تميل النقاشات المتعلقة بالزوجين اللذين لديهما مساران مهنيان مختلفان إلى التركيز على التحديات والتضاربات المرتبطة بهذه الحالة. لكن الزوجين اللذين يتمكنان من المضي قدماً في مسارين مهنيين طموحين وتلبية متطلبات الحياة العائلية في الوقت ذاته يتمتعان ببعض المزايا أيضاً، وهي مزايا تتجاوز مجرّد امتلاك دخلين. من الأمثلة على هذا المزيج تامار دين دور- نير ودان كروكمالنيك. كانت دور- نير قد أمضت 20 عاماً في شركة الاستشارات "باين" (Bain) التي تشغل فيها حالياً منصب شريك إداري وهي رئيسة مكتبها في بوسطن. ومنذ أن تزوّج الاثنان في 2009، عمل كروكمالنيتش، وهو محام، لدى مكتبي محاماة كبيرين، بصفة مساعد مدعي عام ولاية ماساتشوستس الأميركية، وابتداءً من عام 2017، كاستشاري عام في صحيفة "بوسطن غلوب" (Boston Globe). لدى الزوجة البالغة من العمر 42 عاماً والزوج البالغ 39 عاماً ولدان عمرهما 8 و6 أعوام. وقد تحدّثا إلى هارفارد بزنس ريفيو حول المكاسب المهنية بوصفهما زوجين يمتلكان مسارين مهنيين مختلفين. فيما يلي مقتطفات محررة من هذا اللقاء.
كيف تساعدكما حياتاكما المهنيتان في دعم بعضكما بعضاً في المنزل؟
تامار: نأتي كلانا إلى العمل مُفترِضَين أننا سنستمع حقاً بوظيفتينا، ونهتم لأمريهما، ونتعامل معهما بقدر كبير من الطموح. هذه قيمة مشتركة ونحن نأخذها على أنها مسلّمة، لذلك فهي ليست مصدراً للتوتر. إذا كان أحدنا قد مر بيوم سيء في العمل يوم الخميس في نهاية الأسبوع وظل باله مشغولاً بشأنه يوم الجمعة، فإن الطرف الآخر لن ينزعج أو يُفاجأ. يحدونا الأمل أن نكون شخصين متعاطفين ومتراحمين. نحاول أن نكون حاضرين، ولا ننزعج إذا كان الطرف الآخر غير قادر على تناسي الموضوع فوراً. الشيء الأسوأ من انتقال التوتر الناجم عن العمل للتأثير على الوقت الشخصي هو الذهاب إلى المنزل والحصول على العقاب بسببه.
دان: إحدى النتائج الطبيعية لحالتنا هي أن أياً منّا ليس منهمكاً عاطفياً زيادة عن اللزوم في المسار المهني للآخر. هي لديها وظيفتها وأنا لدي وظيفتي. ونحن موجودان لدعم بعضنا بعضاً وليقدّم كل واحد منا المساعدة للآخر عندما يحتاجها، لكنني لا أستمد وجودي من أنني زوجاً لشريكة حياة تعمل في شركة "باين"، وهي لا تستمد وجودها بوصفها زوجة موظف يعمل في صحيفة "بوسطن غلوب". لا أعتقد أن ذلك سيكون أمراً صحياً بالنسبة لنا.
كيف أثرت فكرة امتلاككما لمسارين مهنيين مستقلين عندما غيّر دان عمله؟
دان: يمنحني مسار تامار المهني الحرية لأفعل ما أشاء. بوسعي أن آخذ إجازة بلا راتب لأذهب وأعمل في مكتب المدعي العام لمدة عامين دون أن أضطر إلى أن أقلق بشأن دفع القسط العقاري لمنزلنا.
تامار: أنا أحب عملي كثيراً، وكنت أحبه منذ فترة طويلة. رغبت أن يكون لدى دان الشعور ذاته، وقد سمحت لي وظيفتي أن أشجعه على الانتقال بحثاً عن هكذا عمل. هو عثر الآن على الوظيفة التي يحبّها ونحن جميعاً أفضل حالاً نتيجة لذلك.
هل شكّلت الموازنة بين مسارين مهنيين شاقين تحدياً كبيراً قبل أن ترزقا بطفليكما؟
تامار: في بداية حياتنا الزوجية، وقبل أن ننجب طفلينا، كان مسارانا المهنيان لا يفرقان كثيراً عما كانا عليه عندما كنا عازبين. لكن كل التحديات برزت بعد قدوم الولدين. كنت محظوظة حقاً في عدة أشياء. لم أغادر "باين" للعودة إلى كلية الأعمال، كما يفعل العديد من الاستشاريين، وأصبحت شريكة عمل في عمر صغير نسبياً.
"الأشياء التي نتجادل بشأنها هي ما حجم الأمور التي يجب أن نحاول إقحامها في حياتنا، وإلى أي مدى يجب أن نعقّدها".
دان: دعوني أقاطع هنا لأتفاخر بها قليلاً: لقد أصبحت شريكة عمل بعمر الثامنة والعشرين، وكانت أصغر شخص يصبح شريكاً ذاك العام.
تامار: تولّي منصب الشريك قبل إنجاب الأطفال منحني قدراً أكبر بكثير من الاستقلال الذاتي، والمرونة، والأمان مما لو أتت هذه الخطوة بعد ولادة ابناي. ومع ذلك فقد افترضت أنني سأغادر "باين" عندما أنجب. لم أكن أعتقد أن بإمكاني البقاء. كنت أضطر إلى السفر طوال الوقت. ينتابني شعور عاطفي غير مريح تجاه الأهل الذين يسافرون – فوالدتي توفيت وأنا لا أزال يافعة، وكان والدي دائم السفر، ولم أكن أرغب في أن أحذو حذوه. اعتقدت أنني سأعود من إجازة الأمومة وأعمل لأطول فترة ممكنة قبل أن أغادر. وقد كانت مفاجأة سعيدة بالنسبة لي أنني تمكّنت من تدبّر أمري ولاسيما عثوري على طرق خلاقة كي لا أضطر إلى السفر. ركّزت على العملاء المحليين وعملت كثيراً مع شركات الاستثمارات الخاصة، حيث يمكن إنجاز معظم العمل عن بعد. ووظيفتي الحالية التي تتمثل في إدارة مكتب بوسطن هي النسخة الأحدث من تلك الاستراتيجية.
كيف قررتما من هو المسؤول عن الأعمال المنزلية والمتطلبات التي لها علاقة بالطفلين؟
تامار: يجب أن نعترف أن أول شيء نفعله هو أننا ننفق الكثير من المال على هذا الجانب. لدينا جليسة أطفال أجنبية رائعة تعيش معنا وتتعلم لغتنا وهي تهيئ الولدين للذهاب إلى المدرسة، وتحضرهما من المدرسة إلى البيت، وتأخذهما لممارسة الأنشطة. لدينا مدبرة منزل تنظف الثياب، وتنجز التسوّق، وتعدّ بعض الطعام أيضاً. ونتقاسم أنا ودان ما تبقّى من أعمال. أنا أتعامل مع موضوع المخيمات الصيفية، فيما يتولى هو الجانب المتعلق بممارسة الولدين للرياضة. أنا أتعامل مع الأطباء، وهو يتولى أمور التأمين. تجاوزنا نقطة التقسيم المتكافئ للمهام بيننا أو الالتزام بتخصيص فترات زمنية متطابقة. هذا أمر غير ممكن. وعندما تطرأ أمور معيّنة، نحاول أن نحل المسألة. على سبيل المثال، احتاج ابننا البالغ من العمر ثماني سنوات قبل فترة إلى مساعدة منهجية في إنجاز واجباته المدرسية للمرة الأولى.
دان: الأمر كله يتصف بالحيوية والديناميكية، لكننا لا نقصّر في الحديث في هذه المسألة، وتحديداً الأشياء الناجحة والأشياء غير الناجحة.
تامار: وكلما تحدثنا عن موضوع تقاسم المسؤوليات وتبادلها، نحاول أن نتذكر أننا محظوظان للغاية. لا نعتقد أن خياراتنا تمثّل الخيارات التي يأخذها معظم الناس. فمعظم الأزواج يعملان كلاهما لأنهما مضطران إلى ذلك، فهم ليس لديهم خيار من الناحية المالية. واحد من مخاوفنا المشتركة هو أن الاتجاهات الاقتصادية والسياسية السائدة في هذا البلد تقضي فعلياً على الخيارات المتاحة للعائلات.
ما هي بعض المنافع والمكاسب من وجود زوج أو زوجة لديهما وظيفة كبيرة؟
تامار: نحن لدينا شبكتان غير متقاطعتين بالكامل تقريباً. نعرف أنماطاً مختلفة من الناس. شبكتي ليست مبنية على أساس جغرافي، بل هي متعلقة أكثر بالقطاعات. دان لديه شبكة معارف جيدة في بوسطن وبما أنني أصبحت أؤدي دوراً أكبر في مكتب بوسطن، فإن ذلك كان مفيداً بالنسبة لي. كما أن منصبي الجديد يشمل عدداً أكبر من قضايا الموارد البشرية بالمقارنة مع ما كان عليه الحال في وظائفي السابقة. أتحدث إلى دان كثيراً حول أوضاع الموظفين، ما يسمح لي بفهم الجانب القانوني. هو كاتب بارع لذلك أطلب منه مراجعة الأشياء التي اكتبها.
دان: تامار تتمتّع بخبرة ومهارة أكبر مما لدي في التعامل مع العلاقات الشخصية. وأنا أتكئ عليها طلباً للنصح في هذه النقطة كثيراً. وبالعودة إلى الأساسيات، وقبل أن أبدأ عملي في "بوسطن غلوب"، كانت كل الأماكن التي عملت فيها هي عبارة عن مكاتب محاماة. (مكتب المدعي العام هو عملياً مكتب محاماة). لذلك فإن الانتقال إلى شركة إعلامية، والاهتمام بقوائم الأرباح والخسائر والموازنات، شكّل تحولاً كبيراً بالنسبة لي. لطالما كانت تامار في السابق وتظل حالياً سنداً وعوناً كبيرين لي في هذا الشق من حياتي.
تامار: دان هو شخص بارع في توظيف الناس وهو يساعدني في هذه المهمة. فعندما يلتقي شخصاً ما سواء أكان يلتقيه للمرة الأولى أو يعرفه من قبل، ويعتقد أنه مناسب لشركة "باين"، يرسله إليّ على الفور. وعندما أعيّن أشخاصاً لديهم أزواج عاملون أو زوجات عاملات، ويشعرون بالقلق إزاء كيفية إدارة أسلوب حياتهم كاستشاريين، غالباً ما أطلب منهم التحدث إلى دان.
دان: عادة ما تكون هذه الحوارات غير رسمية إلى حد كبير، وهي تجري على هامش عشاء مثلاً. فعلى الرغم من أن تامار لديها مسارها المهني الذي من هذا النوع، إلا أن لدينا حياة مفعمة بالنشاط معاً. وهذه طريقة لنظهر للناس أن الأمر ممكن عوضاً عن أن نخبرهم بذلك فحسب.
أنتما تجيدان إدارة التوازن في الوقت الحاضر، فما هي التضاربات التي تخشون ظهورها مستقبلاً؟
دان: ما أخشاه هو أن تحصل صدمة تطال هذا النظام. فذلك يمكن أن يحصل بطرق عديدة، كأن يكون السبب مشكلة صحية، على سبيل المثال.
تامار: أكثر جزء نتنازع عليه هو حياتنا الاجتماعية. تمر عليّ بعض اللحظات التي أشعر فيها أننا نبذل جهداً زائداً عن اللزوم اجتماعياً. الأشياء التي نتجادل بشأنها هي ما حجم الأمور التي يجب أن نحاول إقحامها في حياتنا، وإلى أي مدى يجب أن نعقّدها. على سبيل المثال، أنا أخشى عندما يكبر الولدان أن تطغى أنشطتهما الرياضية على عطلة نهاية الأسبوع التي نقضيها معاً. لدينا توازنات طبيعية مختلفة في أنشطتنا. دان دائب الحركة ويريد المزيد، وأنا أميل إلى الشعور بالتعب وأرغب بالقليل.
هل ينتاب كل واحد منكما قلق من أن المسار المهني للآخر قد يمنعه من اتخاذ الخطوة الكبيرة التالية كما يريدها؟
تامار: تولينا كلانا وظيفتين أكبر في أواخر العام 2017، وكان ذلك بمثابة اعتراف ضمني أننا نُحسن التعامل مع شؤون المنزل وأن لدينا مساحة إضافية للمناورة. المنصب الذي أشغله حالياً يستمر عادة لمدة ست سنوات. في وقت من الأوقات، وعندما يكبر ولدانا، ستكون لدي عوائق وحريات مختلفة، وأنا واثق أننا سنغير وظيفتينا ونرتقي السلم المهني نحو الأعلى من جديد.
دان: بما أن مسارانا المهنيان مختلفان، فإن تصوراتنا للمستقبل مختلفة هي الأخرى. وظيفة تامار الحالية مختلفة عن وظيفتها السابقة، لكنها ما تزال شريكة في "باين". ومهما حصل تالياً، فإنها ستظل على الأغلب شريكة في "باين". أنا على بعد أقل من عامين مما أعتقد بقوة أنها ستكون أكثر الوظائف التي عملت فيها إثارة في حياتي، لذلك فإنني لا أفكر في أي خطوات تالية الآن.