لو أجريت بحثاً عبر محرك البحث جوجل بعبارة "التوازن بين العمل والحياة"، لظهر لك مئات الملايين من النتائج ذات صلة. ولكن خطاب عصرنا يتعامل في أغلبه مع "العمل" و"الحياة" على اعتبارهما مسارين منفصلين، وفي أكثر الأحيان على أنهما متعارضان، فنحن نتخذ قرارات سنوية ونضع خططاً يومية مفصّلة ونحدد قوائم مهامنا بمفردنا؛ لا نُطلع المقربين منا على هذه الخطط ولا نضعها بالتعاون معهم ومشاركتهم. وكثيراً ما نعتقد أن أهدافنا الشخصية وأهدافنا المهنية هما عالمان مختلفان منفصلان، ولكن ماذا لو أمكن دمج هذين "العالمين" وتعزيز فرص تحقيق أهدافنا؟
تظهر الأبحاث أن تحقيق أهدافنا يصبح أسهل عند التعاون مع الآخرين؛ وقد بيّن بحث علاقة إيجابية بين المشاركة في المجتمعات الرقمية وتحقيق أهداف اللياقة البدنية، وبالمثل، أظهرت دراسة أجريت على ممارسين لرياضة التجديف أن تعاونهم في التدريب يرفع مستوى تحملهم للألم البدني.
يمثل شريك الحياة بالنسبة لكثير منا رفيق الدرب الأقرب الذي ينال أعلى درجات الثقة، ويلتقي شريكا الحياة، وهما طرفان في علاقة ملتزمة وطويلة الأمد (أي الزواج)، يومياً ولكنهما نادراً ما يشتركان في التخطيط أو صنع القرار، وهما لا يدركان أن عدم التعاون هذا يقف حجر عثرة أمام تحقيق كل منهما لأهدافه. نجحنا خلال شهر يناير/كانون الثاني، للمرة الأولى، في وضع مخططنا الشخصي الكامل لهذا العام. كنا قد اعتدنا التحدث فيما بيننا عن أهدافنا، من دون أن ينطوي ذلك على أي التزام جدّي، ولكننا تحدثنا هذه المرة عازمين على تحديد سبب سعينا لتحقيق هذه الأهداف وكيف خططنا لتحقيقها. ومن خلال اتباع أسلوب المشاركة على هذا النحو، يعرف كل منا ما يخطط الطرف الآخر لإنجازه هذا العام، وبالتالي تحمّل كلٌ منا المسؤولية أمام الآخر في سعيه الحثيث لتحقيق أهدافه. ومن خلال تجربتنا، والأبحاث التي قيّمنا نتائجها، وحوارنا مع أزواج آخرين، توصلنا بصفتنا زوجين إلى نصائح للتخطيط الفعال.
ابدأ بعقد اجتماع سنوي لمجلس الإدارة. حضرنا منذ عدة سنوات ندوة طرح فيها المتحدثان ريك وجيل وولوورث فكرة "اجتماع سنوي" للعائلات، أي تخصيص وقت في نهاية كل عام لتقييم إنجازاته والتخطيط للعام التالي. يكفل تحويل هذا الاجتماع إلى عادة عائلية تحديد الأهداف وفقاً لجدول زمني محدد وليس على نحو عشوائي أو بمعزل عن أهداف الطرف الآخر. اعتدنا أن نجتمع لهذا الغرض في الفترة بين أعياد الميلاد وبداية العام الجديد، فنناقش ما جرى في العام المنصرم وما حققناه من الأهداف المحددة، ورؤيتنا لحياتنا معاً ولحياة كلٍ منا وحده. دوّنا أهدافنا للعام المقبل، والعادات التي ابتغينا تنميتها. ثم تناقشنا بشأنها وبحثنا طريقة مساعدة كل منا الآخر في تحقيق كل هدف. تعزز هذه الاجتماعات السنوية قدرتنا على تحمل المسؤولية، والأهم أنها تؤطر رؤية محددة لما سنقبل عليه في العام الجديد. وقد أوصى خبراء كثر بأن تتمثل الخطوة التالية في تفكيك تلك الغايات السنوية إلى عادات، وأهداف أسبوعية وشهرية، وقوائم مهام يومية.
