تقول سوزان بيري، مؤسسة شركة سبيتش ميد (SpeechMED) الناشئة التي تقوم بترجمة المعلومات الطبية المعقدة إلى لغة يستطيع المرضى فهمها: "إن أكثر ما أبغضه الآن هو الملابس المخصصة للنساء أثناء العمل في المجال الطبي".
يُعد اللباس أحد المواضيع التي اهتمت بيري بتغييرها فيما يتعلق بتقديم عروض شركتها. فقد عانت من التحيز باعتبارها امرأة متوسطة العمر بسبب طريقة التعامل مع سلوكيات رائدات الأعمال، ولأن مظهرها ليس مطابقاً لصورة رائدة الأعمال النمطية. ومع أنها نشأت كفتاة لينة رقيقة، إلا أنها اليوم تبذل جهداً كبيراً لإبقاء صوتها منخفضاً والوقوف بثبات والتحدث بأسلوب مباشر. وعندما تتلقى أحد الأسئلة العدائية الصعبة التي تهدف لإعاقتها، والتي غالباً ما يطرحها المستثمرون على رائدات الأعمال، غالباً ما تعيد توجيه الحديث وتقدم رؤية شجاعة ومكلفة لشركتها بأسلوب أقرب لأسلوب الرجال في الإجابة.
اقرأ أيضاً:
- بحث: فرص تمويلية أكبر لرائدات الأعمال الملتزمات بمهمات اجتماعية في مشاريعهن
- الطريقة التي تتعامل بها صناديق الاستثمار المغامرة تتسبب في فشل ريادة الأعمال النسائية
يبدو أن بيري نجحت في انتقالها إلى أسلوب الحياد تجاه النوع الاجتماعي، أو أصبحت أقرب إلى الأسلوب الذكوري. فقد أتمت شركتها برنامج مختبر "النساء المبتكرات اليوم" (Women Innovating Now) (WIN) في مركز بابسون للقيادة النسائية الريادية، وقُبل في برنامج التسريع "جينيريتور" (gener8tor) وهي اليوم تقدم العروض لعشرات المستثمرين بصورة متسارعة. والأهم هو أنها تشعر الآن بالثقة بشأن عروضها وقدرتها في الحصول على التمويل.
التحديات التي تواجه رائدات الأعمال في الحصول مصادر التمويل
من المعروف أن رائدات الأعمال يواجهن تحديات كبيرة لتأمين التمويل من المستثمرين. ووجد بحثنا أن 15% فقط من الشركات التي تتلقى استثمارات رأس المال المغامر (أو ما يسمى برأس المال الجريء) تضم امرأة في فريقها الإداري، كما تشغل النساء منصب الرئيس التنفيذي في أقل من 3% منها. وقد ساعدتنا تجربة بيري، وسنوات بحثي عن النوع الاجتماعي والتمويل، في تفسير ذلك.
غالباً ما نفترض أن رائدات الأعمال يعانين من التحامل عليهن على اعتبار أنهن نساء فقط، ولكن بحثي يبين أنهن يُعاقبن بسبب ما يظهرنه من سمات أنثوية نمطية. وفي الحقيقة، يكون الرجال في موضع ضعف عندما يبدون سمات "أنثوية" في اجتماع طرح العروض، بينما لا تعاقب النساء إذا أظهرن سلوكيات أكثر "ذكورية".
وجد بحث نشرته وزملائي مؤخراً أن الذكورة والأنوثة هما ما يؤثر في نظرة المستثمرين المحتملين لرواد الأعمال، وليست الهوية الجنسية ذاتها (أي أن يكون مقدم العرض امرأة أو رجلاً). في مسابقة إلقاء الكلمة التعريفية، حيث يختار المستثمرون رواد الأعمال الذين سينتقلون إلى المرحلة النهائية، كان المتسابقون الذين يبدون سمات أنثوية كالدفء والصراحة أقل حظاً من غيرهم بغض النظر عن جنسهم.
والشيء الفريد في بحثنا هو أنه ينظر إلى كيفية تأثير الأدوار والقوالب النمطية المتعلقة بالنوع في سير عملية طرح العروض بصورة منفصلة عن النوع نفسه. وتشير نتائجنا إلى أن النساء لسن هنّ من يعانين من الصعوبات الأكبر في تحصيل الأموال من المستثمرين، بل أيّ شخص تنطبق عليه القوالب النمطية الأنثوية. وهذه النتيجة مدعمة بحقيقة أن مجموعة النساء في بحثنا لم تكن أقل حظاً من الرجال في الحصول على اهتمام المستثمرين، حيث كانت السلوكيات هي ما يهمّ وليس النوع.
كيف تتعامل النساء مع المستثمرين؟
وفي حين أن هذا الانحياز ضد السمات الأنثوية يعتبر مشكلة بالتأكيد، إلا أنّ معرفة ما يهمّ المستثمرين تصبّ في صالح النساء. لا يمكنك تغيير نوعك ولكن يمكنك التحكم بكيفية تقديم نفسك.
يجب أن تعرف جمهورك عند طرح عروض أعمال الشركة تماماً كأداء أيّ عرض آخر. وغرفة اجتماع طرح العروض هي بيئة فريدة ذات قواعد وتوقعات ثقافية خاصة حول أنواع السلوكيات التي تشكل علامات مميزة لرائد الأعمال الناجح. وكما لا يحضر أحد إلى اجتماع طرح العروض دون مجموعة شرائح أو زي ملائم، يجب أخذ قواعد السلوكيات هذه وتوقعاتها في الحسبان أيضاً.
هذا لا يعني تغيير شخصيتك أو طريقة تعبيرك عن نوعك. إنما يحتاج الأمر ببساطة إلى التمعن في التفكير بشأن جوانب شخصيتك التي يجب عليك التركيز عليها في اجتماع طرح العروض. نتمتع جميعنا بدرجات متفاوتة من الجرأة والحنان والإصرار والحساسية في أوجه حياتنا المختلفة، بناء على الدور الذي نمارسه في موقف معين. ويجب أن تفكر النساء بما قد يحدث إذا أظهرن جوانب معينة من شخصياتهنّ وأخفين أخرى أثناء اجتماع طرح العروض.
اقرأ أيضاً: دراسة بحثية تُظهر كيف تساعد النساء بعضهن على التقدم مهنياً
لا تعتبر بيري اتباع أسلوب ذكوري في طرحها لعروض الأعمال محاولة لتغيير نفسها، وإنما هو كشف جانب من "شخصيتها الطبيعية". لقد شعرت بالقدرة على التخلي عن بعض الطرق التي يقوم المجتمع بتدريب النساء على التمسك بها. تقول: "النساء مجازفات، وقد تعلمنا أنه ليس من الجيد أن نبدو كذلك".
وبالفعل، تبين الأبحاث أن المرأة في مجالات عديدة تمر بمواقف صعبة عندما تتبع أساليب مختلفة مبنية على النوع في سلوكها: فهي تعاني من التحيز ضدها بسبب أنوثتها (عندما تتضارب مع قواعد الوظائف والصناعات التي تعتبر ذكورية) ولكنها تعاقب عندما تحاول التصرف كالذكور (وهو أمر يتعارض مع قواعد نوعها). وربما يكون أشهر مثال عن هذه الظاهرة، المعروفة بنظرية توافق الأدوار القائمة على النوع، هو تعرض هيلاري كلينتون للانتقاد على طموحها الكبير وجرأتها وبرودها (وهي جميعها صفات ذكورية) أثناء حملاتها الانتخابية. وعلى الرغم من أنها انتقدت أيضاً لأنها "ضعيفة" بسبب ما أظهرته من سلوكيات أنثوية نمطية، إلا أن الناس أحبوها أكثر عندما كان سلوكها متوافقاً مع نوعها.
وجدت عدة دراسات أنّ النساء يواجهن هذا المأزق تحديداً في مجالات تشمل السياسة والإدارة وقيادة الشركات. ومع ذلك، يبين بحثنا أنّ هذه الدينامية لا تنطبق على رائدات الأعمال اللاتي تبحثن عن تمويل. فالنساء في دراستنا لم يعاقبن على سلوكهنّ الذكوري، بل نجحن عندما تفادين العقوبة التي يسببها السلوك الأنثوي. تشير هذه النتائج إلى أنه ليس على المرأة الخوف من الانتقاد عندما تتبع أسلوباً أكثر شجاعة وإصراراً في اجتماعات طرح عروض الأعمال.
يجب أن يشمل هذا التغيير الأسلوب والمحتوى، مثلاً، طرح توقعات جريئة بشأن الإيرادات بالإضافة إلى تقديمها بطريقة تنم عن الثقة. تقول بيري: "يجب علينا كنساء التعاون وتهدئة مخاوف الآخرين، ولكننا لا نكافئ على ذلك عندما نكون في اجتماع طرح العروض. بل نكافئ على التفكير بشجاعة وعلى تعاملنا مع المجازفة بأريحية".
لقد ثبت أنّ الوصول إلى تمويل المراحل الأولى أمر هام، بل وحاسم لنجاح الشركة الناشئة. وهذا هو السبب في اعتبار فجوة التمويل بين الرجال والنساء من رواد الأعمال مقلقة للغاية. ولكن استراتيجية وجود المزيد من النساء المستثمرات ببساطة لن تكون ناجحة إذا استمرت معاقبة المستثمرين من كلا الجنسين للسمات الأنثوية في اجتماعات طرح العروض. وعلى المدى الطويل، يجب على المستثمرين توسيع نظرتهم لمواصفات القائد الناجح وإيجاد مكان لرواد الأعمال من الجنسين.
في الوقت الراهن، ومن أجل فهم طريقة التعامل مع سلوكيات رائدات الأعمال، يمكن أن تستفيد النساء المؤسِسات للشركات من امتلاك فهم أوضح للتوقعات ولكيفية تقديم أنفسهنّ بأكثر الطرق فعالية عندما يدخلن إلى قاعة اجتماع طرح العروض.
اقرأ أيضاً: