طرق مدعومة بالأبحاث لمساعدة الموظفين المصابين بأمراض نفسية مزمنة

7 دقيقة
الصحة النفسية

يمكن أن تبذل الشركات جهوداً أكبر لدعم الموظفين الذين يعانون أمراضاً نفسية مزمنة ومساعدتهم على تطوير استراتيجيات للتكيف خلال الفترات التي لا تظهر فيها الأعراض. تشمل هذه الاستراتيجيات:

  • الاستفادة من الدعم المهني.
  • تحديد الأدوية النفسية المناسبة.
  • تعزيز العلاقات في مكان العم…

عبر أحد الموظفين الذي يعاني مرضاً نفسياً مزمناً عن رأيه في طبيعة الدعم الذي تقدمه الشركات؛ إذ قال: "تعرف المؤسسة التي أعمل بها ما يجب فعله عند حدوث أزمة مفاجئة؛ إذ يمكنها إحالة الموظف المصاب إلى شخص متخصص كما أنها تمتلك برنامجاً جاهزاً للتعامل مع الحالات الطارئة وتوفير الدعم للموظفين، ولكنها لا تعرف كيفية التعامل مع الموظف وتوفير الدعم المستمر له بعد انتهاء الأزمة".

ركزنا في بحثنا على استكشاف الطرق التي يمكن من خلالها للشركات دعم الموظفين الذين يعانون أمراضاً نفسية مزمنة على المدى الطويل، وليس فقط خلال بداية ظهور الأعراض الشديدة. تمثل هذه المسألة ضرورة ملحة؛ إذ يعاني نحو 20% من الأشخاص البالغين في الولايات المتحدة أمراضاً نفسية مزمنة، مثل اضطراب الاكتئاب الشديد واضطراب القلق المعمم واضطراب ثنائي القطب، التي تترك آثاراً واضحة في مكان العمل.

على الرغم من انتشار الأمراض النفسية المزمنة، فلا تزال هناك معرفة محدودة لتجارب العمل التي يعيشها الأفراد المصابون بهذه الحالات، وفي المقابل، ثمة إرشادات قليلة حول كيفية دعم المؤسسات لهم بما يتجاوز تلبية احتياجاتهم الفورية عند ظهور الأعراض. وعلى عكس تحديات الصحة النفسية القصيرة المدى، مثل الاحتراق الوظيفي، لا تستطيع المؤسسات معالجة الأسباب الجذرية للأمراض النفسية، التي قد تكون ناتجة عن عوامل بيولوجية أو صدمات خارجية، وقد تستمر لسنوات أو حتى مدى الحياة في بعض الحالات.

من خلال دراسة تفاصيل تجارب الأشخاص، اكتشفنا أن ممارسات التكيف الروتينية التي تتطور خلال الفترات المستقرة التي لا تظهر فيها الأعراض، تساعد الموظفين المصابين بمرض نفسي على الاستجابة بفعالية عند ظهور الأعراض الشديدة. في هذا المقال، نقترح طرقاً يمكن للشركات من خلالها دعم الموظفين في تطوير ممارسات التكيف.

التعامل مع الأمراض النفسية في بيئة العمل

حاولنا في بحثنا الأخير، بالتعاون مع زميلنا سام ستريزفر، تحسين فهم تجارب الموظفين المصابين بأمراض نفسية مزمنة من خلال تحليل روايات مباشرة وواقعية عن الأمراض النفسية باستخدام منشورات مدونات لـ 171 شخصاً ومنشورات لـ 781 مستخدماً مختلفاً على منصة ريديت و59 مقابلة معمقة مع موظفين استمروا في أداء أعمالهم وهم يعانون أمراضاً نفسية مزمنة. بهذه الطريقة، اكتسبنا رؤى ثاقبة حول كيفية تقديم الشركات الدعم الفعال لهؤلاء الموظفين.

تتوافق بعض النتائج التي توصلنا إليها مع الأبحاث السابقة التي تناولت دعم المؤسسات للموظفين الذين يعانون تدهوراً في الصحة النفسية والأمراض الجسدية المزمنة.

كما أكد المشاركون في الدراسة ضرورة توفير دعم مخصص للتعامل مع الأعراض، مثل الممارسات التي تساعد على تقليل مشاعر الضيق أو الحزن أو القلق، بالإضافة إلى تقديم مزايا رعاية صحية جيدة وبرامج مساعدة الموظفين وتنفيذ برامج للحد من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات النفسية وتشجيع المدراء على أن يكونوا نموذجاً في مناقشة التحديات، وتوفير برامج تدريبية مرتبطة بالصحة النفسية للمدراء والموظفين الآخرين جميعهم. تتوافق النتائج التي توصلنا إليها أيضاً مع الأفكار والمبادئ الحالية حول دعم الموظفين المصابين بأمراض مزمنة، التي تؤكد أهمية الجمع بين المرونتين الرسمية وغير الرسمية، إلى جانب توفير الدعم الإداري للتعامل مع احتياجات الموظفين المتغيرة.

اكتشفنا أن الموظفين الذين تعايشوا مع ظروفهم الصحية لعدة سنوات يطورون ممارسات روتينية شخصية مخصصة للتكيف مع المرض؛ ما يعني أنهم يمتلكون مجموعة فريدة من الأساليب للتعامل مع الأعراض التي تظهر من حين لآخر. تتضمن هذه الممارسات الروتينية غالباً الانفصال جزئياً عن العمل للتعامل مع الأعراض، مثل العمل من المنزل حتى يتمكنوا من ممارسة الرياضة أو كتابة المذكرات (أي تدوين الأفكار والمشاعر لمساعدتهم على التعامل مع العواطف) في أثناء فترات الراحة للتحكم في الأعراض مع الاستمرار في إنجاز المهام الأساسية للعمل. اعتمد بعض الموظفين الآخرين ممارسات روتينية للتكيف تتضمن زيادة الانخراط في العمل خلال فترات ظهور الأعراض الشديدة؛ على سبيل المثال، وجد الأشخاص الذين يعانون القلق أن التركيز على العمل يساعد على تهدئة الأفكار المقلقة المرتبطة بحالتهم النفسية.

ممارسات التكيف الروتينية المزدوجة

بالإضافة إلى هذه النتائج الأساسية، لاحظنا وجود نقطة تشابه بارزة بين الموظفين الذين تعايشوا مع أمراضهم النفسية لفترة طويلة وحافظوا على نجاحهم المهني في مجال عملهم. طور هؤلاء الموظفون ما نسميه "ممارسات التكيف الروتينية المزدوجة"، وهي استراتيجيات قصيرة المدى لتخفيف الأعراض الشديدة عند ظهورها، واستراتيجيات طويلة المدى تطور خلال الفترات التي لا تظهر فيها الأعراض. تشمل الاستراتيجيات القصيرة المدى إجراءات مثل تطبيق أساليب العلاج المعرفي السلوكي والاتصال بصديق للحصول على الدعم عند حدوث نوبات قلق شديدة. أما الاستراتيجيات الطويلة المدى فتتضمن الأنشطة التي يمارسها الموظفون خلال فترات الاستقرار النفسي لتحسين رفاهتهم وصحتهم النفسية، مثل تحديد الأدوية النفسية المناسبة والاستثمار في إنشاء علاقات داعمة يمكنهم الاعتماد عليها عند ظهور الأعراض.

وجدنا أن الموظفين تعلموا استراتيجيات محددة طويلة الأمد من مصادر متعددة، مثل المعالجين النفسيين ومجموعات الدعم والكتب المتخصصة. وبمجرد أن عرفوا ما يناسب أعراضهم وتفضيلاتهم، بدؤوا باتخاذ خطوات لتحسين قدرتهم على التكيف عند ظهور الأعراض في المستقبل. على سبيل المثال، أخبرت إحدى الموظفات التي أجرينا معها مقابلة شخصية أصدقاءها بالعبارات التي يجب أن يستخدموها في أسئلتهم الافتتاحية في حال اتصلت بهم وهي تشعر بالضيق. بفضل هذا التخطيط المسبق، امتلكت شبكة علاقات موثوقة وفرت لها الدعم الذي تحتاج إليه خلال نوبات الاكتئاب الشديدة.

يبحث موظفون آخرون بطريقة استراتيجية ومدروسة عن طرق لاستخدام الموارد المتاحة حولهم. وأوضحت إحدى المشاركات في دراستنا، التي كانت تعاني الاكتئاب والقلق أنها كانت تجري اختباراً لزملائها في العمل. فقد تحدثت إلى زملائها بشأن ولادتها العسيرة، التي لم يكن لها علاقة بمرضها النفسي، واستخدمت ردود فعلهم لتحديد قدرتهم على تقديم الدعم المناسب في حال تعرضها لأعراض الاكتئاب في مكان العمل. إذا اعترف أحد الزملاء بصعوبة قصتها دون محاولة تلطيف الأمر أو إضافة جانب مشرق للقصة، فقد كانت ترى أنه مصدر دعم محتمل يمكنها الاعتماد عليه للتكيف القصير المدى عند مواجهة نوبات اكتئاب في المستقبل. أما إذا رد زملاؤها بعبارات مثل "حسناً، على الأقل رزقت بطفل يتمتع بصحة جيدة"، فقد كانت تدرك أنهم لن يستطيعوا الاستماع إلى معاناتها والتكيف مع شعورها بالضيق بطريقة تسمح لهم بدعمها بطريقة فعالة.

دعم الموظفين في فترات عدم ظهور الأعراض

تتوافر إرشادات كثيرة حول كيفية دعم الشركات للموظفين عندما يشعرون بالضيق والقلق، مثل توفير إمكانية الوصول إلى المستشارين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من خلال برامج مساعدة الموظفين وتشجيع المدراء على استخدام لغة مناسبة في أوقات الأزمات الإضافة إلى تقديم خدمات الاشتراكات في تطبيقات الصحة النفسية. لهذا السبب، نركز اقتراحاتنا على دعم الموظفين لتطوير استراتيجيات طويلة المدى خلال الفترات التي لا تظهر فيها الأعراض الشديدة، وهو أمر لا يفعله سوى عدد قليل جداً من المؤسسات.

على عكس الموظفين الذين يعانون تحديات الصحة النفسية أول مرة، مثل الاحتراق الوظيفي، فإن الموظفين الذين يعانون أمراضاً نفسية مزمنة لا يحتاجون غالباً إلى إرشادات من شركاتهم حول كيفية التعامل مع حالاتهم. أشار معظم المشاركين في بحثنا إلى أنهم لا يحتاجون إلى دعم مباشر من المدير أو ممثل الموارد البشرية للتعامل مع الأعراض عند ظهورها. وبدلاً من ذلك، قالوا إنهم يحتاجون إلى أن تعمل مؤسساتهم على إزالة الحواجز التي تمنعهم من تطوير استراتيجيات تكيف طويلة المدى خلال الفترات التي لا تظهر فيها الأعراض.

هذه النصيحة مفيدة تحديداً للقادة في المؤسسات الصغيرة التي لا تمتلك ميزانية كافية لدعم برامج الأمراض النفسية أو مبادرات الصحة النفسية الشاملة التي يمكن للشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات تحمل تكاليفها. فيما يلي 3 استراتيجيات للتكيف على المدى الطويل، التي استخدمها المشاركون في دراستنا لتحسين قدرتهم على التعامل مع الأعراض القوية عند ظهورها، مع توضيح كيفية دعم الشركات لهم في تطوير هذه الاستراتيجيات:

تعزيز العلاقات مع زملاء العمل والمدراء

تحدث العديد من المشاركين في الدراسة عن أهمية إنشاء علاقات قوية وداعمة في مكان العمل. تكتسب هذه العلاقات قيمة كبيرة لأن زملاء العمل يفهمون ضغوط العمل التي يمكن أن تحفز ظهور الأعراض، مثل تفاصيل بعض سياسات العمل أو أسلوب التعامل أو التواصل لدى أحد الزملاء. عبر الموظفون المصابون بأمراض نفسية عن تقديرهم لعدم اضطرارهم إلى توضيح التفاصيل أو شرح السياق للحصول على الدعم عندما يشعرون بالضيق والقلق. يمكن للمدراء في المستويات المختلفة دعم إنشاء مثل هذه العلاقات من خلال اتخاذ الإجراءات التالية:

  • تصميم الحيز المكتبي بحيث يكون هناك مزيج من المساحات المشتركة والشخصية بما يتيح للموظفين فرصاً للتفاعل والتواصل الودي خلال فترات الاستراحة بين المهام.
  • تخصيص وقت للموظفين للتواصل الاجتماعي.
  • تشجيع الموظفين على مناقشة اهتماماتهم الشخصية غير المتعلقة بالعمل، مثل الهوايات المشتركة.
  • تجنب فرض إنشاء العلاقات؛ إذ أشار المشاركون في الدراسة إلى أن الضغط على الموظفين لتكوين علاقات مع الزملاء يؤدي غالباً إلى إنشاء علاقات غير حقيقية تسبب القلق والتوتر.
  • تحدث عن مشكلاتك الصحية المزمنة، إذا كان ذلك مناسباً، لتشجيع الموظفين الذين يعانون أمراضاً نفسية على مناقشة حالاتهم دون خوف من وصمة العار.

