استقرت "تيكت ماستر" (Ticketmaster) مؤخراً على دعوى قضائية تتعلق بأسعارها، وهي توفر دروساً مهمة في التسعير لجميع الأعمال. ففوق السعر الأصلي للتذكرة، كان من عادة عملاق التذاكر إضافة رسوم للراحة والمرافق ومعالجة الطلب وتوصيل المشتريات. حيث زعم أصحاب هذه الدعوى الجماعية أن الرسوم كانت مضللة، ولو عرفوا أن تيكت "ماستر" تحقق أرباحاً من معالجة طلبهم ومن أجور التوصيل، كما جاء في الدعوى، لربما أحجموا عن الشراء.
وباعتباري استشاري تسعير يذهب إلى الكثير من الحفلات، كنت مهتماً بهذا النزاع القضائي. وعندما قرأت الدعوى، رأيت في البداية أن ذلك جنون. لماذا يتدخل أحدهم في كيفية هيكلة شركة ما لأرباحها؟ أليس السعر النهائي هو ما يهم؟ فإذا دفعت 25 دولاراً لدخول فعالية ما، هل تهمك فعلاً تفاصيل الرسوم (وهيكل الربح المرتبط بها) التي تشكل تراكمياً السعر النهائي؟
لكن بعد وهلة فكرت في شراء قمت به مؤخراً. إذ إنني أُرسل عادة بطاقات محفور عليها كلمات شكر لبعض الأصدقاء وزملاء العمل تعبيراً عن امتناني. وسُررت مؤخراً عندما وجدت تخفيضاً على بطاقاتي المفضلة ليصبح سعرها 19 دولاراً (لصندوق من 10 بطاقات) في أحد مواقع التجارة الإلكترونية الرائدة. وعندما أصبحت مستعداً للشراء، ولدى إتمام الصفقة، ظهر رسم توصيل بقيمة 6 دولارات "ست دولارات لتوصيل صندوق من البطاقات؟"، فكرت في قرارة نفسي بغضب. إذ شعرت كأن هذا المتجر الإلكتروني يحاول استغلالي، لذلك لم أقم بالشراء. وبعد فترة أعدت التفكير في تلك التجربة وخلصت إلى أن السعر لو كان 25 دولاراً شاملاً التوصيل، أو حتى 22 دولاراً، بالإضافة إلى 3 دولارات للتوصيل، لربما كنت اشتريت. كانت تلك الدولارات الستة المفروضة كأجور توصيل هي ما أزعجني وليس السعر الإجمالي. فجأة، لم تعد 25 دولاراً بالنسبة لي مجرد 25 دولاراً.
انطلاقاً من هذا الفهم لسلوك المستهلك، تحولت شركة "ستاب هاب" (StubHub) مؤخراً إلى استراتيجية التسعير "المتضمن كل شيء". فقد أظهر بحث للسوق أجرته شركة بيع التذاكر هذه المملوكة من "إيباي" (eBay) أن الرسوم الإضافية الإلزامية التي تضاف عند الخروج ليست هي ما يهتم به عملاؤها من المشترين فعلاً. مثلاً، في إحدى الحالات وبعد الموافقة على سعر التذكرة، فوجئ العملاء برسم توصيل بالإضافة إلى رسم مريب تحت اسم "رسم المشتري" وقدره 10%. ويُعتبر رسم التوصيل شيئاً منطقياُ واعتيادياً، لكن "رسم المشتري" ذاك بدا في غير محله (أو ربما كان بالإمكان صياغته بطريقة أخرى). وبالمثل، بما أن شركة "ستاب هاب" توفر تأميناً ممتازاً ضد الغش (إن كانت التذكرة المعاد بيعها مزيفة، فإن اتصالاً واحداً إلى "ستاب هاب" كفيل بإدخالك إلى الفعالية التي تريد حضورها مهما كلف الأمر). فإنه يمكن تلطيف هذا الرسم أكثر بتقديمه على أنه "رسم أمان المشتري". واليوم، تضمن "ستاب هاب" جميع الرسوم في أول سعر معروض، وتدّعي الشركة أنه نتيجة للانتقال إلى استراتيجية التسعير المتضمن كل شيء ارتفعت معدلات رضا العملاء بمقدار 10 نقاط وكذلك تنمو المبيعات.
وبما أن 25 دولاراً ليست إلا 25 دولاراً، لماذا إذاً يهتم الأفراد بمكونات السعر؟ كي أكون واضحاً، لا يتصرف الأفراد دوماً بعقلانية من الناحية الاقتصادية. ففي نهاية المطاف، هل 99 سنتاً أرخص كثيراً من دولار واحد؟، الكثير من المستهلكين يتصرفون كما لو كانت كذلك، وذلك هو السبب الذي يجعل الكثير من أسعار السلع تسعّر بسنت أقل من الدولار التالي.
الدرس الأساسي هنا، أن الكثير من العملاء يقيّمون الأسعار بشكل تسلسلي. فكل سعر يُقدم في معاملة الشراء يخضع لتقييم مدى استحقاقه. وبهذا، فإن رسماً غير اعتيادي أو يبدو مرتفعاً بشكل وغير معقول يضع كامل المعاملة في خطر، حتى لو كان السعر الإجمالي مقبولاً.
إذ يمكن للشركات توظيف هذا الفهم لقرارات التسعير المتتالي في صالحهم. وبوضوح، لا أنصح تضمين جميع الرسوم الاعتيادية في السعر الأولي المطروح، كما تفعل شركة "ستاب هاب" الآن وذلك لسببين. أولاً، هذا السعر "المتضمن كل شيء" سوف يكون غالباً أعلى من السعر "الأول" (قبل الرسوم الإضافية) لدى المنافسين، وهو ما لن يكون ميزة في صالحك. ثانياً، والأهم هو أن جعل الزبائن ينظرون (ويقيّمون) هذه الرسوم الاعتيادية أمر جوهري لتقوية العلامة المميزة للشركة. مثلاً، عندما يكون الشحن "مجانياً"، فإننا جميعنا نعلم أن أجوره متضمنة في السعر. لكن إن قُدّم الشحن إلى الزبائن على أنه سعر مخفض، فسوف يرى أغلبنا في ذلك أمراً منصفاً.
أخيراً، أنني أشكك بأحقية الادعاءات الواردة في الدعوى القضائية الجماعية، فربما لم يشتروا لو عرفوا أن تيكت "ماستر" تتربّح من رسوم الخدمات الإضافية. لكن ماذا بعد ذلك؟ هل نريد تجريم "الشحن المجاني" لصالح "الشحن المتضمن في السعر؟" ومع ذلك أرى أن هذه الدعوى القضائية تبيّن للشركات كيف بإمكانها الاستفادة من تسعيرات تسلسلية أذكى. من خلال الضبط الاستراتيجي للرسوم الإضافية بطريقة تولّد شعوراً بالإنصاف، وتعزز العلامة التجارية للشركات.