خيارات متعددة في الرعاية للحالات المرضية الميؤوس منها لخفض التكاليف

5 دقيقة

يرغب جميع العاملين في قطاع الرعاية الصحية، تقريباً، في تقليل الهدر وخفض التكاليف غير الضرورية، ولكن تتوقف تلك الرغبة حينما يأتي الدور على النقاش حول الأمراض المزمنة المتقدمة، وما يُعرف برعاية نهاية الحياة (رعاية الاحتضار). إذ تسببت المخاوف حول ما يروج له بـ "فصل الأجهزة الطبية عن المرضى كبار السن"، بغض النظر عن حالاتهم وتركهم لمواجهة مصيرهم، في إبطاء التقدم نحو تلك الرعاية المبنية على القيمة. وكما يقولأتول غواندي في كتابه "أن تكون هالكاً" (Being Mortal): "مهما كان الحديث في هذا الموضوع مصاغاً بشكل منمق، فإنه يلوح بشبح مجتمع يستعد للتضحية بمرضاه ومُسنّيه".

وفي هذا السياق تحديداً، يوضح نموذج سريري جديد، معتمد على برنامج متقدم لإدارة الأمراض طوّره أحدنا (براد)، كيفية رفع الجودة مع تقليل التكاليف كثيراً. ويتمثل هذا الحل، الذي طوره نظام "سوتر الصحي" (Sutter Health) المتكامل في شمال كاليفورنيا، في مساعدة الأشخاص المصابين بأمراض خطيرة على اختيار نوع الرعاية التي يريدونها ونوع الرعاية التي يريدون تجنبها. ولا يترك هذا النموذج خيار المريض للصدفة، بل يربطه بالعمليات السريرية.

الوضع الراهن

في الواقع، يستهلك العلاج في السنة الأخيرة من عمر المريض قرابة ربع إجمالي نفقات الرعاية الطبية، مع ضغط ثلث نفقات السنة الأخيرة هذه وإنفاقها في الشهر الأخير قبل الوفاة. وخلال تلك الفترة، يُخصص 80% من الإنفاق للعلاج داخل المستشفى، وتذهب منه نسبة كبيرة إلى وحدات العناية المركزة. وفي حين أتقن النموذج الطبي في الولايات المتحدة علاج الصدمات والالتهابات والحالات الأخرى القابلة للعلاج، فشل عند تطبيقه على الحالات المتقدمة للأمراض المزمنة.

وتتقدم مثل هذه الحالات وفق جدولها الزمني الخاص، ويعد الشفاء التام منها أمراً نادر الحدوث. وفي الواقع، تبدو بعض أنواع "الرعاية المعتادة" وكأنها تتسبب في تقصير العمر وليس إطالته، مثل العلاج الكيميائي للسرطان في مراحله المتأخرة والاستشفاءات المتعددة للحالات المتقدمة من فشل القلب، وذلك على خلاف الرعاية التلطيفية التي تهدف إلى الوصول لراحة المريض. وفي الحقيقة، فإن فكرة وجود "علاج" لتلك الحالات المتقدمة للأمراض المزمنة ما هي إلا سفسطة وتناقض. ومع ذلك، عندما تتدهور حالات هؤلاء المرضى، تكون الاستجابة التلقائية هي تقديم علاج قوي داخل المستشفى، حتى وإن أعرب معظمهم، إذا أتيح لهم الاختيار، عن تفضيلهم البقاء في أمان وراحة بالمنزل قدر الإمكان.

لذلك، ظهر برنامج "هوسبيس" (Hospice)، وهو برنامج فيدرالي لتأمين الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، كبديل منزلي يرعى المرضى في نهاية عمرهم عوضاً عن المستشفى. ولكن لكي يكون المرضى مؤهلين للدخول فيه، يجب ألا يزيد ​​عمرهم المتبقي المتوقع على ستة أشهر. وما لم يشاركوا في العرض الخاص بخيارات الرعاية الطبية التي ينظمها البرنامج حالياً، سيجب عليهم التخلي عن حقهم في الرعاية العلاجية. وعليه، فإن العديد من الأشخاص وأسرهم وأطبائهم يقاومون خيار "هوسبيس" حتى يتم استنفاد جميع الخيارات العلاجية الأخرى. ويلتحق أكثر من ربع المرضى المسجلين بـ "هوسبيس" عندما يتبقى لديهم ثلاثة أيام على الأكثر حتى الوفاة، كما يأتيه الكثيرون من مرضى وحدة العناية المركزة رأساً. بالنسبة لهؤلاء، فإن "هوسبيس" ما هو إلا خدمة طوارئ أخرى تقع في نهاية الحصار الطويل من العلاج داخل المستشفى.

نموذج أفضل

يُتوقع أن يضع الأطباء خططاً مسبقة للرعاية مع مرضاهم الذين يعانون أمراضاً مزمنة، ولكن نظراً لأن العديد من الأطباء يرهبون هذا النوع من المحادثات، فلا يجرونها غالباً. وحتى إن فعلوا، فإن التوجيهات المسبقة الناتجة عن هذه المحادثات قد تكون غير كافية، بل قد يُتعذر الوصول إليها أصلاً في أثناء أزمة صحية طارئة.

ولكننا نجد أنظمة صحية مثل "سوتر" وغيرها تصعد إلى مستوى التحدي هذا، إذ تجمع بين أفضل الممارسات لـ "هوسبيس" والرعاية التلطيفية بغرض تأسيس نموذج رعاية متقدم يمكنه مد ممارسات أطباء الرعاية الأولية والتخصصية إلى منزل المريض عبر فرق متعددة التخصصات من مقدمي الرعاية التلطيفية، ومدراء الرعاية (الممرضين والعاملين الاجتماعيين)، وموظفي مجموعات الصحة المجتمعية، ومقدمي الرعاية الروحية وغيرهم. والهدف من ذلك كله هو مساعدة المرضى على توضيح وتوثيق تفضيلاتهم في الرعاية التي يتلقونها وإبلاغ مقدمي الرعاية بها ثم الإشراف على خياراتهم المفضلة من العلاج الدوائي وغير الدوائي والتأكد من أنهم يتلقون لا أكثر ولا أقل مما يريدون. وحينما يتم تبليغ المسؤولين بخطة الرعاية المشتركة التي يختارها المريض مباشرة، يمكن لنموذج الرعاية المتقدمة أن يكسر تلك الدائرة المُكلِفة لعلاج حالات المراحل المتأخرة من العمر، وبالتالي تحسين الجودة وخفض التكاليف للمستهلكين والأنظمة الصحية على السواء.

وبالفعل، لقد حقق برنامج "سوتر لإدارة الأمراض المتقدمة" (Advanced Illness Management) أفضل تحسينات ممكنة للجودة والاستغلال الأمثل أو خفّض التكاليف في الملف المعقد الخاص باستهداف المرضى ذوي المخاطر العالية في مركز الرعاية الطبية وابتكار الدعم الطبي (Center for Medicare & Medicaid Innovation)، الذي يمول بدوره برنامج "سوتر" بمنحة قدرها 13 مليون دولار. وفي المتوسط، وفر البرنامج 5,700 دولار لكل مريض في الشهر الأخير من حياته، وحوالي ضعف هذا المبلغ طوال فترة التسجيل بأكملها. وحتى اليوم، خدم البرنامج أكثر من 16 ألف مريض.

نفذ آخرون برامج مماثلة بعد برنامج "سوتر"، وحققوا نتائج جيدة أيضاً مثل "شارب للرعاية الصحية" (Sharp HealthCare) في مدينتي سان دييجو وإتنا. إذ أفادت "شارب" أن برنامج إدارة الأمراض المتطور التابع لمشروع "تحولات" (Transitions) لديها نجح في خفض متوسط ​​تكاليف كل مشارك في الشهر الأخير من حياته إلى 3,711 دولاراً مقارنة بـ 17,006 دولارات في مجموعة تحكم تلقت رعاية معتادة. وقد حظي برنامجا "سوتر" و"شارب" بمعدلات عالية من الرضا في أوساط المرضى وأسرهم والأطباء المحالين لمتابعة العلاج. وفي الواقع، اتفق ثلاثة أرباع الأطباء الذين شملهم الاستطلاع الخاص ببرنامج "سوتر" على أن البرنامج قلل عبء العمل عليهم.

واستناداً إلى تجارب أحدنا - براد - مع برنامج "سوتر" وبرامج أخرى وبرنامج بحثي مستمر يقوم به أحدنا - لين - لتحسين تجربة الخدمة للمرضى الذين يعانون من حالات متقدمة لأمراض مزمنة، نعتقد أن نماذج الرعاية المتقدمة يجب أن تحتوي على ثمانية مكونات رئيسية:

1- إقامة علاقات شخصية وثيقة ودائمة، في المنزل في المقام الأول، بين المرضى والأسرة وطاقم الرعاية.

2- ضمان التواصل السلس عبر جميع الإعدادات السريرية للعلاج المجزأ والرعاية القياسية العرضية.

3- تخفيف الألم والمعاناة التي إن تُركت دون علاج فستُضعف نوعية الحياة وتشجع على دخول المستشفى.

4- تثقيف المرضى وأسرهم حول عملية المرض وتشخيصه، وتشجيع النقاش المفتوح حول جميع خيارات الرعاية بما في ذلك "هوسبيس".

5- إشراك المرضى لتحديد أكثر ما يناسبهم، حسب شروطهم وبوتيرتهم الخاصة.

6- توثيق تفضيلات العناية الشخصية لدى ظهورها، واستخدام السجلات الصحية الإلكترونية أو قنوات الاتصال التقليدية لنقل هذه التفضيلات إلى جميع مقدمي الرعاية المحتملين.

7- استمرار هذه المناقشات وتوثيقها ونقل أي تفضيلات جديدة في الرعاية قد تظهر مع تقدم المرض.

8- توفير الدعم للأسر للمساعدة في تخفيف عبء تقديم الرعاية.

إن أعضاء فريق الرعاية المدربين تدريباً جيداً والمُوظفين بعناية هم عنصر حاسم لتنفيذ الخصائص الثمانية بفاعلية. إذ يتم تعليم هؤلاء التحدث بصراحة وبسهولة عن القضايا الحساسة مع المرضى، مثل فشل العلاج والموت الوشيك. إذ يقول أحد مدراء الرعاية في تقرير "مركز الرعاية الطبية وابتكار الدعم الطبي": "إن إجراء محادثة حول خيارات نهاية الحياة يتيح للجميع التنفس". ومن المتوقع منهم أيضاً مساعدة المرضى على التنقل في عالم الطب السريري المعقد.

وقال أحد المرضى المكفوفين: "اصطحبتني الممرضة مديرة الحالة وظلت معي طوال الزيارة. الكثيرون ممن يصطحبوني إلى مواعيد الأطباء يكتفون بتوصيلي إلى المكان ويغادرون. عندما تكون كفيفاً، فإنك تشعر بالخوف. لكن الممرضة بقيت معي وشرح لها الأطباء كل شيء. هذا هو ما أحتاجه".

وبدورهم، يشعر الموظفون بالرضا عن عملهم. ففي المقابلات الخاصة بتقييم البرنامج، يقول مدراء الرعاية في كثير من الأحيان: "هذا هو العمل الذي من المفترض أن أقوم به".

المضي قدماً

تخيل أن لديك نظام رعاية صحية يلتزم بتحسين رعاية نهاية الحياة كما يلتزم بعلاج الأمراض. ويقدم نموذج الرعاية المتقدمة هذا حلاً مبتكراً يفيد جميع المعنيين من مرضى وأسر ومقدمي خدمات ودافعين، وذلك عن طريق إبلاغ المرضى المصابين بأمراض خطيرة وإشراكهم مباشرة في اتخاذ القرارات المتعلقة برعايتهم. إذ يأتي حينها توفير النفقات كنتاج لتجنب العلاجات التي لا يريدها المرضى وليس لتقنين الرعاية.

وهناك اقتراح لنموذج الرعاية المتقدمة يعرض حالياً على "اللجنة الاستشارية الفنية النموذجية للدفع التي يركز عليها الطبيب" (PTAC)، والمنشأة بموجب قانون الوصول إلى الرعاية الطبية وإعادة ترخيص قانون برنامج التأمين الصحي للأطفال الصادر عام 2015. وستقرر اللجنة ما إذا كانت ستوصي وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأميركي بالتنفيذ. إن اتباع نهج متعدد الجوانب للتمويل يتضمن كلاً من رسوم إدارة الرعاية والادخار المشترك يدعم التكرار، والتوسع، والاستدامة. يمكن أن يكون نموذج الرعاية المتقدمة عنصراً مهماً في نقل نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة من بنية تعتمد على العرض وتفرض رسوماً مقابل الخدمة إلى بنية يدفع فيها المريض مقابل قيمة حقيقية. وستنقل هذه البنية عناصر الاختيار والتعاطف والتواصل إلى منظومة رعاية مواطنينا الأكثر مرضاً والأكثر ضعفاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي