بحث: بقليل من التقدير يمكنك رفع معنويات موظفيك إلى عنان السماء

6 دقائق
رفع معنويات الموظفين
كاثرين فولز كومرشال/غيتي إميدجيز

ملخص: تواجه كل من المؤسسات الكبيرة والصغيرة تحديين مزدوجين في الوقت ذاته يتمثلان في ضغط الميزانيات وتعرُّض قوة العمل للاحتراق الوظيفي، والسؤال الذي يطرح نفسه في موقف كهذا هو: ما الذي يستطيع المدراء فعله للحفاظ على اندماج الموظفين دون زيادة المصروفات ورفع معنويات الموظفين؟ يستعرض مؤلفو هذه المقالة بحثاً جديداً حول أثر المكافآت الرمزية، مثل خطابات الشكر والتقدير المُعلَن وشهادات التقدير، حيث لاحظوا أن إجراءات بسيطة كهذه بمقدورها تحسين دافعية الموظفين بشكل كبير، لكنهم أوضحوا أن تحقيق أقصى استفادة ممكنة منها يستلزم تخصيص هذه المكافآت وفقاً للسياق المناسب لمؤسستك. وقد اعتمد المؤلفون على البحث السابق تحديداً لتسليط الضوء على 5 اعتبارات رئيسية يجب مراعاتها من قِبَل المدراء الذين يودون تنفيذ سياسة المكافآت الرمزية، وتتمثل فيما يلي: مصدر المكافأة، وتوقيتها، وتحديد ما إذا كان يجب تقديم المكافأة سراً أم علناً، والاهتمام بالتفاصيل، وأهمية اتخاذ خطوات صغيرة في البداية. وفي حين أن هذه الإجراءات ليست بديلاً عن التعويضات المالية العادلة، خاصة عندما تكون السيولة النقدية محدودة، فإن المكافآت الرمزية تشكل طريقة ممتازة لإظهار تقديرك لموظفيك ورفع معنوياتهم.

 

مع دخول جائحة "كوفيد-19" عامها الثاني، بات موظفو الخطوط الأمامية في القطاع العام، مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية والمعلمين والعاملين في مجال الخدمات الاجتماعية يتعرضون لضغوط أكثر من أي وقت مضى. وفي الوقت نفسه، تضطر المؤسسات في كافة القطاعات إلى تقليص حجم أعمالها وإعادة هيكلة نظامها الإداري، ما يعني بالضرورة انخفاض السيولة النقدية المتاحة لدعم قوة العمل التي تعاني الاحتراق الوظيفي بشكل متزايد. فما الذي يستطيع المدراء فعله في هذه الأوقات العصيبة للحفاظ على دافعية موظفيهم؟

للإجابة عن هذا السؤال، أجرينا سلسلة من الدراسات بالتعاون مع مؤسسة "وات ووركس فور تشلدرينز سوشيال كير" (What Works for Children’s Social Care) غير الربحية، للتعرف على أثر الإجراءات البسيطة ومنخفضة التكلفة المصممة لتعزيز المستوى العام للسعادة بين العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية. وفي حين أن الكثير من المؤسسات (لاسيما في القطاع الخاص) دأبت على استخدام الحوافز المالية لرفع معنويات الموظفين وتعزيز أدائهم، فقد أثبتت الأبحاث الحديثة أنه بالإمكان زيادة الدافعية الذاتية للموظفين ورفع مستوى أدائهم وتحسين معدلات استبقائهم بصورة كبيرة، وذلك من خلال المكافآت الرمزية، مثل بطاقات التهنئة والتقدير المُعلَن وشهادات التقدير. ومن هذا المنطلق أبدينا اهتمامنا بقياس أثر المكافآت الرمزية التي تُظهر تقدير المؤسسة واحترامها لموظفيها دون تقديم حوافز مالية.

وفي حين أن الأبحاث السابقة سلطت الضوء على هذه الفوائد من خلال الاستقصاءات والتجارب المعملية التي أُجريت على طلاب الجامعات، فقد تم إجراء معظم الأبحاث الميدانية حول هذا الموضوع في شركات القطاع الخاص. ولا خلاف أن نتائج هذا العمل مفيدة، لكنها قد لا تنطبق كلياً على المؤسسات غير الربحية ومؤسسات القطاع العام التي يعمل بها الكثير من الموظفين في الخطوط الأمامية الأكثر تضرراً من تداعيات الجائحة. إذ تشير الأبحاث إلى أن الموظفين العاملين في مجالات مثل الرعاية الصحية والعمل الاجتماعي والتعليم أكثر إقبالاً من غيرهم على أداء الأعمال ذات الأثر الإيجابي على الآخرين وأنهم ينظرون بعين الاهتمام إلى التقدير الاجتماعي ولا يكترثون بالراتب مقارنة بنظرائهم في القطاع الخاص، ما يعني بالضرورة أن الحوافز المالية قد تكون أقل فاعلية بالنسبة لهم وأن التقدير الرمزي قد يكون ذا أهمية كبيرة لدعم هؤلاء العاملين.

ولفهم فاعلية التقدير الرمزي لموظفي القطاع العام بشكل أفضل، أجرينا دراسة تتناول أثر إرسال خطابات التقدير ذات الطابع الشخصي إلى عناوين منازل العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية. اخترنا عينة عشوائية من نصف العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية، وطلبنا من مدرائهم المباشرين أن يرسلوا لهم خطابات، بينما لم يتلقَّ النصف الآخر أي خطابات.

كانت الخطابات تحتوي على جملتين تنمان عن ملاحظات إيجابية. وتم اختيار الجملة الأولى من قائمة خيارات، مثل: "لقد كان لجهودك أثر إيجابي على الأطفال الذين تعمل معهم" و"يسهم تفانيك المتواصل وجهودك الدؤوبة في تحسين أحوال الأطفال وأسرهم في المنطقة يوماً بعد يوم"، وطلبنا من المدير كتابة الجملة الثانية بنفسه. وبهذه الطريقة تأكدنا من توحيد نصوص الرسائل بشكل معقول ولكنها لا تزال ذات طابع شخصي.

فماذا وجدنا؟ بعد شهر واحد من هذا التدخل البسيط، أفاد العاملون في مجال الخدمات الاجتماعية الذين تلقوا خطاباً بأنهم يشعرون بأنهم موضع حفاوة وأن عملهم يلقى تقديراً أكبر وأنهم يلقون دعماً أقوى من قِبَل مؤسساتهم مقارنة بأولئك الذين لم يتلقوا خطاباً. كانت هناك أيضاً آثار إيجابية (وإن لم تكن ذات دلالة إحصائية كبيرة) على الرفاهة الشخصية والشعور بالانتماء والدوافع الذاتية ومعدلات الغياب المَرَضِي للعاملين في مجال الخدمات الاجتماعية الذين تلقوا الخطابات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث السابقة تشير إلى أن مساعدة الموظفين على الشعور بالحفاوة والدعم أمر مهم ليس فقط لرفاهة هؤلاء الموظفين، ولكن أيضاً للمؤسسة ككل. فقد أثبتت الدراسات أن رضا الموظفين عن مؤسستهم يزيد معدلات إنتاجيتهم ويقلل احتمالات مغادرتهم لها، وأن تقدير الموظفين وتمكينهم إدارياً يزيد الدافعية ويحسن مستوى الأداء في المؤسسة كلها.

ومن هنا يتضح الأثر الفاعل للإجراءات الرمزية، ولكن تحقيق أقصى استفادة ممكنة منها يستلزم تخصيص هذه الجهود وفقاً للسياق المناسب لمؤسستك. وتشير الأبحاث إلى أن هناك بعض العوامل الرئيسية التي يجب على المدراء مراعاتها عند محاولة تقديم مكافآت رمزية منخفضة التكلفة:

المصدر الأنسب لتقديم المكافأة

يتمثل أحد أهم الاعتبارات في اختيار المصدر الأنسب لتقديم المكافأة. إذ يجب أن تراعي الإدارة الفجوات الحالية في الآراء التقويمية، فربما لا يتفاعل الموظفون كثيراً مع الأطراف المستفيدة من عملهم أو مع كبار القادة في مؤسساتهم، ويجب أن تعطي الأولوية لتلقي خطابات التقدير من هذه المجموعات. حيث تشير الدراسات إلى أهمية الملاحظات الإيجابية الواردة من أصحاب المصلحة الرئيسيين للحفاظ على تحفيز الموظفين ذوي الدافع الاجتماعي، خاصة عندما يكون التفاعل محدوداً بسبب العمل عن بُعد.

التوقيت

لا بد أيضاً من التفكير في أنسب توقيت تُحدِث فيه المكافأة الرمزية أكبر أثر ممكن. فقد ينجح التقدير اليومي في تحقيق الأثر المطلوب، إذا قدمناه للموظفين الذين بات سير عملهم اليومي مثيراً للتوتر بشكل متزايد ويصعب التكهن به خلال الجائحة، فيما قد تبدو الملاحظات اليومية في البيئات الأخرى ذات صبغة مصطنعة أو تكرارية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث حول أثر البداية الجديدة تشير إلى أن تقدير موظفيك قد يكون ذا أثر بالغ في المراحل الزمنية الرئيسية. فعلى سبيل المثال، قد يكون خطاب الشكر المرسل في بداية ربع السنة الجديد أو الملاحظات الإيجابية التي يتم إرسالها في نهاية مشروع كبير بمثابة لقطة تعزز الدافعية عندما يكون الموظفون في أمسِّ الحاجة إليها.

تقديم المكافأة علناً

يُفضَّل تقديم الملاحظات سراً في بعض المواقف، لكن التقدير المُعلَن غالباً ما يكون وسيلة منخفضة التكلفة لتحفيز الفريق بأكمله من خلال منح الموظف المجتهد شهادة تقدير في أثناء اجتماع الفريق، مثلاً. وقد يكون التقدير المُعلَن أبلغ أثراً في نفس المُتلقي، كما أنه يعزز الدافعية بين جميع الموظفين، بمن في ذلك أولئك الذين لم يتلقوا التقدير. فعندما تم منح بطاقات الشكر علناً في إحدى التجارب الميدانية لأفضل ثلاثة موظفين من حيث مستوى الأداء في مجموعات العمل الصغيرة، لاحظ الباحثون ارتفاع مستوى الأداء ليس فقط لدى أصحاب الأداء المتميز الذين حصلوا على التقدير، ولكن لدى كل أعضاء مجموعتهم. قد يُعزى هذا إلى أن مشاهدة زميل يتلقى الأوسمة يُجبِر باقي الموظفين على تحسين مستوى أدائهم للارتقاء إلى مصاف زملائهم. بيد أن دراسة أخرى توصلت إلى أن تقدير الموظفين علناً يؤدي إلى إجراء مقارنة اجتماعية سلبية تؤدي بدورها إلى تراجع مستوى الأداء بين الموظفين غير الحاصلين على المكافآت، ومن هنا كان لا بد من مراعاة كل من الإشارات الإيجابية والسلبية التي يمكن أن تشي بها المكافآت العلنية للموظفين وتكييف رسائلك وفقاً لذلك.

أهمية التفاصيل

يستطيع موظفوك التمييز بين المكافآت المصنوعة على عجالة دون اهتمام حقيقي والتقدير الحقيقي. ولضمان المردود الجيد لمكافآتك الرمزية، لابد أن تنتبه إلى التفاصيل. فعلى سبيل المثال، جرى توقيع خطابات التقدير في دراساتنا بأقلام حبرية من قِبَل المدراء المباشرين وإرسالها بالبريد إلى منازل الموظفين. ولا شك في أن البريد الإلكتروني المُرسَل إلى كل الموظفين سيكون أقل فاعلية بكثير. وقد كشفت دراسة أخرى أن الموظفين كانوا أكثر إنتاجية بشكل ملحوظ بعد تلقيهم هدايا عينية غير مالية مقارنة بتلقيهم هدايا مالية صغيرة، حيث أفاد الموظفون بأنهم شعروا بأنهم موضع حفاوة أكبر عندما رأوا أن صاحب العمل قد اقتطع جزءاً من وقته وكلّف نفسه الجهد لاختيار الهدية وشرائها وتغليفها، وبالتالي عملوا على تكثيف جهودهم في المقابل.

اتخاذ خطوة صغيرة في البداية

ربما كانت أهم نقطة يجب مراعاتها في هذا السياق أن المكافآت الرمزية يجب ألا تبدو وكأنها مهمة شاقة وعسيرة. فالفكرة الأساسية من المكافآت الرمزية أنها منخفضة التكلفة (عادةً ما تكون مجانية!) وسهلة التنفيذ ويمكن أن تختصر الكثير من المسافات إذا تم تنفيذها بالطريقة الصحيحة. وإذا لم تكن تعرف نقطة البداية الصحيحة، فجرّب إحدى الأفكار البسيطة التالية:

  • اكتب رسالة موجزة ومخصَّصة تعبّر فيها عن امتنانك لمستوى الأداء الجيد الذي أبداه الموظف مؤخراً.
  • أظهر تقديرك المُعلَن بإسهامات الموظف في اجتماع الفريق التالي.
  • واعقد اجتماعاً لرفع المعنويات احتفاءً بنجاح فريقك.

ويجب مراعاة السياق الخاص بمكان العمل عند تصميم المكافآت الرمزية المؤثرة. فما قد يكون فاعلاً في بيئة معينة، مثل العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية أو المعلمين أو بين موظفي القطاع العام بشكل عام، قد لا يصلح في سياقات أخرى. علاوة على ذلك، يجب ألا يُساء تفسير نتائج بحثنا واتخاذها ذريعة للاكتفاء بالمكافآت الرمزية على أساس أنها يمكن أن تحل محل التعويضات النقدية العادلة. فقد أثبتت الأبحاث في واقع الأمر أن الحوافز المالية يمكن أن تكون وسيلة تحفيزية فاعلة في الكثير من الحالات.

ولكن المكافآت غير المالية تقدم بديلاً جذاباً وفاعلاً للحوافز التقليدية، خاصة عندما تكون الميزانيات مضغوطة. علاوة على ذلك، فقد أثبتت الأبحاث أن المكافآت المالية يمكن أن تأتي في بعض الأحيان على حساب ثقافة المؤسسة، حتى في حالة توافر الأموال. حيث توصلت إحدى الدراسات، على سبيل المثال، إلى أن العلاوات الإضافية للجدارة أدت في بعض مؤسسات القطاع العام إلى تقليل الدافعية وانخفاض المعنويات بسبب التصور السائد بين الكثير من الموظفين بأنه يكاد يكون من المستحيل أن يصلوا إلى مستويات الأداء اللازمة لكسب الحافز.

يشير بحثنا في المقابل إلى أن الإجراءات الرمزية البسيطة كخطابات الشكر لها مردود حقيقي أيضاً وتساعد في رفع معنويات الموظفين، دون الجوانب السلبية المحتملة للمكافآت المالية وبتكلفة قليلة أو معدومة على صاحب العمل. وهكذا يمكن اختصار الكثير من المسافات بالقليل من التقدير خلال هذه الأوقات الصعبة والمثيرة للتوتر إلى حدٍّ بعيد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي