يقول الكاتب الأميركي مارك توين: "أهم يومين في حياتك هما اليوم الذي ولدت فيه واليوم الذي تكتشف فيه لماذا أنت وُلٍدت".
يثير هذا القول العديد من التساؤلات المهمة: ما تريد أن تفعل؟ وما هو هدفك الحقيقي؟ ولماذا أنت هنا الآن تؤدي هذا العمل؟
قبل فترة وجيزة كنت أزور إحدى الأماكن المفضلة لدي وهي مدينة أنتيغوا في غواتيمالا، وصادف أن أعجبت كثيراً في لوحات رُسمت بالألوان المائية لفنان يدعى جيراردو، وهو أحد فناني الشوارع الذين الذين عملوا طوال الوقت على رسم مناظر طبيعية رائعة. رغبت في شراء إحدى أعماله الفنية ولكن لم يكن قد تبقى أي منها؛ باستثناء لوحة كان لا يزال يعمل عليها والتي لم تكن مكتملة بعد. وقبل مغادرتي البلاد أصريت على شراء تلك اللوحة وطلبت منه الحصول على سعر مخفّض لأنها غير مكتملة.
لكن جيراردو طلب مني ضعف المبلغ الذي يتقاضاه عادة. أثار ذلك دهشتي وشعرت بالانزعاج بعض الشيء، وسألته لماذا يريد تقاضي مبلغاً مضاعفاً مقابل عمل غير مكتمل. أجاب جيراردو: "لأنك تحرمني من متعة القيام بعمل أحبه حقاً". دفعت له ما طلبه وأنا أعلم أنني تلقيت درساً في الحياة لا يقدر بثمن، وهو إذا كان على شخص ما أن يدفع لك مقابل توقفك عن عمل تقوم به، فأنت حقاً تحب ذلك العمل.
هل تحب ما تفعله؟
لا تزال القدرة على إحياء شغفك باستمرار وصقل موهبتك، الركيزة الأساسية لبناء سيرة مهنية قيمة. إذا كنت تحب عملك، فإن الجهد الذي تبذله لأجله سيتحول إلى متعة.
يقول ستيف جوبز، مؤسس شركة "آبل"، خلال كلمته التي ألقاها في جامعة "ستانفورد" في العام 2005: "يجب علينا النظر في المرآة كل صباح وسؤال أنفسنا: إذا كان اليوم هو آخر يوم في حياتي، فهل أريد فعل ما أنا عازم على فعله اليوم؟"، وأضاف أنه إذا كانت الإجابة سلبية لعدة أيام متتالية، فقد حان وقت التغيير.
من ستيف جوبز إلى شخصية الرسوم المتحركة سنوبي
إن العثور على الشغف وإحيائه باستمرار طوال مسار حياتك المهنية ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس مستحيلاً أيضاً. لقد صبّ تشارلز شولتز، المبتكر الأسطوري لشخصيتي الرسوم المتحركة تشارلي براون وسنوبي في سلسلة القصص الفكاهية "بيناتس" (Peanuts)، الشغف والحب والإبداع في نفس المهنة لمدة 50 عاماً.
بدأ شولتز بنشر رسوماته في العام 1950، وفي الثالث من شهر يناير/كانون الثاني في العام 2000، أي بعد نصف قرن من النجاح الاستثنائي، قرر التقاعد وإنهاء السلسلة الكارتونية، ويقول: "عائلتي لا ترغب في أن يُكمل شخص آخر قصص بيناتس". في جزئه الأخير، كتب شولتز أن رسم "بيناتس" كان حلم حياته. وتوفي قبل يوم واحد من نشر القصة الأخيرة في 12 فبراير/شباط من العام 2000 عن عمر يناهز 77 عاماً. وكانت عبارة عن صورة موجزة ومؤثرة وتعبير واضح عن حبه لما فعله 17,897 مرة (وهو عدد القصص) على مدى 50 عاماً.
إن العثور على ما نحبه وجعله مهنتنا في الحياة يساعدنا على التفوق والشعور بالسعادة والحفاظ على ذهننا متقد بالنشاط. لقد رسم بابلو بيكاسو مئات أعمال الفنية وهو في الثمانينيات من عمره. ويمكن القول إن بروس سبرينغستين لا يزال أفضل فنان روك على وجه الأرض بعد 40 عاماً من نشره لفنه، وستدرك أنه يحب ما يفعله إذا رأيته يؤدي أغانيه وموسيقاه. وفي عمر 86، كان الفنان والطاهي غوالتييرو ماركيزي لا يزال يدمج الجمال مع الذوق الرفيع. إن الشغف ليس حكراً على سن الشباب، بل إنه يُبقي إحساس الشباب في داخلنا. خذ على سبيل المثال رواد الأعمال والفنانين والكتّاب؛ إنهم دائماً في ذروة عطائهم حتى مع تقدمهم في السن، ويبقى عملهم سنداً لهم بدلاً من إعلان عجزهم. يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: "اختر وظيفة تحبها، ولن تضطر إلى العمل أبداً".
كيف يمكنك معرفة ما إذا كنت تحب عملك؟ بالعودة إلى العام 1961، وصف ميهاي تشيكسنتميهاي، عالم النفس الهنغاري، السعادة بأنها حالة من "التدفق"، مشيراً إلى التركيز التام الذي يأتي عندما ننغمس في أنشطة مثل الفن واللعب والعمل.
انظر إلى الأطفال عندما يلعبون، إنهم يركزون بشدة على ما يفعلونه وينسون العالم من حولهم. فهم إذاً في حالة تدفق أو "في المنطقة الآمنة". قد لا يمكننا اللعب داخل مكاتب عملنا، ولكن ذلك الانغماس الممتع فيما نقوم به يحمل لنا الكثير من المعاني والدروس.
دعونا نتوقف قليلاً ونفكر فيما كنا نفعله عند آخر مرة كنا فيها في المنطقة الآمنة. ما هي الأنشطة التي كنا نفعلها حينها؟ على سبيل المثال، إذا عدنا ذات يوم من العمل منهكين، ولكن كما لو حدث سحراً معيناً معنا، جعلنا نشعر بإحساس متجدد من الحماس وبدأنا بنشاط جديد، سواء كان ذلك تعلم لغة جديدة أو تطوع من أجل قضية مهمة بالنسبة لنا. كذلك قد يساعدنا إدراك شغفنا على توجيه مستقبلنا المهني إلى منحى جديد.
سواء كنت تسمي تلك الحالة "تدفق" أو "الحضور في المنطقة الآمنة"، فإن القدرة على استيعاب أنفسنا بالكامل في المكان واللحظة؛ تحمل سر السعادة بين طياتها، ونحن محظوظون لأنها يمكن أن تدعم حبنا لعملنا مدى الحياة.