قالت لي إحدى صديقاتي بمجرد أن غدوت حاملاً، "سجلي منذ الآن في قائمة انتظار الرعاية النهارية للأطفال!" ثم شاركتني قصص الرعب حول السباق الحاصل للعثور على الرعاية. لذا، قام زوجي خلال فترة حملي بزيارة العديد من مراكز الرعاية النهارية في العاصمة واشنطن التي نعيش فيها. زرنا واحدة منها لثواني قبل الخروج منها بسرعة، إذ لم يكن فيها أي إجراءات أمان، وكان السجاد قذراً والأطفال جالسون يصغون إلى تسجيل بينما يجلس مقدم الرعاية في أحد الأركان يحدق فينا. أما أخرى، فقد بدت مشمسة وآمنة ونظيفة، إلا أن سعرها كان أعلى مما ندفعه كأقساط لمنزلنا الذي اشتريناه، فضلاً عن أنه طُلب منا التسجيل في قائمة انتظار على الرغم من أن ولادة طفلي ستحل بعد أشهر.
يكافح الأهالي عبر كامل الولايات المتحدة من أجل العثور على موفر رعاية أطفال يُشعرهم بالراحة وتكاليفه معقولة؛ إذ قد تكلّف رعاية الأطفال في كثير من الأحيان أكثر من أقساط الجامعة ، ولكن يكمن الاختلاف هنا في أن الآباء والأمهات الجدد لم يتمكنوا من الادخار لذلك بعد. ولدى النظر في تكاليف رعاية الطفل (من مربيات الأطفال اللائي يختفين فجأة، إلى دور الرعاية التي لا تحقق معايير الجودة اللازمة) فإن الإنتاجية المفقودة تكلف الاقتصاد الأميركي مبلغ 4.4 مليار دولار تقريباً، فضلاً عن أن عديدين ذكروا أن نفقات رعاية الطفل هي السبب رقم واحد لتفضيلهم إنجاب عدد أقل من الأطفال مقارنة بالعدد الذي يرغبون. ومع قلة الخيارات المتاحة، ينتهي المطاف بجزء كبير من النساء بمغادرة وظائفهن لرعاية الأطفال بدل اختيار دار رعاية دون المستوى، لاسيما عندما لا تغطي مرتباتهن رسوم الرعاية النهارية.
على الشركات والأفراد معاً وحكومة الولايات المتحدة أيضاً فعل شيء حيال هذه التحديات الملحة جداً.
ما يمكن للشركات القيام به؟
إن عائلتي محظوظة: فأنا أعمل الآن مع رب عمل يقدم إعانات مالية لمركز الرعاية النهارية المقابل لعملي الذي ترتاده ابنتي، ما يجعلني قادرة على الذهاب والتحقق من وضعها في أي لحظة. ويعد ذلك إحدى الميزات النادرة التي يقدمها رب عمل، إلا أنه كان أيضاً عاملاً رئيساً في قراري بقبول هذه الوظيفة.
وينبغي للشركات الكبيرة أن تحذو حذو رب عملي وأن تأخذ بعين الاعتبار تقديم ميزات قوية تتعلق برعاية الأطفال، والتي يمكن أن يكون لها أثر إيجابي على موظفيهاو قد تؤثر بشكل ملحوظ على معدل بقاء النساء في العمل. وتقدم بعض الشركات رعاية نهاية ضمن الشركة ذاتها أو في مركز قريب، والذي يتطلب بدوره واجبات كبيرة إلى جانب الامتثال التنظيمي والتأمين ضد الحوادث؛ ولكن مع الميزات الهائلة التي تقدمها الشركات الكبرى لصالح موظفيها، من تقديم مراكز الرفاه إلى المعتكفات مروراً بميزانيات الديكور الخاصة بالمكاتب، فقد يكون إنشاء مركز رعاية نهارية أقل المسائل تكلفة، وأكثرها أولوية. وتقدّر شركة باتاغونيا أن في إمكان الشركة استرجاع 91% من تكاليف مركز الرعاية التي قد تنشئه في الشركة. وقد قررت هوم ديبوت إنشاء مركز رعاية في مقر المؤسسة مدفوعة بمعاناة موظفة حاولت جاهدة إيجاد رعاية نهارية مناسبة.
وتشمل الخيارات الأخرى الخاصة بدعم العاملين في الشركات الصغيرة أو المتوسطة تقديم الإجازة العائلية، وإعانات لرعاية الطفل، وشبكات تقديم رعاية داعمة أو مساعدة لتنسيق برامج الرعاية في الصيف، وميزات حساب إنفاق مرنة يمكن للموظفين استخدامها قبل خصم الضرائب تجاه تكلفة رعاية الأطفال.
ما يمكن للأفراد القيام به؟
تحذير سريع: أيها الآباء والأمهات، يجب أن تعرفوا أنكم متعبون وتقومون بما يزيد عن حملكم ومرهقون، وأؤمن أن النظام الحالي يخذلكم، ولا أعتقد أن ذلك يجب أن يكون عبئاً عليكم أو يشكل مشكلة بالنسبة لكم.
لكن مع ما سبق، ليس من المرجح أن يحدث التغيير المنهجي بين عشية وضحاها، لكن في الوقت نفسه، يمكن للأفراد العمل بشدة على الدعوة إلى القيام بتغييرات أصغر حجماً إنما مهمة لدى أرباب عملهم وفي المجتمع الأوسع،
إذ يمكن للموظفين إنشاء شبكات مقدمي الرعاية لنقاش التحديات التي يواجهونها في مجال إدارة الحياة والعمل علناً، والتعاون مع إدارة الموارد البشرية لإيجاد الحلول. وقد تسبب قيام موظفة لدى شركة بيست باي (Best Buy) بإحضار طفلها الرضيع مضطرة إلى العمل بسبب عدم وجود رعاية نهارية يومها في إطلاق نقاشات جديدة على مستوى الشركة فيما يتعلق بمزايا الرعاية النهارية الداعمة الاحتياطية. كما يمكن للأفراد استخدام صوتهم الجماعي للدعوة إلى سياسات أفضل فيما يتعلق بإجازات الأمومة، والتي يمكن أن تساعد في تخفيف تكاليف رعاية الأطفال على المدى القصير.
يمكن للأفراد أيضاً إحداث فرق عبر التحدث صراحة عما يعانونه في مجال تنشئة الأطفال. إذ أخبرتني أماندا لينارت في نيو أميركا فاونديشن قائلة: "إننا نتحدث كثيراً عن عادات العامل المثالية، وهي الفكرة التي تقول: (مهلاً، أنا هنا للعمل فقط؛ ولا يوجد ما يشغلني ويمنعني عن تكريس نفسي 100% لخدمة رئيسي). ولم تعد تلك الفكرة صحيحة لغالبية الأميركيين. فحتى لو لم تكن تعاني في تنشئة أطفالك الصغار، هناك العديد من الطرق التي يهتم فيها الأميركيون بأشخاص آخرين". ولو تحدث المزيد منا بصدق حول التحديات التي نواجهها، سيجعل ذكر موضوع تقديم الرعاية أمراً طبيعياً وكذلك فكرة وجود حياة لك خارج العمل.
ولدى المدراء والقادة المؤسساتيين فرصة كبيرة لأن يكونوا قدوة لفرقهم، عبر قيامهم على سبيل المثال بأخذ إجازة الأبوة بالكامل، أو الحديث بشكل صريح عن رغبتهم بوضع موعد لأحد أفراد الأسرة مع طبيب كأولوية على حساب العمل. كما ينبغي لهم دعم موظفيهم عندما يقومون بذات الأمر.
وأخيراً، لدى جميعنا القدرة على التصويت في الانتخابات.
ماذا يجب أن تفعل الحكومة؟
هل هناك نموذج شركات لنظام رعاية أطفال ذي نوعية عالية وقوي من دون دعم حكومي كبير؟ تقول لينيت فراجا من تشايلد كير أوير أوف أميركا، "هذا مستحيل. إن الاستثمارات العامة ضرورية على جميع المستويات لضمان إتاحة رعاية عالية الجودة لجميع الأسر لكي ينشأ الأطفال ضمن أوضاع ورعاية وسلامة عالية الجودة". وبينما قد يجادل البعض أن التنظيم المفرط يسبب ارتفاع تكلفة رعاية الطفل، من الواضح أيضاً أن مسائل الجودة مهمة لكل من الأطفال والآباء وحتى لاقتصادنا الكلي. ولن يكون تقليص الجودة لتوفير التكاليف الحل.
فلو أننا تركنا هذه المسألة للقطاع الخاص لكي يقوم بحلها، سيقوم بتوزيع أفضل الميزات على موظفيه المحظوظين، ليؤدي إلى زيادة أوجه التفاوت المنهجي. وبغض النظر عن الإجراءات الاستباقية التي تأخذها الشركات وكيف سينخرط الآباء الأميركيون في هذه المسألة، لن نرى تغيراً منهجياً من دون قيادة حكومية.
وثمّة بلدان أخرى تستثمر في الأسر عبر رعاية الطفولة المبكرة أو تقديم الإعانات لرعاية الطفولة المبكرة. إذ يمكن للأسر في كيبيك مثلاً أن تتوقع رعاية أطفال بدوام كامل على مدار العام وبأسعار معقولة في جميع مستويات الدخل، حيث برهنت بيانات البرنامج لآخر 20 عاماً أنه برنامج ناجح للاقتصاد، ويحافظ على عدد أكبر من النساء في القوة العاملة، وفي نهاية المطاف يغطي نفقاته. كما قامت دول مثل الدانمارك وفرنسا والسويد والنرويج وبلدان متقدمة أخرى بتطبيق برامج لمساعدة الأسر على تحمل هذا العبء. وبينما لم تكن أي من هذه البرامج مثالية، إلا أنها توفر دروساً هامة وأفكاراً محتملة لما يمكن أن نفعله في الولايات المتحدة.
وقد باتت فكرة رعاية الطفل الشاملة تكتسب طاقة وزخماً جديدين في الولايات المتحدة لأول مرة منذ حوالي 50 عاماً، مع محاولة المرشحين تمييز أنفسهم عن البقية قبل انتخابات الرئاسة في عام 2020، حيث اقترحت السيناتور إليزابيث وارين من ولاية ماساتشوستس برنامج رعاية الطفل الشامل الذي من شأنه إنشاء شبكة مراكز رعاية ممولة حكومياً، فضلاً عن منح الأسر التي دخلها أقل من 200% من خط الفقر الفيدرالي الرعاية مجاناً. وعلى الرغم من تكلفته التي قد تبدو مرتفعة للغاية، والتي تقارب 70 مليار دولار سنوياً، يمكن للبرنامج أن يضم ما يصل إلى 12 مليون طفل، وإحداث فرق كبير في حياة هذه الأسر، وتعزيز رأس المال البشري في البلاد على مدى عقود. وقد قدمت السيناتور باتي موراي من واشنطن مؤخراً قانون "رعاية الطفل للأسر العاملة"، والذي يحدد سقف تكلفة رعاية الطفل بمبلغ 7% من دخل الأسر المعيشي، ويزيد من تمويل رياض الأطفال، ويستثمر في تحسين تدريب مقدم الرعاية للأطفال.
وما يزيدني تشجيعاً وجود عدد أكبر من النساء، بما في ذلك أمهات جدد ، في الكونغرس مقارنة بالماضي، ولدى بعضهن تحديات رعاية الطفل الخاصة بهن. ولدى هذه الفئة الجديدة من القادة وضع فريد للتخفيف من حدة المشكلات التي تعرض أوضاع الأهالي المالية عبر البلاد للخطر. وآمل أن أراهم يرفعون أصواتهم جماعياً والاستثمار في مستقبل الولايات المتحدة الأميركية عن طريق توسيع فرص الحصول على رعاية الأطفال بأسعار معقولة وذات جودة عالية.