لا أنكر أن طريقتي في التعامل مع المكالمات الهاتفية جافة جداً. فأنا لا أميل إلى الثرثرة، بل أنخرط مباشرة في الحديث في صلب الموضوع، وأهمُّ بإنهاء المكالمة ما إن ينتفي الغرض منها. طريقتي فجة جداً، حتى إن شريكتي في العمل سألتني ذات مرة: "مالك أنتِ والهاتف؟" لا يقتصر هذا الطبع على مكالمات العمل فقط، فزوجي وأولادي يتذمرون بدورهم، كما أنني لست ماهرة في الاسترسال في أي حوار على منصات التواصل الاجتماعي؛ ربما أحب إكس (تويتر سابقاً) لهذا السبب، ولك أن تقول إن طريقتي في التفاعل أشبه بـ "التهتهة". وإن كان لي أن أصف أسلوب تواصلي الشخصي، أو ما يمكن تسميته "واجهتي الشخصية" فسأقول إنه بعيد كل البعد عن السلاسة،
فلا عجب في الصعوبة التي أعانيها في التواصل الرقمي (واجهتي الرقمية). أحاول تصحيح نقاط الضعف هذه بمحاولة حثيثة للتعويض من خلال إضافة المزيد من الأدوات إلى موقعي الإلكتروني، وكثيراً ما ذكّرني مصمم الغرافيك الصبور براندون جيمسون، قائلاً: "احذري الانجراف في سفسطة الحيل التسويقية"، يقصد أن أتخلص من كل ما لا طائل منه وأن أتأكد من أن كل جوانب واجهة الموقع البينية تحقق الغرض منها. وفي حين كنت أستعد لنشر كتابي في الأسبوع الماضي، كان هدفي أن أجعل تجربة التفاعل الرقمية مع ويتني جونسون سلسة وممتعة وثرية بالمعلومات، والحق أقول إن موقعي الإلكتروني ما يزال قيد التطوير، ولكن التجربة دفعتني إلى التفكير في الطريقة التي نقدم بها أنفسنا للعالم، شخصياً وافتراضياً.
يعيش العاملون اليوم عصر تعدد الأجزاء، لذلك يمكننا تطبيق بعض من مبادئ تصميم المستخدم ليس فقط على إنشاء مواقع الويب، ولكن كذلك على كل منا؛ سواء كنا مدراء أو موظفين مستقلين. عندما نفكر في الانطباع الذي نرسمه عن أنفسنا لدى موظفينا وأرباب العمل والعملاء وزملاء العمل والعالم من حولنا، علينا أن نسأل أنفسنا: على أي نحو صممت واجهتي الشخصية التي يراها الآخرون؟
وفقاً لاستشارية تجربة المستخدم ويتني هيس، علينا مراعاة 5 من أهم المبادئ الشاملة عند تصميم موقع إلكتروني: 1) أن يترك انطباعاً أولياً جيداً، 2) أن يحتوي على قسم لتلقي الآراء والملاحظات، 3) أن يكون متسقاً، 4) أن تكون أي خطوة فيه قابلة للتصويب، 5) أن يكون ذا مصداقية ومحل ثقة. وتسري هذه المبادئ عند التفكير في تصميم واجهتنا الشخصية أيضاً. تشرح هيس مبادئ التصميم وكيفية تطبيقها في التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر وكذلك التفاعل بين الإنسان والإنسان:
1. اترك انطباعاً أولياً دقيقاً
الخطوة الأولى التي يتخذها زائر موقعك الإلكتروني هي فحص الصفحة للتأكد من أن المعلومات التي يقدمها الموقع ذات صلة بما يريد الحصول عليه، فاحرص على أن يكون العرض سهل الفهم وينقل رسالتك إلى المستخدم بدقة. الموقع الأمثل هو الذي يجده المستخدم جذاباً قوي المضمون ومفهوماً.
إن تحديد مجموعة من قواعد السلوك في الواقع يشبه تصميم تجربة رقمية، وأنت تود بالتأكيد أن تبعث الارتياح فيمن يلتقيك (أو يتحدث إليك) للمرة الأولى، ولكنك تريد في الوقت نفسه أن تحدد توقعات واضحة بشأن ما يمكنك وما لا يمكنك تقديمه. مثلاً، إذا كان أسلوبك في العمل سريع الإيقاع، ولكنك تميل إلى التروي والتمهل في التعامل الشخصي، فقدم لمحة مسبّقة عن طبيعتك هذه، ومن الأفضل أن تلتزم هنا بشعار صانع المواقع الإلكترونية (WYSIWYG): ما تراه هو ما تحصل عليه.
2. قدِّم الملاحظات
سطور الكلام الطويلة بلا مغزى مزعجة، وكذلك التأخير في استجابة الواجهة. وبعد أن ينفذ المستخدم خطوة ما، سواء كانت إرسال نموذج أو النقر لتحميل مقطع فيديو أو الانتقال إلى الصفحة التالية في مقال، ينبغي أن يرى تجاوباً من النظام؛ أي إشعاراً واضحاً بتلقي الأمر. فالتصميم ليس حديثاً منفرداً؛ بل هو حوار بين طرفين
وسرعة الاستجابة لطلبات المستخدم مهمة وإلا تركت انطباعاً بأنك لا تنصت له. وإذا كان التأخير أمراً لا مفر منه، فعليك أن تبين له السبب وأنك تعمل على الطلبات، أكد له أنك استوعبت ما يريد وبادره بالخطوة التالية. وكما هي الحال مع هذه الواجهة الافتراضية، عليك في حياتك الشخصية أن تكون سريع الاستجابة ومبادراً بالشرح ومرحباً بالدخول في حوار.
3. كن متسقاً
يجب أن تكون آليات التنقل والهيكل التنظيمي التي تستعين بها في تصميم الموقع الإلكتروني سلسة ومتوقعة وموثوقة؛ أي أن يكون مكان شريط التنقل هو نفسه في جميع الصفحات، وأن تتطابق جميع الروابط في مظهرها وطريقة عملها، وأن تكون المسميات موحدة. يؤدي اختلاف التنسيق بين صفحات الموقع إلى اختلال تجربة المستخدم فيشعر بالارتباك وعدم الارتياح.
فمثلاً، أجد أني لا أجيد التواصل عبر الهاتف، ولم أتمكن بعد من التجاوب في أثنائه مع الآخرين بسرعة كما أفعل في الرسائل الإلكترونية التي أتجاوب معها عادة بسرعة كبيرة (أي سرعة لا يمكنني مواكبتها في طرق التواصل الأخرى)، لذلك يستغرب الآخرون حين تتأخر استجابتي عبر الهاتف. الاتساق مرادف الاستقرار، ويريد الناس أن يشعروا دائماً أنهم في أيدٍ أمينة، افتراضياً وشخصياً على حد سواء.
4. احرص على إمكانية التصويب
لا تصميم كامل. ليس بوسع أحد أو بمقدور شيء أن يمنع وقوع الخطأ منعاً باتاً، لذا عليك بالتحوط لذلك بخطة طوارئ. احرص على إتاحة إمكانية التصويب والإصلاح بسهولة في حال ارتكب المستخدم خطأ (سواء لأنه أساء فهم التوجيهات أو أخطأ في الكتابة أو لم تكن توجيهاتك صحيحة). حدد له طريق الخروج من أي مشكلة غير مرغوب فيها ودون أي متاعب، ووفر اقتراحات فعالة لتجاوز أي أخطاء في النظام. واسمح بالتعديل والحذف بإتاحة خيار التراجع والإعادة.
نجد في تفاعلاتنا الشخصية أن "إلغاء الفعل" أقوى خاصية تحكّم يمكنك منحها لإنسان، ففي إتاحة "إلغاء الفعل" مرونة ذهنية وتواضع ورسالة واضحة مفادها أن التواصل بيننا أكثر من مجرد صفقة.
5. احرص على المصداقية والجدارة بالثقة
يصعب علينا تحديد من هم محل ثقة هذه الأيام، وبالتالي فإن وسيلتك الوحيدة لتنال ثقة زوار موقعك هي أن تكسبها؛ يجب أن يكون محتواك دقيقاً ومحدّثاً، وعناصر المواقع الجمالية عصرية وجديدة. احرص على سلاسة التعامل مع الموقع، وشجع الزائر على المشاركة الفعالة ورحّب بذلك.
بمعنى آخر، افعل ما تقول إنك ستفعله، ولا تبالغ في وعودك ولا تقصر في الوفاء بها، وإن أحسنت تحديد توقعاتهم وتابعت بعين الرعاية تجربتهم في الوقت المناسب، اكتسبت ثقتهم؛ فالثقة أساس واجهة المستخدم السلسة افتراضياً أو شخصياً.
ومع أنها كانت تجربة مزعجة أحياناً، فأنا أدرك أهمية الدروس التي يمكن تعلمها من إنشاء موقع افتراضي: تعلمت أنه من الضروري أن تكون واجهتي الشخصية سلسة لا تترك مجالاً لسوء الفهم تماماً مثل نسختي الرقمية، هذا إذا ابتغيت ممارسة دور فاعل في عالم تتزايد فيه أعداد المستقلين بأعمالهم. وأنا على قناعة بأن بلوغ الكمال محال وأتقبل ذلك لعلمي أننا نخطئ دوماً، ومن المهم أن نركز على الترابط لا الكمال. ولكن عالم الوظائف المستقلة شديد الاتساق بطبعه، ومحدودية الاحتكاك فيه جوهرية، لذلك يسعى من سيستعين بخدماتك للتحقق من إمكانية التعامل المريح معك، فما سيدفعه لك لقاء خدماتك هو تكاليف متغيرة، وقدرتك على التواصل وتنفيذ العمل على الفور (أو عجزك عنهما) تؤثر مباشرة في النتيجة النهائية التي يستهدفها.