لماذا تفشل الشركات الناشئة؟ 6 أخطاء قاتلة يجب تجنبها

17 دقيقة
متحف الفشل
ريتشارد موريل/غيتي إميدجيز

يعمل المؤسِّسون بجد لبناء شركاتهم الناشئة، ويعمل أصحاب رؤوس الأموال المغامرة بجد لتحديد الشركات الواعدة والاستثمار فيها. لكن الحقيقة المُرة هي أن الفشل لا مفر منه؛ إذ تظهر بيانات حديثة أن حالات فشل الشركات الناشئة في الولايات المتحدة زادت بنسبة 60% خلال عام 2024.

هناك العديد من العوامل التي تسهم في فشل شركة أو منتج. جمعتُ عيّنات من أكثر من ألف منتج فاشل وشركة فاشلة في فهرس للتعمق في فهم المخاطرة والفشل، مثل دمى الجوارب من شركة بيتس دوت كوم (Pets.com) وعلب غير مفتوحة من نيو كوك (New Coke) وزوج من نظارات جوجل؛ وأُطلقت على مجموعتي هذه اسم "متحف الفشل" (the Failure Museum).

أدركت خلال دراسة هذه المجموعة أن حالات الفشل التي عرضتها تندرج في 6 فئات أطلقت عليها اسم "أسباب الفشل الستة"، وأشجّع المؤسسين والمدراء التنفيذيين بشدة على مراعاة إشارات التنبيه هذه قبل أن يسبب أي منها كارثة في شركاتهم.

أسباب الفشل الستة

1. عدم ملاءمة المنتج للسوق

تشترك المنتجات الفاشلة جميعها بعامل واحد، وهو قلة عدد العملاء الذين يرون سبباً مقنعاً لشرائها، ربما السبب هو السعر أو  ميزات المنتج، وربما يكون المنتج مقبولاً ولكنه غير ضروري، أو ربما لأن العملاء لا يتوقعون أن الشركة المصنعة تنتجه بالفعل.

تتمتع شركة هارلي ديفيدسون (Harley Davidson) بسمعة طيبة في مجال عملها الأساسي، وهو صناعة الدراجات النارية. لكن الشركة فشلت عندما طرحت عطراً ودخلت سوقاً تنافسية جداً تهيمن عليها علامات تجارية كبرى مثل أرماني (Armani) وكالفن كلاين (Calvin Klein) وفرزاتشي (Versace). واجهت عمليات طرح المنتجات غير المدروسة التي أجرتها شركات مثل برغر كينغ (التي أنتجت عطراً أيضاً) وتشيتوس (التي أنتجت مرطب شفاه وظلال العيون) المصير نفسه.

قد تواجه الشركة مشكلة كبيرة إذا استثمرت بكثافة في التصنيع والتوزيع والتسويق والمبيعات قبل أن تتحقق من التوافق بين رغبة المشترين المحتملين والقيمة المقترحة للمنتج. هناك عبارة تصف هذه الحالة: حل مقترح لا يحل أي مشكلة.

2. سوء الإدارة المالية

تفشل أغلبية الشركات لسبب بسيط: نفاد المال. تتضمن العوامل التي قد تسبب نفاد أموال الشركة قبل أن تتمكن من نشر منتجها بنجاح تراكم الديون والتراخي في ضوابط الإنفاق وارتفاع تكاليف اكتساب العملاء والاعتماد المفرط على مصدر دخل واحد أو عميل واحد، وغيرها الكثير.

انطلقت خدمة ويب فان (Webvan)، وهي خدمة توصيل البقالة عبر الإنترنت، في 10 مدن وجمعت 757 مليون دولار قبل أن تثبت نجاحها في سوق واحدة فقط. تطلب تطبيق نموذج عمل هذه الخدمة، الذي يركّز على امتلاك مراكز التوزيع وتشغيلها وتوظيف السائقين، استهلاك رأس المال هذا بأكمله لمجرد تشغيل الشركة.

كانت شركة بيع السلع المنزلية بالتجزئة، بيد باث آند بيوند (Bed Bath & Beyond)، رائدة في مجال تجارة التجزئة للسلع المنزلية، وكان لديها أكثر من 1,500 متجر عام 2018. لكن بدلاً من استخدام التدفق النقدي للاستثمار في الأعمال التجارية، أنفقت الشركة 11.8 مليار دولار لإعادة شراء أسهمها الخاصة منذ عام 2004، ما أدى في النهاية إلى إفلاسها عام 2023.

