دليل المدير إلى أخلاقيات العمل

17 دقيقة
أخلاقيات العمل

أخلاقيات العمل Business Ethics هي فرع ضمن موضوع "الأخلاقيات" الأوسع، حيث تعالج قضايا الصواب والخطأ في مجال إدارة الأعمال. تتعلق أخلاقيات العمل بتلك القواعد والمعايير التي تُرشد الأشخاص نحو اختيار السلوك الصحيح في بيئة عمل معينة. وعندما نتكلم عن أخلاقيات العمل، فإننا نركز على تلك المعايير التي تجيب عن سؤال: ماذا ينبغي لي فعله عند مواجهة مُعضلة أخلاقية؟

قد يتساءل البعض: لماذا علي أن أتصرف بطريقة أخلاقية في ميدانٍ تسود فيه ثقافة المنافسة الشرسة والبقاء للأقوى؟

ازدادت التوقعات في العقود الأخيرة بضرورة الالتزام بالمعايير الأخلاقية في العمل. تزايد هذا الأمر بعد ظهور العديد من حالات الغش والخداع قامت بها شركات مرموقة عبر مدراء تنفيذيين كان يُنظر، بكثير من الإعجاب، إلى كفاءتهم القيادية والإدارية. وما الانحدار السريع لشركة مثل "إنرون" في أوائل هذا القرن إلا مثال على الأثر السلبي الذي قد تتعرض له الشركات نتيجة لقرارات تُغلب المصلحة الآنية والسريعة على المصلحة العامة. وفي بلادنا العربية توجد ضرورة ملحة لمقاربة موضوع الأخلاق في عالم إدارة الأعمال. فقد قمنا، على سبيل المثال، بدراسة لأكثر من 200 مدير وموظف في أكثر من بلد عربي وتبين أن حوالي 67% منهم واجهوا حادثة خلال العام المنصرم قام فيها أحد الموظفين بمخالفة القانون أو انتهاك قواعد السلوك الأخلاقي (انظر نتائج الاستمارة).

وإذا نظر المدراء فقط من زاوية الربح والخسارة، فقد يبدو التصرف بطريقة أخلاقية من معوقات الربح السريع. وقد يتساءل البعض: لماذا علي أن أتصرف بطريقة أخلاقية في ميدانٍ تسود فيه ثقافة المنافسة الشرسة والبقاء للأقوى؟ هل توجد أسباب منطقية يمكن الاستناد إليها لحث المدراء على التصرف بطريقة أخلاقية، لا سيما أن التصرف بهذه الطريقة قد يتناقض (على الأقل في ظاهر حسابات الربح والخسارة) مع المصلحة الشخصية المباشرة للشخص المعني؟

لا ريب أنه توجد مبررات أخلاقية وعملية تحتم على المدير التصرف أخلاقياً. فقد يستند بعض الناس إلى قيم معينة مثل القيم الدينية والثقافية. ففي ثقافتنا العربية –مثلاً- تبرز فضيلة المروءة والتي يقال عنها أنها "جِماع الأخلاق كلها عند العرب" وهي تشكل معياراً أساسياً يمكن الاستناد إليه في التعاملات الاجتماعية والاقتصادية. وقد يستند بعض الناس إلى قيمهم الدينية في تبرير ابتعادهم عن الأمور غير الأخلاقية في بيئة العمل. والأديان بشكل عام تشجع على العدل وعدم الظلم وتحرم الرشاوى والفساد وظلم الآخرين وتحث على القاعدة الذهبية في التعامل "أن تعامل الآخرين كما تودُ لهم أن يعاملوك" أي بكل عدالة وإنصاف.

غير أنه بالإضافة إلى دور القيم الدينية عند بعض المدراء، تبرز قيم عالمية يعتنقها الكثير من الناس، بغض النظر عن مستوى التزامهم الديني. مجموع هذه القيم تؤدي إلى أن يقتنع المرء أن السلوك الأخلاقي هو ما يتوافق مع قيمه وتنشئته وفهمه لنفسه ودوره في هذه الحياة على الصعيدين الاجتماعي والمهني. فالتصرف بطريقة غير أخلاقية في بيئة العمل يتناقض مع مبدأ إنساني عالمي، هو مبدأ العدل. فقد أعترِض كمدير على الفوز بصفقة عمل لا أستحقها إذا أدت بالمحصلة إلى اختلال ميزان العدل. حيث يؤثر فَهْمُ الإنسان لمبدأ العدل وحرصه على تطبيقه في حياته العملية على سلوكياته اليومية في العمل. وإذا وضع الرئيس التنفيذي مبدأ عدم الإضرار نصب عينيه، فلا ريب أنه سيكون أقرب إلى اتخاذ القرارات الصائبة.

غير أن مبررات التصرف الأخلاقي لا تقتصر على دور القيم والمبادئ عند اتخاذ القرارات. فهنالك أسباب عملية تجعل التصرف بطريقة أخلاقية هو القرار الصائب. أضف إلى ذلك أن الشركات التي يمارس مدراؤها إدارتهم بطريقة أخلاقية تكون أقدر على حماية سمعتها. إذا تصرفت شركة ما بطريقة غير أخلاقية وأصبح هذا الأمر معروفاً للآخرين، فإنها تخاطر بفقدان عملائها، بل قد يؤدي ذلك إلى الإفلاس. أضف إلى ذلك أنه توجد لدى المجتمعات توقعات من الشركات مثل الصدق والشفافية وعدم الإضرار بالمجتمع. يقتضي هذا أن تقوم الشركات والمدراء التنفيذيون بالسعي للحفاظ على سمعة طيبة تتوافق مع تلك التوقعات.

بالرغم من ذلك، نتفاجأ أحياناً أن بعض المدراء أصحاب السمعة الطيبة يقومون بأعمال تتجاوز الخطوط الحمراء من الناحية الأخلاقية. والسؤال هو لماذا؟

لماذا يرتكب الناس الطيبون أشياء سيئة في بعض الأحيان؟

لقد فتن هذا السؤال عقول الناس على مر العصور. ومع ذلك، فقد ازداد هذا الاهتمام في مجال الأعمال التجارية بعد أن ظهرت العديد من قضايا الفساد وإساءة استخدام السلطة والرشوة والتمييز، وغيرها من الأعمال الخاطئة. والمتابع لقضايا الفساد يعرف أنه قد تم الكثير منها على أيدي مدراء كانوا معروفين بكفاءتهم المهنية، وكان يُنظر إليهم كأمثلة للعمل الإداري الجيد. فلماذا يرتكب الرؤساء التنفيذيون الجيدون للشركات الكبرى، الحائزون على شهادات عليا من جامعات مرموقة في الكثير من الأحيان، تجاوزات أخلاقية يصعب تبريرها؟

لقد حاول علماء النفس والإدارة السلوكية الإجابة عن هذا السؤال. لا توجد إجابة واحدة يمكنها تفسير كل ذلك والأرجح أن الأخطاء الفادحة ترتكب لعدة أسباب سنصنفها ضمن سببين أساسيين تندرج تحت كل منهما أسباب فرعية عديدة.

قد يُسرع أحد العاملين إلى مشاركة طُرفةً (نكتة) عبر قائمة البريد الإلكتروني للشركة. وقد تكون تلك الطرفة مسيئة مثلاً للنساء أو لأحد الأعراق أو الجنسيات أو غير ذلك.

1- أسباب تعود لشخصية الإنسان وقِيمه وطريقة تفكيره

يمكن أن يكون الإنسان جاهلاً بالأبعاد الأخلاقية التي ينطوي عليها فعل ما. عدم القدرة على رؤية البعد الأخلاقي لقرار معين قد تسبب لذلك الإنسان نوعاً من العَمَى الأخلاقي، كما يسميه بعض علماء الأخلاقيات. ففي بعض الأحيان، قد لا يدرك متخذ القرار ضرورة التفكير في العناصر الأخلاقية المرتبطة بقرارٍ معين. فمثلاً عندما يفصح أحد مدراء قسم الموارد البشرية -ببراءة وحسن نية- عن المعلومات الشخصية الخاصة والحساسة للموظف (التاريخ الطبي ونتائج التقييم السنوي وما إلى ذلك) لآخرين غير مخولين بالحصول على تلك المعلومات، فإنه يرتكب خطأً أخلاقياً جسيماً. إذا كان هذا الشخص غير مدرب تدريباً جيداً على أهمية الحفاظ على سرية هذه المعلومات في نطاق عمله، فقد يشارك –بكل براءة- هذه المعلومات مع الآخرين. في بعض البلدان، يمكن مقاضاة شخص أو شركة في مثل هذه الحالات لانتهاك خصوصية الموظف. وبالنتيجة يمثل هذا الإجراء سلوكاً غير أخلاقي يرتكبه شخص يعتبر شخصاً جيداً في الأساس.

في بعض الأحيان يرتكب الأشخاص أصحاب النوايا الحسنة سلوكاً غير أخلاقي لأنهم لا يبذلون الوقت والجهد المعرفي في التفكير ملياً في تداعيات سلوك معين. بل إنهم قد يتورطون في سلوكيات، قد يتبين لهم بعد التمحيص، أنها تتعارض مع قيمهم الخاصة. فقد يسارع أحد المدراء لبيع أسهمه في شركة ما بعد حصوله على معلومات داخلية توحي أن السعر سوف ينخفض نتيجة لحدثٍ ما. وقد لا يرى ذلك المدير حرجاً في القيام بذلك خصوصاً إذا كان غير مُطلع على المبادئ المتعلقة بالتداول المستند إلى معلومات داخلية (Insider Trading). لايدرك المدير أن حصوله، دون غيره من المساهمين، على هذه المعلومة يشكل أفضلية غير منصفة بحيث استطاع هو تجنب الخسارة ولم يتمكن المساهمون الآخرون غير المطلعين من ذلك. بالطبع، هكذا تصرف مخالف للقانون في معظم البلدان، ولكن –بغض النظر عن الإطار القانوني الذي يحكم هذا السلوك- على المدير أن يعي أن هذا السلوك مخالف لقيم العدالة والإنصاف.

وفي مثال آخر، قد يُسرع أحد العاملين إلى مشاركة طُرفةً (نكتة) عبر قائمة البريد الإلكتروني للشركة. وقد تكون تلك الطرفة مسيئة مثلاً للنساء أو لأحد الأعراق أو الجنسيات أو غير ذلك. وقد يدرك –بعد فوات الأوان- أنه لو بذل وقتاً في التفكير في نتائج ذلك السلوك لما أقدم على الضغط على زر "إرسال" في قائمة بريده الإلكتروني. هذه الظاهرة تشير إلى قصور في قدرة الإنسان على التفكير العميق في آثار سلوكه على الآخرين، وقد تقود الإنسان –بغض النظر عن حسن نيته من عدمها- إلى اتخاذ قرارات لا تستند إلى تفكير وتحليل دقيقين.

من القصص التي ترد في تراثنا الشعبي تلك القصة التي تظهر اعترافاً لأحد كبار السارقين عند سؤاله عن سبب ارتكابه لتلك الأفعال الشنيعة. أجاب أن افراداً من عائلته كانوا يشجعونه، وهو صغير، على سرقة البيض من "قن دجاج" يمتلكه الجيران. وتدريجاً تطورت السرقة من سرقة "صغيرة" (بيضة دجاجة) إلى سرقات كبيرة. ترتبط هذه القصة بفكرة الانحدار نحو السلوك غير الأخلاقي والذي قد يبدأ ببطء ومن ثم يتدرج وصولاً إلى سلوكيات ومخالفات خطيرة جداً. وفي عالم الأعمال فإن السرقة الصغيرة (تلاعب جزئي وصغير في الفواتير) قد تنتهي بجريمة مالية كبيرة (تلاعب في الحسابات أو إساءة أمانة). هذا الانحدار التدريجي نحو الخطأ يُسَمى بالمنحدر الزلِق (Slippery Slope)، ويرتبط بحقيقة أن النفس الإنسانية، التي تعترض على الأخطاء الكبيرة، قد تألَفُ الخطأ الصغير التدريجي الذي قد يتحول مع مرور الوقت إلى خطيئة كبيرة.

وكثيراً ما تلعب العواطف دوراً كبيراً في السلوك غير الأخلاقي. فقد يتعرض المدير –مثلاً- لضغوط معينة من جانب أسرته وعائلته فيما يتعلق ببعض القرارات المتعلقة بالعمل (مثل التوظيف والترقية وما إلى ذلك)، فيقوم بإدخال المحسوبية في الشركة التي يديرها على حساب الكفاءة، وبالتالي يعمل ضد مصلحة المساهمين. وقد تلعب ضغوط الحياة اليومية دوراً في ركون بعض الناس لاعتماد السلوك غير الأخلاقي. تخيل الضغوط التي تواجه إنساناً يعاني من صعوبات في إعالة أسرته، أو إرسال أطفاله إلى المدارس، أو تسديد بعض الفواتير الطبية، ومدى أثر كل ذلك على قراراته اليومية في بيئة العمل.

وبالطبع لا يقتصر أثر تلك الضغوط على العاملين المحتاجين لتسديد حاجات عائلاتهم اليومية. فقد يواجه مثل تلك الضغوط بعض المدراء الذين يريدون العيش في نمط حياةٍ يفوق قدراتهم. وقد يدرك أحد المدراء أن قبول رشوة ما ينطوي على محاذير أخلاقية كبيرة، غير أن رغبته في العيش ضمن مستوى اجتماعي مُعين والتماهي مع بعض الأصدقاء والأقارب (سفر، حفلات، هدايا الخ.) قد تؤدي به في النهاية إلى قبول مثل هذه الرشوة. وفي هذه الحالة، تتغلب مشاعر ذلك المدير وحاجاته الشخصية الكمالية (غير الضرورية) على حكمه العقلي، وبالتالي قد يختار الاستسلام إلى عواطفه ودوافعه الشخصية واتخاذ قرار خاطئ وغير أخلاقي.

يقول المثل الشهير: "السلطة تُفْسِد"، بمعنى أنه عندما يُمنح شخص ما السلطة دون أن يتحمل المسؤولية ودون أن تكون لديه منظومة قِيَم يعتنقها بإخلاص، فإن ذلك يفتح الباب أمام إساءة استخدام تلك السلطة. قد يتغير بعض الأشخاص الطيبين نحو الأسوأ نتيجة لأنهم تمتعوا بسُلطة في وحدة إدارية معينة. وفي حين أن بعض الناس يتطورون إيجاباً في مراحل التطور الأخلاقي، فقد يتراجع البعض الآخر بسبب بعض الظروف أو الضغوط.

2- أسباب تعود لطبيعة المؤسسة وثقافتها 

قد يُوضع الأشخاص الطيبون -في بعض الأحيان- في بيئة خاطئة، وقد تؤدي الثقافة المؤسساتية الفاسدة إلى إفساد الأفراد الجيدين. يقول المثل العربي المشهور "من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهُم أو رحل عنهم". وبالرغم من أن هذا القول قد لا يكون صحيحاً في جميع المواقف، إلا أنه يشير إلى قوة البيئة أو الثقافة في التأثير على تصرف الناس. إذ تلعب ثقافة المؤسسة دوراً كبيراً إما في تشجيع الأعمال الأخلاقية أو في تشجيع الأعمال غير الأخلاقية. وتشير التجربة والدراسات إلى أن تأثير المحيط على سلوك الإنسان قد يتجاوز أحياناً الأبعاد الشخصية. فكم من مدير طيب، هو بالأساس صاحب مبادئ وقيم، تورط في أعمال خاطئة بسبب بيئة الشركة التي يعمل والتي بها تسهل التجاوزات وتنعدم فيها المساءلة.

وقد يبرر بعض الناس ارتكابهم لعمليات الغش والاحتيال، بأنهم تلقوا تعليمات للقيام بذلك من قبل مدير يشرف عليهم. فقد يطلب أحد المدراء من أحد المحاسبين تسجيل عمليات محاسبية خاطئة وإصدار بيانات مالية احتيالية. يطيع الكثير من الأشخاص رؤساءهم في هذا الموقف لأنهم لا يريدون الاعتراض على السلطة أو المخاطرة بفقدان وظائفهم. ولاريب أنه يوجد دور كبير للقدوة الصالحة المتمثلة في رئيس تنفيذي كفؤ وخلوق، في التأثير على سلوكيات سائر العاملين. وهذا يشكل مسؤولية كبيرة على من تبوأ منصباً إدارياً، حيث يتطلع الكثير من العاملين إليه كمثال على طبيعة السلوك المقبول والمتوقع في المؤسسة.

وفي بعض الأحيان، قد يؤدي الضغط المفرط من قبل الإدارة، بهدف الوصول إلى رقم مبيعات مرغوب فيه أو مستوى أرباح مستهدف، إلى الضغط على الموظفين والمدراء لارتكاب أعمال غير أخلاقية لمجرد تحقيق هذه الأهداف. إن التركيز المفرط على تحقيق أهداف معينة، مع إغفال الطريقة التي تحقق فيها تلك الأهداف، قد يجعل الشخص أقل حساسية للقضايا التي لها آثار أخلاقية. وفي فضيحة طالت أحد المصارف الأميركية المعروفة قالت إحدى الموظفات أن رئيسها السابق قد علمها استخدام مجموعة متنوعة من أساليب البيع المخفية وضغط عليها لاستخدامها، ومن ثم تم تجاهل شكاواها من الممارسات غير الأخلاقية.

يضاف إلى ما تقدم أثر الممارسات الخاطئة في المؤسسات والتي تؤدي إلى شعور بعض الموظفين بالظلم أو الغبن. فعندما يشعر الموظف أن مديره أو مؤسسته غير عادلين معه، فإنه يميل إلى الرد بالمثل. في مثل هذه الحالة، يقوم بتبرير أفعاله الخاطئة بأن مؤسسته تعاملت معه بطريقة غير أخلاقية. فعلى سبيل المثال، قد يقوم بعض الموظفين، الذين يشعرون بأنهم تلقوا مكافآت أقل بكثير في نهاية العام مقارنة بالموظفين الآخرين الأقل أداءً، بالانتقام من مدرائهم أو من الشركة التي يعملون بها، عبر سلوكيات غير أخلاقية.

وفي بعض المؤسسات ذات الثقافات المريضة، قد يتم إعادة تسمية الأعمال الخاطئة بتسميات أقل حدة. فقد يتم تسمية الرشوة "بالإكرامية"، وقد يتم تسمية التحايل على القوانين والإجراءات بأن ذلك "شطارة"، أما عمليات الاحتيال المعقدة فقد يُطلق عليها عبارة "فَهْلَوَة" أو ما شابه ذلك. إن استخدام مثل هذه الأسماء البديلة عن التسمية الحقيقية للمخالفات يُجرد الممارسات الخاطئة من دلالاتها الأخلاقية، ويجعل وقعها أقل حدة على الأشخاص المرتكبين.

المحصلة النهائية لوجود ثقافة مؤسساتية غير معنية بالمبادئ والقيم، وإحساس العاملين بعدم أهمية مقاربة الأمور من وجهة نظر أخلاقية. قد يحفز الإنسان بعدم المبالاة عند ارتكاب أي مخالفات وبانخفاض الحماس للتصرف بطريقة أخلاقية. يحتاج الأشخاص، خاصة أولئك الذين هم على وشك البدء في حياتهم المهنية، إلى بيئة جيد وقدوة إيجابية يمكن أن يتمثلوا بها. لسوء الحظ، لا توفر الثقافة المؤسساتية المريضة أي فرصة حقيقية للموظف كي يتصرف وفق ما هو مقبول أخلاقياً بل يصبح أكثر عرضة للانزلاق نحو المخالفات والخطأ. وإذا ما كانت السلوكيات غير الأخلاقية مقبولة في بيئة ما، فإن هذا سيؤثر على الطريقة التي يواجه فيها الإنسان مشاكل العمل وتحدياته، بحيث يصبح الخيار الأخلاقي ثانوياً وغير ذي قيمة، وبالتالي تقفز أولويات "البيع السريع"، و"الربح بأي ثمن"، و"تحطيم المنافسين"، و"التدرج صعوداً في السلم الإداري بأي طريقة"، على ما عداها من أولويات. ينبغي أن يكون السعي لإنشاء ثقافة تنظيمية أخلاقية من أولويات القيادة التنفيذية. ويأتي ذلك عبر الاهتمام الصريح بأخلاقيات العمل، وتوضيح الخطأ من الصواب، والقدوة الحسنة، واستقطاب الخامات الطيبة، ومكافأة السلوك الأخلاقي (انظر الشكل المرفق).

أخلاقيات العمل

لا يوجد رئيس تنفيذي في العالم يمتلك كل المعلومات المتاحة عند اتخاذ قرار معين، ولكن ينبغي أن يسعى على استحصال القدر الممكن من المعرفة التي تخوله اتخاذ القرار بطريقة صائبة وموضوعية بقدر الإمكان.

خارطة طريق لعملية اتخاذ القرارات الأخلاقية

كيف يمكن للرئيس التنفيذي، بل لكل متخذ قرار، أن يحمي نفسه من الانزلاق نحو الخطأ بغض النظر عما إذا كان مصدر الخطأ متأصلاً في نفسه، أو يعود للبيئة التي تسود الشركة. نعرض فيما يلي لائحة أسئلة، أو لعلها خارطة طريق، يمكن لأي مدير استخدامها قبل الشروع في اتخاذ قرار إداري حساس (انظر الشكل المرفق).

هل لدي كل المعلومات حول القرار الذي أود اختياره؟ (اختبار المعرفة)

تفاجأ جمال، وهو الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات التجارية، بحملة ضد شركته عبر وسائل التواصل الإجتماعي. تعلقت الاعتراضات بحملة تسويقية قامت بها الشركة ليتبين أنها أثارت غضب شريحة من المجتمع نظراً لأن بعض الإعلانات، برأيهم، لم تراع مشاعرهم. هل يقوم جمال بإيقاف الحملة فوراً مع ما قد تتكبده الشركة من تكاليف وأعباء؟ قبل اتخاذ أي قرار بشأن المضي في هذه الحملة من عدمه، يدرك جمال أنه لا يعرف الكثير عن أبعاد هذه المشكلة والأسباب المتعلقة بغضب تلك الشريحة. وحتى لو قرر جمال إلغاء تلك الحملة، ما هو الموقف الأفضل للتعاطي مع تلك المسألة بحرفية وأخلاقية؟ هل يعتذر؟ وكيف؟

القرارات الأخلاقية

لا يمكنك التعامل بشكل صحيح مع معضلة أخلاقية إذا كنت تفتقر إلى المعرفة المناسبة لمعالجتها. لا يوجد رئيس تنفيذي في العالم يمتلك كل المعلومات المتاحة عند اتخاذ قرار معين، ولكن ينبغي أن يسعى إلى استحصال القدر الممكن من المعرفة التي تخوله اتخاذ القرار بطريقة صائبة وموضوعية بقدر الإمكان. لا يعرف جمال حجم الاعتراض، كما أنه لا يعرف إذا كان الاعتراض مبنياً على معطيات حقيقية متعلقة بتلك الشريحة من المجتمع أو لعله ذريعة أثارها بعض الممتعضين من تجارب سابقة مع شركته، لا علاقة لها بالشريحة الاجتماعية. كما قد يفتقد جمال في المثال أعلاه إلى الخبرة في فهم الأسباب الحقيقية وراء اعتراض تلك الشريحة، كما أنه قد يفتقد إلى مهارة التعاطي معها. يحتاج جمال إلى التأكد من حيازته لكل التفاصيل المتاحة عن الموضوع قبل اتخاذ القرار. بعض الأسئلة التي يحتاج جمال إلى طرحها تشمل:

1) هل أنا مؤهل لمعالجة هذه المشكلة؟ هل لدي فهم صحيح للوضع؟

2) هل هناك أي معلومات جديدة أحتاج إلى جمعها؟ أين مصدر هذه المعلومات وكيف أستطيع الحصول عليها؟

3) هل لدي فهم صحيح للسياق/ الثقافة التي يتم فيها اتخاذ القرار؟ بمعنى آخر، هل من الممكن أن يشكل أحد الخيارات المطروحة مشكلة لأحد الأطراف التي قد تتأثر سلباً؟

4) إذا كانت المسألة متعلقة بأكثر من شخص واحد، هل حصلت على معلومات من مختلف الأطراف التي قد تكون لديها إمكانية الوصول إلى أنواع مختلفة من المعلومات؟

5) هل بذلت الجهد في إيجاد بدائل متعددة حيث يمكن ذلك؟ هل من المحتمل أن تكون هناك خيارات لم أُفكر فيها من قبل أو لم تكن واضحة لي في البداية؟

قد يؤدي الضغط المفرط من قبل الإدارة، بهدف الوصول إلى رقم مبيعات مرغوب فيه أو مستوى أرباح مستهدف، إلى الضغط على الموظفين والمديرين لارتكاب أعمال غير أخلاقية لمجرد تحقيق هذه الأهداف.

هل قمتُ بالاستشارات بصورة كافية (اختبار الاستشارات)

تمر شركة الرجاء بوضع مالي صعب. يفكر الرئيس التنفيذي سامي في تسريح عدد من الموظفين القدامى في الشركة مِن أصحاب الرواتب المرتفعة. ما يساهم في اتخاذ هذا القرار أن معظمهم قد تقدم في السن وخفت إنتاجيتهم رغم خبراتهم الواسعة. يحتار سامي في تقديم المصلحة المالية للشركة على الولاء تجاه هؤلاء العاملين. يحس سامي بتأنيب الضمير تجاه احتمال قرار يصيب شريحة أخلصت للشركة على مدى عقود. قبل أنْ يُقدم على هذا القرار، يقرر سامي استشارة العدد الأكبر من الدائرة الإدارية الأقرب حتى لا يتفرد بقرار مصيري يؤثر على حياة هؤلاء العاملين.

لاريب أن سعي سامي لاستشارة الآخرين يقلل من احتمال اختيار القرار الخاطئ. عندما تواجهك معضلة تنطوي على أبعاد أخلاقية، فإنك تحتاج إلى تحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى بعض المساعدة من آخرين موثوقين لمساعدتك في اتخاذ القرار الصائب. يقرر سامي بعد استشارة الآخرين أن يُبقي على العاملين بدوام جزئي، مع احتفاظهم بالمزايا الأساسية من تأمين صحي وغير ذلك، بعد أن يُطلعهم على وضع الشركة. يتفهم معظم هؤلاء العاملين القرار، بالأخص بعد اطلاعهم على وضع الشركة واحتمال أن يتم تسريحهم بالكامل.

ففي بعض الأحيان قد يكون الموقف غامضاً بالنسبة إليك، ولكن قد لا يكون غامضاً لزميل العمل أو لشخص أكثر خبرة. وفي حال انطوت المعضلة على أمور حساسة أو معلومات سرية لا ينبغي مشاركتها، فيمكنك أن تستشير دون الكشف عن الحقائق أو الأسماء طالما كان ذلك مناسباً. بعض الأسئلة التي تحتاج إلى طرحها تشمل:

1) إذا كان من الممكن استشارة الآخرين، هل قُمت بذلك؟ هل استشرت الآخرين - حيثما أمكن - بشأن ما أحتاج إلى فعله؟

2) هل الأشخاص الذين أقوم باستشارتهم مستقلي الرأي ولا يوجد لديهم تضارب في المصالح يمنعهم من تقديم مشورة صادقة؟

3) هل يمكنني السؤال دون انتهاك خصوصية الأفراد الآخرين؟ إذا كانت المشكلة سرية، فهل يمكنني التشاور دون الكشف عن تفاصيل المشكلة المطروحة؟

4) هل الجهات التي استشرتها كافية لمساعدتي في اتخاذ القرار؟ أم هل أحتاج إلى استشارة أشخاص إضافيين؟

هل يوجد تعارض بين أحد الخيارات وبين مبدأ عالمي لا ينبغي انتهاكه؟ (اختبار العالمية)

تمتلك إحدى الشركات الصناعية العربية مصانع في بنغلادش منذ فترة طويلة. يسترعي انتباه عماد، وهو الرئيس التنفيذي في الشركة، ازدياد الاهتمام في الآونة الأخيرة بموضوع عمالة الأطفال. يعلم عماد أن شركته تقوم بتوظيف الأطفال. يستنتج عماد، بعد جمعه للمعلومات حول ظروف تلك العمالة، أن مصنعه متورط في هذا السلوك. وبالرغم أن وضع الأطفال داخل المصنع أفضل من المصانع المشابهة في البلد، إلا أن عماد يتساءل حول ما إذا كان لديه واجب تجاه هؤلاء الأطفال. هل يقوم بإعادة النظر بكل السياسة المتبعة في توظيف هؤلاء الأطفال مع ما يترتب عن ذلك من تكاليف وأعباء إضافية؟ أم هل يغض الطرف عن الموضوع، خصوصاً أن الموضوع لم يطرح أبداً من أي طرف، لا مِن قِبل السلطات المحلية ولا مِن قبل هيئات حقوق الإنسان؟

بعد التفكر والاستشارة، يقرر عماد أخذ المبادرة ومعالجة هذا الأمر بحكمة. يدرك عماد أنه بالرغم من الأعباء الإضافية التي ستتكبدها الشركة، فإن الإبقاء على عمالة الأطفال -دون تنظيم- يخالف مبدأً أساسياً وهو حرية الأطفال وحقهم في العيش في أجواء تحترم حقهم في التعلم والعيش كأطفال. بالمحصلة، لا يمانع عماد في بذل المال والجهد لمعالجة موضوع يتعارض مع الحقوق الأساسية للإنسان.

قد تنطوي بعض الخيارات المطروحة أمام أي متخذ قرار على احتمال انتهاك مبادئ عالمية لا ينبغي التعرض لها. فمثلاً، تمثل مبادئ العدالة والإنصاف والاحترام مبادئ عالمية يجب احترامها تحت أي ظرف. عند تفكرك في بعض الخيارات المتاحة أمامك، اسأل نفسك عما إذا كانت إحدى الخيارات المتاحة تناقض مبدأً عالمياً متفقاً عليه. بعض الأسئلة التي يجب طرحها عند مواجهتك لمعضلة أخلاقية هي:

1) هل هناك أي مبادئ عالمية يجب احترامها تنطبق في هذه الحالة؟ ما هي؟

2) هل يتعارض أحد الخيارات المطروحة أمامي مع مبدأ عالمي لا يمكن أن يخضع أبداً لحكم نسبي مثل العدالة وعدم الإضرار بالآخرين والإنصاف؟

3) هل هناك أي قواعد أحتاج إلى اتباعها؟ ما هي؟

كيف يؤثر قراري على الآخرين (اختبار العواقب)

تواجه سارة، الرئيسة التنفيذية لشركة تأمين، موقفاً يحتاج إلى قرار حازم وسريع. نتيجة لخطأ غير مقصود من قبل عادل، وهو أحد الموظفين، خسرت الشركة أحد عملائها القدامى. يود المدير المباشر لعادل أن يطرده من العمل. تدرس سارة المسألة من كل جوانبها وتضع نصب عينيها ما هو في صالح الشركة والعملاء والموظفين بمن فيهم عادل. تدرك سارة أن عادل موظف متقن لعمله فيما سبق وقد تعلم درساً ثميناً من خطئه. بعد دراسة جميع الخيارات التي أمامها وأثرها على الأطراف كافة، تقرر سارة أن تُبقي على عادل وتكتفي بتوجيه خطاب لوم له على خطئه.

في الأعمال التجارية، كما في الحياة بشكل عام، ينبغي دراسة أثر قراراتي كمدير على الآخرين. وبالتالي، من المهم أن أكون قادراً على تقييم عواقب كل خيارٍ من الخيارات التي سأختار من بينها. من المتوقع أن تتأثر بعض الجهات إيجاباً بقرار معين، بينما قد تتأثر بها جهات أخرى سلباً. بعض الأسئلة التي يجب طرحها هنا تشمل:

1) هل لدي فهم مناسب لمن هم أصحاب المصلحة أو الجهات التي قد تتأثر سلباً أو إيجاباً بالقرارات التي اتخذها؟ من هؤلاء؟

2) هل لدي فهم جيد لتأثير مختلف الخيارات عليهم؟ من يستفيد وكيف؟ من يصاب بالضرر وكيف؟

3) ما هو التأثير العام للقرار على مختلف أصحاب المصلحة؟

استطلاع حول أخلاقيات العمل في العالم العربيأخلاقيات العمل في الوطن العربي

قمنا بطرح عدة أسئلة حول أخلاقيات العمل على أكثر من مئتي عامل في مؤسسات شتى في العالم العربي، وكانت النتائج على الشكل التالي:

 

قد تنطوي بعض الخيارات المطروحة أمام أي متخذ قرار على احتمال انتهاك مبادئ عالمية لاينبغي التعرض لها. فمثلاً، تمثل مبادئ العدالة والإنصاف والاحترام مبادئ عالمية يجب احترامها تحت أي ظرف.

هل سأتعايش بسلام داخلي مع قراري (اختبار "الحياة السعيدة")

اشترت إحدى الشركات، التي تختص بتعبئة المياه وبيعها في عبوات زجاجية أو بلاستيكية، قطعة أرض في منطقة جبلية عالية تحوي نبع ماء غزير. يستخدم هذا النبع من قبل مئات من السكان المحليين لحاجات شربهم واستخدامهم المنزلي. يتقدم المهندس المشرف على مشروع مصنع المياه باقتراح منعهم من الوصول إلى ذلك النبع. يقوم المدير العام أشرف باستشارة الوكيل القانوني حول مشروعية منع السكان المحليين من استخدام النبع. يشير عليه الوكيل القانوني أن للشركة كامل الحق في التصرف بملكية النبع وبالتالي مَنْع هؤلاء السكان من استخدامه. بعد طول تفكير واستشارة الكثير من المعنيين بمن فيهم أصحاب الشركة، يقرر أشرف السماح للسكان المحليين بالاستمرار في استخدام المياه لحاجاتهم الشخصية. عندما يُسأل أشرف عن حيثيات قراره يجيب: "كيف أستطيع أن أنام، أو أن أعيش بضمير مرتاح، إذا منعت الماء عن هؤلاء الناس؟ أفضل الاستقالة من عملي على أن أتخذ مثل هكذا قرار".

القرارات التي نتخذها كأفراد في المؤسسات التي نديرها، لا تؤثر فقط على الآخرين بل تؤثر علينا كأفراد وتنعكس على رؤيتنا لأنفسنا وبالتالي على حياتنا المستقبلية. عندما نتخذ قراراً معيناً، علينا أن "نعيش" مع هذا الخيار. بمعنى آخر، غالباً ما أجد أنه من الضروري التفكير فيما إذا كان الخيار الذي أتخذه يمثلني ويتماشى مع منظومة قيمي ويعكس كيف أرغب في أن أعيش حياتي. نستطيع أن نحقق ذواتنا وأن ننعم فعلاً بالحياة السعيدة عندما تسمو قراراتنا فوق مجرد تحقيق الأرباح وعندما نتخذ قرارات نرتاح إليها وتتوافق مع منظومة قيم راقية. نحن لا ندير مؤسساتنا فقط لكي نكسب المال، بل نرغب في "الحياة السعيدة" التي نعيش فيها مرتاحي الضمير والوجدان. وبالمحصلة، تشمل بعض الأسئلة التي قد تحتاج إلى طرحها عند تقييمك لقرار معين ما يلي:

1) هل هذا القرار الذي اخترته يتواءم مع "الحياة السعيدة" كما أود أن أعيشها؟ هل سيؤدي ذلك إلى ازدهاري ونمائي كفرد؟ هل يتوافق هذا الإجراء مع الفضائل والقيم التي أُقدرها؟ هل أتوقع أن أكون شخصاً أفضل بعد تنفيذ هذا القرار؟

2) هل سأشعر بالراحة مع نفسي إذا اخترت هذا الإجراء؟ هل سأشعر أن شخصيتي تتعزز بعد هذا القرار أم أنه سيتم تشويهها؟

3) كيف تتوافق مختلف الإجراءات مع قيمي ومعايير السلوك الأخلاقي الخاصة بي؟

هل أنا مستعد لإطلاع الآخرين على قراري بكل راحة ضمير؟ (اختبار الشفافية)

تدير سامية إحدى شركات الاستشارات التي توفر خدماتها للقطاعين العام والخاص. تشارك الشركة في مناقصة متعلقة بأعمال في إحدى مؤسسات الدولة. يُعرض على سامية أن تقوم بإعطاء "هدية" لأحد الأشخاص النافذين مقابل زيادة احتمال الفوز بالمناقصة. تدرك سامية أن الكثير من الشركات المماثلة تقوم بالفعل نفسه، كما تدرك أن حظوظها في الربح بالمناقصة تتضاءل كثيراً في حال رفضت إعطاء "الهدية". تقوم سامية بسرعة برفض هذا العرض قائلة: "ما ترفض مؤسستنا أن تفعله في العلن، لن تقوم به من تحت الطاولة". تشير سامية إلى أنها تود أنْ تكون أعمال شركتها في هذا الموضوع شفافة واضحة للعيان.

كلما شعرنا بعدم الارتياح تجاه معرفة الآخرين بخياراتنا، كنا بحاجة إلى أن نسأل لماذا؟ هل نخفي خياراتنا الإدارية نتيجة لأسباب منطقية تتعلق بجوهر المنافسة وطبيعة العمل الذي نقوم به، أم هل نخفيها لأنها تتجاوز خطوطاً حمراء قانونية وأخلاقية؟ إذا كنا نخجل من قراراتنا الإدارية أمام المجتمع ككل، فعلينا أن نتساءل إذا كان خيارنا خاطئاً في الأساس. لا يعني هذا الأمر الاستسلام إلى "عقلية القطيع" حيث نتفق مع ما يفكر فيه المجتمع (أو المجموعة الأكبر التي ننتمي إليها) بغض النظر عن أي اعتبار آخر. ولكن في كثير من الحالات، ستكون المجموعة الأكبر قد حددت معايير مقبولة ومدروسة لما هو صحيح وما هو خاطئ. إذا كنا لا نريد أن نكون شفافين فيما يتعلق بخياراتنا، فعلينا أن نسأل أنفسنا عما إذا كان هذا يرجع إلى حقيقة أننا اخترنا بالفعل الخيار الخطأ. في حال ترددت في صوابية قرار معين عليك أن تتخذه، اسأل نفسك الأسئلة التالية:

1) إذا اخترت هذا القرار، فهل سأمانع إذا علم الآخرون بقراري؟ هل سأشعر بالحرج؟

2) هل سأتمنى لو لم اتخذ هذا القرار لو أمكن للآخرين الاطلاع عليه؟

3) هل سأبذل قصارى جهدي لإخفاء هذا القرار عن أعين الناس؟ لماذا؟

ليس الحرص على الأخلاق في عالم إدارة الأعمال مجرد ترف فكري أو رياضة فلسفية، بل ينبغي أن تصبح أمراً واقعاً يؤخذ بعين الاعتبار بجدية عند كل منعطف وكل قرار. ثقافتنا العربية غنية بتقاليدها العريقة ومُثُلها الحميدة التي يمكن أن تفضي إلى سلوكيات أخلاقية إيجابية يقوم بها المدراء والعاملون بصدق وإخلاص وشفافية. إن إحياء نظام أخلاقي إيجابي يتطلب التزاماً جدياً من قبل المدراء بحيث يتوازن الحرص على تحصيل أكبر عائد للشركات مع ضرورة أن يتم كل ذلك ضمن منظومة أخلاق واضحة ومقدرة من قِبَل الجميع في سبيل الحرص على أخلاقيات العمل.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي