رؤية 2030: الحلم الذي أصبح واقعاً

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد تبدو الاستراتيجيات الوطنية للتحوّل الاقتصادي والاجتماعي في أغلب الأحيان مسألة مثيرة للاهتمام من الناحية النظرية، ولكن عند الوصول لمرحلة الانتقال من الجانب النظري إلى التطبيق العملي غالباً ما يتضح أن الخطط على الورق تختلف عما يمكن تطبيقه على أرض الواقع.

لكن هذا الافتراض الذي قد تقع فيه دول ومؤسسات مختلفة، لا ينطبق على المملكة العربية السعودية. ففي عام 2016، أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء عن خارطة طريق جريئة وغير مسبوقة لتغيير مستقبل المملكة من خلال البدء في إجراء إصلاحات جذرية تشمل مختلف القطاعات تحت اسم رؤية السعودية 2030.

تهدف الرؤية في المقام الأول إلى إعادة تعريف واقع ومستقبل المملكة، والاستفادة الكاملة من طاقة مواطنيها وما تملكه من كنوز طبيعية وتاريخية. فهي تمثل خطة شاملة لخلق اقتصاد متنوع ومزدهر، وبناء مجتمع حيوي ينعم بحياة صحية، وتحويل وطننا إلى مركز للابتكار. وقد قطعت الرؤية حتى الآن أشواطاً طويلة في تحقيق هذه الغايات، فها نحن اليوم بعد 7 أعوام فقط نشهد تغييراً شاملاً في الاقتصاد والمجتمع بوتيرة مذهلة، التغيير الذي اعتقد الكثيرون أن تحقيقه مستحيل في هذه الفترة القصيرة؛ ها هي المملكة العربية السعودية اليوم مزدهرة شاملة زاخرة بالفرص الواعدة.

يجسّد التنويع الاقتصادي جوهر رؤية 2030، ولمواجهة الواقع الذي تفرضه علينا محدودية الموارد النفطية في المستقبل، إضافة إلى المتغيرات العالمية المتسارعة، أدركنا ضرورة تقليل اعتمادنا على إيرادات النفط، ورأينا أيضاً كيف يمكننا الاستفادة من مواردنا الحالية لخلق اقتصاد أقوى وأكثر مرونة في مواجهة التحديات، وأدركنا أن تحقيق مستقبل أخضر مستدام ليس مهماً لحاضرنا فقط، بل لغدنا أيضاً. وهكذا، شرعنا في عقد شراكة متعددة الأقطاب بين القطاعين العام والخاص لتطوير قطاعات استراتيجية جديدة من شأنها أن تغذي اقتصادنا وتتيح فرصاً جديدة للاستثمار وريادة الأعمال وخلق المزيد من فرص العمل.

نجحت المملكة اليوم في إنشاء قطاعات جديدة مزدهرة من الألف إلى الياء لتشمل مجالات السياحة والفنون والترفيه والصناعات والتكنولوجيا، وقدّمت لها دعماً غير محدود، وانعكست هذه الخطوات الجادة في تراجع حصة النفط في إجمالي صادراتها مع مواصلة القطاع غير النفطي نموه بمعدلات كبيرة، حتى إنه يمثل الآن 56% من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، حققت الإيرادات الحكومية غير النفطية قفزة هائلة لتشكّل 32% من إجمالي إيرادات عام 2022، بعد أن كانت أقل من 10% عام 2012. أحرزت المملكة تقدماً ملموساً سيتسارع مع استمرار ازدهار القطاعات الاقتصادية المُستحدَثة والحالية.

ندرك في المملكة أيضاً أن التكنولوجيا تحفّز النمو والتقدُّم في جهود التطوير بمختلف أشكالها، ومن هنا فإننا نهدف إلى أن تكون المملكة ضمن مجموعة الاقتصادات العالمية الرائدة بتقدمها التكنولوجي من خلال الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار، وهو ما بدأنا نلمسه على أرض الواقع.

بالاستثمار في التعليم ورأس المال البشري، مع إجراء إصلاحات شاملة لنظامنا التعليمي، فإننا نزود شبابنا بالمعارف والمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في الاقتصاد العالمي القائم على التكنولوجيا الحديثة، ونعمل على ترسيخ ثقافة التعلُّم مدى الحياة وتشجيع البحث والابتكار لتحفيز التقدم التكنولوجي وتعزيز قدرتنا التنافسية على الساحة الدولية.

لكن رؤية 2030 هي أكبر بكثير من مجرد خطة للإصلاح الاقتصادي؛ إذ تركز أيضاً وبالقدر نفسه من الاهتمام على التنمية الاجتماعية وجودة الحياة، مثل توفير خدمات الرعاية الصحية العالية الجودة والإسكان ميسور التكلفة وإتاحة فرص ثقافية وترفيهية جذابة. فقد ارتفع معدل ملكية المنازل في بلادنا بنسبة تزيد على 13% في الآونة الأخيرة، إذ يمتلك أكثر من 60% من السعوديين منازلهم في الوقت الحاضر، وأصبح بمقدور المواطن السعودي الآن الاستمتاع في وطنه ببرامج وفعاليات ترفيهية على أعلى المستويات العالمية، إذ أُقيمت في المملكة أكثر من 3,800 فعالية ترفيهية بإجمالي حضور يزيد على 80 مليون شخص في الآونة الأخيرة.

فاق التقدُّم المُحرز كل التوقعات، إذ نجحت نسبة تتعدى 60% من الوزارات في تحقيق الأهداف المحدَّدة لها في إطار رؤية 2030، بل وتجاوزتها، وأعتقد أن هذا إنجاز رائع في ضوء الصعوبات التي واجهت المملكة خلال هذه الحقبة العصيبة التي شهدت انتشار جائحة عالمية، وما أعقبها من تداعيات اقتصادية كارثية، واضطراب في سلاسل التوريد، وتضخم عالمي وتقلبات غير مسبوقة في الأسواق. لا شك في أن طريقنا نحو التحوّل شهد بعض العوائق الصعبة، لكن هل أعاقنا ذلك عن تحقيق أهدافنا؟ أبداً. لقد استطعنا قهر التحديات العالمية من خلال الاستفادة من مقدراتنا التنافسية، ومن أهمها موقعنا الاستراتيجي وقوة العمل الشابة والموهوبة المتوافرة لدينا لدفع عجلة الابتكار وريادة الأعمال والنمو المستدام.

منذ طرح رؤية 2030، أصبحت المملكة العربية السعودية أسرع الاقتصادات نمواً بين دول مجموعة العشرين؛ إذ حققنا أعلى معدلات التوظيف في تاريخها، وتضاعفت معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل، وتضاعف كذلك عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة، وأصبحت قرابة 40% من الشركات الناشئة مملوكة للنساء، وأشادت التقارير الصادرة عن البنك الدولي بالمملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة الأولى عالمياً في مجال الإصلاحات الهادفة لتمكين المرأة.

وقد نلت شرف معايشة فترة شهدت تغييراً جذرياً وتاريخياً في حياة المرأة السعودية؛ إذ لا تهدف رؤية 2030 إلى تنويع اقتصاد الدولة وتعزيزه فحسب، بل تهدف أيضاً إلى تمكين المرأة من خلال تحقيق مبادئ المساواة بين الجنسين وإقرار قواعد الإنصاف والشمول الاجتماعي باعتبارها قوة دافعة لبلادنا على مسار خطة النمو. ويُنظَر إلى المرأة السعودية اليوم في إطار رؤية 2030 بوصفها عنصراً حيوياً يسهم بقوة في المستقبل الاقتصادي للبلاد. هذه هي قصة المملكة العربية السعودية الجديدة والنامية؛ قصة تعتز بقيم المساواة والشمول.

ومع افتخارنا بما يجري في المملكة اليوم، فإننا نتوق أيضاً إلى رؤية تغيير مماثل في دول الجوار وفي المنطقة بأكملها، تغيير يُرسي أسس الأمن والسلامة ويكفل سُبُل الرفاهة للجميع دون تمييز؛ فنحن نعيش في واحدة من أخطر المناطق الملتهبة بالصراعات في العالم، ونهدف إلى إنهاء دائرة العنف وإرساء أسس مستقبل جديد أكثر إشراقاً لمنطقتنا وبناء مستقبل واعد لشبابنا. يرتكز جدول أعمال رؤية 2030 على محورين أساسيين، وهما التطوير والإصلاح، وهذا هو سبيلنا لإنشاء إطار عمل استراتيجي يقوم على الاعتدال والقضاء على التطرف وإطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية للمملكة والمنطقة بأسرها.

وبعد 7 أعوام، أصبحت رؤية 2030 حقيقة ماثلة على أرض الواقع؛ لم تعد مجرد فكرة نظرية أو خطة على الورق، بل غدت حياة يومية نعيشها فعلياً في المملكة وتسهم في بناء مستقبل مشرق. هذه هي السعودية الجديدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .