اكتشف مواهب موظفيك الخفية: هل ينجح حرّاس الأمن في تنظيم معرض فني؟

5 دقائق
رؤى ثاقبة

ملخص: يحتاج القادة في كل مكان بشدة إلى رؤى ثاقبة جديدة ومنتجات جديدة ومصادر جديدة للطاقة والإبداع، ويمكن العثور عليها من خلال عدد من الطرق، تتمثل إحداها في تبني أفكار جديدة حول الأشخاص الذين يمكنهم تقديم إسهامات إيجابية وكيفية الحصول على هذه الإسهامات، سواء كانوا داخل المؤسسة أو خارجها. ويشير كاتب المقالة في هذا السياق إلى مثالين محدَّدين: المعرض الفني الذي تم تنظيمه تحت عنوان "حراسة الفن" (Guarding the Art) وبرنامج "الأحذية مفتوح المصدر" (Open Source Footwear) لمصمم الأحذية العالمي جون فلوفوغ. إذ يقول: "واحدة من أفضل الطرق لزيادة إنتاجية مؤسستك وجعلها أكثر نجاحاً هي دعوة المزيد من الأشخاص للإسهام على نحو أكبر في نجاحها".

 

تشهد الحقبة الحالية حالة من القلق الشديد وندرة في المواهب، وليس هناك شك في أن الكثير من القادة والمؤسسات يُحمّلون كوادرهم البشرية مسؤوليات تفوق طاقتهم، ويمارسون ضغوطاً قوية لرفع مستوى الأداء بطريقة قد تكون غير صحية وغير مستدامة.

وعلى الرغم من ذلك، فقد رحتُ أتساءل مؤخراً عما إذا كان قادة الشركات والمؤسسات يفعلون العكس، فيستهينون بقدرات كوادرهم البشرية ويتجاهلون المهارات والخبرات التي لا تتوافق مع الوصف الوظيفي الرسمي أو علاقات العمل التقليدية، وبالتالي يخسرون شغف ومواهب الزملاء والعملاء الذين يتوقون لإبداء رأيهم والإفادة بخبراتهم، إذا طُلب منهم ذلك. وواحدة من أفضل الطرق لزيادة إنتاجية مؤسستك وجعلها أكثر نجاحاً هي دعوة المزيد من الأشخاص للإسهام بشكل أكبر في نجاحها.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك هذه التجربة المثيرة للاهتمام التي حقّقت كل هذا الضجيج في المشهد الفني ونجحت في جذب اهتمام وسائل الإعلام المرموقة. فقد وقع اختيار "متحف بالتيمور للفن" على 17 فرداً من حرّاس الأمن، ليس فقط لحراسة اللوحات القيّمة أو لتوجيه الزائرين إلى المنحوتات الفنية النادرة، وهي الأدوار التي تتوافق مع وصفهم الوظيفي، ولكن لتنظيم معرض خاص بهم يعبر عن خلفياتهم المهنية وشغفهم وخبراتهم. ويضم المعرض الذي تم تنظيمه تحت عنوان "حراسة الفن" كل أنواع الأعمال الفنية، بدايةً من لوحة للرسّام الأميركي وينسلو هومر تعود إلى عام 1872، وصولاً إلى كرسي مصنوع بالكامل من أقلام الرصاص. وقد تم اختيار الأعمال الفنية من قِبَل حرّاس الأمن الذين كتبوا أيضاً التعليقات وقرروا كيفية عرضها. وتعليقاً على هذه الخطوة، قال أحد أمناء المتحف إن اختياراتهم تسلط الضوء على "قطع فنية لم تُشاهد منذ عقود من الزمن، وهذا أحد العوامل التي تجعل هذا الحدث في غاية الروعة".

من السهل أن نفهم الجاذبية الحماسية لهذه المبادرة الفنية والدروس المستفادة منها لإلهام المؤسسات الثقافية التي تتطلع إلى تغيير طرقها المتكلسة في ممارسة عملها. لكنها تقدّم أيضاً درساً لا يُنسَى لكلِّ من القادة والشركات في كافة المجالات، درساً حول كيفية تجاهل أنواع معينة من القدرات العقلية والمواهب في كثير من الأحيان، وأهمية الاستفادة من هذه المواهب التي لطالما تعرّضت للتجاهل في المؤسسة وخارجها. إذ تكتظ الغالبية العظمى من الشركات بالكثير من الموظفين، كما أنها محاطة بالكثير من العملاء والمورّدين والمعجبين المتحمسين لما تفعله الشركة الذين يمتلكون الكثير من الأفكار ويتوقون إلى الإسهام في مسيرتها بشكل أكبر. فلماذا لا توجِّه إليهم الدعوة للتعبير عن إبداعاتهم، أياً كان موقعهم في الهيكل التنظيمي للشركة أو على مستوى العالم، وتطلب منهم مساعدتك على حل المشكلات ودفع عجلة التغيير؟

وعلى الرغم من تركيز الكثير من النقَّاد الفنيين والمعلقين الثقافيين المتابعين لفعاليات المعرض على الأعمال الفنية لفنانين موهوبين التي اختارها الحرّاس بعد تعرّضها للتجاهل لأزمنة طويلة، فإن ما أدهشني في واقع الأمر هو قدرة الحرّاس أنفسهم على تسليط الضوء على الكثير من المواهب التي لطالما أغفلها القائمون على المتحف. وقد وقع الاختيار على هؤلاء الأشخاص السبعة عشر استناداً إلى هوياتهم في العمل من خلال زيهم الرسمي وشاراتهم، وأثبتوا امتلاكهم لمخزون هائل من المهارات والشغف والخبرات، وهي مواهب ترتبط ارتباطاً مباشراً برسالة المتحف، ومع ذلك لم يتم استغلالها بالشكل الأمثل فيما مضى. وقد علّق أحد الحرَّاس على هذه النقطة قائلاً: "نحن نعرف الكثير عن الأعمال الفنية أكثر مما يعتقد الناس".

‎مثال على ذلك: كيلين جونسون، وهو حارس أمن تدرّب أيضاً على الغناء بست لغات، وغالباً ما يستغّل "الأنظمة الصوتية الممتازة بالمتحف" لتشغيل قائمة مقطوعاته الموسيقية الكلاسيكية "خلال التجوال في صالات المعرض". وعندما نظر إلى لوحة اختارها للعرض، تساءل: "إذا كانت هذه اللوحة ستغني، فكيف ستبدو أغنيتها؟". أو انظر مثلاً إلى رون كمبتون، وهو حارس آخر يتميز بموهبته الشعرية وله قصائد منشورة. وقد وقع اختياره على اللوحات التي شعر بأنها ترتبط بأشعار فرانك أوهارا الذي ولد في بالتيمور عام 1926 وعمل أميناً لمتحف الفن الحديث في نيويورك. وعند القراءة عن هؤلاء وغيرهم من الحرّاس، فإن ما يدهشني ليس أن المتحف قد عيّن أمثال هؤلاء الأشخاص الموهوبين، بل كل هذه المدة الطويلة التي استغرقها مسؤولو المتحف حتى يفكروا في كيفية استغلال مواهبهم خارج الأطر الرسمية لوظائفهم.

ويمكن استغلال الفرصة نفسها وتطبيقها على العملاء. فعندما قرأت عن برنامج بالتيمور، عدتُ بذاكرتي إلى الزيارة التي أجريتها بصحبة مصمم الأحذية العالمي جون فلوفوغ الذي ترتبط شركته وعلامته التجارية الشهيرة بعدد من ألمع نجوم العالم، بدايةً من الموسيقيين وصولاً إلى عارضات الأزياء ونجوم هوليوود. وعندما يتعلق الأمر بالأحذية الأنيقة، فمن النادر أن تجد مصممين يتمتعون بموهبة جون فلوفوغ التصميمية أو يمتلكون عدداً مقارباً من المعجبين، وهذا هو سبب اكتظاظ متاجره بالزبائن في مختلف المدن من لوس أنجلوس إلى ميلانو.

وعلى الرغم من ذلك، فعندما قضيت بعض الوقت بصحبته في متجره بشارع نيوبري في بوسطن، لم يشأ التحدث عن إبداعاته. لكننا تحدثنا بدلاً من ذلك عن فكرته المتمثلة في توجيه الدعوة لعملائه الأكثر شغفاً لتقديم رسوماتهم التخطيطية لتصاميم الأحذية الجلدية والأحذية ذات الكعب العالي، بل والأحذية الرياضية العصرية أيضاً، ثم يتولى فريق من الخبراء تقييم هذه الرسومات، ومن ثم تتولى الشركة إنتاجها وبيعها إذا وقع عليها الاختيار. وقد وعد فلوفوغ أيضاً بتسمية الأحذية على اسم العملاء الذين وضعوا تصميماتها.

وتعليقاً على هذه النقطة، قال لي فلوفوغ: "ظل الجميع لفترة طويلة يعطونني رسوماً تخطيطية لتصاميمهم الشخصية للأحذية أو يسألونني عما إذا كنت فكرت في فكرة قد نالت استحسانهم. ويعدّ هذا البرنامج ثمرة طبيعية لتلك الرغبة في التواصل، لأن العملاء يريدون الإسهام في الشركات التي يهتمون بها". وقد نجح برنامج فلوفوغ لإطلاق العنان لمواهب العملاء في جذب آلاف الرسومات من شتى أنحاء العالم، حتى إن الشركة استطاعت تصنيع وبيع أكثر من عشرة طرازات استناداً إلى هذه التصاميم الخارجية.

وكما هي الحال مع بالتيمور، فإن أكثر ما أدهشني ليس القدرة على الإبداع في تصميم الأحذية بل المواهب التي يتمتع بها الأشخاص الذين عملوا على تصميمها، وهي المواهب التي لم يكن ليتم استغلالها لو لم يدعها فلوفوغ إلى مؤسسته وعلامته التجارية. وقد كانت سامانثا زازا أحد عملائه، وهي فنانة تخرجت في كلية رود آيلاند للتصميم (آر آي إس دي) وعاشت في إسطنبول بتركيا، وتنفّذ معظم تصاميمها بأقلام الرصاص الملونة والحبر. لكنها "أرادت دائماً تصميم حذاء"، لذلك "سارعت إلى تنفيذ الرسم التخطيطي الأصلي على ظهر دليل جهاز منزلي بمجرد أن شاهدت البرنامج"، ونقّحته، ثم أرسلته إلى الشركة. وتم بيع حذائها المُسمَّى "زازا" (Zaza) بسعر 339 دولاراً.

توجد عميلة أخرى تُدعَى جيسيكا ماساريك، كانت عالمة شابة متخصصة في مجال الكيمياء الحيوية بقطاع الصناعات الدوائية. لكن هذه العالمة التي دأبت على استخدام الشق الأيسر من دماغها كانت تتمتع أيضاً بمواهب هائلة تستلزم استخدام الشق الأيمن من الدماغ، واستغلتها في تصميم حذاء حقق مبيعات كبيرة. في الواقع، بعد ظهور نموذجها المُسمَّى "ميني ماساريك" (Mini Masarek) لأول مرة مع فلوفوغ، تلّقت جيسيكا دروساً في معهد الأزياء للتكنولوجيا ( Fashion Institute of Technology) في مدينة نيويورك وتعلمت كيفية صنع حذائها الخاص. وفي إشارة إلى هذه الخطوة، قالت لي ماساريك: "لطالما قيل للمؤلّف الشهير كورت فونيجت إنه لن يكون كاتباً مهما حاول لأن كل التدريبات التي تلقاها تؤهله لأن يكون مهندساً ميكانيكاً. أضع ذلك نصب عينيّ عند إقدامي على متابعة اهتماماتي خارج نطاق عملي الرسمي".

ويحتاج القادة في كل مكان بشدة إلى رؤى ثاقبة جديدة ومنتجات جديدة ومصادر جديدة للطاقة والإبداع، ويمكن العثور عليها من خلال عدد من الطرق، تتمثل إحداها في تبني أفكار جديدة حول الأشخاص الذين يمكنهم تقديم إسهامات إيجابية وكيفية الحصول على هذه الإسهامات، سواء كانوا داخل المؤسسة أو خارجها. وتمثل مواهب زملائك وعملائك وشغفهم قيمة كبيرة للغاية يجب ألا تهدرها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي