في عام 1933، توصلت مختصة علم النفس الألمانية هيدفيغ فون ريستورف (Hedwig Von Restorf) إلى اكتشاف علمي فحواه أن الدماغ البشري يبحث باستمرار من خلال حاسة البصر عن أشياء غير مألوفة؛ ما يعني أننا ننتظر باستمرار أن يجذب أي شيء غير عادي انتباهنا، وبناءً عليه صاغت مصطلح "تأثير فون ريستورف"، الذي يعبّر عن انحياز سلوكي يصف ميل الإنسان إلى تذكّر العناصر المختلفة اختلافاً بارزاً ضمن قائمة من العناصر المتجانسة؛ أي أنه من المرجح أن يتذكر الإنسان الأشياء غير العادية أو الغريبة أكثر من الأشياء أو الأحداث المألوفة. على سبيل المثال، إذا عرض أحد ما علينا قائمة من الكلمات مكتوبة بالطريقة نفسها من حيث نوع الخط واللون والحجم، وتضمّنت هذه القائمة كلمة واحدة مختلفة على نحو بارز، (الكلمة الوحيدة المكتوبة باللون الأخضر)، فمن المرجح أننا سنلاحظها أكثر ويكون تذكرها أسهل مقارنة بباقي الكلمات. ربما أشهر شخص استخدم هذا التأثير هو دونالد ترامب في حملته الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، فقد كان يسير دائماً في عكس التيار السائد بتصريحاته الغريبة غير المتوقعة وسلوكياته وحركاته التي نادراً ما تصدر عن شخص في منصب رئيس دولة ديمقراطية.
لقد نجح ترامب في كسب عهدة رئاسية ثانية والعودة إلى البيت الأبيض على الرغم من تقدم منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في الكثير من استطلاعات الرأي قبل الاقتراع، وقد يرجع هذا جزئياً إلى ما يسميه علماء السلوك انحياز الثقة المفرطة؛ أي الثقة في القدرة على التنبؤ بما سيحصل، وهو الفخ الذي يقع فيه الكثير من المشاركين في هذه الاستطلاعات، وقد وصفه دانيال كانيمان في كتابه "التفكير: السريع والبطيء" (Thinking, Fast and Slow) بأنه أحد أهم الانحيازات السلوكية التي تؤدي إلى حدوث كوارث في مختلف الميادين، وأنها تسببت بالفعل بكوارث بشرية على مر التاريخ، مثل غرق سفينة التينانيك، والحادث النووي في تشيرنوبيل، وفقدان مكوك الفضاء تشالنجر، والأزمة المالية الكبرى عام 2008. وقد تسهم الثقة المفرطة أيضاً في زيادة معدلات التداول في سوق الأوراق المالية، وارتفاع نسب فشل المشاريع، وتصاعد وتيرة النزاعات القانونية والحزبية السياسية، وحتى اندلاع حروب حقيقية. على سبيل المثال، يدّعي معظم المحللين في السوق المالية أن لديهم مهارات عالية فوق العادية، وهذا ما يعتبره العديد من النقاد ضرباً من ضروب الغرور.
من جهة أخرى، فإن التركيز الكبير لبعض وسائل الإعلام على إظهار التناقضات في تصريحات ترامب والجوانب السلبية في تصرفاته، والإملاء على المواطنين ما يجب فعله لتفادي الوقوع في "فخ التصريحات المغلوطة"، قد يُحفز، وفقاً للمؤلف إبين هاريل، سلوكاً آخر هو تأثير النتائج العكسية (Backfire Effect)، وهو انحياز سلوكي يصف رفض الأفراد للآراء التي تتحدى معتقداتهم أو افتراضاتهم على الرغم من تدعيم هذه الآراء بأدلة دامغة، ولا يؤدي ذلك إلى رفضها فحسب، بل إلى تعزيز موقفهم الرافض لها أيضاً. بصفة عامة، يؤكد هذا الانحياز أن تبيان الأدلة التي تثبت لبعض الأفراد أنهم مخطئون يكون غير فعال، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، عن طريق جعلهم يدعمون موقفهم الأصلي بقوة أكبر مما فعلوا قبل ظهور الأدلة. ابتكر هذا المصطلح الباحثان برندن نايهان وجيسون ريفلر عام 2010، ويمثّل هذا الانحياز أحد فروع الانحياز التأكيدي الذي يدور حول رفض الأفراد للمعلومات التي تتعارض مع معتقداتهم، أو تفسير المعلومات بطريقة تؤكد تلك المعتقدات. أضف إلى ذلك الكثير من البحوث، مثل أبحاث أندرسون ومور من جامعة كاليفورنيا، التي تؤكد أن الأشخاص الذين يبدون واثقين في أنفسهم على نحو مبالغ فيه ينظر إليهم الآخرون على أنهم أكثر كفاءة، ويحصلون على مكانة أعلى ونفوذ أكبر في المجتمع، وهذا بالضبط ما أظهره ترامب في الكثير من المناسبات، ولا سيما خلال المناظرات التي جمعته بالرئيس السابق جو بايدن.
من زاوية الأسلوب القيادي لدونالد ترامب، فيصفه أستاذ كلية هارفارد للأعمال غواتام موكُندا بأنه "قائد دخيل"؛ أي أنه قائد لا يمتلك أي دعم من النخبة السياسية التقليدية، ونجد في أدائه تفاوتاً كبيراً، فهو يفعل أموراً لا يستطيع أي شخص غيره القيام بها، ولهذا السبب، فإن أداءه قد يكون في غاية التميّز أو غاية الضعف. يقول غواتام: "لقد تناولتُ في كتابي الأول 'لا غنى عنه: حين تكون الحاجة ماسّة إلى القادة' (Indispensable: When Leaders Really Matter)، قضيّة القادة الدخلاء الذين لا يتمتعون بالخبرة ولا ينتمون إلى المجال الذي يديرونه، وكيف ومتى يصلون إلى السلطة. وتبحث غالبية أجزاء هذا الكتاب في أمر هؤلاء الرؤساء، وإحدى النقاط الرئيسية في الكتاب هي أن الولايات المتحدة أكثر عرضة لانتخاب رئيس كهذا من أي دولة متطورة أخرى. وربما كان دونالد ترامب أوضح الأمثلة في صفحات الكتاب على القائد الدخيل".