يمكن للتدريب أو التمارين أو أنشطة التطوير الأخرى تغيير العديد من عاداتنا التخريبية، لكن من الصعوبة بمكان تغيير بعض السلوكيات القيادية المثيرة للقلق، مع قدرة بعضها على العودة إلى الظهور حتى مع المحاولات المكثفة لتغييرها. ويعاني الكثيرون خلال محاولتهم المحافظة على "النسخة" الجديدة والمطورة من أنفسهم على الرغم من إصرارهم على القيام بذلك. إذ يمكن للضغوط والمشاغل أن تتسبب في انزلاقنا مباشرة إلى السلوك غير المرغوب فيه إنما المألوف لنا.
ويقول العلم بدوره إن التغيير هو إنجاز مذهل بحد ذاته على اعتباره يتطلب إشراك جزأين من الدماغ: الأول هو الجزء الأمامي (الفص الجبهي) وهو المكان الذي يحدث فيه الإدراك. إنه الجزء العقلاني من عقولنا الذي يكتسب المعرفة والمهارة الجديدة. ونستخدم هذا الجزء عندما نتعلم كيفية إجراء تغيير سلوكي. أما الجزء الثاني فهو الجزء الذي يوفر لنا الحافز، أو "إرادة" التغيير، عبر إطلاقه للدوبامين في كل مرة نقوم فيها بأمر جيّد (ويشار إليه غالباً باسم "نظام المكافآت"). ويمكنك أن ترى هذين الجزأين على أنهما "الإرادة" و"الطريقة". وفي حال لم يشارك أحدهما في تعلم مهارة جديدة أو تكوين عادة مختلفة، سيكون مصير تلك العادة أو المهارة الفشل.
لكن ثمة سلوكيات أخرى أكثر مقاومة للتغيير تضيف بدورها طبقة معقدة أخرى إلى ما سبق. وتحدث تلك السلوكيات نتيجة تجارب صادمة ومؤلمة ومحزنة في الغالب، تم تخزينها لاحقاً كذكريات في منقطة "الأميجدالا" (أو اللوزة) لدينا. وهذا الجزء من عقولنا هو المنطقة التي تستشعر التهديدات وتثير ردود فعل عاطفية تجاهها. وبينما الذكريات هي أحداث جرت في الماضي، إلا أن اللوزة، وعندما تستكشف خطراً في مواقف مألوفة، تعيد تفعيل تلك الذكريات كما لو أنها تحدث للتو، الأمر الذي يجعلنا نقوم بإجراءات الحماية ذاتها التي قمنا بها سابقاً (والتي يمكن أن يكون لها آثار جانبية ضارة). وعندما يحدث هذا، لن تكون "الإرادة" (الدافع) ولا "الطريقة" (التعلم المعرفي) كافيين لإحداث التغيير.
وبناء على ما سبق، هل ثمة ما يمكننا فعله تجاه ذلك؟ أقوم بدوري باستخدام طريقة غير تقليدية لدى مواجهتي سلوكيات مقاومة من عملائي (على الرغم من نيتهم الصادقة في تغيير أنفسهم)، إذ أحاول في البداية مساعدتهم على الغوص عميقاً لاسترجاع الذكريات التي شكلت سلوكياتهم غير المرغوب فيها. وأدعو هذه الطريقة باسم "القصة الأصل". ولا تحل هذه الطريقة بأي حال محل العلاج النفسي طويل الأجل (والذي نكتشف أحياناً حاجتنا إليه)، إنما توفر مساحة آمنة للقادة لدراسة أصول سلوكياتهم التخريبية والمستمرة، مع بناء الوعي اللازم لإحداث التغيير الدائم لديهم.
ويمكن لاكتشاف "قصة الأصل" المساعدة في التعرف على المعوقات التي تحول دون تعلم أمر جديد لم تنجح في تعلمه سابقاً. ويمكنك القيام بذلك خلال محاولتك أنت – أو أي شخص تدربه – على إزالة سلوك تخريبي مزمن، من الغضب الشديد إلى التجمد في لحظات شديدة الخطورة، إلى فقدان السيطرة أمام الضغوط.
وتنطوي العملية على أربع خطوات.
1) كتابة قصة الأصل.
أطلبُ من عملائي تذكر مشاهد حصلت معهم في المراحل الأولى من عمرهم بدأت تظهر فيها أهمية السلوك الذي نحاول العمل عليه (وتكون عادة بين عمري 5 و20 عاماً).
ويجنح العملاء في كثير من الأحيان إلى مشاهد تتضمن صراعاً وألماً ظهرت فيها بدايات سلوكياتهم غير المرغوب فيها. ولا يعاني عملائي في العادة من صعوبات في تذكر مشاهد للكتابة عنها، إنما يعانون من محاولة اختيار أيها يجب الكتابة عنه أولاً. واعتماداً على الوقت المتاح، تكشف القصص التي كتبوها أحياناً عن أنماط تُظهر لي كيف تعزز السلوك التخريبي في رحلة حياتهم.
ولننظر إلى عميل لي يدعى "أمير". يعمل أمير رئيس قسم في شركة محاسبة عالمية. كان لطيفاً وفصيحاً مع طاقة هائلة أكسبته مكانة مميزة، لكن لم يكن لكل ذلك أهمية لوجود صفات سلبية فيه تمثلت في رغبته بأن يكون دائماً على صواب، والسعي إلى أن يكون تحت الأضواء، والحديث بلا توقف. قال لي أحد من قابلتهم حول أمير، "إنه رائع، لكنه لن يتغير مطلقاً. لا يمكنه الاستماع، وإذا أشرت إلى خطأ قام به، سيتحدث بلا توقف أو كلل حتى تستسلم".
وطلبت من أمير، خلال دورة مكثفة مدتها أربعة أيام، كتابة قصص حدثت معه في مراحله العمرية المبكرة تعلم فيها أن من المهم جداً أن يكون على صواب وبأن يكون تحت الأضواء. أردت منه أن يفسر لم يشعر بالتهديد من أن يكون على خطأ أو على الهامش. كان حدسي أن أمير كان يشعر بالأمان فقط عندما كان يتحدث، وأن التشكيك في آرائه يثير شعوره بقلة قدراته والخجل. وكان السؤال الذي طلبت منه أن يجب عليه هو: متى وكيف تم تعلم هذا السلوك؟
2) تحديد السرد الداخلي.
ترتبط أصول السلوك التخريبي بشكل دائم بروايات محبوكة بشكل جيد تعمل كقوالب أو أساس نستخدمه لفهم العالم، وغالباً ما تظهر كرد فعل على تجارب واجهناها في وقت سابق من حياتنا (أو "قصة الأصل")، ثم نقضي حياتنا محاولين إعادة تهيئة الظروف التي تعززها. لكن لا يمكننا إعادة كتابة تلك القصص إن لم نكن قادرين على معرفتها في الأساس، وهذا ما تدور حوله هذه الخطوة.
كانت إحدى القصص التي كتبها أمير، في معرض تفسير لمعاناته في الجانب الاجتماعي، تدور حول انتقاله من مدرسة إلى أخرى بشكل مستمر عندما كان في العاشرة من عمره. كان أمير مصاباً بالتشتت الشديد ويعاني من متلازمة "اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه". بالتالي، طلبت منه المدرسة الجديدة التي ارتادها حضور فصول "التعليم الخاص" في الظهيرة في فترة استراحة بقية الطلاب. ولمدة عامين، كان أمير كل يوم يخطو بخجل أمام أقرانه الذين يطلقون على ذاك الصف اسم "صف الأغبياء". وكان هذا أساس وصمة عار تمثلت لاحقاً في سلوكيات لم يستطع أمير تغييرها.
وعلى الرغم من ارتفاع معدل ذكاء أمير، لم يكن من السهل عليه إظهار ذلك في الاختبارات القياسية الموحدة نتيجة إعاقته. وتعلم أمير أن عليه أن يكون محبوباً للغاية، ويتكلم بفصاحة، ويثبت باستمرار مدى ذكائه للآخرين لكي لا يرونه "غبياً". بالنسبة له، أن تكون ذكياً يعني أن تكون على حق.
ثم طلبت من أمير أن يصف بجملة واحدة ما تعلمه من فترة الضعف التي عاشها تلك. كتب أمير، "سيرى الجميع أنك غبي ما لم تتمكن من إثبات العكس".
كان تفسيره واضحاً جداً. لم يعتقد أمير أن عليه إثبات أنه لم يكن غبياً، بل كان يعتقد أن عليه إخفاء حقيقة أنه كان كذلك. وبالتالي، كان عليه أن يتبنى سلوكيات متطورة لإخفاء تلك "الحقيقة" عن البقية.
لكن جاءت سلوكياته تلك بنتائج عكسية، إذ دفعت الناس بعيداً عنه لتتكرر تجارب الرفض التي عاناها في طفولته. وبالتالي، كان عليه أن يكتسب قبول وإعجاب الآخرين باستخدام طاقة متفائلة وأفكار فصيحة. أدرك أمير أنه قضى حياته بأكملها يتقن دورة تجعله يشعر بالراحة للحظات، لكنها تتسبب في الرفض الذي سعى إلى الهروب منه.
3) قم بتسمية الحاجة التي تخدم ذاك السلوك.
إن ما يبقي السلوك المدمر قيامه بخدمة حاجة معينة. تدور هذه الخطوة حول معرفة ما هي تلك الحاجة، إذ يكون السلوك المزمن والمدمر في العادة محاولة لعلاج تجربة مؤلمة تسببت في نشوئه.
عندما طلبت من أمير أن يخبرني بما يريده في النهاية، قال: "أريد أن أشعر أنني أنتمي لمجرد أنني أنا". والمشكلة هي أنه تعلم في وقت مبكر من الحياة أنه لا يستطيع "الانتماء" و"أن يكون هو" في الوقت نفسه. ونتيجة لذلك، اختار اختلاق نسخة جديدة من نفسه.
ناقشنا أنا وأمير بالضبط ما يعنيه هذا: لمواجهة المشاعر التي تنتابه (ازدراء الذات والعار والرغبة في نيل قبول الآخرين)، كان يحاول الظهور أمامهم على أنه شاب لطيف، لا سيما في مكان عمله. إن حاجته اللاواعية لتعزيز اعتقاده بأنه غبي وغير مرغوب هي التي جعلته يقاوم التغيير، على الرغم من إدراكه ضمنياً بوجوب أن يتغير.
وبينما اعترف بالنتائج السلبية لسلوكه على الآخرين (الإدراكي) ورغبته في إيقافه فعلاً (الدافع)، إلا أن الألم الذي لم يتم معالجته في تلك السنوات التكوينية (الصدمة) كان ببساطة هائلاً جداً، بحيث لا يمكن تخطيه أو التغلب عليه بسهولة. وضعت هذه الدورة نمط السلوك المدمرة في حالة حركة مستمرة.
4) اختر سلوكيات سردية وبديلة جديدة.
وبمجرد أن يحدد الشخص الاحتياجات التي يعمل السلوك التخريبي على تلبيتها، بغض النظر عن مدى عقلانية ذلك، سيكون قادراً على بدء عملية التغيير، لكن سيستغرق الأمر وقتاً.
ويكون في بعض الأحيان من الأفضل العمل مع معالج نفسي مدرب في هذه المرحلة (فلن تموت الروايات القديمة بسهولة). ولكن، أطلب من عملائي كخطوة أولى محاولة كتابة قصة جديدة. بالنسبة إلى أمير، كان السؤال: ماذا سيحدث إذا كنت حقاً ذكياً ولم تكن بحاجة لنيل موافقة الآخرين من خلال إظهار طاقة حماسية أو باستخدام الفصاحة لإظهار الذكاء؟ هل تعتقد أن الآخرين سيبقون معجبين بك إذا كنت هادئاً؟
وقام أمير بكتابة قصته الجديدة، "سأكون محبوباً وذكياً وآمناً حتى عندما أكون صامتاً". سيستغرق تجسيد تلك الرواية بعض الوقت بالتأكيد، لكن بات الاتجاه الذي على أمير أن يسير فيه واضحاً، وهو الآن في طريقه إلى تحقيق ذلك. من الشائع تجاهل قصص الأصل والنظر إليها كأجزاء من ماضينا، حيث قد تتسبب أمور مثل الطلاق أو تعرّض شخص نحبه لمرض عضال أو المعاناة من التنمر أو النجاة من كارثة طبيعية في جروح وندوب غائرة ترسم شخصياتنا. صحيح أنه لا يمكن تبرير السلوك المدمر بأنه نتيجة جذور جروح عميقة في شخصية المرء، لكن لا يمكننا في الوقت نفسه إقصاء كل قائد يرغب بتغيير نفسه بكل ما يمكنه، إذ سنخسر وقتها العديد من القادة. علينا فقط في بعض الأحيان الغوص عميقاً لمساعدة من يعانون على التألق.
تقول مايا أنجيلو: "لا يوجد عذاب يضاهي تحمل قصة مؤلمة في داخلك". إذا كنت تتصارع مع سلوك تدميري مستمر، فربما حان الوقت لاستكشاف القصة الفظيعة وراء ذلك. ستعيش حياة أكثر رضى، وسيشعر من تقودهم بالامتنان لذاك التغيير الذي سيحل بك.