يتزايد أثر "رواد العمل الاجتماعي"، وهم الأشخاص الذين يستخدمون الابتكار وقوى السوق لسد الاحتياجات الاجتماعية. انظر مثلاً إلى مشروعات إدخال الكهرباء إلى إفريقيا، أو الخدمات المصرفية بالأجهزة المحمولة في بنغلاديش، أو الرعاية الصحية منخفضة التكلفة في نيبال، أو توفير وجبات غذاء أفضل في مقاصف المدارس الأميركية: ستجد أنه في كل هذه المشاريع، يلعب القطاع الخاص دوراً كبيراً، فماذا عن رواد العمل الاجتماعي وحل مشكلات المواهب؟
لا شك أن بإمكان رواد العمل الاجتماعي إحداث فارق (هنا عشرات الأمثلة على ذلك)، إلا أن هناك الكثير من الإمكانات لم يكشف عنها بعد. فإلى ماذا تحتاج هذه المشاريع لتنمو؟ وكيف يمكنها فعل ذلك؟
طُرحت هذه الأسئلة في استبيان شمل 628 مبادراً اجتماعياً من جميع أنحاء العالم، أجرته مؤسسة "ريبل ووركس" (RippleWorks)، وهي مؤسسة خاصة تدعم رواد الأعمال في الأسواق الناشئة من خلال توفير مسؤولين تنفيذيين رياديين في وادي السيليكون للعب دور الاستشاريين. أجري البحث بدعم تحليلي من "ماكنزي" وتمويل من "شبكة أوميديار" (Omidyar Network)، وتضمن مقابلات مع 37 مستثمراً و10 من قادة المشاريع الاجتماعية.
أوضح رواد الأعمال أن أهم عائق أمام النمو هو -مفاجأة!- المال. ذكر نصف المشاركين تقريباً (48%)، أن جمع التمويلات كان صعباً "جداً" أو "صعباً للغاية"، حتى في الحالات التي كانت الصناعة الاستثمارية المؤثرة تواصل نموها. وفقاً للاستبيان الذي أجرته "الشبكة العالمية للاستثمار المؤثر" (Global Impact Investor Network)، في الشهر الماضي، على 158 مستثمراً مؤثراً، يظل غياب رأس المال في المراحل الأولى تحدياً كبيراً أمام نمو الصناعة.
تحسين أداء مشاريع ريادة الأعمال الاجتماعية
تتمثل ثاني أهم مشكلة، في إيجاد الأشخاص الموهوبين والحفاظ عليهم (حققت نسبة 36%)، وتتفاقم هذه المشكلة عندما يسعى رواد الأعمال للحصول على بعض التمويل. حيث ترى ثلاثة أرباع الشركات الممولة في المرحلة الأولية، أن عجزها عن الحصول على المواهب التي تحتاج إليها سيكون له أثر هائل على أعمالها. وعلى عكس التحديات الأخرى التي تواجهها (مثل التمويل أو الخدمات اللوجستية أو الامتثال للوائح والنظم)، تزداد صعوبة مشكلة الفجوة في المواهب مع نمو المشروعات الاجتماعية.
إلا أن رواد الأعمال لديهم سيطرة أكبر في هذا المجال، وفيما يلي 3 أشياء يمكنهم فعلها الآن بنفسهم لتحسين الأداء:
اعلم أن التمويل وحده لن يحل مشكلة التوظيف
المواهب نادرة، ولهذا يرتفع ثمنها. كما أن الوضع الاجتماعي والراتب والأمان الوظيفي لبعض الشركات أمور تصعب مقاومتها في كثير من الدول. والمبادرون الاجتماعيون -ولو تلقوا تمويلاً- لا يمكنهم التنافس بنِديّة على ذلك الأساس. ففي تلك الإحصائية، لم يختلف حال رواد الأعمال الذين تلقوا قدراً كبيراً من التمويل، وذكروا أيضاً قيود الميزانية التي تقف عائقاً مهماً أمام التوظيف. لذا يتعين عليهم بناء نقاط القوة الخاصة بهم كبديل، وذلك من خلال إقناع المرشحين بعرض القيمة الخاص بالموظف بالكامل، ورسالة المؤسسة ورؤيتها بصفة خاصة.
اجعل الموهبة الأولوية الاستراتيجية الأولى لديك، واسعَ وراءها دائماً
تماماً كما يحتاج رواد الأعمال من جميع الأنواع إلى توقع توجهات العملاء وتطور المنتجات، عليهم توقع احتياجاتهم الخاصة بالتوظيف والعمل عليها مقدماً.
غاياثري فاسوديفان، الحاصلة على جائزة "رائد الأعمال لسنة 2015" (Entrepreneur of the Year) في الهند، هي مؤسس شريك في "لابور نت سيرفيسز" (LabourNet Services)، التي تقدم تدريبات لغير المَهَرة. تطور خططاً لملء وظائف القيادة العليا قبل أن تصبح شاغرة بعام كامل مقدماً، وتتواصل مع المرشحين بانتظام لبناء علاقات قوية. هكذا، تأخذ وقتاً كافياً لتقيم التزام القادة المحتملين برسالة "لابور نت"، ما يسهّل عملية استبقائهم. لذا، يتعين على الرؤساء التنفيذيين للمشاريع الاجتماعية، التصرف كمسؤولي التوظيف دون تفويض مهمة التوظيف إلى شخص آخر، وحري بهم اتباع هذا المنهج فيما يتعلق بالوظائف العليا بصفة خاصة. فهم أكثر دراية وأكفأ في إيجاد الأشخاص المناسبين لتحويل رؤيتهم إلى مؤسسة ناجحة. "فريد سوانكر" من "مجموعة القيادة الإفريقية" (African Leadership Group)، الذي أسس 4 مؤسسات في إفريقيا، يقضي نصف وقته تقريباً في عمليات التوظيف، ويقول: "هذا مهم للغاية. فإذا نجحت فيه، فستسهل عليك باقي الخطوات. وبصفتي رئيساً تنفيذياً، لا أدع ذلك يفشل".
لا يكن هدفك الاحتفاظ بموظفين فحسب، بل طوّر قادة
لا بد من تحويل المشروع إلى محرك لتطوير المواهب من أجل استبقائها وملء مناصب القيادة العليا الشاغرة. إذا أثبت مشروع نجاحه في تطوير قادة من داخل المشروع، فسيرغب الموهوبون في البقاء فيه. كما يحلّ التدريب وتطوير المهارات مشكلة أخرى، فمناصب المبتدئين والدرجة المتوسطة أسهل في ملئها، فيمكن لإعداد هؤلاء الأشخاص لشغل مناصب عليا أن يساعد في تجنب مشكلات التوظيف في المستقبل.
يدرك المبادرون الاجتماعيون هذا بالفعل. ففي الاستبيان، فضلوا التدريب على التوظيف أو البحث عن المساعدة لمدة قصيرة كحل لزيادة إمكانات المؤسسة. لكنهم يحتاجون إلى المساعدة، وقد تنجذب المشاريع الصغيرة إلى التسليم للأمر الواقع والاستسلام، فهي بالفعل مشغولة للغاية وليس لديها الوقت الكافي لابتكار برامج تدريبية عالية المستوى. هذا مفهوم. لكن بإمكانهم العمل مع طرف ثالث ليقدم هذه الخدمات. على سبيل المثال، أبرمت "غلوكال هيلث كير" (Glocal Healthcare)، في الهند، شراكات مع مؤسسات مثل جامعة "جورج واشنطن" (George Washington University)، و"الشركة الوطنية الهندية لتطوير المهارات" (India’s National Skill Development Corporation)، وذلك لتطوير برامج تدريبية في مواضيع تشمل التمريض وحتى الرعاية المركزة في إدارة المستشفيات.
وفي نهاية الحديث عن رواد العمل الاجتماعي وحل مشكلات المواهب، لا شك في أهمية المال دائماً، لكن الأبحاث تشير إلى أن العنصر البشري أكثر أهمية. إذا تمكن رواد الأعمال من توقع التحدي الذي سيواجههم في الحصول على المواهب، حتى وهم يعملون للحصول على تمويل، فإنهم سيتجنبون الوقوع في مشكلة صعبة ستظهر عاجلاً بمجرد استعدادهم للنمو.