واحدة من التغييرات الفعالة في المؤسسة هي زيادة نطاق السيطرة، إذ يمكن لهذه الخطوة غير البديهية ولكن البسيطة أن تحرر الموظفين من القيود وتبسط التسلسل الهرمي والعمليات الإدارية وتخفض التكاليف. واسمحوا لي أن أوضح ذلك.
يُشير نطاق السيطرة تقليدياً إلى عدد الأشخاص الذين يتبعون لمدير واحد، وطُوّر هذا المفهوم في بداية القرن العشرين، وأُجري العديد من الدراسات بالفعل من أجل تحليل أسلوب التواصل بين المدراء والمرؤوسين لضمان أن يمتلك المدراء وقتاً كافياً لممارسة السيطرة على نحو فعال. على سبيل المثال، أشارت إحدى الدراسات إلى أن زيادة عدد المرؤوسين من 7 إلى 8 زاد عدد التفاعلات المحتملة من 490 إلى 1,080 تفاعلاً، وتوصل معظم الدراسات لاحقاً إلى أن العدد الأمثل من المرؤوسين المباشرين يتراوح بين 5 و7 مرؤوسين.
وتستند الفكرة الرئيسية إلى افتراض أن دور المدير في جوهره يتمثّل في السيطرة على المرؤوسين، وهو افتراض صحيح في السلاسل الهرمية التقليدية. لكن مع تطور المؤسسات تغيّر دور المدير ليصبح أكثر مرونة وشمولية وسرعة وحيوية، ولم تعد وظيفته مقتصرة على تنظيم المهام التي يؤديها المرؤوسون ومراقبة أنشطتهم، بل تطورت لتشمل تعزيز العمل الجماعي والتواصل وإلهام مرؤوسيه وتوجيههم؛ باختصار، تحوّلت وظيفته من السيطرة إلى القيادة.
في الواقع، بمجرد أن يتوقف المدراء عن محاولة فرض السيطرة الشخصية على المرؤوسين سيزيد عدد المرؤوسين المباشرين. اكتشفت شركة جنرال إلكتريك ذلك في أوائل التسعينيات من القرن العشرين عندما زادت نطاق سيطرة مدرائها بإضافة 10 مرؤوسين لكل مدير، ما اضطرهم إلى تخفيف التوجيه الصارم ومنحِ مرؤوسيهم مزيداً من الصلاحيات لعدم وجود وقت كافٍ لممارسة الإشراف الدقيق على الجميع مثلما اعتادوا في السابق. فحولوا تركيزهم من مراقبة المرؤوسين إلى إضافة القيمة بطرق مختلفة، مثل تطوير الاستراتيجية وزيادة التواصل مع العملاء وتحسين العمليات وتقديم التوجيه.
تُسهم زيادة نطاق السيطرة في تقليل التسلسل الهرمي أو المستويات الإدارية. على سبيل المثال، بدلاً من أن يكون لديك مدير واحد يدير 5 مرؤوسين مباشرين يتبع كلاً منهم 3 موظفين، يمكن إلغاء الطبقة الوسطى بحيث يصبح لدى المدير 15 مرؤوساً.
يُسهم وجود عدد أقل من المدراء في خفض التكاليف ويسهّل تدفق الأفكار والمعلومات عبر المؤسسة، فعند وجود عدد كبير من المستويات الإدارية يصبح التواصل من قمة المؤسسة إلى قاعدتها مشابهاً للعبة الهاتف التي تتغير فيها الرسالة في أثناء انتقالها بين عدد كبير من الأشخاص. ويصبح التواصل من القاعدة إلى القمة مقيّداً أيضاً، إذ يرغب المدراء في كل مستوى بتعديل البيانات عن حسن نية أو طرح أسئلة جديدة أو إيقاف عملية ما تماماً. وهذا الاختلال الذي يحدث في عملية التواصل يجعل المدراء منفصلين عن الواقع. يشبّه جاك ويلش العدد الكبير من المستويات الإدارية في مؤسسة ما بشخص يرتدي عدد كبير من القمصان، ما يجعله عاجزاً عن معرفة إن كان الجو حاراً أو لا.
يمكن تجنب هذا الخلل في عملية التواصل من خلال زيادة نطاق السيطرة وتقليل المستويات الإدارية. للأسف، يستخدم بعض كبار المسؤولين التنفيذيين التغييرات في نطاق السيطرة والمستويات الإدارية وسيلة لخفض التكاليف، ويتغاضون عن التحوّلات المرتبطة بالسلوك الإداري وتبسيط العمليات المؤسسية. لكن هذه التغييرات تؤدي إلى توفير مؤقت فقط في التكاليف، لأنه إذا لم يغيّر المدراء أساليب عملهم مع موظفيهم فسوف يتراجع الأداء وتزيد الضغوط لتعيين مزيد من الموظفين مرة أخرى، وتدخل الإدارة في حلقة مفرغة وغير منتجة. من جهة أخرى، عندما يستخدم المسؤولون التنفيذيون التغييرات في نطاق السيطرة والمستويات الإدارية للتركيز على التمكين الإداري للموظفين وتبسيط العمليات الإدارية، ويجعلون هدف خفض التكاليف نتيجة جانبية، فسوف يحققون تحسيناً شاملاً في إنتاجية المؤسسة.
باختصار، إذا كنت تتولى منصباً إدارياً، فمن واجبك مراقبة نطاق السيطرة والمستويات الإدارية باستمرار دون أن تنتظر توجيهاً رسمياً من الشركة لإعادة التنظيم. ومع مرور الوقت وازدياد عدد الموظفين وتوسّع العمل في مناطق جغرافية جديدة وتطوير مزيد من المنتجات والوظائف، سيكون من السهل أن يتقلص نطاق السيطرة وتزداد المستويات الإدارية، وأن يعود المدراء إلى سلوكيات الإشراف التقليدية من جديد؛ وتعلّم كيفية منع ذلك يشكّل جزءاً أساسياً من مهارات القائد الناجح، ووسيلة للتركيز على تقديم إسهامات إيجابية بدلاً من القلق بشأن السيطرة.