في بداية العام 2016 أعلنت شركة "جوجل" أنها اكتشفت "الخلطة" السرية لفريق العمل المثالي. فبعد سنوات من تحليل المقابلات والبيانات من أكثر من 100 فريق، اكتشفت أن السر الذي يضمن فعالية الأداء لدى الفريق؛ هو معدل الذكاء العاطفي الذي يجمع بينهم والمستوى العالي من التواصل بين أعضاء الفريق. وهذا يجعل خلطة "جوجل" التي تنصح بأن تكون "لطيفاً"، و"تندمج مع الفريق" منطقية جداً (وتكاد تكون بديهية)، ولهذا إليكم سر فريق العمل الناجح من وجهة نظر شركة "جوجل".
سر فريق العمل الناجح بالنسبة لشركة "جوجل"
لكن الأمر الذي قد يكون مفاجئاً أكثر هو أن الأبحاث التي أجرتها "جوجل" تقترح أن "أنواع" الأشخاص في الفريق لا تشكل فِرقاً. قد يكون هذا الأمر صحيحاً بالنسبة لـ "جوجل"، وهي الشركة التي يتم اختيار الموظفين فيها على أساس الشخصية (أو مقدار ما فيهم من قيم "جوجل")، إلا أن هذا الأمر يخالف بقية الأدلة البحثية، والتي تشير بوضوح كبير إلى أن شخصيات الموظفين تؤدي دوراً مهماً في تحديد أداء الفريق. فالشخصية على وجه التحديد تؤثر على الجوانب الآتية:
• الدور الذي يؤديه الشخص ضمن الفريق.
• كيفية تفاعل الشخص مع بقية أعضاء الفريق.
• معرفة ما إذا كانت قيمك (الأساسية) تتوافق مع قيم الفريق.
من الضروري إدراك أن هذه العمليات معنية بالعوامل النفسية (وليس التقنية) فيما يتعلق بأداء الفريق والفرد. فهذه العوامل النفسية هي المحدّدات الأساسية لقدرة الآخرين على العمل سوية. ولو كان الانسجام في الفريق يتعلق بمجرد المهارات والخبرة، لرأينا دونالد ترامب يختار بيرني ساندرز ليخدم في إدارته، ولكن من المستبعد بطبيعة الحال أن يتمكن الاثنان من العمل سوية. في المقابل هنالك في الكثير من الأحيان أوجه مفارقة بينك وبين بقية زملائك، بصرف النظر عن التشابه الذي بينكم في الخبرات أو المهارات التقنية.
اقرأ أيضاً: حل المشكلات المستعصية: دروس من الفرق العابرة للصناعة
على سبيل المثال، وجدت دراسة أُجريت على فِرق عمل في 133 مصنعاً، أن المستويات الأعلى من القدرة على تفهّم الآخرين، والفضول، والاستقرار العاطفي، قد نتجت عن فِرق عمل يزداد بينها الانسجام وأن ذلك كان يعزز السلوك الاجتماعي بينهم. ففرق العمل الأكثر فعالية تتألف من أشخاص هادئين يتمتعون بمستوى عالٍ من الفضول والإيثار. كما أظهرت أبحاث تحليلية واسعة النطاق أيضاً أن شخصيات أفراد الفريق تؤثر على مستوى التعاون والإدراك المشترك بينهم، والتشارك في المعلومات، وأداء الفريق عموماً. وبعبارة أخرى، إن شخصيتك تؤثر على سلوكك وكيفية تفاعلك مع الآخرين، وبناء على ذلك، فإن شخصيات فريق العمل تمثل أعضاءً لجسد واحد ويلزم الانسجام بينها.
فكر مثلاً بالفريق الذي سيذهب يوماً ما (قريباً ربما) إلى كوكب المريخ، في أحد مشاريع إلون ماسك أو إحدى وكالات الفضاء الحكومية. فعمليات التدريب بالمحاكاة لمثل هذه الرحلات تستلزم وضع رواد الفضاء في مساحات ضيقة لمئات من الأيام، وخلال هذه الفترات يظهر أنهم يطورون عادات وطقوساً خاصة بهم بالاعتماد على مقدار التشابه الذي بينهم في القيم، وأن وجود قدر أكبر من التوافق بينهم وقدر أقل من الاضطرابات العصابية كفيل بأن يطور الانسجام والتعاون بين أفراد الكادر.
اقرأ أيضاً: عناصر بناء الثقة بين أعضاء فريق العمل
ومن الطرق التي تساعد على التفكير بفرق العمل التي تمتلك المزيج السليم من المهارات والشخصيات هي التفكير بالدورين اللذين يؤديهما الفرد في أي فريق عمل. فالأول هو الدور الوظيفي، المعتمد على منصب الموظف ومجال خبرته، والثاني هو الدور النفسي، المعتمد على نوع الشخصية التي يمتلكها. وعادة ما تركز الشركات على الدور الوظيفي للفرد وتأمل أن يتحقق الأداء الجيد للفريق تباعاً. ولعل هذا هو السبب الذي يجعل بعض أغنى الفرق الرياضية الاحترافية تفشل أحياناً عن تحقيق أداء جيد رغم أن لديها أفضل المهارات. فالسر يتمثل في غياب التكامل النفسي. أما المنهجية الأكثر فعالية (كالبعثة الفضائية للمريخ مثلاً) فهي تلك التي تركز على شخصيات أفراد الفريق بقدر التركيز على مهاراتهم.
أنواع شخصيات فريق العمل
وفي الأبحاث التي أجريناها، وجدنا أن الأدوار النفسية للفريق هي نتاج شخصياتهم. انظر مثلاً إلى أفراد الفريق الذين لديهم أنماط الشخصيات الآتية:
• معنيّون بالنتائج:
أفراد الفريق الذين يقومون عادة بتنظيم العمل وتولي المسؤولية يميلون إلى أن يمتلكوا ثقة بالنفس على المستوى الاجتماعي، ولديهم قدر كبير من الطاقة والحس التنافسي.
• معنيون بالعلاقات:
أفراد الفريق الذي يركزون تلقائياً على العلاقات والاهتمام بمشاعر الآخرين ولديهم مهارة في الانسجام معهم يميلون إلى أن يكونوا لطيفين ويتعاملون بدبلوماسية مع الآخرين كما أنه يسهل التواصل معهم.
• الملتزمون بالعمليات والقوانين:
أفراد الفريق الذي يولون اهتماماً كبيراً بالتفاصيل والعمليات والقوانين يميلون إلى أن يكونوا أكثر كفاءة وتنظيماً والتزاماً.
• المهتمون بالابتكار والتفكير خارج الصندوق:
أفراد الفريق الذي يركزون عادة على الابتكار ويرحبون بالتعامل مع المشكلات ويدركون متى يحتاج الفريق بعض التغيير يميلون إلى امتلاك خيال واسع وقدر عالٍ من الفضول والانفتاح على التجارب الجديدة.
• البراغماتيون:
أفراد الفريق العمليون الذي يتحدون الأفكار والنظريات بعناد يميلون إلى أن يكونوا أذكياء ومستقرين عاطفياً وعقلانيين.
إن تحديد مقدار التوازن بين الأدوار في فريق العمل يقدم فكرة عظيمة عن دينامكيات العمل في أي فريق، كما أنه يساعد على معرفة فرصة النجاح أو الفشل في المهمة التي يعمل عليها. لقد عملنا مرة مع فريق في قسم التمويل كانت مهمته التحضير لمنتج جديد لإعداد تقارير الأعمال من أجل تحويل ثقافة العمل في إحدى الهيئات الحكومية المهمة. ولكن النسب الخاصة بأنماط شخصيات فريق العمل كانت دليلاً على أن الإخفاق سيواجهه من البداية:
• %17 كانوا من الأشخاص المعنيين بالنتائج.
• %100 من أفراد الفريق كانوا براغماتيين.
• %0 من أفراد الفريق كانوا قادرين على الابتكار.
• %50 من أفراد الفريق كانوا من الأشخاص المعنيين بالالتزام بالعمليات.
• %0 من أفراد الفريق كانوا من البارعين في بناء العلاقات.
وبما أنه لم يكن هنالك أي شخص يؤدي دور بناء العلاقات في الفريق فإنه ذلك كان يعني غياب التكامل والانسجام بين أفراده لأنهم فشلوا في بناء أي رابط مع مدراء الخط الأمامي الذين كانت مهمتهم تسلم عملية المحاسبة الجديدة من الفريق. ومع وجود عدد قليل كذلك منهم لديه اهتمام خاص بالنتائج والمخرجات (ولا سيما أن قائد الفريق ليس كذلك) فإنه قد كان من الصعب تحقيق أي تقدم.
اقرأ أيضاً: طريقة توفير الأمان النفسي الذي تحتاج إليه الفرق عالية الأداء
في المقابل، حين يكون معظم أفراد الفريق بارعين ببناء العلاقات، فسيكون من الممكن وجود بيئة عمل لطيفة دون وجود ما يدعي للمعاندة أو الخلاف، كما هي الحال في هذا الفريق الذي يعمل في مؤسسة للعمل الاجتماعي:
• %0 من أفراد الفريق كانوا من الأشخاص المعنيين بالنتائج.
• %0 من أفراد الفريق كانوا من البراغماتيين.
• %29 من أفراد الفريق كانوا قادرين على الابتكار.
• %29 من أفراد الفريق كانوا من الأشخاص الملتزمين بالعمليات.
• %86 من أفراد الفريق كانوا بارعين في بناء العلاقات.
لكن في هذا المثال كان الفريق حريصاً جداً على بذل الكثير من الوقت لضمان الانسجام والتوافق بين أفراد الفريق دون الاهتمام كثيراً بتحقيق النتائج. فحين يكون جل اهتمامك منصباً على تحقيق الانسجام مع بقية أعضاء الفريق، فإنه قد لا يتبقى لديك الوقت أو الطاقة لإحراز التقدم على الفرق أو المؤسسات الأخرى.
من المفيد استخدام هذه الأنماط من وصف الشخصيات لتقييم الأثر الذي سيكون لأي عضو جديد على أداء الفريق وديناميكيات عمله. تقول الباحثة المتخصصة بتحليل فرق العمل سوزان بيل، التي تعمل على مشروع رحلة المريخ مع "ناسا": "نحن نفترض أن رواد الفضاء أذكياء، وأنهم خبراء في مجالاتهم التقنية، وأنهم يمتلكون بعض المهارات فيما يتعلق بالعمل ضمن فريق. ولكن الأمر الصعب هو معرفة كيف ينسجم هؤلاء الأفراد مع بعضهم في فريق واحد".
بناءً على ذلك فإن، التقييم المتكامل للشخص يساعدنا في معرفة سر فريق العمل الناجح وكيف سيعمل جميع أفراد الفريق سوية، كما سيمكن من تحديد جوانب التنازع والتقارب فيما بينهم. كل أمر مفيد يحدث يكون عادة نتيجة جهد جماعي، حين يقرر الأفراد تجاوز اهتماماتهم الفردية لتحقيق نتيجة لا يمكن لأي منهم تحقيقها منفرداً. وهكذا، فإن أكثر فرق العمل نجاحاً هي تلك التي تمتلك الخلطة المناسبة من أنماط الشخصيات المختلفة المكونة لفريق العمل المثالي.
اقرأ أيضاً: تكييف أسلوبك الخاص في القيادة لإدارة الفرق الكبيرة