الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

4 قصص وعبر مفيدة من مسيرة رجل الأعمال حسين سجواني

5 دقيقة
حسين سجواني
مصمم الصورة: (هارفارد بزنس ريفيو، أسامة حرح)

التقيت رجل الأعمال الإماراتي حسين سجواني قبل سنوات، وتحدثنا مطولاً في مقابلة لهارفارد بزنس ريفيو، وتابعت مؤخراً مقابلاته التلفزيونية والإعلامية الأخرى، واخترت لكم هذه القصص التي استنتجت منها دروساً يمكن لرواد الأعمال والطامحين للقيادة والنجاح الاستفادة منها.

لماذا اخترت أن أقدم لكم هذه القصص من تجربة سجواني؟

لقد ظهر هذا الرجل مع دونالد ترامب في بداية هذا العام 2025، معلناً عن استثمار 20 مليار دولار في مراكز بيانات في الولايات المتحدة الأميركية، هذا مبلغ كبير جداً؟

هل هذا الرجل يجامل ترامب؟

لا يهتم سجواني بحسب شخصيته بالمجاملات التي يخسر فيها مثل هذا المبلغ، ما لم يكن قد رأى فرصة ذهبية للاستثمار في البيانات. لكن لنرَ كيف سيحقق هذا الاستثمار الضخم نتائجه. يذكر سجواني في مقابلة تلفزيونية مع قناة إم بي سي أنه أوقف كثيراً من استثماراته المتنوعة لأنها فشلت. ويقول: "مَن يخبرك بأنه ينجح في كل استثماراته فهو كاذب".

أظن أن مَن يتحدث إلى سجواني سيستغرب أنه يذكر كلمة "فشلتُ" أو "سقطت" عندما يتحدث عن بعض المشاريع أو الدراسات بكل شجاعة، فهو ربما يرى الفشل حدثاً عابراً، أو ربما يعكس تجربة طويلة جعلته يتأقلم مع حالات الفشل عندما تنتهي بالنجاح.

وإليكم بعض القصص من حياته العملية، وبعض العبر المستفادة منها التي استخلصتها من مسيرته المهنية:

القصة الأولى

كيف يتخلص رجل الأعمال الإماراتي حسين سجواني من أسئلة ترامب المحرجة؟

يقول سجواني إنه يزور صديقه ترامب نحو 3 مرات في العام، بحكم العلاقة الشخصية المستمرة بسبب التعاون التجاري والاستثمارات المشتركة بينهما. لكن ما هي المشكلة؟ خلال جلسات الغداء أو العشاء التي تحضرها شخصيات أخرى، كثيراً ما يطرح ترامب أسئلة محرجة على سجواني ويضعه -كما يقال- "تحت الضوء" (Under the spot). فكيف يتخلص سجواني عادةً من هذه الأسئلة أو يتجنبها؟

يقول سجواني، الذي يروي هذه القصة في مقابلة تلفزيونية، إن تجربته التأسيسية في دكان والده عندما كان صغيراً ساعدته على التعامل مع أسئلة ترامب المحرجة. فكيف ذلك؟

العمل في سن مبكرة في دكان والده، والإجابة عن أسئلة الزبائن من أصحاب الجنسيات المختلفة؛ العرب والهنود والباكستانيين والآسيويين، جعله -كما يقول- مستعداً للتعامل مع مختلف الأسئلة وطرق التفكير.

في الواقع، يسهم التواصل مع شخصيات متنوعة بتكوين شخصيتك وسرعة بديهتك. يمكنك اعتبار هذا أول درس تعلمه سجواني، وانعكس بوضوح من خلال تجربته في القدرة على التفاهم مع رجل صعب وغريب المزاج مثل ترامب. إن سجواني، مؤسس شركة داماك، إحدى أكبر شركات العقارات في المنطقة العربية، يعرف كيف يضع حدوداً في علاقته مع ترامب، ومع شخصيات مشابهة لشخصيته، فهو يفصل العمل عن السياسة. وفي مقابلة سابقة أجريتها مع سجواني، أخبرني بأن شركته أصدرت بياناً عندما تولى ترامب الفترة الرئاسية الأولى في عام 2017 وكانت خطاباته في ذلك الوقت غير ودية تجاه العرب والمسلمين، أن الشراكة مع ترامب تجارية بحتة، ولا علاقة لها بآرائه السياسية.

وتقدم خبيرة التواصل أليسون شابيرا في مقال لها في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "كيف تتعامل مع الأسئلة الصعبة التي تسبب لك الإحراج"، نصائح منها: "استعد مقدماً، خذ نفساً عميقاً، عبّر عن التعاطف والصدق، اعترف بعدم اليقين" عندما تكون الأمور غير واضحة.

وأثبتت تجارب عالمية عديدة كما أثبت العلم، بحسب بحث نشرته هارفارد بزنس ريفيو، أن تنويع التواصل، سواء مع الأصدقاء أو العملاء أو الزملاء، يكسبك المزيد من الخبرة والقدرة على الإبداع والبديهة.

القصة الثانية

يقول سجواني إن شركته نجت من الانهيار في الأزمة المالية العالمية عام 2008، بعد أن انخفضت مبيعاتها إلى 98%، ويرجع ذلك أساساً إلى أنه لا يقبل ما يسميه "التكبر في العمل" (Ego). ويصف نفسه بأنه شخص واقعي يعترف بالمشكلات ويتعامل معها. وقد ذهب في ذلك الوقت إلى البنوك التي اقترضت منها شركته، وتحدث إلى المدراء فيها عن "عجز" الشركة عن سداد القروض دون مواربة، وتحدث أيضاً عن توقف المبيعات، ففوجئ مدراء البنوك الذين تحدث إليهم بصراحته كما قال، لأن ما سمعوه من بقية قادة الشركات الأخرى، كان أن الأمور صعبة ولكنها جيدة.

يرى سجواني في تجاهل المشكلات أو إنكارها كبرياء فارغاً يؤدي إلى مزيد من الكوارث والدمار لبعض الشركات. ويعتقد أن ما ساعده على النجاة من الأزمة هو الصراحة مع البنوك، فقد عمل معها التسويات والجدولة اللازمة، كما كان صريحاً مع زبائنه، حيث اجتمع معهم، وأخبرهم بوضع المبيعات السيئ، وقدم لهم بدائل لتأخير التنفيذ، وعرض على المستثمرين تعويضات استثمارية مختلفة عبر منح عقارات بديلة وحوافز أخرى.

توضح الأستاذة في جامعة هارفارد، إيمي إدموندسون، في مقال لها في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "تجنبوا إخفاء الأخبار السيئة في الأزمات"، أن عرض الأخبار السيئة يشبه تعريضها للشمس، حيث سيطهرها ضوء الشمس وحرارتها، في المقابل يتسبب إخفاؤها في الظل بنمو البكتيريا وتعفنها. وتؤكد في كتابها "المؤسسة الجريئة" (The Fearless Organization)، أن الشركات التي اعتادت الشفافية والتحدث عن الأخطاء والأمور السلبية دون إخفائها، اكتسبت قدرة على النجاة من الأزمات، وأثبتت مرونتها وصلابتها عبر التحسين المستمر في أنظمتها.

القصة الثالثة

يراهن سجواني على أن شركته العقارية ربما هي الوحيدة التي لم تسرّح أي موظف خلال أزمة كورونا في عام 2020. لماذا؟

يقول في قصة أخرى إنه تعلم درساً من أزمة 2008، وهو الحفاظ على السيولة المادية لتغطية أي أزمة. ومنذ ذلك الحين بدأ يفعل ما يسميه "اختبار ضغط" (Stress Test) لعمل الشركة كل 3 أشهر. فكما تُجري تحليل ضغط الدم لنفسك كل 6 أشهر، يجتمع سجواني مع قادة شركته كل 3 أشهر، ويضع السيناريو الآتي: لنفترض أن مبيعاتنا انخفضت فجأة إلى الصفر، هل لدينا السيولة لسداد التزاماتنا للعملاء والبنوك والرواتب وأصحاب المصلحة الآخرين؟

ويسأله عادة بعض موظفي شركته: "كيف تفترض نزول المبيعات إلى الصفر، هل يمكن أن تنزل المبيعات إلى هذه الدرجة؟ فيجيبهم: "ربما لم تشهدوا المبيعات تنزل إلى الصفر في حياتكم المهنية، لكنني رأيتها في عام 2008"، كما يقول.

لذلك يواصل سجواني بهذا الاختبار ليضمن توافر السيولة للأزمات. وهذا ما جعله يواجه أزمة كورونا بثقة، مع توافر السيولة الكاملة التي يحتاج إليها، فقد استمر بالعمل وكأن شيئاً لم يحدث، كما يقول.

إن فكرة إجراء تحليل أو اختبار ضغط لكل أعمالنا بانتظام، كما نجري التحليل الصحي، مهمة للغاية في عالم الأعمال، لدرجة أن عالم النفس المؤسسي الشهير آدم غرانت تناولها في كتابه "فكر مجدداً" (Think Again)، حيث كتب فصلاً بعنوان "وقت إجراء الفحص المهني"، وفيه رأى غرانت أن الإنسان عليه أن يعتاد إجراء فحص مهني لنفسه مرتين في السنة، وأن يعزز هذا الإجراء بوضع تذكير به في التقويم أو الأجندة التي يسجل فيها مواعيده.

تماماً كما تذهب بانتظام لإجراء فحص الدم وفحص الأسنان، عليك أن تفحص نفسك مهنياً، وتسأل نفسك: "هل وصلت إلى مستوى ثابت للتعلم في وظيفتي، أم أنني ما زلت أتعلم؟"، "هل مسيرتي المهنية تتقدم أم أنها ثابتة؟"، "ما هي المهارات التي يجب أن أتعلمها؟".

القصة الرابعة

في اجتماع حضره سجواني لموظفي الشركة مع مديرهم المباشر، وهو بريطاني الجنسية، لمناقشة سبل تحسين المبيعات، اقترح موظف باكستاني أن تهدي الشركة مع كل شقة يتم بيعها سيارة للمشتري. استنكر المدير اقتراح الموظف، وطلب منه السكوت، لأنه لا يريد سماع أفكار "سخيفة" كهذه. لكن سجواني طلب من المدير إعطاء الموظف الفرصة ليشرح فكرته.

تحدث الموظف باقتراحه، فكانت لديه فكرة جذبت اهتمام سجواني، على الرغم من أنها لم تكن مألوفة. أجرى سجواني حساباته وطور الفكرة، فوجد أن كل شقة تباع بما لا يقل عن مليون درهم، وسيكون من المناسب إهداء سيارة للمشتري معها. ومن هذه الفكرة، ابتكرت داماك طريقة غريبة لتحفيز المبيعات، عبر إهداء سيارات مرسيدس، وسيارات بي إم دبليو لأنواع معينة من الشقق، ثم سيارات رولز رويس مع كل فيلا، ثم طائرة خاصة مع كل عقار بقيمة معينة. ثم وصل الأمر إلى إهداء جزيرة خاصة في الباهاماس قيمتها 5 ملايين دولار لمن يشتري عقارات بقيمة معينة، وقد تم فعلاً منح هذا الإهداء لأحد المستفيدين.

استمرت هذه الطريقة في الإعداد مدة 15 عاماً، ويبدو أنها حققت نجاحاً مميزاً بفضل اقتراح هذا الموظف البسيط الذي نهره مديره في البداية.

الدرس المستفاد لسجواني ولنا، هو ألا نقلل أبداً من شأن أي فكرة. ينصحنا الباحث جون جيراتشي، بقبول الأفكار السيئة للوصول إلى الأفكار العظيمة. ويبين في مقاله في هارفارد بزنس ريفيو، أن الشركات العظيمة مثل باي بال ويوتيوب ولِدت من أفكار غير جيدة في البداية وقد استهان كثيرون بها. فقد بدأ يوتيوب موقعاً للمواعدة عبر الفيديو، وبدأ باي بال موقعاً لتحويل الأموال بين المواقع الإلكترونية فقط. ويقول جيراتشي: "قاوم النزعة لقتل الأفكار"، فهو يعلم أن لدى كل منا أفكاراً تردنا أو نسمعها ونعتبرها سخيفة فنقتلها في مهدها، ولكنها قد تكون بداية لأفكار عظيمة.

النصيحة الأخيرة التي أنقلها من تجربة سجواني والتي ذكرها في مقابلتي معه، هي أنه يؤمن باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ويقول: "القرار المتأخر حتى ولو كان صائباً، قد يكون أسوأ من عدم اتخاذ القرار". لذا، لا تتأخر في اتخاذ القرارات التي تعتقد أنها صائبة في حياتك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي