ملخص: انطلق منتدى رؤساء الجهات الرقابية على الغذاء في يناير/كانون الثاني عام 2020 بالرياض، حيث وعلى مدار 5 سنوات استطاع منظّموه عقد 4 اجتماعات سنوية ناجحة، ونال عدداً من الإشادات المحلية والعالمية. يسلط هذا المقال الضوء على قصة بداية هذا المنتدى، وكيفية استجابة الدول لدعوة هيئة الغذاء والدواء السعودية لتحالف دولي هو الأول من نوعه، وكواليس النجاح الباهر الذي حققه.
في شهر مايو/أيار عام 2017، وعلى هامش اجتماع نظمته منظمة الصحة العالمية، التقى الرئيس التنفيذي للهيئة العامة السعودية للغذاء والدواء بأحد المسؤولين عن سلامة الغذاء في المنظمة، وسأله إذا كان هناك تحالف إقليمي أو دولي يضم رؤساء الجهات الرقابية على الغذاء لمشاركة خبراتهم والاستفادة من تجارب بعضهم، فأجابه المسؤول بأن هناك جهوداً فردية غير مستدامة إذ لم يأخذ أحد المبادرة من قبل، ليقرر الرئيس التنفيذي للهيئة أن تكون هذه المبادرة سعودية، وتبدأ قصة أول منتدى دولي يضم رؤساء الجهات الرقابية على الغذاء حول العالم: "منتدى رؤساء الجهات الرقابية على الغذاء" (IHFAF).
هناك عدد من الفعاليات الدولية التي تُقام سنوياً وتخرج بتوصيات مهمة مثل الفعاليات التي تعقدها منظمة الصحة العالمية (WHO)، ومنظمة الفاو (FAO)، وهيئة الدستور الغذائي (Codex Alimentarius Commission)، وتلعب جميعها دوراً حيوياً في تعزيز التعاون، وابتكار المعايير، وضمان سلامة سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية، غير أن ما سعت إليه الهيئة العامة للغذاء والدواء، هو تأسيس منتدى يضم رؤساء الجهات الرقابية على الغذاء، يكون مُتاحاً لانضمام الدول المهتمة كافة، والهدف الرئيسي منه تعزيز التواصل ومشاركة الخبرات وطلب الاستشارات والاستفادة من التجارب، دون الالتزام بوضع توصيات أو اتخاذ أي قرارات. وتعد الهيئة العامة للغذاء والدواء الجهة الرسمية المعنية بمراقبة الغذاء والدواء والأجهزة والمستلزمات الطبية ووضع المواصفات القياسية الإلزامية لها وكذلك توعية المستهلك في السعودية.
انطلق منتدى رؤساء الجهات الرقابية على الغذاء في يناير/كانون الثاني عام 2020 بالرياض، وعلى مدار 5 سنوات استطاع منظّموه عقد 4 اجتماعات سنوية ناجحة، ونال عدداً من الإشادات المحلية والعالمية، ولكن كيف كانت قصة البداية، وكيف كانت استجابة الدول لدعوة هيئة الغذاء والدواء السعودية لتحالف دولي هو الأول من نوعه، وما كواليس النجاح الباهر الذي حققه؟
حينما فكّر القادة في الهيئة في تأسيس المنتدى، عرضوا الفكرة على مجموعة من المستشارين الخبراء، وكان لدى أحدهم علاقات مع الجهات الرقابية في كل من إيرلندا وأستراليا، وبالفعل اجتمع قادة الهيئة مع رئيس هيئة الأمن الغذائي في إيرلندا (Food Safety Authority of Ireland) للمرة الأولى عام 2018 على هامش إحدى الفعاليات الرقابية هناك، وطرحوا الفكرة عليه، ولاقت قبولاً مبدئياً، ثم شرع القادة في هيئة الغذاء والدواء في كتابة عرض مفصل للفكرة، بأن ينعقد المنتدى خلال يوم واحد فقط، يتواصل خلاله رؤساء الهيئات الرقابية على الغذاء بهدف تبادل الآراء والخبرات، وبالفعل عرضوه في اجتماع آخر على الهيئة الإيرلندية وهيئة معايير الأغذية في أستراليا ونيوزيلندا (Food Standards Australia New Zealand)، ورتبوا للاجتماع الرسمي الأول للمنتدى في 21 يناير/كانون الثاني عام 2020.
أرسلت الهيئة العامة للغذاء والدواء دعوات للعديد من الدول في جميع أنحاء العالم للمشاركة في الاجتماع بصفة أعضاء، وكذلك دعوات لثلاث هيئات عالمية للمراقبة وهم منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) وهيئة الدستور الغذائي (CODEX)، غير أن دولاً كثيرة اعتذرت عن عدم الحضور، وتم تأكيد حضور نحو 7 دول.
كان القادة في هيئة الغذاء والدواء مصممين على عقد المنتدى حتى لو لم ينضم إلى اجتماعه الأول إلا الدول الثلاث المنظمة، وبالفعل في 21 يناير/كانون الثاني، خرج المنتدى إلى النور، وعُقد الاجتماع الأول في الرياض بحضور نحو 10 دول، من ضمنها الدول المنظمة، والهيئات الثلاث المراقبة، وبعدها صدر إعلان الرياض الذي يوضح أهداف المنتدى وقواعده، على أن ينظم سنوياً، باستضافة دولة مختلفة سنوياً، وأن يكون يوماً واحداً فقط، وتختار الدولة المستضيفة برنامج اليوم بعد الاتفاق مع اللجنة التنفيذية، ويضم اليوم 3 جلسات، يتحدث كل عضو مدة 10 دقائق تقريباً، يعقبه مناقشة تفاعلية بين الأعضاء، مع تأكيد ضرورة حضور رئيس الجهة الرقابية بنفسه وليس من ينوب عنه لتحقيق الهدف الرئيسي من المنتدى وهو تعزيز التواصل والترابط بين الرؤساء في الدول المختلفة.
واتفق الأعضاء على الأهداف الرئيسية للمنتدى مثل تعزيز تبادل المعلومات حول أولويات العمل الحالية والمستقبلية لوكالات سلامة الأغذية، وتطوير فرص تقاسم الموارد لمواجهة التحديات المشتركة لسلامة الأغذية من خلال جدول أعمال منظم للتعاون، والاستفادة من جهود بعض الأعضاء وقدراتهم.
بعد أيام من عقد الاجتماع الأول للمنتدى، باغتت جائحة كوفيد-19 العالم، وقد كانت بمثابة إثبات لفعالية هذا المنتدى، فعلى سبيل المثال، كانت هناك إشكالية حول إذا ما كان الفيروس ينتقل عبر الغذاء نفسه وليس فقط عبر عبوات الغذاء التي تنقل الفيروس عن طريق حملها للفيروس من يد إلى يد، إذ قادت هذه الإشكالية بعض الدول إلى وقف تداول بعض المنتجات الغذائية دون إثبات صحة الادعاء. أرسلت الهيئة العامة للغذاء والدواء إلى رؤساء الجهات الرقابية في الدول الأعضاء لأخذ إفاداتهم، وبناءً على ما تلقته، أخذت قراراً بأن الفيروس لا ينتقل عبر الغذاء، ما أنقذ المملكة من عواقب السير وراء هذا الادعاء دون إثباته، الأمر الذي كان سيخلق أزمة حقيقية.
عقد المنتدى اجتماعاً طارئاً لمناقشة أحدث المستجدات في مجال توافر الغذاء وسلامته في ظل جائحة كوفيد-19، وقبل عقد الاجتماع السنوي الثاني في 2021، تلقى المنتدى العديد من طلبات الانضمام من رؤساء الهيئات الرقابية في دول مختلفة ومن ضمنهم دول تلقت دعوات قبل الاجتماع الأول غير أنهم ردوا بعدم الحضور أو حتى لم يردوا من الأساس، فإذا بهم يرسلون اعتذاراً عن عدم الرد أو عدم فهم المنتدى وأهدافه من قبل، وحينها تطلب اللجنة التنفيذية للمنتدى من الراغبين إرسال طلبات انضمام جديدة لتقييمها وتشمل سبب انضمامهم ومدى نضج الجهاز الرقابي لديهم، ومن ثم توافق اللجنة على انضمامهم. وقد زار رئيس الجهاز الرقابي على الغذاء في هولندا الرياض خصوصاً لمقابلة القادة في الهيئة العامة للغذاء والدواء لتقديم طلب الانضمام إلى المنتدى.
عقد المنتدى اجتماعه الثاني في السعودية عام 2021، واجتماعه الثالث في أستراليا عام 2022، واجتماعه الرابع في إيرلندا عام 2023، واجتماعه الخامس في سنغافورة في عام 2024. إذ حرصت الهيئة على عدم التمسك باستضافة المنتدى سنوياً، بل سمحت بتلقي الطلبات من الدول الراغبة في الاستضافة، فمثلاً تلقت اللجنة التنفيذية طلباً رسمياً من تشيلي لاستضافة المنتدى عام 2025، ومن المملكة المتحدة ونيوزيلندا في استضافته عام 2026. كما تشجع اللجنة على انضمام الدول من قارات مختلفة، وفي سبيل ذلك، أعطت الدولة المستضيفة الحق في دعوة 3 دول من غير الأعضاء لحضور الاجتماع السنوي بصفتها مراقبة، وإذا أرادت هذه الدول الانضمام تقدم طلباً بعد ذلك، فمثلاً، دُعيت تشيلي بصفة مراقبة، ثم انضمت إلى عضوية المنتدى بعد ذلك.
تناقش اجتماعات المنتدى موضوعات مهمة مثل استدامة الغذاء، وسبل تطوير أنظمة الغذاء وضمان استمرارية سلاسل الإمداد الغذائية، وطرق تعزيز التواصل العلمي للمواضيع ذات العلاقة بسلامة الغذاء، والأغذية الجديدة في الإمدادات الغذائية من خلال الابتكارات التكنولوجية أو من خلال استهلاك أغذية غير تقليدية مثل الأعشاب البحرية واللحوم المستزرعة، وأنظمة الإنتاج الحديثة مثل تقنية الزراعة الدقيقة والزراعة العمودية.
شكّل المنتدى خطوة فعّالة في التأكيد على اهتمام المملكة بالدور الرقابي للأغذية وسلامتها، كما يبرز ممارساتها المميزة في تحقيق سلامة الغذاء وتعزيز التغذية وتحسين النمط الغذائي الصحي، كما حقق الإفادة المرجوة منه للدول الأعضاء من حيث تعزيز الترابط بين رؤساء الهيئات الرقابية، إذ بات من السهل أن يهاتف عضو ما أحد الأعضاء من دولة أخرى للاطلاع والاستفادة من تجاربه في مجالات الغذاء، وهو ما حدث مثلاً من قِبل رئيس الجهة الرقابية في المملكة المتحدة حينما تواصلت مع الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للغذاء والدواء في السعودية لسؤاله عن كيفية تطبيق السعودية لممارسات للرقابة على قضية الغش في عسل النحل، إذ كانت السعودية الدولة الأولى التي تضع هذه الممارسات، ما يوضح أهمية المنتدى في استفادة الدول من تجارب بعضها.
يعد منتدى رؤساء الجهات الرقابية على الغذاء قصة نجاح سعودية ملهمة بداية من أخذ زمام المبادرة والتواصل والتصميم على عقده على الرغم من عدم الاستجابة لدعوات الانضمام في البداية، وحتى تنظيمه تنظيماً احترافياً وفعّالاً يضمن تحقيقه أهدافه وعدم الحياد عنها، ليصبح أول منتدى دولي يجمع رؤساء الجهات الرقابية من أنحاء العالم كافة ويتيح التواصل بينهم وتبادل التجارب.