظفون قادرين على الحفاظ على علاقات متناغمة وكسب دعم أقرانهم والمشرفين عليهم. الجدير بالذكر أن السبب الرئيسي للفشل الإداري هو مشكلات العلاقات الشخصية.

تنطوي المهارات الاجتماعية على قدرتين أساسيتين: القدرة على إدارة الذات والقدرة على إدارة الآخرين (العلاقات). يتمتع الموظفون الذين يُرجح أن يتفوقوا في الأدوار الأكثر تعقيداً بالقدرة أولاً على إدارة أنفسهم، حيث يمكنهم التعامل مع الضغوط المتزايدة والتعامل بطريقة بنّاءة مع التحديات والتصرف برزانة ونزاهة. ثانياً، يستطيعون إقامة علاقات عمل تعاونية والحفاظ عليها وبناء شبكة واسعة من العلاقات وتشكيل التحالفات والتأثير في مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة وإقناعهم. وبالنسبة لأدوار المناصب العليا، يجب أن يكون الموظفون قادرين على تطوير مهارات سياسية متقدمة، مثل القدرة على فهم جمهورهم وتفسير القواعد غير المعلنة وإيجاد الحلول التي توازن بين المصالح المتضاربة لأصحاب النفوذ الرئيسيين.

تشكّل القدرة على إدارة الذات وإدارة العلاقات مع الآخرين المكون الأساسي للذكاء العاطفي، لذلك يُعد الذكاء العاطفي المؤشر الأولي لأصحاب الإمكانات العالية، ويمكن تقييمه من خلال الاختبارات النفسية وتحسينه أكثر من خلال التدريب والتطوير.

الدافع

تتعلق الفئة الثالثة بالإرادة والحافز للعمل الجاد والإنجاز وفعل كل ما هو ضروري لإنجاز المهام. يمكن تحديد الدافع على أنه أخلاقيات العمل القوية والطموح؛ أي الرغبة المستمرة في التحسين وعدم الرضا عن الإنجازات الحالية. تعمل هذه الفئة التحفيزية العميقة مسرّعاً يعزز التأثير المحتمل للقدرة والمهارات الاجتماعية على النجاح في المستقبل. في حين يمكن اعتبار القدرة والمهارات الاجتماعية موهبة في حد ذاتها، فإن الإمكانات هي نتاج الموهبة والدافع معاً، لأنها تحدد مقدار قدرة الفرد ومهاراته الاجتماعية المستخدمة فعلياً.

يمكن قياس الدافع من خلال الاختبارات الموحدة التي تقيّم سماتٍ مثل الضمير الحي والحافز للإنجاز والطموح. كما يمكن تحديده من خلال سلوكيات الفرد، مثل أخلاقيات العمل والاستعداد لتحمل مهام وواجبات إضافية والحرص على تحمل مسؤولية أكبر وحتى الاستعداد لتقديم التضحيات. على سبيل المثال، يتطلب العديد من الأدوار على المستوى التنفيذي عقلية شاملة ومستوى معيناً من الخبرة العابرة للثقافات. ما يميز الأفراد ذوي الإمكانات العالية الحقيقية عن الأفراد الموهوبين فقط هو الاستعداد لتحمل بعض عدم الراحة النفسية وحتى الجسدية والانتقال إلى اكتساب هذه الخبرات والمهارات وتطويرها.

باختصار، ربما تستطيع غالبية المؤسسات تحسين عمليات تحديد المواهب من خلال تبسيطها والتركيز على هذه المؤشرات الأساسية الثلاثة لذوي الإمكانات العالية. في حين أن عدداً قليلاً فقط من الموظفين يتمتعون بقدرات عالية ومهارات اجتماعية ودافع كبير، فإن تحديد هؤلاء الأفراد من خلال تقييم هذه السمات بأكبر قدر ممكن من الدقة والاستثمار فيهم سيولّد عدداً أكبر من أصحاب الأداء العالي في المستقبل، الذين سيسهمون إلى حد كبير في المؤسسة، وسيحقق الاستثمار في هؤلاء الأفراد أعلى عائد على الاستثمار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي