ملخص: مع خروجنا من أزمة جائحة "كوفيد-19" لا بد أننا سنتلقى مزيداً من دعوات التعارف وبناء العلاقات والطلبات التي تتطلب منا بذل الوقت، إذ نواجه جميعنا فرصة فريدة لتحديد قواعد استخدام أوقاتنا من جديد. في حياتنا المتصلة بالإنترنت بدرجة كبيرة، إذا لم نفسح المجال للأمور التي تتمتع بالأهمية القصوى، فستصبح الرسائل الواردة في بريدنا الإلكتروني أكثر أهمية من طموحاتنا. لذا، بدلاً من قبول الالتقاء بشخص ما على مضض أو الاستمرار بتأجيل خططك الاجتماعية التي لا تهمك كثيراً إلى أجل غير مسمى، فكر في البدائل المتاحة. فكر في كيفية رفض دعوة ما بمودة. يتعلق الأمر بالتفكير ملياً في القيم التي تريد تجسيدها في حياة العمل.
لذا، بدلاً من قبول الالتقاء بشخص ما على مضض أو الاستمرار بتأجيل خططك الاجتماعية التي لا تهمك كثيراً إلى أجل غير مسمى، فكر في البدائل المتاحة.
طرق فعالة لـ "رفض دعوة ما" بمودة وشفافية
بطبيعة الحال، قد يبدو قبول دعوة أو رفضها بطريقة لطيفة مثل قول "أنا مشغول للغاية! فلنتواصل بعد بضعة أسابيع!" أسهل من الرفض الصريح. لكن مع تزايد شعورك بالذنب الذي يدفعك للالتقاء بالآخرين على مضض قد تتمنى لو كانت لديك طريقة فعالة لرفض دعوة ما بمودة وشفافية، وهذه الطرق متوفرة بالفعل. نواجه جميعنا أولويات متنوعة ومتداخلة أحياناً في تعاملنا مع الآخرين تتمثل فيما نريده فعلاً، وفي هذه الحالة ما نريده هو رفض الدعوة وامتلاك شعور معين حيال أنفسنا وتوليد شعور معين لدى الشخص الآخر حيالنا. والجيد في الأمر هو أنه يمكنك الحفاظ على احترامك لذاتك وعلاقتك مع الشخص الآخر حتى لو رفضت دعوته، وإليك الطريقة.
وضح أولوياتك قبل أن تصل الدعوة إلى صندوق بريدك الوارد
بدلاً من وضع جدول الأعمال تلقائياً عندما تتلقى دعوة ما، فكر فيما يبدو لك أساسياً في ربع السنة الحالي وبعده. إذا كنت تخشى العودة إلى المكتب، فخذ بعض الوقت للتفكير في الطريقة التي تود الظهور بها عند عودتك. اسأل نفسك بعض الأسئلة الرئيسية لإرشادك حول ما سيكون مهماً بالنسبة لك: ما أكثر شيء تفتقده من زمن ما قبل "كوفيد-19"؟ ما الذي تود التخلي عنه عندما تؤسس عاداتك الجديدة؟ سيمنحك إحساسك بالاستقلالية وامتلاك الغاية القوة وسيحسن قدرتك على إدارة عواطفك.
ضع ميزانية لحياتك
احرص على أن يتخطى تفكيرك أحداث العام ونصف العام الماضي وفكر في جوهر ما تريده بطرح السؤال التالي: إذا لم يبق من عمرك سوى عام واحد فقط، فكيف ستقضي وقتك؟ (هذا ليس احتمالاً بعيداً بعد كل ما مررنا به والأرواح التي خسرناها) هل ستعمل أكثر أو أقل؟ إذا كان جوابك هو أن تعمل أقلّ، ففكر في أوجه حياتك العديدة، سواء كانت صحتك أو عائلتك أو علاقاتك أو حياتك المهنية أو مجتمعك أو الجوانب الروحانية أو مساهماتك في العالم عموماً. ثم حدد أهدافاً محددة ضمن كل فئة، وكما هو الحال مع أي ميزانية، كلما ازددت دقة وتحديداً، ازداد احتمال أن تحقق هدفك.
ثم فكر في القيم التي تريد تجسيدها في حياة العمل، واسأل نفسك عن مقدار الوقت الذي يمكنك تخصيصه منطقياً للقاءات المتعلقة بالعمل قبل أن تختصر الوقت اللازم للمجالات الأخرى التي تهمك. لا تفكر في الوقت اللازم لهذه اللقاءات فقط، بل فكر أيضاً في أنواع النشاطات الاجتماعية التي تبدو لك مهمة أو منتجة. مثلاً، يمكن أن يكون أكثر ما ترغب فيه هو مساعدة الأشخاص الذين خسروا وظائفهم أو دعم من لا يحصلون على التوجيه والإرشاد، وهذا يعني أنه عليك اختصار مواعيد معينة لتناول الغداء مع بعض معارفك (فثمة طرق أخرى لتعزيز علاقاتك مع زملائك على أي حال، مثل إرسال رسالة إلكترونية تنم عن الاهتمام). قد تدرك أن تخصيص أكثر من ليلة واحدة في الأسبوع لدعوات العشاء الخاصة بالعمل سيحرمك من قضاء الوقت مع أحبائك أو العمل على مشروع تحبه. أما إذا كنت متردداً، فيمكنك رسم شجرة القرارات لتساعد في إرشادك قبل أن تبدأ بمواجهة الدعوات. ليس الهدف أن تكون كارهاً للبشر، بل أن تمهد الطريق لما يتمتع بأكبر أهمية لديك. في حياتنا المتصلة بالإنترنت بدرجة كبيرة، إذا لم نفسح المجال للأمور التي تتمتع بالأهمية القصوى، فستصبح الرسائل الواردة في بريدنا الإلكتروني أكثر أهمية من طموحاتنا.
تحقق مما إذا كان الرهاب الاجتماعي هو ما يمنعك من التفاعل مع الآخرين
في أثناء التخطيط اسأل نفسك عما إذا كانت مخاوفك الاجتماعية تمنعك من التحرك في الاتجاه الذي تريد سلوكه. من المفهوم أن تشعر بالحرج الاجتماعي خاصة إذا كنت تواجه صعوبات عاطفية وتفترض أن الآخرين كانوا يزدهرون في نفس الوقت. إذا لاحظت أنك تشعر بالتوتر بعد تحديد مواعيد للقاءات ثم عندما تحضرها، أو إذا كنت شديد الخجل وتستمر باستعادة الهفوات التي تتصور أنك ارتكبتها بعد اللقاء، فيمكنك تخفيف توترك عن طريق معالجة مخاوفك الاجتماعية، وكثير ممن يعانون اضطراب الرهاب الاجتماعي يجدون الراحة في العلاج السلوكي المعرفي.
إذا وافقت على اللقاء، فكن حاضراً حقاً
ضع في اعتبارك أن جاذبية شخصيتك تعتمد على حضورك، لذلك احرص على الإصغاء بإمعان للشخص الذي تتعامل معه بدلاً من تخيل ما يفكر فيه تجاهك، علماً أن ما تتخيله يتأثر بدرجة كبيرة بالرهاب الاجتماعي إذا كنت تعاني منه. إذا كنت تشعر بالارتباك، فبإمكانك ممارسة بعض التعاطف الذاتي وفهم أن الظهور بصورة براقة على نحو مبالغ به يمكن أن يكون مخيفاً، بالمقابل يمكن أن تكون الأخطاء محببة وفقاً لما يُعرف باسم ظاهرة الخطأ المحرج.
إذا لم تكن تعاني من الرهاب الاجتماعي لكنك ببساطة ترى أن التواصل الاجتماعي مرهق وتفضل أن تركز على العمل بدلاً منه، فقد يكون مجدياً أن تسمح لقيمك بقيادة سلوكك بدلاً من منطقة راحتك. أجرى عالما النفس سيث مارغوليس وسونيا ليوبوميركسي دراسة حول السعادة شجعا فيها المشاركين على اتباع سلوك انطوائي متحفظ لمدة أسبوع واحد ثم اتباع سلوك منطلق اجتماعياً لمدة أسبوع آخر. وبعد اتباع المشاركين سلوكاً منطلقاً اجتماعياً تولدت لديهم مشاعر إيجابية قوية وتملكهم إحساس بالارتباط بغض النظر عما إذا كان هذا السلوك متوافقاً مع حقيقتهم أم لا.
اجعل الأمر أكثر سهولة
بعد أن توضح قيمك ودوافعك العاطفية، اعتمد الشعار المتبع في العلاج السلوكي الجدلي "تجنّب التجنُّب". هذا يعني ألا تلجأ إلى "الموافقة" غير الصادقة وأن تتحدث بصدق عن حدودك بدلاً من أن تستمرّ بتأجيل المواعيد المقترحة التي لا تنوي تنفيذها حقاً. لكن احرص على أن تكون لطيفاً، فعلى الأغلب اضطر الشخص الآخر لاستجماع شجاعته كي يتواصل معك، وقد يكون من تعرفهم يشعرون بضعف شديد هذه الفترة.
وبدلاً من التحديق في نافذة فارغة والتفكير في الرد لفترة أطول مما يستغرقه الرد نفسه، أنشئ قالباً نموذجياً لرسالة إلكترونية تنم عن الاهتمام يمكنك تعديلها بناء على الموقف. وعندما تكتب رسالتك احرص على ألا تجعلها تتحدث عن انشغالك فقط، بل يجب أن تبدي احترامك للشخص الآخر من خلال جعله يشعر بأنه يتمتع بمكانة لديك وتفكر ملياً فيما يمنح علاقتك به أهميتها. ضع في اعتبارك اتباع الخطوات التالية في رسالتك: إبداء الدعم بمودة، والتعبير عن التفضيلات بصدق، وتقديم شيء لطيف إذا لم يكن بإمكانك المساهمة شخصياً، سواء كان ذلك بتقديم بديل لطيف، مثل التعريف بنفسك برسالة إلكترونية أو اقتراح وقت أفضل للدردشة أو تمنيات طيبة بسيطة. إليك نموذجاً عن ذلك:
"أسعدتني رسالتك، وأنا أقدّر تفكيرك بي في هذه الأوقات العصيبة، أرجو أن تكون بخير في أثناء هذه المرحلة الانتقالية. أرى أن لدي التزامات كثيرة متزايدة، لذلك لن أشارك في نشاطات التعارف الاجتماعي الشخصية حالياً، لكن مع ذلك لا أزال أرغب في التواصل معك ومساعدتك، هل يمكننا الاستعاضة عن هذا الموعد بترتيب موعد لاتصال هاتفي؟" إذا كنت لا تريد الانخراط في دردشة فورية، فيمكنك كتابة شيء مثل: "أرجو أن تكون بخير! أنا أعاني من ضغط كبير ومضطر إلى اختصار اجتماعات التعارف، أرجو أن تتفهم ذلك، وأنا أؤيدك في جولة جمع التمويل التي تقوم بها". إذا كان لديك مجال لتقديم المزيد، فيمكنك إضافة: "لا تتردد في إرسال مزيد من المعلومات عما ترغب في مناقشته معي، وإذا كان بإمكاني المساعدة، فسأخبرك بذلك".
إذا تلقيت طلباً يبدو غير معقول بالنسبة لعلاقتك بصاحبه، فيمكنك تجاهله كما تتجاهل عرضاً من شخص يريد شراء منزلك الذي لم تعرضه للبيع.
خطط لحلول أفضل
عندما تفكر في الطلبات المهمة وطريقة الرد عليها بوضوح، استجمع أفكارك حول طرق التواصل التي لا تحتاج إلى كثير من الطاقة. على سبيل المثال، إذا كنت تفضل المكالمات الهاتفية، فبإمكانك محاولة تجميع اتصالاتك وتعويض ما فاتك في جلسة واحدة في فترة بعد ظهيرة يوم الجمعة كل أسبوعين. يمكنك إيصال مقدار كبير من الحماس والاهتمام الحقيقي حتى عبر الهاتف عندما تتوقف عن القيام بعدة مهام في وقت واحد وتمنح اهتمامك الكامل للشخص الآخر بعيداً عن المزاح الروتيني. أخيراً، تذكر أن القيام بذلك لا يعني أنك أناني، وإنما تتعامل مع الطلبات الواردة إليك على نحو متعاطف. كتبت آن مورو ليندبيرغ جملة حكيمة في كتاب "هدية من البحر" (Gift from the Sea)، تقول فيها: "لا يمكن لحياتي أن تنفّذ بالفعل مطالب جميع من يستجيب لهم قلبي". لذلك عندما تنتقل من التفاعلات الافتراضية عبر الإنترنت إلى تفاعلات العالم الحقيقي، ما عليك سوى التركيز على قيمك الأهم وتوضيحها بلطف وصدق حتى لو أدى ذلك إلى رفض دعوة ما من أحد المقربين.