يُثقل العمل بصعوبة من نوع خاص بالنسبة للمغتربين. إذ يتطلب منهم تغييرات كبرى للتكيّف على المستويين المهني والثقافي، سواء أكانوا قادمين أم مغادرين، وتقع صعوبة هذه التغيرات على العائلات والموظفين على حد سواء. عندما يعود الأشخاص إلى وطنهم بعد العمل في الخارج، فإنهم غالباً ما يعانون من قلة الرضا الوظيفي، بل ويصل أحياناً للاكتئاب. ونتيجة لذلك، فإن معدل دوران الموظفين العائدين (تركهم للعمل) مرتفع بشكل مثير للقلق، إذ يصل إلى 38% في السنة التالية للعودة، فماذا عن موضوع رفض المهمات الدولية بالنسبة للموظفين؟
بالنظر إلى كل التحديات، ليس من الغريب أن ينجح المغتربون أكثر - والنجاح هنا يعني التكيف مع المعيشة في الخارج والانخراط أكثر في العمل - إذا مُنحوا المرونة التي تمكنهم من قبول المهمة أو رفضها في المقام الأول. ولكن ماذا يحدث عندما يرفض الأشخاص المهمة فعلاً؟
حينما يعرض عليك مديرك مهمة أو منصب خارج البلاد، قد يكون لرفضك عواقب سلبية، خاصة في وقت مبكر من حياتك المهنية، حيث تكون الاعتبارات الأسرية أقل أهمية في ذلك الوقت. إذ تتوقع العديد من الشركات أن يعمل قادتها الأكثر طموحاً في الخارج. فهي الطريقة التي يطور، من خلالها، التنفيذيون مهارات التعايش مع ثقافات جديدة، ومعرفة الأعمال الداخلية لشركة عالمية، وهكذا يترقى القادة الصاعدون إلى الرتب العليا. وفي المقابل، قد يُنظر إلى أولئك الذين يرفضون الاغتراب أنهم يفتقرون إلى الطموح والقيادة، وربما يدفعون ثمن ذلك. وبينما بدأنا للتو في جمع بيانات قوية حول النتائج المهنية، تظهر الأبحاث أن الموظفين يشعرون، في كثير من الأحيان، أنهم مُكرَهون على الموافقة. إنهم قلقون من أن رفضهم السفر إلى الخارج سيمنعهم من المضي قدماً في الشركة، أو على الأقل سيعطل حياتهم المهنية إلى حد كبير. فحتى إذا كنت تشعر بأنك قادر على رفض مهمة في الخارج في الوقت الراهن، فإن القيام بذلك قد يعرقل مسيرتك المهنية. افترض أنك مدير علامة تجارية تعمل في مقر الشركة في فرنسا، وترفض الفرصة لتصبح مشرفاً على توسيع خط الإنتاج في الصين. فعلى الرغم من أن مديرك قد يتفهم قرارك بالبقاء في باريس، إلا أنه عندما تنتظر ترقية ما بعد عامين، وتتنافس مع زميل عاد لتوه من مهمة صعبة في جنوب إفريقيا، فقد يُنظر إليك على أنك أقل تفانياً من شخص كان على استعداد لقلب حياته لصالح الشركة. هذه هي الحقيقة.
أسباب رفض المهمات الدولية
في مقالة نظرية حديثة، درسنا أسباب رفض الموظفين للمهام والمناصب الخارجية. واقترحنا أن العواقب المهنية تعتمد على العَقد النفسي أو ما يسمى بـ "الالتزام الأدبي" للموظف مع الشركة، وهو بمثابة اتفاق ضمني غير مكتوب حول ما هو متوقع من كل طرف. فعلى سبيل المثال، قد لا يتم إعلام الباحثين عن عمل، صراحةً، أن العمل في الخارج أمر أساسي للتقدم في السلم الوظيفي. ومع ذلك، في الشركات التي لديها استثمارات في جميع أنحاء العالم، من المفترض، في كثير من الأحيان، أن سلم الشركة يتضمن درجة سُلّم واحدة على الأقل في أحد مواقعها الدولية. إنها هنا جزء من العقد النفسي. وعندما يشعر أصحاب العمل أن شخصاً ما قد انتهك هذا العقد، فربما يمتلكون ردود أفعال متنوعة مثل تقليل الدعم الشخصي والتوجيه المُقدمَين للموظف، وتوفير عدد أقل من فرص التطوير الوظيفي، وكذلك من المرجح أن تتأثر العلاقة بين المشرف والموظف على المستوى الشخصي أيضاً. ومع ذلك، فإننا نرى أن رد فعل الشركة على رفض الموظف المهام الخارجية يتوقف غالباً على سبب الإخلال بالعقد. ويعتمد ذلك على ما إذا كان الموظفون غير راغبين في الذهاب، أو غير واضحين حول شروط العقد النفسي، أو غير قادرين على الانتقال بسبب ظروف شخصية. وإليك كيف تختلف الآثار:
عدم الرغبة
كما قد تتوقع، من المرجح أن تكون استجابة الشركة عندما يعلن الموظفون عن رفضهم ببساطة العمل في الخارج هي الأكثر سلبيةً. على سبيل المثال، إذا رفض مدير شاب أعزب يعمل في دالاس مهمةً في فرع في لندن لمجرد أنه لا يريد العيش خارج الولايات المتحدة - إذا لم تكن هناك عوامل أخرى، ويبدو أن المدير يتوقع أن تكون فترات العمل الخارجية للقادة الطامحين في الشركة - من المحتمل أن يُنظر إلى قراره بعدم الموافقة على أنه عدم التزام، وخرق للعقد النفسي. وبطبيعة الحال، هناك استثناءات لهذه القاعدة. فالموظفون الذين أظهروا تفانيهم و"أدوا التزاماتهم" بطرق أخرى (بقولهم "نعم" للانتقال في الماضي، على سبيل المثال، أو من خلال التطوع للقيام بمهمة صعبة بشكل خاص في الوطن)، ربما يكونون قادرين على قول "لا" بدون عقوبة. وبشكل عام، على الرغم من ذلك، من الأفضل تجنب قول إنك لا ترغب في الانتقال.
سوء الفهم
في دراسة سابقة، وجدنا أن المشرفين والمرؤوسين كثيراً ما يختلفون فيما يتعلق بشروط العقد النفسي، أو أسباب حدوث خرق. على سبيل المثال، أثناء التوظيف، قد يرى المتقدمون الذين أُطلِعوا على المهام الدولية أنها تمثل فرصة وليس شرطاً. ومع ذلك، عندما يكون لدى الشركة استثمارات عالمية واسعة النطاق، وقد عمل معظم أعضاء الفريق التنفيذي أنفسهم كمغتربين، ربما يفترض مدراء التوظيف أن ضرورة الخبرة الدولية للتقدم الوظيفي واضحة - حتى لو لم تتم مناقشة هذا المطلب بشكل صريح مطلقاً. وبطريقة مماثلة، قد لا يفهم أصحاب العمل عندما يقوم الموظف المؤهل بشكل فريد لشغل وظيفة خارجية برفضها. فإذا عينت مهندسة مقيمة في تورنتو بسبب معرفتها المتخصصة بآلةٍ، وتُثبّت هذه الآلة في مصنع جديد في سيدني، فقد يُنظر إليها على أنها لا تفي بالتزاماتها إذا رفضت الانتقال إلى أستراليا للمساعدة في نقل معرفتها. وعلى الرغم من أنه يجب على مدراء التوظيف تحديد توقعاتهم فيما يتعلق بهذه المهام الدولية أثناء إجراء مقابلات مع المرشحين، فإنهم في كثير من الأحيان لا يضعون عبء التوضيح على مقدم الطلب: لذلك إذا كنت لا تريد أو غير قادر على الانتقال إلى الخارج، فمن الأفضل أن توضح ذلك قبل شغل وظيفة في شركة عالمية.
عدم القدرة هو أحد أسباب رفض المهمات الدولية
في بعض الأحيان، تجعل الظروف الشخصية للموظفين القيام بمهمة دولية أمراً صعباً. وفي هذه الحالات، يكون أرباب العمل أقل ميلاً لمعاقبة الأشخاص بسبب خرقهم العقد النفسي. وعلى الرغم من أن الباحثين لم يفحصوا هذه الفكرة بشكل صريح، إلا أنها تتفق مع ما وجدوه في الاتجاه المعاكس: فالموظفون يستجيبون بسلبيةٍ أقل للحالات التي يعتقدون أن الظروف الخارجة عن سيطرة الشركة أدت إلى انتهاك العقد النفسي. ووفقاً لاستطلاع مؤسسة "غلوبال موبيليتي تريندز" (Global Mobility Trends)، لعام 2016، فإن المخاوف العائلية هي السبب الرئيسي لرفض المهام الخارجية، وتليها المخاوف بشأن مهنة الشريك المرافق. وغالباً ما تعتبر هذه الأسباب مبررة. وينطبق الشيء نفسه على تحمل مسؤوليات رعاية المسنين أو إنجاب أطفال الذين يحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة.
لذلك، أنت تملك أفضل فرصة لعدم التعرض للعقوبة لقولك لا، إذا لم تكن قادراً على الانتقال. لكن، كن منفتحاً مع صاحب العمل بشأن رفض المهمات الدولية وماهية القيود التي تواجهك، وابحث عن فرص أخرى لإظهار التزامك بالشركة في مكتبك ضمن حدود الوطن.
اقرأ أيضاً: