نحن الآن جميعاً في المرحلة الهجينة وهذا هو دليل عملك للسنوات العشر القادمة

6 دقائق
المرحلة الهجينة
shutterstock.com/Denis Simonov
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن سألت نفسك أو أي شخص من حولك، فستجد أن المرحلة الحالية في حياة الجميع تحمل معاناة متشابهة تسمّى “عدم الوضوح”: 

  • “عدم وضوح” المهارات التي سأحتاجها في المستقبل القريب والتي علي أن أستعد لها مع ظهور المهارات الجديدة التي تتطلبها الأسواق كل يوم مع التطور التقني.
  • “عدم وضوح” نموذج الأعمال الذي يجب أن أنتقل إليه لأتمكن من البقاء والنجاح في شركتي أمام “زعزعة” الشركات الناشئة الصاعدة وعصر التكنولوجيا.
  • “عدم وضوح” الطريقة التي سأطوّر بها مؤسستي التعليمية أو الجامعة التي أعمل بها لتواكب مهارات المستقبل والأعمال الجديدة.
  • “عدم وضوح” الطريقة التي عليّ أن أتبنّاها لتربية أطفالي في هذا العصر مع دخول التكنولوجيا كمنافس، وإلى أي مدى عليّ أن أدير علاقة أبنائي بأجهزة الإنترنت؟

يبدو واضحاً أننا اليوم نعيش في مرحلة من “عدم الوضوح” وعدم اليقين تسيطر على معظم جوانب حياتنا في “العمل والمهارات الشخصية والتعليم وتربية الأطفال وغيرها”، بل إنك تستطيع أن تتوسع في هذه القائمة لتكتشف أن شكل العلاقات الاجتماعية بين البشر بات “هجيناً” وغير واضح هو الآخر ويعاني من حالة عدم يقين، فالعالم ينتقل اليوم كما تعلمون بخطى مترددة في بعض الدول وواثقة في دول ومجتمعات أخرى، نحو الاعتراف بجنس ثالث غير الذي اعتادت عليه البشرية -رسمياً وعلناً- منذ آلاف السنين، وهو ما سينتج منه على المدى البعيد رؤية جديدة للمجتمع البشري ما زالت هي الأخرى غير “واضحة”.

الشيء الوحيد الذي يبدو واضحاً للكثير من العلماء والباحثين اليوم أن أدوات التكنولوجيا الحديثة، وما أنتجته من عالم متصل وذكاء اصطناعي وبيانات ونماذج جديدة من الوعي البشري، يتجه نحو تحويل كل ما سبق أن ذكرناه من “عمل ونماذج أعمال ومهارات وتعليم وعلاقات أسرية وغيرها” إلى شكل جديد مختلف بنسبة 180 درجة. ويستطيع الكثير من الباحثين وصانعي الأفلام السينمائية المبنية على الخيال العلمي أن يجعلونك ترى العالم بعد ثلاثين عاماً، وكيف يعتقدون أنه سيكون، لكن النقطة التي أعتقد أننا نغفلها جميعاً هي “هذه المرحلة” التي نعيشها؛ منذ الآن وحتى عشر سنوات قادمة على الأقل، وهذه هي الفترة التي أسميها “المرحلة الهجينة”.

المرحلة الهجينة

في هذه المرحلة الهجينة تختلط النماذج القديمة بالجديدة، من المهارات إلى أنواع الشركات وطرق العمل والإدارة، ويعيش الجميع هاجس “التحول الرقمي” سواء على صعيد الأفراد أو على صعيد الشركات، إذ يسعى الجميع لركوب موجة العصر والاستعداد للمستقبل. لكن مع ذلك يبدو الكثيرون تائهين في خضم الأقاويل الكثيرة، وبحسب الأستاذ سونيل غوبتا من كلية هارفارد للأعمال فإن السبب الرئيس يكمن في أن كثيرين من الناس ما زالوا غير مستوعبين “بوضوح” فكرة “التحول الرقمي” وكيف يجب أن تكون على صعيد الفرد والشركة كما يقول في كتابه “قيادة الاستراتيجية الرقمية” (Driving Digital Strategy). والأمر لا يقتصر على حيرة الشخص الفرد في المهارات الجديدة التي يجب أن يتعلمها، وتلك التي يجب أن يستعد للتخلي عنها للآلة، بل الأمر ما زال صعباً على الشركات الكبرى نفسها، فقد استعرض باحثان من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) تجارب عدد من الشركات العملاقة التي فشلت في التحول الرقمي واستقال أو أقيل عدد من رؤسائها لهذا السبب، ومنها “جنرال موتورز وبروكتر آند غامبل ونايكي وليغو وغيرها”. والسبب الرئيس لفشل هذه الشركات كما يحلل الباحثان هو بالضبط ما نعاني منه جميعاً كأفراد وشركات، وهو افتراض أن التحول الرقمي وصفة جاهزة وموحدة تطبق سريعاً، بينما هو عملية تطور متكاملة بما يتوافق مع متطلبات العصر وأدواته، وبالتالي فهو ليس تطبيقاً إلكترونياً أو شراء مزيد من التقنيات، بل إن التحول الرقمي هو أيضاً ثقافة أفراد وشركات وأسلوب عمل وطريقة تفكير جديدة.

وما تعلمنا إياه هذه التجارب الفاشلة للتحول الرقمي بالدرجة الأولى، هو أن نهدأ قليلاً ونعيش اللحظة. هذه اللحظة التي هي سنوات انتقالية بين العصر التقليدي، بما يحمله من مهارات تقليدية تناسب عصر الكمبيوتر والبيانات البسيطة وبين عصر الذكاء الاصطناعي والخوارزميات المعقدة، إذ إن بين العصرين فترة لا بد أن تمتد لسنوات، ولن تحصل بين عشية وضحاها. صحيح أن الانتقال سيكون سريعاً في بعض القطاعات من نموذج قائم على عمل البشر إلى قائم على عمل الآلة، لكن الكثير الكثير سينتقل بالتدريج، ما سيجعل المشهد العام لو نظرت إليه من أعلى متدرجاً كما حصل في كل حالات الانتقال من نموذج عمل إلى آخر عبر التاريخ، فالثورات الصناعية الأولى والثانية والثالثة من البخار إلى الكهرباء إلى الكمبيوتر، كلها نقلت العالم من أفراد وشركات وحكومات من نموذج عمل إلى آخر لكن بالتدريج، وبالطبع كانت الدول والمؤسسات والأفراد الأسرع في تبني نماذج الأعمال الجديدة هي الريادية في النهاية، وبقي من تخلف عن الركب أكثر من اللازم خارج المعادلة وخارج التاريخ.

قد يقول قائل “إن الذكاء الاصطناعي يقود هذا التحول بأسرع مما نتخيل، وربما تكون عملية التطور في لعبة “جو” خير مثال، حيث توقع العلماء أن يتغلب الذكاء الاصطناعي على البشر في لعبة “جو” عام 2027 لكنه تغلب على البشر في عام 2016″، هذا صحيح، وهذا ما يؤكد أن بعض الوظائف والأعمال ستشهد هذه النقلة السريعة عندما تتصف بالتكرار والروتين، كما ذكر الأستاذ غوبتا في كتابه “قيادة التحول الرقمي”. لكن لدينا اليوم فترة قد تمتد بالعموم بين خمس إلى عشر سنوات وربما عشرين، وهي فترة طويلة في عمر الأعمال ولا تحتاج منا أن نعيش في حالة من الرعب والارتباك ورفض النماذج التقليدية السائدة كلياً، لقد أصبح بعض الناس يبالغون في استخدام كلمة “ديجيتال” لدرجة أنهم يريدون أن ينسفوا كل النماذج التقليدية للأعمال فجأة ومرة واحدة، وهذا لم يحدث في أي مرحلة من مراحل التاريخ وعبر كل أنواع التكنولوجيا التي دخلت فلم تنسف كل شيء، بل تم الانتقال بالتدريج وبينما تلاشت نماذج أعمال قديمة، بقيت نماذج أخرى كثيرة كان يتوقع لها أن تندثر، وبعضها أخذ أشكالاً جديدة في الحياة. ولأن العالم اليوم وحتى سنوات قادمة هو مزيج بين “الديجيتال” و”التقليدي” فقد ظهر مصطلح هجين هو “فيجيتال” (Phygital) وهو يمزج بين “Psychical” وبين “Digital”، وسيعيش معنا هذا المصطلح الذي يجمع المفهومين معنا لفترة قادمة من الزمن.

أجيال متعددة 

وفي السياق ذاته، فإن ما تختلف به الفترة الحالية التي نعيشها من القرن الواحد والعشرين عن القرن السابق هو تشكيلة القوى العاملة التي تعيش اليوم جنباً إلى جنب في المؤسسات، فبسبب سياسات التقاعد المبكر في القرن العشرين كان فقط ثلاثة أجيال يعملون جبناً إلى جنب في الشركة الواحدة وهم: “الجيل الشاب وجيل منتصف الحياة المهنية وجيل المخضرمين ممن هم على وشك التقاعد”، بينما اليوم يتعايش أربعة أجيال جنباً إلى جنب مع امتداد فترة التقاعد على مستوى العالم، ومع ظهور جيل جديد يدخل العمل مبكراً بسبب توفر أدوات التكنولوجيا، وهم جيل (Z) الذين ولد في منتصف التسعينات وحتى بداية عام 2000، وجيل الألفية أو (Y) وهم الجيل الذي ولدي بين منتصف الثمانينات وحتى منتصف التسعينات، وجيل (X) وهم الذين ولدوا قبل عام 1980، وأضيف إليهم الجيل الرابع وهم المخضرمون من مواليد ما مرحلة الستينات، وما زالوا عاملين حتى اليوم، وربما نجد جيلاً خامساً يعود للخمسينات ما زال عاملاً حتى اليوم، وهذه ظاهرة عالمية إذ أثبتت دراسة حديثة أجريت على 143 شركة يعمل في مجموعة شركاتها 2.9 مليون شخص، بأن حوالي نصف الشركات ليس لديها خطط واضحة للتقاعد بسبب قضايا مثل نقل الخبرات من جيل إلى جيل، ومدى استعداد الجيل الأحدث للقيادة بحسب دراسة لشركة ويليز تاورز واتسون عام 2018. 

وقد أجرينا في هارفارد بزنس ريفيو العربية استطلاعاً شارك به قراؤنا وسألناهم عن عدد الأجيال التي تعمل حالياً في شركاتهم، وقد أجاب 1,128 مشاركاً من المنطقة العربية عن أسئلة الاستطلاع، وكانت النتيجة تشير إلى وجود أجيال تبدأ من مواليد الخمسينات وحتى التسعينات، وقد قسمناهم إلى أربعة أجيال يعملون جنباً إلى جنب.

لا يمكن لمؤسسة تكون تركيبة موظفيها بهذا الشكل المتنوع أن تكون “ديجيتال” فقط، وهذا أيضاً لأن تنوع موظفيها يشير إلى تنوع عملاءها المحتملين، والذين هم أيضاً خليط من المواطنين الرقميين إلى المهاجرين الرقميين إلى الأميين رقمياً. 

خطوة في الحاضر وأخرى في المستقبل

فكيف ستتعامل اليوم إن كنت فرداً أو مؤسسة من هذا النوع؟ عليك أن تكون مثل سيارة “بريوس”. كيف ذلك؟ في التسعينيات من القرن الماضي بدأ الحديث يتزايد حول مستقبل النفط في العالم وإمكانية نفاده، بالتوازي مع الحديث المتزايد حول الاستدامة، وبدأ الجميع يتحدث عن مستقبل السيارات بأنها ستكون كهربائية فقط أو معتمدة على الطاقة البديلة، تماماً كما يجري اليوم الحديث عن الانتقال من نماذج أعمال إلى أخرى مختلفة تماماً مستندة على الذكاء الاصطناعي. فماذا حصل يومها؟ كثير من شركات السيارات، بقيت على نماذجها التقليدية وقالت ضمناً “شكراً، تم العلم. وعندما يحدث ذلك سنبتكر سيارة مناسبة لذلك العصر، لكن حتى ذلك الحين فنحن باقون على ما نحن عليه”، بينما جاءت شركة مبادرة مثل تويوتا وقالت: “حسناً، ما دام هذا المستقبل قادم لنخطو على الأقل خطوة اتجاهه”، إذاً، لا يمكن لشركة سيارات البناء على تصور ذلك المستقبل حول السيارات الكهربائية في ذلك الوقت، أن تقرر الانتقال بالكامل نحو النموذج الكهربائي، في الوقت الذي لم يستعد فيه الناس ولا البنى التحتية لهذا النموذج بعد. وفي الوقت ذاته لا يمكننا تجاهل أن هذا المستقبل قادم لا محالة وبالتدريج، لذا قررت تويوتا في عام 1997 أن تنتج سيارتها الهجينة “بريوس” والتي بإمكانك تحويلها للعمل على الكهرباء أو الوقود بكبسة زر. كان هذا قبل أكثر من عشرين عاماً، وما زالت السيارات الكهربائية في مرحلة هجينة، بعضها يعمل على الوقود التقليدي، وبعضها مثل سيارة تيسلا قررت القفز إلى المستقبل والعمل على الكهرباء فقط منذ عام 2008، لكنها عاشت المعاناة في أنها سبقت السوق والمستهلك، فكان عليها القبول بحصة صغيرة من السوق، وأن تبدأ ببناء البنية التحتية في الشوارع والمدن بنفسها لشحن السيارات الكهربائية، قبل أن تنمو تدريجياً.

لكن تويوتا اختارت أن لا تخسر أياً من الزبائن وأن تضع خطوة في الحاضر وأخرى في المستقبل، وهكذا ربحت كلا الطرفين من الزبائن، وما زالت تطور سيارة “بريوس” حتى اليوم وفقاً لكل تحديثات تطرأ في مجال التكنولوجيا، ثم تبعتها باقي الشركات العالمية بالنموذج الهجين. 

وهكذا يجب أن نفكر. على طريقة تويوتا، مع اختلاف الفارق بين سرعة الانتقال من السيارة المعتمدة على الوقود إلى الكهرباء، مقارنة مع الانتقال من عصر الكمبيوتر إلى الذكاء الاصطناعي، فالمرحلة ستكون الآن أسرع مقارنة بتطور السيارات، لكن تغيير كل نماذج الأعمال في العالم لتتحول من النماذج التقليدية إلى مرحلة تغلب عليها تقنيات الذكاء الاصطناعي لن يحدث قبل جيل من الآن في أقل تقدير أي عشر سنوات، وفي ترجيحي يحتاج الأمر بين جيل إلى جيلين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .