ملخص: هناك العديد من الأساليب لإعداد الموظفين الجدد، بدءاً من برامج الإرشاد والتدريب الرسمية إلى الأنشطة الاجتماعية وفعاليات التعارف وبناء الشبكات الاجتماعية. ولكن، ما الدور الذي يجب أن يلعبه بناء العلاقات ضمن مجموعة من الموظفين الجدد في هذه العملية الأساسية؟ وجدت المؤلفتان في بحثهما الحديث أن التركيز على مساعدة الموظفين الجدد في التواصل بعضهم مع بعض قد يساعدهم على التأقلم بشكل أسرع مع بيئة العمل الجديدة، والمساهمة في العمل بشكل أسرع، والاستمرار مع الشركة لوقت أطول -لكنه عند المبالغة فيه قد يتسبب أيضاً في الحدّ من قدرتهم على النمو والتقدم. وفي ضوء تأثير غولديلوكس (تأثير الاعتدال)، تقدم المؤلفتان ثلاثة اقتراحات إلى المدراء وقادة الموارد البشرية: قم بتيسير روابط هادفة بين الموظفين الجدد، وشجع الموظفين الجدد على الموازنة بين التعارف وتعلم مهامهم في العمل، وتتبّع مقاييس إعداد الموظفين الجدد الأساسية لضمان تحديد ومعالجة أوجه النقص في بناء العلاقات لدى الموظفين الجدد أو في تطوير مهاراتهم الأساسية.
إن البدء بوظيفة جديدة قد يكون أمراً محمساً -إلا أنه لا يخلو من التحديات. بدءاً من التعرف على أعراف مكان العمل الجديد إلى اكتشاف كيفية استخدام الأدوات والعمليات الجديدة، هناك الكثير لتتعلمه في الأيام والأسابيع والأشهر القليلة الأولى. فما هي الطريقة الأفضل لمساعدة الموظف الجديد على التأقلم؟
في حين أن بعض المؤسسات تركز على برامج الإرشاد والتدريب ذات الطابع الرسمي، يولي بعضها الآخر الأولوية لبناء العلاقات بين الموظفين الجدد مع أفراد المجموعة الآخرين. ويمكن أن يساعد النهج الأخير الموظفين الجدد على الشعور بالقبول والانتماء داخل مجموعة الموظفين، ويخفف الحمل على الموظفين القدامى، ويساعد الموظفين الجدد على بناء رأس المال الاجتماعي الذي قد يفيد مسيرتهم المهنية على المدى الطويل. إلا أن بحثنا الأخير يشير إلى أن هذا النهج قد يعود بنتائج عكسية في بعض الحالات.
حيث وجدنا على وجه التحديد أن التركيز على مساعدة الموظفين الجدد على التواصل بعضهم مع بعض، على الرغم من أنه قد يساعدهم على التأقلم بشكل أسرع مع بيئة العمل الجديدة، والمساهمة في العمل على نحو أسرع، والاستمرار مع الشركة لوقت أطول، فإنه عند المبالغة فيه قد يتسبب أيضاً في الحدّ من قدرتهم على النمو والتقدم. وقد قمنا بجمع بيانات أداء واستقصاء تفصيلية من أكثر من 180 موظفاً على مدى 3 سنوات لدراسة تأثير البناء المبكر للروابط مع الأقران على مختلف المخرجات الطويلة الأجل، ووجدنا أن الموظفين الجدد الذين يتمتعون بعدد وسطي من العلاقات الوثيقة مع مجموعتهم أظهروا معدلات أكبر من الرضا الوظيفي بعد أربعة أشهر من انضمامهم إلى الشركات، وتلقوا تقييمات أداء سنوية أعلى من مشرفيهم المباشرين، كما أنهم كانوا أقل عرضة لمغادرة الشركة خلال السنوات الثلاث الأولى. ولكن، يوضح تحليلنا أيضاً تأثيراً يدعى تأثير غولديلوكس (هذا الاسم مستوحى من قصة الأطفال "غولديلوكس والدببة الثلاثة"، ويعرف أيضاً باسم تأثير الاعتدال): حيث يكافح الموظفون المبتدئون الذين لديهم عدد كبير جداً من العلاقات مع زملائهم الموظفين الجدد في الواقع لتكثيف الجهود بسرعة تضاهي أولئك الذين لديهم علاقات أقل في المجموعة.
هناك القليل من الأسباب التي تجعل إعداد الموظفين الجدد الذي يركز على المجموعة يُظهر هذه الأنواع من العوائد المتناقصة. أولاً، بينما يُنصح العديد من الموظفين بالتواصل على نطاق واسع قدر الإمكان، فإن التواصل مع الموظفين الجدد خارج مجموعتك الأساسية قد لا يضيف قيمة كبيرة عندما يتعلق الأمر بتكثيف دورك المحدد في الأشهر القليلة الأولى من الوظيفة، ويمكن أن يُشتت انتباههم عن الأنشطة الأكثر أهمية. بالإضافة إلى ذلك، حتى الموظفون الجدد قد لا يكونون مفيدين مثل الموظفين المتمرسين ذوي الأدوار المماثلة والذين يفهمون بالفعل خصوصيات وعموميات الدور والذين يكونون أكثر قدرة على تفسير المعلومات التي تبدو متناقضة من مجموعات مختلفة داخل المؤسسة والتي قد يكون لها أولويات مختلفة وتخدم وظائف مختلفة. إن الوافدين الجدد بحكم التعريف يعرفون أقل عن أدوار المؤسسة وزملاء العمل مما يعرفه الموظفون ذوو الخبرة، لذلك في كثير من الحالات، سيكونون أقل قدرة على تقديم التوجيه اللازم. كما أن التعارف المفرط الذي يقوم به الموظفون الجدد قد يشتت انتباههم عن تعلم القيام بعملهم بشكل فعلي، خصيصاً إذا لم يكن مدعوماً بأشكال أخرى من الدعم.
من ناحية أخرى، هناك أيضاً مزايا واضحة لبناء العلاقات مع الزملاء المبتدئين. فمن الشائع أن يشعر الموظفون الجدد بالقلق بشأن إزعاج المشرفين المباشرين أو زملاء العمل الآخرين المنهمكين في العمل بشأن شيء قد يبدو واضحاً وسهلاً، ما قد يتسبب في ترك العديد من الأسئلة المهمة دون إجابات. قد يشعر الموظفون الذين يتشاركون حالة "التوظيف الجديد" براحة أكبر عند طلب المساعدة بعضهم من بعض، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتفسير الإشارات غير الواضحة أحياناً التي يرسلها زملاؤهم الجدد في العمل، وقد يتمتعون برؤية أكثر وضوحاً في المشاكل التي اعتادها زملاؤهم ذوو الخبرة. فعلى سبيل المثال، إذا تم الإعلان عن خطة مشروع جديد في اجتماع لإطلاع العاملين على التطورات وكان هناك موظف جديد لا يدرك تماماً مما يعنيه هذا الإعلان بالنسبة لدوره، فقد يشعر بالارتياح لسؤال أحد أقرانه عن ترتيبات المشروع بالنسبة إليه أكثر من سؤال شخص ذي منصب أعلى -كما أن هؤلاء الأقران أكثر قابلية لملاحظة أن الإعلان قد تجاهل بعض تفاصيل التخطيط الأساسية، بينما قد لا يلاحظ موظف أقدم أن هناك أي شيء يحتاج إلى شروحات إضافية.
بالنظر إلى هذه الاعتبارات الدقيقة، ما الذي يمكن للمؤسسات فعله لضمان حصول أعضائها الجدد على قدر كافٍ من الإعداد الذي يركز على المجموعة (ولكن ليس الكثير منه)؟ لقد حددنا العديد من الاستراتيجيات المبنية على الأبحاث لمساعدة قادة الموارد البشرية على إيجاد التوازن الصحيح وتصميم برامج إعداد الموظفين الجدد التي تعود بالنفع على كل من المؤسسة والموظفين.
1. قم بتيسير روابط هادفة بين الموظفين الجدد
إن الأساليب التقليدية لإعداد الموظفين الجدد مثل جلسات التدريب الرسمية والدعم من المدراء المباشرين والموجهين قيّمة ومهمة بالتأكيد -لكن بحثنا يسلط الضوء على أهمية إيجاد طرق لرعاية الروابط الهادفة بين الموظفين الجدد أيضاً. فعلى سبيل المثال، تشجع بعض الشركات الموظفين الجدد على إنشاء ملفات تعريف داخلية ليتمكنوا من معرفة المزيد عن اهتمامات وخبرات بعضهم البعض قبل يومهم الأول في العمل. كما يمكن لفرق الموارد البشرية أيضاً أن ينشؤوا قنوات رقمية ومنتديات أخرى للموظفين الجدد لتفقد أحوالهم، ومشاركة تجاربهم، ومتابعة التعلم بعضهم من بعض على نحو منتظم.
2. شجّع الوافدين الجدد على الموازنة بين عملية التعارف وتعلم مهامهم الوظيفية
بالطبع، قد يؤدي الإفراط في التعارف إلى نتائج عكسية. حيث أظهرت الدراسات أن التعارف المفرط قد يصبح مُربكاً ومشتتاً للانتباه عن مهام العمل الفعلية، خصيصاً عندما يبدو وكأنه عملية تجارية، ما يعود بالضرر في نهاية المطاف على أداء الموظفين ورفاههم. ولمعالجة الأمر، يجب على المؤسسات تمكين الموظفين الجدد للموازنة بين مطالب إنشاء العلاقات التي قد تكون أحياناً متضاربة وتعلم إنجاز مهام العمل. وهذا يعني مساعدة الموظفين على التواصل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة على حد سواء، وذلك من خلال الأنظمة التي توفر معلومات حول الموظفين الجدد الآخرين وتسهل اللقاءات، وتشجعهم بشكل صريح على متابعة بناء العلاقات وتعلم إنجاز مسؤولياتهم الوظيفية. كما يمكن لقادة الموارد البشرية تزويد المشرفين بالموارد مثل عينة من خطط أنشطة إعداد الموظفين الجدد وأدلة إرشادية للنقاشات لضمان حصول كلا الهدفين على نصيبهما العادل من وقت الموظفين الجدد وطاقتهم.
3. حدد مقاييس إعداد الموظفين الجدد وتتبّعها
في العديد من المؤسسات، يخوض الموظفون الجدد عملية إعداد معيارية مع متابعة قليلة أو معدومة حتى وقت المراجعة التي تستغرق 90 يوماً أو حتى المراجعة السنوية. وكيف يمكنك محاولة تحسين نهجك إذا لم تكن تدري مدى نجاحه؟ يعتمد إنشاء برنامج إعداد فعال ومتوازن على مقاييس نجاح محددة جيداً -وعلى فريق ملتزم بتتبع تلك المقاييس بشكل مستمر. فبعد كل شيء، يمر العديد من الموظفين بفترة تشبه شهر العسل يتبعها انخفاض حاد في الرضا الوظيفي والأداء، لذلك من الأهمية بمكان الاستمرار في جمع التقييمات والآراء حتى بعد انتهاء فترة الإعداد الأولية.
لفعل ذلك، يجب على المدراء إجراء تفقدات منتظمة لتحديد تقدم الموظفين الجدد في بناء العلاقات واكتساب المهارات الأساسية المتعلقة بالعمل، ثم تحديد فرص الدعم وتعديل النهج وفقاً لذلك. وعندما يتعلق الأمر بالتعارف على وجه التحديد، يمكن للمؤسسات الاستفادة من الأدوات الرقمية لمساعدة الموظفين الجدد والمخضرمين على تتبع تفاعلاتهم في مكان العمل. فعلى سبيل المثال، يمكن للمدراء تزويد الموظفين بتطبيقات تظهر ملخصات أسبوعية عن الوقت الذي قضوه مع زملائهم المختلفين عبر قنوات مختلفة، مثل عدد الساعات التي قضوها في اجتماعات المشروع، أو في الفعاليات الاجتماعية، أو على القنوات المختلفة عبر تطبيق سلاك، وغيرها الكثير. وإن الوصول إلى هذه البيانات قد يساعد الموظفين ومدراءهم على التفكّر في كيفية استغلالهم لوقتهم، ومن هم الذين يتواصلون معهم، وعلى إيجاد جوانب للتحسين.
في النهاية، لا يوجد طريق مختصر لتحقيق السعاة والنجاح في العمل. ولكن مع المزيج الصحيح من أساليب الدعم وبناء العلاقات، يمكن للموظفين الجدد مواكبة سير العمل بسرعة، ما يعزز الرفاه الوظيفيّ والأداء والاستبقاء على المدى الطويل.