كان هناك صبي صغير اعتاد الجلوس في الجانب الخلفي من الصف الدراسي. ومع أنه كان يُمعن النظر في دفتره، ويُمسك قلمه في يده، لكنه كان يفكر بعيداً عن ذلك المكان، ويحلّق بحلمه الواسع الذي بدأ يتشكل وتظهر ملامحه في مخيلته. كتب الصبي في دفتره الأحرف الأولى من اسمه بعد عبارة "مجموعة شركات"، ورسم أول "شعار" ليشكل بداية الهوية. وعندما رأى تلامذة آخرون ما كان يخطّه، أطلقوا عليه لقب "الحالم"، ظناً منهم أن حلمه مستحيل، لكنه لم يأبه لنكاتهم التي كانوا يتندرون بها عليه، بل زادته عزيمة وتصميماً، لجعل هذا الحلم حقيقة على أرض الواقع.
هذا الصبي هو موفق أحمد القداح، والدي مؤسس ورئيس مجموعة "ماج"، إحدى أكبر الشركات متعددة الجنسيات في المنطقة. وبصفته رجل عصامي، سعى بكل طاقاته لترجمة حلم طفولته، وبنائه خطوة خطوة، ونقل إلهامه إلى أبنائه لمواصلة إرثه.
يمكنني القول إنه أكثر من مجرد أب، لأنني أرى فيه قدوتي منذ البدايات الأولى التي أذكرها في سنوات الطفولة والصبا، بل إن تصميمه على النجاح أمام كل الصعاب عزز عزيمتي لتحقيق أهدافي. يُعد هذا النوع من الطموح هو ما أريد أن أنقله إلى ابني في المستقبل، لأن الدروس التي استقيتها من أبي لعبت دوراً حيوياً في بلوغ ما أنا عليه اليوم. والآن، وبعد أن أصبحت أباً، جاء دوري لنقل الدروس ذاتها إلى الجيل القادم. وأود مشاطرة بعضها معكم هنا في هذا المقال.
1- ابحث عن السعادة في كل شيء
أذكّر نفسي بهذا الأمر كل يوم، فنحن البشر ربما يعترينا تحيز نفسي للميل نحو السلبية. لقد وجد مارسيال لوسادا، عالم النفس التشيلي، أن كل واحد منا بحاجة إلى ثلاث إيجابيات لمعادلة شعور سلبي واحد. ومع ذلك، أجد أن هذا النوع من الممارسة يساعد كثيراً. وإذا كنت تدرب عقلك بطريقة واعية لرؤية الأبعاد الإيجابية في كل شيء، سيقودك ذلك إلى حياة أسعد، وستشعر بمستوى أعلى من الرضا والقناعة. وبطبيعة الحال، أود من ابني التصرف على نفس المنوال، لذلك لا أتوقف عن توجيهه للنظر دائماً إلى الجانب المشرق من الحياة.
2- الأمور لن تحدث دائماً حسب رغبتك
نحن الآباء نود أن نوفّر لأطفالنا أفضل حياة ممكنة. ويبدو أن أسهل طريقة لفعل ذلك هي تحقيق كل رغباتهم وأمنياتهم. لكن ربما يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية للهدف الأسمى المتمثل في إكسابهم القدرة الذاتية عندما يكبرون. صحيح أنه يعز علينا كثيراً رفض طلبات أبنائنا، لكننا مجبرون على ذلك، لأنه من المهم لهم معرفة أن الأمور لا تحدث وفق ما يشتهون على الدوام.
3- العثرات ليست مشكلة بحد ذاتها، ولكن الأهم النهوض والانطلاق من جديد
يؤمن والدي بأهمية الأخطاء، لأنه عندما نتعلم من إخفاقاتنا، نُصبح أكثر قدرة على التطور وتحسين الأداء. وبالقدر الغريزي الذي يدفعني لحماية ابني من العثرات في حياته، أعتقد أنه من المهم بالنسبة له أن يتعلم كيفية التعامل معها. وأريد منه أن يفهم معنى الفشل في مسيرته، ليكتسب المزيد من القوة، والعودة للوقوف على قدميه مجدداً بعد كل حالة فشل.
4- تطلع إلى الغد
ابتكر اليوم لتزدهر غداً. هذه هي الفلسفة التي اعتمدناها في بناء "ماج للتطوير"، التي غرسها والدي فينا في سن مبكرة. ولمواكبة عالمنا المتطور والمنافس بوتيرة سريعة، أُحث ابني على التفكير بطرق بعيدة عن التقليد، وأن يكون مبتكراً في رؤيته، ويطرح أفكاراً جريئة ومستقبلية عند مناقشة أي مسألة.
5- لا تقبل بالحلول الوسطى
عندما يتحدث والدي عن رؤيته لعائلتنا ومجموعة "ماج"، هناك جانب ثابت من الحكمة يأبى التنازل عنه، خاصة إذا كان يبتعد عن الرؤية التي وضعها، وكأنه هنا يتخذ من بيت لأبي الطيب المتنبي شعاراً له:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
ومع ذلك، تقول الحكمة التي تتبناها عائلة القداح: "إذ كنت تتطلع لبلوغ القمر، يجب عليك التأكد من الهبوط على سطحه، وليس على أي كوكب مجاور".
وعندما يتعلق الأمر بدروس الحياة، يُعد الجانب المتعلق "بالحياة" في هذه المعادلة هو الأكثر أهمية حقاً، لأن الدروس تستقى من خلال التجربة، لذلك، فإن تشجيع أطفالنا على فعل ذلك، يُعد بالفعل جوهر التنشئة المثالية.