تكون أحياناً تكلفة الحصول على عميل ودعمه مرتفعة جداً لدرجة أن القيمة الدائمة لهذا المشتري لا تتمكن من تعويضها. كما أن الشركات التي تعتمد على عمليات الاستحواذ لإضافة خطوط إنتاج أو قطاعات سوقية جديدة تنفق الكثير من المال غالباً وتجني أرباحاً غير كافية في المقابل. على سبيل المثال، استحوذت شركة كومباك (Compaq) التي تصنع أجهزة للكمبيوتر على شركة ديجيتال إيكويبمنت كورب (Digital Equipment Corp) اختصاراً "دي إي سي" (DEC) عام 1998، وكانت هذه حينها أكبر عملية اندماج في قطاع الكمبيوتر في التاريخ. أرادت كومباك توسيع بصمتها العالمية بالاستفادة من حضور شركة دي إي سي في الأسواق الخارجية، ولكن الشركتين لم تندمجا بالكامل، واستحوذت شركة آتش بي (HP) في النهاية على كومباك عام 2002 بعد أن عانت هذه الأخيرة صعوبات مالية.

3. إهمال نجاح العملاء

تنجح العلامات التجارية عندما تقدم الشركات تجربة إيجابية للعملاء، ويمكن أن يؤدي الفشل في فهم تصور العملاء للنجاح إلى تقويض هدف الشركة المتمثل في إرضائهم على المدى الطويل. ينفّر العديد من العوامل حتى أكثر العملاء إخلاصاً، ومنها الميزات غير الملائمة لاحتياجاتهم والجودة المنخفضة وضعف دعم العملاء واعتقادهم أن القيمة التي يحصلون عليها منخفضة مقابل المال الذين يدفعونه.

كان جهاز نيوتن (Newton) من شركة آبل رائداً في سوق أجهزة الحوسبة المحمولة باليد، وكان العديد من ميزاته، مثل التعرف على خط اليد وإدارة جدول المواعيد، ثورياً قياساً بميزات الأجهزة المحمولة في عام 1993. لكن الشركة تسرعت في طرحه في السوق، وكانت قدرته على التعرف على ما يكتبه المستخدم بدقة أقل بكثير من التوقعات. أصبح هذا الجهاز أضحوكة بالنسبة للمستخدمين بسبب أوجه القصور التي عاناها، خصوصاً في سلسلة الرسوم الهزلية دونزبيري (Doonesbury) ومسلسل ذا سيمبسونز (The Simpsons). اعتاد العملاء دفع مبالغ باهظة مقابل منتجات آبل، لكن جهاز نيوتن لم يتمتع بالقيمة التي توقعوها.

هناك جهاز آخر غني بالميزات، وهو غالاكسي نوت 7 (Galaxy Note 7) باهظ الثمن من شركة سامسونج الذي نال الثناء عندما طرحته الشركة في الأسواق عام 2016 بسبب جودة تصميمه ودعمه لتقنية المدى الديناميكي العالي (HDR) وواجهة المستخدم الأنيقة فيه. مع ذلك، في غضون عام من إصداره، سحبت الشركة 2.5 مليون هاتف من هذا الطراز بعد أن أبلغ العملاء عن ارتفاع درجة حرارة البطارية وحتى انفجارها.

4. المنافسة الساحقة

حتى إن كانت المؤسسة تتمتع بقدرة كبيرة على الابتكار، فإن الشركات والمنتجات جميعها تواجه المنافسة، وطريقة التعامل مع هذه المنافسة بالغة الأهمية. إن محاولة كسب الثقة بين عملاء الشركات المنافسة المخلصين هي تحدٍّ كبير، ولكن العكس صحيح أيضاً؛ إذ إن المؤسسات الراسخة والراضية عن نفسها قد تفشل في مواكبة المؤسسات المبتكرة وتخسر السوق التي كانت تهيمن عليها في السابق، خاصة في القطاعات التي تعتمد على التكنولوجيا بدرجة عالية.

قد تصبح المنتجات المزعزِعة اليوم قديمة غداً، والتهديدات التي تواجهها لها العديد من المصادر، مثل تركيز المنافسين على السوق الفخمة أو سوق البضائع الرخيصة، أو استنزاف منافس شرس للموارد . (الشركات التي تعتمد كثيراً على الملكية الفكرية معرضة لهذا التهديد بصورة خاصة).

على سبيل المثال، كان موقع ماي سبيس (Myspace) مهيمناً في مجال التواصل الاجتماعي، وأصبح على مدى فترة وجيزة الموقع الأكثر زيارة في الولايات المتحدة في ذروته عام 2006. لكنه فشل في الابتكار ولم يتتبع عادات مستخدميه الشباب المتغيرة بسرعة وتراجع بسرعة مقارنة بموقع فيسبوك، وهي فجوة لم يستطع جَسرها قط. استثمرت جنرال موتورز، أكبر شركة أميركية لصناعة السيارات، أكثر من 10 مليارات دولار في خدمة سيارات الأجرة الروبوتية، كروز (Cruise). كان تطوير خدمة سيارات الأجرة الروبوتية على رأس أولويات الشركة عندما أطلقت هذه الخدمة عام 2016، لكن خدمة كروز فشلت في مجاراة الشركات المنافسة مثل وايمو (Waymo) وتيسلا (Tesla)، كما أن حوادث السلامة التي تعرضت لها مجموعات سيارات كروز أدخلت الشركة في خلاف مع الجهات الرقابية مراراً وتكراراً. في نهاية المطاف، أغلقت جنرال موتورز وحدة تطوير سيارات الأجرة الروبوتية عام 2024 وأوقفت العمل على خدمة كروز التي سببت خسارتها للكثير من الأموال.

5. التوقيت السيئ

يمكن أن تؤدي التغيرات غير المتوقعة في الاقتصاد الكلي أو التكنولوجيا أو الشؤون العالمية أو ديناميكيات السوق إلى إفشال المنتجات والشركات التي تُصنعها. قد تنسف الضرائب أو التعرفات الجديدة التوقعات المالية وتضعف قبول العملاء. كما أن اعتماد التكنولوجيا الجديدة قد يكون بطيئاً جداً إذا كانت تتطلب بنية تحتية مادية داعمة أو منظومة شركاء كبيرة.

لكن أحياناً، قد تكون الشركات نفسها مسؤولة عن الضرر الذي تعرضت له بسبب سوء التوقيت؛ أي دخول السوق في وقت مبكر جداً أو متأخر جداً. قد يجعل اللحاق بركب سوق نشطة جمع رأس المال سهلاً، ولكن الحصول على التمويل قد يصبح صعباً عندما يبدأ نشاط هذه السوق بالتراجع.

هاتف أمازون فاير (Amazon Fire) هو من الأمثلة الأخرى التي تبين أن النجاح في سوق ما لا يعني النجاح في سوق أخرى. انتشرت إشاعات على مدى سنوات بأن أمازون تعمل على تطوير هاتف، وكان المستخدمون يترقبون بشدة هذا المنتج عندما طرحته الشركة في يونيو/حزيران 2014. على الرغم من أن هذا الهاتف اعتمد على العديد من الابتكارات التكنولوجية وتمتع بسعر تنافسي، فإن طرحه جاء بعد 7 سنوات من إطلاق هاتف آيفون و6 سنوات من إطلاق أول هاتف أندرويد. لا عجب أن هاتف أمازون لم يلحق بالركب قط، وأوقفت الشركة تصنيعه بعد عام واحد.

من إحدى النواحي، كان توقيت تأسيس شركة هوبين (Hopin) البريطانية الناشئة للفعاليات الافتراضية مثالياً. تأسست هذه الشركة قبل سنة من جائحة كوفيد-19، ما أدى إلى تبنّي خدماتها على نطاق واسع مع تزايد القيود المفروضة على السفر ومتطلبات التباعد الاجتماعي التي جعلت الفعاليات الشخصية غير ممكنة. بعد أن بلغت ذروة تقييم الشركة 7.8 مليارات دولار عام 2021، انخفض الطلب مع عودة الناس إلى الفعاليات المباشرة. شهدت هوبين 3 جولات من تسريح الموظفين قبل بيعها لشركة رينغ سنترال (RingCentral) مقابل 15 مليون دولار عام 2023.

6. فريق قيادة ضعيف

توظيف المواهب والاحتفاظ بها وتحفيزها هو مهمة لا تنتهي، فضلاً عن التحدي المتمثل في دمج الأفراد في فريق متماسك وفعال. يمكن أن يؤدي الخلل الوظيفي على مستوى القادة إلى تراجع أداء المؤسسة بأكملها بسرعة، ما يؤدي بدوره إلى انخفاض المعنويات.

شركتا ثيرانوس (Theranos) وإنرون (Enron) هما مثالان أساسيان على الحالات التي تقود فيها الفِرق التنفيذية الضعيفة وغير الأخلاقية شركاتها إلى الهاوية. أخفت إنرون كمية هائلة من الديون والأصول العديمة القيمة والسوق عن الجهات التنظيمية والمستثمرين، أما ثيرانوس فقد عرّضت صحة المرضى للخطر وخدعت مستثمريها أيضاً. في كلتا الحالتين، مثّلت ممارسات القيادة غير المسؤولة فشل الطرف المسؤول عن الحوكمة والإشراف؛ أي مجلس الإدارة.

يمكن أن نستخدم الشركتين مثالاً على سبب سابع للفشل أيضاً، وهو الاحتيال الصريح. لكن كشف الاحتيال صعب جداً في البداية، ويمكنك أخذ قصة المحتال بيرني مادوف مثالاً على ذلك، إذ استمر في الاحتيال على المستثمرين 40 عاماً.

الاستفادة من دروس الفشل

ما الذي يمكن أن يفعله رواد الأعمال لتجنب الفشل أو على الأقل التعلم منه؟

1. التركيز على أساسيات العمل.

كانت السنتان الأخيرتان صعبتين بالنسبة للشركات الناشئة، وكان التمويل شحيحاً في بعض الأحيان. لذلك، من الضروري أن تستخدم الشركات رأس المال بكفاءة. يجب ألا تدخل الشركات السوق إن لم تكن واثقة من أن المنتج ملائم لها.

على سبيل المثال، أطلقت شركة إي إس بي إن (ESPN) هاتف إي إس بي إن المحمول وأوقفته عام 2006. عرض هذا الهاتف نتائج المباريات الرياضية ومحتوى إي إس بي إن فقط، ما جعله منتجاً معقولاً وليس منتجاً لا غنى عنه، حتى بالنسبة لأكثر المهتمين بالرياضة تعصباً.

2. بناء فريق على مستوى عالمي.

يجب على المؤسسين أن يحيطوا أنفسهم بمدراء وأعضاء مجلس إدارة ومستثمرين ذوي خبرة وملتزمين ويتمتعون بالكفاءة. فشل مجلس إدارة شركة وي وورك (WeWork) في اكتشاف انتشار ثقافة الإنفاق المفرط في الشركة، ولم يفرض الانضباط المالي.

3. اجعل نجاح العملاء أولويتك الأولى.

بغض النظر عن القطاع، يعتمد نجاح الشركة الناشئة كثيراً على أن يكون مستوى رضا العملاء الأوائل عالياً. اختر الزبائن الأوائل الذين يمثلون السوق الكبرى التي تحاول خدمتها واحرص دائماً على التماس ملاحظاتهم والانتباه لها.

كان من الأفضل للإدارة في شركة فيسكر (Fisker) لصناعة السيارات الكهربائية أن تستمع إلى المالكين الأوائل الذين شعروا بالإحباط عندما اضطروا إلى إجراء العديد من الإصلاحات المعقدة بسبب المشكلات المتكررة في البرمجيات والقطع.

4. كن متفتح الذهن وفطناً.

اضطرت حتى أكثر الشركات نجاحاً إلى تغيير مجال تركيزها مرة واحدة على الأقل. لذا يجب أن تظل منفتح الذهن وفطناً في مواجهة التغييرات والتحديات.

شركة بلوك باستر (Blockbuster) هي من الأمثلة النموذجية على الشركات التي فشلت في تغيير مجال تركيزها؛ إذ كان لديها من قبل أكثر من 9 آلاف متجر وكانت تمتلك سوق تأجير الأفلام. اضطرت الشركة للانتقال في النهاية إلى سوق البث الترفيهي وأعلنت إفلاسها عام 2010 بعد أن فوتت فرصة شراء شركة ناشئة اسمها نتفليكس (Netflix).

قيمة الفشل

قد يجعلك الاطلاع على الأمثلة في متحف الفشل تضحك، ولكن هذا عمل جاد. لكل منتج أو شركة فاشلة ثمن: هدر الموارد وفقدان الوظائف وتشويه السمعة.

تذكّر أن الفشل يمكن أن يكون مفيداً؛ إذ إن الشركات التي تستطيع أن تدعي أنها لم تتعرض للفشل قليلة. في الواقع، قد يشير غياب الفشل إلى نقص في الإبداع وضعف في القناعة، أو خوف من المخاطرة.

قد تساعدك الاستفادة من دروس الإخفاقات السابقة على بناء شركة مستدامة. احرص على أن تحذر من العوامل التي قد تقوّض مشروعك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي