أصبحت المساواة في الأجور بين الجنسين نقطة خلاف كبيرة في العديد من الشركات، وباتت محور خطابات السياسيين والشخصيات العامة، وأيضاً في صميم موجة الدعاوى القضائية البارزة التي استهدفت كبار أرباب العمل، ولاسيما في الولايات المتحدة، ناهيك عن الدعاية السيئة والمسؤولية المالية التي تنطوي عليها.
وفي معرض ردها على ذلك، قامت العديد من الشركات بتعيين العديد من المستشارين وشركات المحاماة الخارجية لتحديد إن كان على قسم الموارد البشرية تولي تلك المسألة أو أنها من مسؤوليات القسم القانوني وما هي الحلول الممكنة لها؟ إلا أنه في رأينا، تمتلئ الطرق الأكثر شيوعاً لتحديد الفجوة في الأجور وحلها بالصعوبات والمطبات، حيث يعود ذلك إلى ما تتطلبه تلك القضية من عمل وطبيعته. ففي البداية عليك حساب الفجوة بالشكل الصحيح ومعرفة كيفية إصلاحها من دون زيادة فاتورة الأجور، كما عليك في الوقت ذاته مساعدة النساء اللواتي يتلقين أجوراً أقل مما يجب، والحفاظ على بنية الحوافز، وتجنب خلق التزامات قانونية جديدة.
وقد أجرينا بحثاً مستفيضاً حول الطرق الشائعة التي تستخدمها الشركات لإصلاح تلك الفجوة، وفيما إن كانت قد فشلت أو تسببت في مشكلات أخرى. كما عملنا مع عدة شركات في بلدان مختلفة لمعالجة مشكلاتها المتصلة بالمساواة في الأجور، ووجدنا أنّ محاولة سد الفجوة قد يكلّف الكثير إن لم يُنظر في النجاعة المالية لتلك المحاولة. إلا أنه وفي حال تم التركيز فقط على النجاعة المالية (كما يفعل العديد من المدراء) قد يزيد ذلك من المشاكل أكثر مما قد يساعد.
ويقوم نهجنا على العمل أولاً على تحديد الموظفين المتأثرين بالفجوة في الأجور بين الجنسين في المؤسسة، ثم تحديد توزيع العلاوات بأكبر قدر ممكن من الكفاءة لسد تلك الفجوة مع الأخذ بعين الاعتبار كلاً من استراتيجية الموارد البشرية وقواعد العدالة.
كيفية إصلاح الفجوة في الأجور
لنفترض أنّ لدى شركتك فجوة في الأجور وهي 10%، والتي تعني حصول الرجال على أجور تزيد بنسبة 10% عن النساء على الرغم من تماثل الخصائص الوظيفية والشخصية. وتعتبر تلك النسبة نسبة واقعية جداً، إذ عادة ما يكون لدى الشركات التي عملنا معها فجوة في الأجور بحدود تلك النسبة كما رأينا في بلدان مختلفة. فما هي الخطوات التي يجب على الشركة القيام بها؟
قامت إحدى الشركات مثلاً بتقديم زيادة في الأجر مقدارها 10% لكل امرأة في الشركة، لكن قد يتسبب ذلك الحل في زيادة الأعباء المالية على الشركة واحتمال تحقيقها لخسائر مالية. بالتالي، تقوم الشركة في خطوتها التالية، الأكثر شيوعاً، في تكليف قسم الموارد البشرية بتقييم أجر كل موظف وتقديم زيادة لكل امرأة (أو موظف) إن بدا أنّ الراتب الذي يتقاضاه (ذكراً أو أنثى) أقل من الوظيفة والمؤهلات. ولكن تفتقر هذه الطريقة أيضاً إلى آلية موضوعية وواضحة لتحديد من يتلقى أجراً أقل مما يستحق، فضلاً عن أنها ستكون مكلفة بذات القدر.
إلا أنه وخلال عملنا مع المدراء، حاولنا تجربة طريقة أخرى فيها يكون على المدراء الحاجة إلى وضع قائمة تحديد أولوياتهم حيال سد فجوة الأجور بين الجنسين. وقد تضم تلك القائمة، بحسب ما سمعناه من الشركات، أموراً على غرار تقليل إجمالي الزيادة في فاتورة الأجور ووضع نسبة مئوية تحدد سقف الزيادة المحتملة في الأجور وتخصيص أجور مختلفة للوظائف المختلفة بشكل يعكس مسؤوليات العمل المختلفة ومن أجل تحفيز الأداء الجيد وتجنب التفاوت في الأجور بين ما تقدمه الشركات والشركات الأخرى وأخيراً تقديم تعويض منصف إلى حد ما للنساء ضمن الشركة.
ثم يجب القيام بعد ذلك بتحويل هذه الأولويات إلى أهداف قابلة للتحديد كمياً في عملية توزيع الزيادات. وتدعى النتيجة "مشكلة تحسين مضبوطة" قابلة للحل حسابياً. ونجد أنه يمكن لهذه الزيادات أن تغلق الفجوة وتكون أكثر نجاعة مالياً مقارنة بمجرد تقديم علاوات متساوية ضمن أنحاء المؤسسة وذلك من خلال توجيه الزيادات إلى النساء اللواتي ينلن أقل مما يجب، وأخذ الإدارة بالإنصاف والمساواة في الحسبان. كما يجعل ما سبق هيكل الأجور أكثر شفافية وإنصافاً.
القضايا الشائعة عند تحديد الفجوات في الأجور بين الجنسين
هناك بعض القضايا التي يجب على الشركات مخاطبتها عندما تحاول بشكل جدي سد فجوة الأجور بين الجنسين حتى مع وجود استراتيجية قوية. وإليك بعضاً منها:
قد لا يحقق ما سبق الفائدة المرجوة للنساء. قد لا تحقق محاولة سد الفجوة في الأجور بين الجنسين بأقل تكلفة الفائدة المتوقعة للنساء لسببين. الأول: ستكلّف الزيادة المالية المحدودة عادة مبالغ أقل بكثير مقارنة بتقديم الموظفات في الشركة زيادة بنسبة 10%. صحيح أنّ لذلك جاذبية كبيرة، ولكن يتطلب إرفاق هذه الاستراتيجية بإظهار الاهتمام، كما قد يرى المدافعون عن حقوق المساواة بين الأجور تصرفك متعجلاً. أما السبب الثاني فهو أنّ بحثنا تشير إلى أنه من الأمور المحققة للكفاءة أحياناً إعطاء بعض الرجال زيادة لإنقاص الفجوة. وقد يفاجئ هذا الأمر حتى الإحصائيين المدربين. وبعبارة أخرى، حصول بعض الرجال على أجور أعلى بحيث يبدو وكأن النساء يتلقين أجوراً أكثر إنصافاً.
وتعتبر الأسباب الحسابية وراء هذه الفكرة معقدة لكن الهدف منها بدهي إلى حد كبير. فضمن أي مكان عمل تقريباً، سيكون هناك دائماً وظائف معينة غالبية شاغليها من النساء وأخرى يهمين عليها الرجال وذلك بحسب مؤهلات كل جنس. وقد يكون عدد النساء في مؤسستك مثلاً زائد في أقسام معينة أو قد يكون لديها تعليم أعلى أو أدنى من الرجال. بالتالي، إذا أعطيت الموظف المتعلم علاوة تتناسب مع مستواه التعليمي، فأنت ترفع متوسط الأجور لجنس الموظف من ناحية ومن ناحية أخرى تبرز أهمية التعليم في زيادة الأجر. وعندما يصبح التعليم (أو أي عامل آخر) مؤشراً أفضل على الأجور، تنخفض أهمية جنس الموظف كمتنبئ بمستوى الأجور.
وما يمكن استنتاجه هنا هو أنه إذا كان لدى الرجال في مؤسستك مثلاً مستوى تعليم أعلى من النساء، ومنحت بدورك علاوة في الراتب لذوي مستوى التعليم المرتفع (على سبيل المثال، حملة الدكتوراه)، فأنت تقلص فعلياً من فجوة الأجور بين الجنسين عبر قيامك بجعل الجنس العامل الأقل أهمية في تحديد الأجور. ومن الغريب أنه في هذه الحالة، يكون ما تدفعه للنساء "أكثر إنصافاً" وذلك عبر تقديم العلاوات لبعض الرجال. ولن يعني هذا بالضرورة أن الرواتب عادلة، بل يعني أنك قد غيرت المؤشرات التي تشير إلى كيفية توزيع الأجور.
قد تثبط الحافز. سيكون لإعطاء دولار واحد إضافي لموظف متدني الأجر أثراً أكبر في سد الفجوة بين الجنسين مقارنة بدفع ذاك الدولار لموظف ذي أجر مرتفع. (وذلك لأن الخوارزميات المستخدمة في حساب الأجور بين الجنسين تميل إلى التقليل من تأثير الأجور المرتفعة؛ انظر إلى فقرة كيف يتم قياس فجوة الأجور لمزيد من المعلومات حول هذا). لذلك، يمكن أن يؤدي توزيع الزيادات بنجاعة إلى حصول أصحاب الأجور المتدنية على علاوات لا تتناسب مع رواتبهم، ويتسبب في ضغط على هيكلية الأجور في الشركة. ولقد رأينا حالات أدى فيها توزيع العلاوات بشكل أكثر كفاءة مالياً إنما بشكل أعمى إلى تغيير هيكل الأجور للشركة. ويعني هذا أنك قد تقوم بدفع أجور لنساء أقل كفاءة (من حيث التعليم والخبرة ومسؤوليات الوظيفة) تزيد عن تلك المدفوعة للنساء أصحاب الكفاءة الأعلى - ربما على عكس ما تطالب به استراتيجية الموارد البشرية الخاصة بك. ومن المشاكل الرئيسة المحتملة من هذا أن الحصول على ترقية لم يعد يأتي مع زيادة كبيرة في الأجور بما يكفي لتحفيز الموظفين. وبشكل مشابه، قد ينتهى بالنساء أصحاب الأداء الأسوأ بنيل رواتب أعلى من أولئك أصحاب الأداء الأفضل.
كيف يتم قياس فجوة الأجور
وعادة ما يتم وصف الفجوة في الأجور بين الجنسين في الصحافة التقليدية كمقارنة بسيطة بين متوسط أجر النساء والرجال. وتكمن المشكلة في طريقة الحساب تلك في أنها لا تراعي باقي العوامل المتصلة بالوظيفة والشخص والتي يمكنها أن تؤثر بشكل كبير على ما يتلقاه الشخص من أجر في وظيفة معينة، مثل التوصيف الوظيفي أو الخبرة أو الأداء.
ولهذا السبب يحاول المحللون عادة "السيطرة" على هذه العوامل الأخرى عند تحليل الأجور، حيث يستخدمون طريقة شائعة لذلك هي الانحدار الخطي مع وجود طرق أخرى أيضاً. إلا أنه في المحاكم والبحوث الأكاديمية والسياسة، يستخدم أمر إضافي وهو خوارزميات الأجور بدلاً من الانحدار الخطي للأجور.
قد تتذكر دالة الخوارزميات من الرياضيات التي درستها خلال المرحلة الثانوية، إذ يقوم تسجيل الأرقام بشكل "خوارزمي" على جعل الزيادة أقل تأثيراً، كما هي الحال عندما نقوم برسم مستوى أسعار أسهم الأوراق المالية بشكل خوارزمي. وعلى وجه التحديد، وفيما يتعلق بالأجور، يعني تسجيل الأجور بشكل خوارزمي القيام بعد الخانات. فعلى سبيل المثال، إذا كان لديك موظفين يكسبون 10,000 دولار، و 100,000 دولار، و 1,000,000 دولار، فإنه الكتابة الخوارزمية لها ستكون 4 و5 و6 (مع أساس هو 10). وقد برهن علماء الاجتماع طوال نصف قرن على أن حساب الفجوة في الأجور باستخدام الخوارزميات يؤدي إلى نتائج أكثر دقة مقارنة بحسابها رقمياً، لأنه يتيح قياس الآثار التي تزيد من الرواتب بنسبة مئوية معينة، بدلاً من مبلغ رقمي معين. ويتضح أن لهذا تداعيات مهمة، كما نشير أدناه.
قد تخلق التزامات قانونية جديدة عليك. لسنا محامين، لكن رأينا ما يكفي لنعرف أنّ هناك الكثير من المسؤوليات الملقاة على عاتقك بموجب قانون العمل. يمكن أن يكون من أحد أسبابك للقضاء على فجوة الأجور هو تجنب رفع دعوى ضدك على أساس التمييز بين الجنسين، ولكن في حال جرى الاكتشاف بأن تخفيض تلك الفجوة قد تم بذكاء وبأقل كلفة ممكنة، قد يتم استخدام ذلك ضدك، إذ يمكن أن يقول أحد المدعين أن هناك أدلة على أنك تلاعبت بمقياس الفجوة في الأجور، وأنه كان في الإمكان تقييم الإنصاف في الأجور في مؤسستك بطريقة أخرى.
ويمكن أن يؤدي التخصيص الناجع للزيادات إلى تلقى بعض الموظفين لعلاوات كبيرة لأسباب إحصائية بحتة، والتي قد تراها المحكمة، أو موظفيك، غير عادلة. وعلاوة على ذلك، سيُنظر إلى زيادة الرواتب على أنها إشارة للأداء القوي، على عكس تصحيح الرواتب. لذلك، قد يشير الموظف إلى الزيادة كدليل على أنه يؤدي بشكل جيد، حتى إذا لم يكن عمله مستوفياً للتوقعات. وهذا يخلق حالات معقدة أمام المدراء للتعامل معها.
التفكير في استراتيجية الموارد البشرية على المدى الطويل
يمكن للتفكير في القضايا المذكورة أعلاه مساعدة شركتك على إحراز تقدم في فجوة الأجور بين الجنسين، ومساعدتك على تفادى رفع دعوى ضدك، وخسارة أفضل موظفاتك وتعرضك لأزمة علاقات عامة مفاجئة. ويمكن تنفيذ كل ذلك في غضون أشهر، وحتى أسابيع، وإبلاغ الموظفين كاستراتيجية استباقية لجعل شركتك أفضل مكان عمل.
لكن في نهاية المطاف، عليك أن تفكر بما قام به قسم الموارد البشرية وأدى إلى نشوء فجوة الأجور بين الجنسين في المقام الأول. هل حصة النساء غير عادلة؟ هل ينلن علاوات أقل؟ هل توجد فروق كبيرة بين الجنسين في التمثيل في أجزاء مختلفة من شركتك؟ هل تعاني من معدل استنزاف عال في الموظفات؟
قد لا تتمكن شركتك من حل كل هذه المشاكل على الفور، ولكن إذا تمكنت من تحقيق تقدم متواضع في تحديد أماكن الخلل التي قد تواجهها النساء في علمهن وتصحيحها، فقد تكتسب تقدماً أكبر في المنافسة. ويمكن أن يساعد ذلك في منع ظهور أي فجوة أخرى في الأجور بين الجنسين مستقبلاً ويعزز سمعة شركتك ويساعدك على توظيف أفضل الموظفات ويحث جميع الموظفين - ذكوراً وإناثاً – على زيادة مجهوداتهم. كما أن هذه العملية مستمرة وبلا نهاية، في هدف يتمثل في بقائك دائماً في صدارة المنافسة.