فمن خلال التحدث مع شريك الحياة عن غاياتك وتدوينها، تعزز فرصك في النجاح. في كتاب "موافق!: 50 طريقة إقناع ناجحة ومجربة علمياً" (Yes!: 50 Scientifically Proven Ways to be Persuasive)، يبين المؤلفون، روبرت تشالديني ونواه غولدشتاين وستيف مارتن أن تعهد المرء بالالتزام يؤثر مباشرة في أفعاله، ويشيرون إلى دراسة توضح أنه حين وافق عدد من الأفراد على المشاركة في مشروع تطوعي دون التزام موثق، لم يحضر سوى 17% منهم للمشاركة فعلياً. وفي المقابل، ارتفعت هذه النسبة إلى 49% من إجمالي المشاركين الذين وافقوا على التطوع بعد التزام موثق (كتابة تعهد أو توقيع على عقد). وبالمثل، فإن كتابة أهداف وغايات محددة وإعلام شريك الحياة بها تصرّف أشبه بالتوقيع على عقد رسمي يزيد المساءلة الاجتماعية ويتيح لشريك الحياة التفكير في سبل محددة لدعمك على درب تحقيق الغايات.
أما المكون الضروري الثاني في جلسة التخطيط السنوية فهو أن تضعا معاً أهدافاً مشتركة: ما الذي تأملان تحقيقه لكما أو لأولادكما؟ ما العادات التي ترغبان في تنميتها معاً؟ نجد مثلاً مصدراً يقول إن 30% فقط من المشاركين في أحد استطلاعات الرأي حققوا التوازن بين العمل والحياة على الرغم من أن عامل التوازن احتل المرتبة الثانية بعد عامل المكافأة بين العوامل التي تؤدي إلى تحقيق الرضا الوظيفي. والأرجح أن أفضل من يساعدك على التخطيط لتحقيق التوازن بين العمل والحياة هو شريكك في الحياة، كما أن الأهداف المشتركة كفيلة بمواءمة مساعيك الشخصية والمهنية على نحو أفضل.
وبعد أن تضعا خططكما، ليساعد كل منكما الآخر من خلال مساءلته. فعندما تشجع غيرك على مشاركتك تحديد الأهداف والسعي لتحقيقها، فإنك لا تفعل ذلك بغية أن يشجعك كلما حققت إنجازاً فقط، بل تمنحه الضوء الأخضر كي يحذّرك ويوجهك متى وجدك تحيد عن المسار الذي وضعته لنفسك. وهو ما يستدعي أن تدرك مدى صعوبة الاستماع إلى نقد بنّاء من شريك حياتك، والتحلي بشيء من التواضع حينئذ.
وفي النهاية، وعلاوة على عقد اجتماع سنوي، عليك بتفقد ما تحقق من تقدم عند ختام كل شهر. ومع استحسان تخصيص شريكي الحياة وقتاً لاجتماع تخطيط سنوي، فإن هذا لا يكفي لتحقيق تقدم ملموس. لذا، عليكما بتحديد نقاط تحقق على مدار العام بغرض تقييم التقدم في تنمية العادات وتحقيق الغايات المنشودة. لتكن مهمة ممتعة. اتفقا مع جليسة أطفال واخرجا لقضاء ليلة معاً في مكان لطيف، ولتركزا في حديثكما على ما شهده الشهر من تقدم وعثرات، وسبل مواصلة هذا التقدم عندما تسير الأمور على ما يرام وكيفية التدخل عند الخروج عن المسار. وقد يفضل بعض الأزواج التحاور أسبوعياً؛ ولكن الحوار الشهري أنسب وأقرب إلى أن يحتمله الزوجان.
سيتيح التعاون مع شريك حياتك في التخطيط لتحقيق أهدافك المهنية والشخصية أن يقدم كلٌ منكما للآخر أفضل رعاية، وأن تواصلا التركيز على الأمور الأهم، وأن تضمن وجود أكبر داعم لك إلى جوارك حتى يساعدك في تحقيق أهدافك.