تطوير أنظمة دعم خارج نطاق العمل

أشار المشاركون في الدراسة جميعهم تقريباً إلى أهمية وجود أشخاص موثوقين ومقربين خارج بيئة العمل، مثل الأصدقاء أو أفراد العائلة الذين يقدمون الدعم خلال فترات ظهور الأعراض ويسهمون في تعزيز رفاهتهم العامة خلال الفترات التي لا تظهر فيها الأعراض. كان هذا الأمر مهماً تحديداً بالنسبة للأشخاص الذين يعملون في قطاعات ترى أن مناقشة الأمراض النفسية من الأمور المحرمة وأيضاً بالنسبة لأولئك الذين يفضلون فصل حياتهم الشخصية عن العمل.

يمكن للمدراء دعم تطوير هذه الأنظمة من خلال توفير ظروف عمل مرنة فيما يتعلق بالجداول الزمنية وأماكن أداء المهام. في كثير من الأحيان، تكون هناك فرص أو مساحة أكبر لتطبيق المرونة في العمل أكثر مما يدركه القادة. تتبنى المؤسسات من الأحجام المختلفة، بدءاً من الشركات الناشئة الصغيرة إلى الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات مثل شركة مايكروسوفت ممارسات العمل المرنة.

الاستفادة من الدعم المهني

على الرغم من أن العلاج النفسي أو الدواء قد لا يكون مناسباً للجميع، فإن غالبية المشاركين في الدراسة التي أجريناها أكدوا أن العلاج المهني ساعدهم على إيجاد أدوات فعالة للتعامل مع الأعراض ووفر لهم دعماً مستمراً لتقليل حدة الأعراض التي تظهر من حين لآخر. هذا الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو عليه؛ فالعثور على الدعم المناسب يتطلب التجربة والخطأ، وقد وصف المشاركون في دراستنا أنهم قضوا وقتاً طويلاً وبذلوا جهداً كبيراً في تجربة علاجات متعددة وخبراء متخصصين مختلفين قبل العثور على الدعم المناسب. يمكن للقادة مساعدة الموظفين على الاستفادة من الدعم المهني من خلال الإجراءات التالية:

  • إزالة العوائق التي تحول دون الحصول على الرعاية من خلال توفير المزايا الطبية التي تتضمن دعماً قوياً لعلاج الأمراض النفسية وتتيح للموظفين اختيار الخبراء المتخصصين الذين يمكنهم خدمة المرضى من خلفيات ثقافية ومهنية متنوعة.
  • تقليل الحواجز أمام العثور على أنواع بديلة من الدعم المهني. يمكن للمدراء مساعدة الموظفين من خلال توفير معلومات جاهزة ومتاحة بسهولة حول مجموعة متنوعة من المصادر، مثل مجموعات الدعم والمعالجين الذين يستخدمون أساليب علاجية مختلفة. يمكن لمتخصصي الموارد البشرية إعداد قائمة تحتوي على مصادر متنوعة وتوزيعها على المدراء؛ حتى أقسام الموارد البشرية الصغيرة يمكنها جمع المعلومات من المؤسسات غير الربحية مثل التحالف الوطني للأمراض النفسية أو من خلال الاستعانة بالمصادر الحكومية مثل أداة تحديد مراكز العلاج التابعة لإدارة خدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان الأميركية، لإنشاء قائمة مفيدة للمدراء.

يمكن أن يحقق الموظفون الذين يعانون أمراضاً نفسية مزمنة قيمة استثنائية للشركات، فالشركات التي لا تكتفي بتقديم الدعم خلال فترات ظهور الأعراض، بل تراعي احتياجات الموظفين خلال فترات الاستقرار التي لا تظهر فيها الأعراض، يمكنها مساعدة الموظفين المصابين بأمراض نفسية مزمنة على الازدهار والنجاح داخل مكان العمل وخارجه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي