أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع جيف جونز، الأستاذ في "كلية هارفارد للأعمال".
استمع إلى هذا البرنامج الصوتي (البودكاست) واشترك فيه عبر آبل بودكاستس | جوجل بودكاستس | آر. إس. إس.
يناقش جيف جونز حالة "توماس جون واتسون، ’آي بي إم‘ وألمانيا النازية" (Thomas J. Watson, IBM and Nazi Germany)ِ، حيث يدرس خيارات الشركات متعددة الجنسيات ومسؤولياتها من خلال الاستثمارات التي تنفذها في دول ذات أنظمة مذمومة سياسياً. تتناول القضية استراتيجية شركة "آي بي إم" (IBM) الأميركية التي كانت شركة لتصنيع البطاقات المثقبة في ألمانيا النازية قبل عام 1937، وتناقش لقاء رئيسها التنفيذي توماس واتسون بصفته رئيساً لغرفة التجارة الدولية مع أدولف هتلر. استحوذت شركة "آي بي إم" على شركة ألمانية في عام 1922، ثمّ وجدت نفسها، مثل غيرها من الشركات الأميركية الأخرى، تعمل بعد عام 1933 في بلد تقمع حكومته المعارضة السياسية بعنف وتشارك في عمليات الترهيب والتمييز ضد اليهود.
وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:
النص:
بريان كيني: في 8 كانون الثاني/يناير 1889، مُنحت براءة الاختراع الأميركية رقم 395,782 لهيرمان هوليريث من مدينة بوفالو في ولاية نيويورك، حيث حملت عنوان "فن تجميع الإحصائيات" (Art of Compiling Statistics)، وساهمت في تعزيز حقوق هولليريث حيال اختراع أسماه آلة جدولة البطاقات المثقبة الكهروميكانيكية. لم يكن الأمر عادياً كما يبدو، فهذا الاختراع كان ثورياً، كما ساعد في أن يكون هولليريث أحد الشخصيات البارزة في مجال تطوير معالجة البيانات، والأهمّ من ذلك أنّه أسّس أيضاً لما أصبح اليوم قوة متعددة الجنسيات تضمّ أكثر من 350,000 موظف في 170 دولة. وأصبحت شركة "آي بي إم" التي تمتلك أكثر من قرن من الخبرة في العمل على الساحة العالمية، من الشركات القليلة التي تتعامل مع مجموعة واسعة من التحديات التي تواجه الأعمال على الصعيد العالمي. واليوم، سنسمع من الأستاذ جيف جونز عن قضيته التي تحمل عنوان "توماس جون واتسون، ’آي بي إم‘، وألمانيا النازية". معكم المضيف بريان كيني، وأنتم تستمعون إلى برنامج "كولد كول" (Cold Call) الذي سُجل على الهواء مباشرة في "كلارمان هول ستوديو" (Klarman Hall Studio) في كلية هارفارد للأعمال. جيف جونز هو مؤرّخ يدرُس تطوّر الأعمال العالمية وتأثيرها ومسؤوليتها، وله الكثير من المؤلّفات حول تاريخ الأعمال في الأسواق الناشئة في أميركا اللاتينية وغيرها، واليوم سنتحدث عن أوروبا. شكراً لانضمامك إلينا يا جيف.
جوف جونز: هذا من دواعي سروري.
بريان كيني: لقد شاركت في هذا البرنامج مرّات عدة يا جيف، ونحن نعتبرك ضيفاً دائماً فيه. أعتقد أنّنا بحاجة للتحدّث عن هذه الحالات التي تركّز على الشركات التاريخية لأنّه يمكننا تعلّم الكثير اليوم من التحدّيات التي واجهها قادة الأعمال في الماضي، لذلك يسرّنا وجودك معنا مجدداً. نتطرّق اليوم إلى أمر مثير للجدل بوضوح، أي حالة شركة "آي بي إم" في ألمانيا النازية. هل يمكنك مساعدتنا بافتتاح الحديث عن هذه القضية؟
جوف جونز: بدأت القضية في برلين، في 28 حزيران/يونيو 1937، عندما جلس توماس واتسون إلى فنجان شاي مع أدولف هتلر الذي أصبح مستشار ألمانيا في عام 1933. كان واتسون رئيس شركة "آي بي إم" ورئيس غرفة التجارة الدولية أيضاً، وجاء ليقنع هتلر بأنّ الحرب ستكون فكرة سيئة للغاية ينبغي للجميع أن يحاولوا تجنّبها.
بريان كيني: لذلك، أشعر بالفضول بشأن اختيار الحالات التي تكتب عنها كمؤرّخ في مجال الأعمال. ما الذي دفعك للتفكير في هذه الحالة؟
جوف جونز: أدرّس هذه الحالة في العام الثاني من ماجستير إدارة الأعمال، حيث نتناول دور قادة الأعمال خلال موجات العولمة منذ القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا. لكلّ حالة وظيفتان: الأولى، هي أن تكون حجر أساس يشرح الأحداث التاريخية الكبرى في هذه الفترة، والحالة التي نناقشها الآن هي عن ألمانيا النازية. أمّا الوظيفة الثانية فتكمن في استكشاف موضوع مهم لعصرنا، وبالنسبة إلى قضيتنا المطروحة، فهي تناقش ما يجب أن تفعله الشركات الدولية في بلد تحكمه حكومة سيئة وفاسدة.
بريان كيني: لا يزال لدينا الكثير منها اليوم، لذلك يمكن أن نقول إنّها دروس من الماضي نتعلّم منها من أجل الحاضر.
جوف جونز: دروس وعبر من الماضي، لذلك يجب أن يعرف الطلاب التاريخ في حين ينبغي أن يكون هذا التاريخ مرتبطاً مباشرة بالمسائل المعاصرة.
بريان كيني: ننظر الآن في مسألة توماس واتسون الذي كان يقابل هتلر في ألمانيا في إطار اجتماع لغرفة التجارة الدولية، هل هذه المجموعة لا تزال موجودة حتى اليوم؟
جوف جونز: أعتقد ذلك، انطلقت الغرفة في عام 1920 بعد تأسيسها من قبل لجان لرجال الأعمال في الولايات المتحدة وفرنسا قبل أن ينضمّ الآخرون إليها. وتقوم فكرتها على محاولة إنشاء قواعد دولية لمجال الأعمال لكي تعمل الشركات على أساسها خارج النطاق الحكومي، كما أصبحت في الوقت الحاضر تفعل الكثير من الأمور مثل التحكيم بين الشركات في بلدان مختلفة. يطلق أعضاء الغرفة على أنفسهم تسمية "تجّار السلام"، على اعتقاد أنّ البلدان التي تتعامل مع بعضها البعض لن تدخل في حرب، وهي فكرة استمرّت في الانتشار. لدينا نظرية "الأقواس الذهبية" (Golden Arches)، التي أُطلقت في التسعينات وتعتبر أنّ أيّ بلدين يوجد فيهما فروعاً لسلسلة مطاعم "ماكدونالدز" لن يتواجها في حرب عسكرية وما إلى ذلك، هذه فكرتهم، فهُم تجار السلام.
بريان كيني: العودة إلى تاريخ "آي بي إم" أمر رائع في هذه الحالة، فهو تاريخ مثير للاهتمام حقاً، خصوصاً مع بدايات الشركة المتواضعة كما ذكرت في المقدمة. هلّا أخبرتنا المزيد حول الأمر؟
جوف جونز: آلة الجدولة مهمّة جداً، إنّها آلة لمعالجة البيانات اخترعها هولليريث في الولايات المتّحدة، وكان ذلك قبل تطوّر أجهزة الكمبيوتر بعد الحرب العالمية الثانية، كما تُعتبر الأساس بالنسبة لشركة "آي بي إم".
بريان كيني: بالمناسبة، من هو الألماني؟ هولليريث؟ أنا لم أذكر ذلك.
جوف جونز: كان مهاجراً ألمانياً استقرّ في الولايات المتحدة، وهو يُعدّ من أركان "آي بي إم". كان من أوائل المنادين بالعولمة وقد ساهم في تعميمها عن طريق بيع التكنولوجيا بشكل أساسي، وكان من زبائنه شركة "ديهوماغ" (Dehomag) في ألمانيا التي نتحدّث عنها في هذه الحالة.
بريان كيني: وقد بدأ عمله في الولايات المتحدة. كيف شقّ واتسون طريقه ليصل إلى ما سيصبح فيما بعد شركة "آي بي إم"؟
جوف جونز: بدأ واتسون حياته بتواضع شديد في بلدة صغيرة في ولاية نيويورك، حيث كان بائعاً متجوّلاً يبيع البيانو وآلات الخياطة، وذلك قبل أن يتعرّض للإفلاس. حصل بعد ذلك على وظيفة في شركة تُدعى "ناشونال كاش ريجيستر" (National Cash Register) كانت تبدو رائدة مجال البيع الحديث في الولايات المتحدة. نجح في عمله هذا غير أنّه كان قاسياً للغاية حتى وصل الأمر إلى مقاضاته والحكم عليه بالسجن لأنّه لم يعمل أبداً بموجب قانون مكافحة الاحتكار، ومن ثمّ إقالته من قبل الشركة. في عام 1914، عندما كان في سنّ الأربعين، عندما كان عاطلاً من العمل وأباً لطفله الأول، تلقّى عرضاً للانضمام إلى شركة لتسجيل الجدولة بالكمبيوتر تُدعى "كومبيوتر تابيوليتنغ ريكوردينغ كومباني" ( Computer Tabulating Recording Company)، فعمل معها وكانت هي الشركة التي حصلت على تقنية هولليريث لآلات الجدولة، وهنا بدأ كلّ شيء. لذلك، كانت بدايات واتسون كقائد أعمال بداية متأخرة نوعاً ما.
بريان كيني: لقد استغرقه الأمر فترة من الزمن إذاً، ما الذي يميّزه كقائد؟
جوف جونز: لقد كان بيّاعاً، بائعاً طموحاً. غيّر تسمية شركته الخاصة في عام 1924 إلى "إنترناشيونال بزنس ماشينز" (International Business Machines) على الرغم من أنّ الأعمال الدولية كانت قليلة جداً، ثمّ أطلق مجلّة باسم "ثينك" (Think) كتب فيها مقالاته لفترة طويلة، وكان يرسل كلّ نسخة تصدر إلى جميع أعضاء الكونغرس وجميع رؤساء الكليات الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية لأنّه كان يعتقد أنّ أفكاره يجب أن تُشارك مع الغير. كان قائداً أبوياً، فقد فرض على أرباب العمل ارتداء بدلات زرقاء داكنة، وكان هناك أغنية للشركة وفريق رياضي. كان واتسون من قادة الأعمال القلائل الذين لم يسرّحوا موظفين على إثر الكساد العظيم، بل عمد إلى خفض راتبه، حيث كان قادراً على ذلك لأنّه كان الرئيس التنفيذي الأعلى أجراً في الولايات المتحدة في ثلاثينات القرن العشرين.
بريان كيني: بالطبع، لقد كان الأمر مثيراً للاهتمام لأنّك ذكرت راتبه الذي بلغ في ذلك الوقت 364,000 دولار، وهو يساوي حوالي مليوني دولار في عام 2018. إذا نظرت إلى تعويضات المدراء التنفيذيين اليوم ستجد أنّ الفجوة أكبر بكثير! يشكّل هذا الموضوع مصدر إحباط لكثيرين، ونحن نناقشه كثيراً في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد.
جوف جونز: أعلم ذلك، أضف إلى ذلك أنّ قادة الأعمال الذين خفضوا رواتبهم استجابة لأزمة 2008 كان عددهم متواضعاً.
بريان كيني: صحيح.
جوف جونز: حتّى هذه.
بريان كيني: أجل.
جوف جونز: امتلك واتسون شعوراً مختلفاً بالمسؤولية على ما أعتقد.
بريان كيني: يبدو كذلك، ولا يزال تأثيره على شركة "آي بي إم" قوياً للغاية حتى يومنا هذا، ولقد أطلقوا على نظام استخبارات البيانات لديهم اسم "واتسون" على اسمه، كما أنّ "ثينك" بقيت أداتهم لإدارة العلامات التجارية طوال عمر الشركة، ما يدلّ على أنّه لا يزال حاضراً بقوة في شركة "آي بي إم".
جوف جونز: بالتأكيد، لقد عمل لأكثر من 40 عاماً، وعندما تقاعد في سنّ 80 عاماً تولّى المسؤولية ابنه توماس واتسون الابن.
بريان كيني: كان لديه طموحاً كبيراً في الكثير من الأمور، هل يمكنك أن تخبرنا عنها قليلاً؟
جوف جونز: كانت لديه هذه التكنولوجيا الجديدة التي تُعتبر مهمة للحكومات والشركات، بالإضافة إلى لعبه دوراً مهيمناً فيها، فقد امتلك ما يقارب 80% كحصة سوقية في الولايات المتحدة، كما كانت هذه التكنولوجيا مطلوبة من الجميع بمن فيهم الحكومة الألمانية. لذلك، كان يطمح لعولمة التكنولوجيا الجديدة التي امتلكها، وبدأ يطمع مع الوقت لإحداث تأثير أكبر في العالم فأصبح رئيس غرفة التجارة العالمية بفضل لعبه دور رجل الدولة. في ثلاثينات القرن الماضي، أصبح مقرّباً من الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت وتلقى منه عرضاً لتولّي وزارة التجارة، ولكنّه لم يقبل، ليس لأنّه متواضع بل لأنّه اعتقد أنّه سيكون أقوى بوسائل أخرى، على ما أعتقد. إنّه رجل طموح.
بريان كيني: لقد كان نشيطاً! لماذا تُعتبر التكنولوجيا بهذه الأهمية؟ ماذا تفعل، ولمَ هي مهمة إلى هذه الدرجة؟
جوف جونز: تسمح لك هذه التكنولوجيا بالحساب، حساب عدد الأشخاص مثلاً. طُوّرت في بادئ الأمر للولايات المتحدة من أجل إحصاء السكان، ثمّ استُخدمت في ألمانيا للغرض نفسه، غير أنّ الشركات امتلك المزيد من البيانات وكانت معالجتها أمراً مهماً للغاية. كانت هذه قصة تقنية المعلومات الأكثر أهمية في تلك الفترة بأكملها، حيث كانت الشركات تكبر والحكومات تكبر وتفعل المزيد من الأمور. عندما بدأت حكومة الولايات المتحدة بتقديم خدمات الضمان الاجتماعي في عام 1935 احتاجت إلى قدر كبير من المعلومات حول الأشخاص الذين يدفعون المال ضمن هذا النظام وغيرها من المعلومات، وكانت شركة "آي بي إم" هي التي توفر التكنولوجيا التي تتيح هذا الأمر، وإلّا توجّب تجميع البيانات وإجراء العمليات يدوياً.
بريان كيني: هكذا فعلوها إذاً.
جوف جونز: نعم، انطوى الأمر على الكثير من العمل.
بريان كيني: إذا ربطنا هذه الحالة بالوقت الحالي، سنجد أنّ هناك الكثير ممّا يمكن أن نناقشه حول الولايات المتحدة، مثل إحصاء التعداد السكاني وغيره من المسائل التي حاولت الإدارة الحالية إضافتها إليه، والحالة التي نناقشها في مقابلتنا هذه تتحدث عن إحصاء التعداد السكاني في بروسيا، وشيء من هذا القبيل... لقد ربطت الأمور في ذهني. هل يمكنك شرح سبب ارتباط إحصاء التعداد السكاني في بروسيا في سياق هذه الحالة؟
جوف جونز: عندما وصل هتلر إلى السلطة في كانون الثاني/يناير عام 1933 حرص على معرفة الأشخاص الذين يعيشون في ألمانيا، لذلك أسرع إلى إجراء تعداد سكاني في أكبر ولاية منفردة في ألمانيا في ذلك الوقت والتي كانت تُسمّى بروسيا. كان عقداً خيالياً بالنسبة لشركة "آي بي إم"، إذ بدا توقيع مثل هكذا عقد وكأنّه صفقة كبيرة فعلاً، لذلك يمكن أن نعتبر أنّ عملهم في ألمانيا كان من الأمور التي أثّرت إيجابياً على الشركة.
بريان كيني: لقد ذكرت أنّ شركة "ديهوماغ" كانت تعمل في ألمانيا في ذلك الوقت، ويبدو أنّه كان هناك بعض الصراعات الشخصية بين قائد "ديهوماغ" وواتسون. كيف استطاع واتسون وضع يده على "ديهوماغ" إذاً؟
جوف جونز: شركة "ديهوماغ" الألمانية هي التي حصلت على ترخيص التكنولوجيا من الولايات المتحدة في الأصل، قبل أن يستفيد واتسون من الأزمة الاقتصادية الهائلة التي ضربت ألمانيا في أوائل العشرينات والتي ترافقت مع تضخّم كبير في الاقتصاد. لذلك لم تعد الشركة الألمانية بقيادة ويلي هايدنغر قادرة على دفع رسوم الترخيص للولايات المتحدة، إلى أن جاء واتسون وقال: "سأحصل على 90% من الأسهم مقابل قيامنا بإلغاء الديون المتوجّبة عليكم". وبالتالي، انتهى الأمربويلي هايدنغر، رائد الأعمال الطموح الذي أسّس هذه الشركة الألمانية من الصفر، ليجد نفسه يمتلك 10% فقط من شركته. لم يحبّ ذلك، ولكن لم يكن أمامه خيار آخر، وبقي يعتقد أنّ الأمر غير عادل.
بريان كيني: ولكن كيف شعر الألمان تجاه شركة أميركية... هل كان هناك شعور بالقومية في ألمانيا في ذلك الوقت، حيث كانت الشركات الأميركية تواجه استياءً من مجيئها ومحاولة تأكيد نفسها بهذه الطريقة؟
جوف جونز: مرّت ألمانيا بعد الحرب بفترة سيئة للغاية، فتدفّقت الشركات الأميركية إلى البلاد واستحوذت على شركات أخرى، مثل أكبر شركة لصناعة السيارات "أوبل" (Opel) التي أصبحت ملك "جنرال موتورز" (General Motors) منذ ذلك الحين حتّى عام 2017. إذن، كان هناك شعور بأنّ البلاد تُستغلّ، ولكنّ ذلك شكّل نوعاً من الامتعاض على الرغم من أنّه لم يكن عدائياً. انزعج الناس مما يحصل، وكانوا في الوقت نفسه معجبون بحداثة الولايات المتحدة وريادتها في مجال التكنولوجيا. في العشرينيات، كان الأمر يقتصر على الشائعات من دون أن يتخلّله أي عدائية، ولكنّه أصبح كذلك مع نمو القومية في عهد النازيين في الثلاثينات.
بريان كيني: كيف كانت نظرة هتلر إلى الشركات الأميركية؟
جوف جونز: وصل هتلر في وضع ضعيف جداً، فهو لم يحصل على غالبية الأصوات الألمانية، كما جاء في وقت كان الاقتصاد الألماني فيه محطماً على إثر الكساد الكبير والأزمة المالية العالمية، لذا كان يحتاج إلى شركات أميركية بغضّ النظر عن رأيه في الشركات الأجنبية. كان يحتاج إلى الوظائف التي ستوفرها هذه الشركات، وكانت هذه الأخيرة تستطيع ممارسة أعمالها بشرط اتباع قواعده التي كان من بينها أن تتخلّص من اليهود في الإدارة العليا. وبدوره كان يسعده أن تتّبع الشركات هذه القواعد، فهو يريد توفير الوظائف وتحقيق النمو والمكننة، وهذا ما يمكن للشركات الأميركية فعله عن طريق تسريع كل هذه العملية.
بريان كيني: لكنهم طلبوا من الشركات الأميركية إزاحة اليهود من المناصب العليا. هل كان هناك الكثير من اليهود في المناصب العليا في ذلك الوقت في الشركات الكبيرة؟
جوف جونز: غالباً ما يُنسى، نظراً لما حدث، أنّ اليهود كان مندمجين على نحو كبير في ألمانيا كجزء من عالم الأعمال ونخبة سياسية وأشخاص موهوبين وذوي تعليم عال. هل كان هناك الكثير منهم؟ لا، ولكن هل كانوا مؤثرين كثيراً وفي مناصب عليا؟ نعم. نعم.
بريان كيني: نعم.
جوف جونز: نعم، ولقد كان هناك الكثير منهم.
بريان كيني: كانت تلك الخطوة المتمثّلة في طلب إزاحتهم من مناصبهم من الشركات خطوة كبيرة إلى حدّ ما.
جوف جونز: نعم، وإذا لم تفعل الشركات ذلك كانت تحدث أمور سيئة لها. على سبيل المثال، واجهت شركة "كوكاكولا" مشكلة تمثّلت في إطلاق حملة ضدّها حيث قيل إنّ اليهود يديرون الشركة، ولكنّ الأوضاع تحسّنت بعدما فعلت ما اعتقدت أنّه ضروري. في ثلاثينيات القرن العشرين، الشركات التي أرادت القيام بأعمال تجارية بعدما رأت أنّ الاقتصاد الألماني يزدهر كان يتعيّن عليها اتّباع قواعد الألمان. هذه القواعد التي كانت موجودة تجعل الحالة مثيرة للاهتمام، ولكنّها الآن انتهت، وهي قواعد أقرّها البرلمان الألماني.
بريان كيني: إذن، كانت تلك قوانين، ولم تكن مجرّد قواعد؟
جوف جونز: نعم، كانت كذلك، وهذه الشركات تطيع القوانين.
بريان كيني: هل حدث أن أخذت شركة ما موقفاً وقالت "نحن لن نفعل ذلك، لأنّنا لا نعتقد أنّه صحيح"؟
جوف جونز: على حدّ علمنا، انسحبت شركة واحدة من ألمانيا بعد اعتراضها، وهي شركة "وارنر برذرز" (Warner Bos) للأفلام الهوليودية. كانت هي الشركة الوحيدة التي فعلت ذلك، وليس معروفاً عن أي شركة أخرى أنّها فعلت شيئاً يتجاوز أحياناً إقالة كبار الموظفين من اليهود ومن ثمّ توفير وظائف لهم في بلدان أخرى، وأعتقد أنّ "آي بي إم" نقلت موظفين اثنين من كبار الموظفين اليهود إلى الولايات المتحدة. كان يجري الأمر بحسب ظروف كلّ شركة.
بريان كيني: هذا هو إذاً الوقت الذي جلس فيه واتسون لتناول الشاي مع هتلر في عام 1937 كما قلت.
جوف جونز: نعم.
بريان كيني: هل طرح واتسون على هتلر أيّ سؤال حول خطته لألمانيا في ذلك الوقت، وما الذي كان يدفعه لذلك؟
جوف جونز: هناك الكثير من الأدلّة على ما جرى، كانت الشوارع تشهد عنفاً تجاه اليهود طوال الوقت، وكان واتسون يذهب إلى ألمانيا عدة مرات، كان سيرى ذلك بالتأكيد. بالإضافة إلى ذلك، شهدت البلاد إقرار الكثير من القوانين مثل قوانين نورمبرغ التي جرّدت اليهود من جنسيتهم، كما أُلغيت نقابات العمال، وحُرقت الكتب في الساحات العامة، وفُرضت السخرة من جديد. لم يكن أيّ من ذلك سراً، فلقد شهدت مدينة نيويورك مسيرات ضخمة مناهضة للفاشية والنازية، وكان هناك رابطة مناهضة للنازية في هوليوود، كما تحدّث وينستون تشرشل والبرلمان البريطاني حول الظروف المأساوية التي حلّت باليهود. حصل الكثير من الأشياء التي تحدّث كثيرون عنها. ولكن كانت هناك أيضاً إشارات مختلطة، فقد نظّم المجتمع الدولي الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936، حيث شهدت تلك الفترة تخفيف حدّة القوانين النازية وأُخفيت معاملة اليهود بالسوء، ولذلك يمكنك القول إنّه كانت هناك إشارات مختلطة حول التوجّه الذي كان سائداً.
بريان كيني: إذن، كان هناك نوع من المهادنة في جميع المجالات، من علاقات حكومية وعلاقات تجارية... سأقرأ اقتباساً عن واتسون من الحالة التي درستها وأرغب منك أن تعلّق عليه. قال واتسون: "أنا ذو نزعة دولية، أتعاون مع جميع أشكال الحكومات بغضّ النظر عما إذا كنت أوافق على جميع مبادئها أم لا". أظنّ أنّه هذا بيان واضح ومباشر، ولكنّني أفكر فيه في سياق المناقشات التي تجريها ضمن الفصل الدراسي. أقصد، هل كان يكفي قائد الأعمال أن يتّخذ هكذا موقف؟
جوف جونز: الجميع يعرف ما حدث بعد عام 1937، لقد حصلت حرب عالمية قتلت ملايين الأشخاص بينما كان واتسون يزوّد النازيين بتكنولوجيا المعلومات الأساسية ويقول إنّه ليس من شأنه معرفة ما الذي يفعلونه بها. أودّ أن أقول إنّ تعامل شركة ما مع حكومات تنخرط بوضوح في انتهاك حقوق الإنسان هو أمر خاطئ وغير مناسب. ولكن ما قاله واتسون لم يختف تماماً، ففي الخمسينات والستينات والسبعينات كان هناك الكثير من الشركات الغربية التي تعاملت مع دولة جنوب أفريقيا في فترة الفصل العنصري، حيث كانت حجّتهم أنّ انتقاد الحكومات ليس من شأنهم، ويمكنك أن تلاحظ الأمر نفسه في عصرنا الحالي، وهذا ما أخشاه. إنّها وجهة نظر يتمسّك كثيرون بها، وأؤكّد أنّها وجهة نظر خاطئة.
بريان كيني: هل تعتقد، بالنظر إلى الشفافية ومنصات التواصل الاجتماعي اليوم التي مكّنت الناس من الاطّلاع على طريقة عمل الشركات، وهو ربّما ما لم يكن متاحاً في ذلك الوقت، أنّ هناك نوعاً من التسامح مع هذا النوع النشاط؟
جوف جونز: بصراحة، يجب أن أقول إنّني لا أصدق ذلك. لا ترغب الشركات في أن يراها الناس وهي تفعل أموراً سيئة، ولكنّ هذا مؤكد. إذا نظرت إلى الكثير من مناطق العالم ستجد أنّ هناك شركات تعمل مع حكومات ليست تنويرية أو ديمقراطية، تحت الأسباب القديمة نفسها: "يجب ألّا يكون لدينا موقف ممّا يجري"، أو "لا يبدو واضحاً لنا ما يجري". أخشى أنّنا لم نتعلّم من دروس الماضي، للأسف، ولكن يجب أن نتعلّم منها.
بريان كيني: هل ناقشت هذا الأمر في المحاضرة من قبل؟ أنا أسأل فقط، ما المغزى من المناقشة؟ إنها حالة عاطفية للغاية، أليس كذلك؟ يمكن أن أتصوّر ذلك.
جوف جونز: إنّها حالة مزعجة على مستويات عدة كما قلنا سابقاً. لم يكن واضحاً ما الذي ينبغي فعله في عام 1937، كانت هناك إشارات مختلطة، وما زالت. وواتسون بدوره رتّب القضايا الأخلاقية وفق أولوياته، أقصد، عندما التقى هتلر في عام 1937 كان يقول إنّ منع الحرب العالمية أكثر أهمية من الشكوى بشأن ما يحدث لليهود. ترتيب أولوياتك الأخلاقية هو معضلة أخلاقية كبيرة، لأنّه يرتبط بما يحصل على الأرض، وعليك كقائد أعمال أن تثير هذه المسألة في حال لم تفعل الشركات الأخرى أي شيء. هل يجب عليك أن تواجه؟ هذا يثير مشكلة، إذا كنت قائد أعمال ما الذي يجب أن تفعله إذا لم تفعل حكومتك أي شيء؟ أعني أنّها مسألة شائكة من عدة جوانب وتثير معضلات لا نزال نواجهها. أعتقد أنّ الطلاب يتفاعلون عاطفياً، ففي كلّ عام يأتينا طلاب من الذين هرب آباؤهم أو أجدادهم من الهولوكوست. أعتقد أنّ الكثير من الطلاب يأتون إلى الفصل الدراسي بعد أن يستوعبوا الرأي القائل أنّ سحب الاستثمارات لا ينجح، وأنّه من الأفضل البقاء والمشاركة في معظم الظروف بدلاً من الانسحاب أو القيام بشيء ما. هذه الحالة لا تتعارض هذا الرأي، وهي تُظهر أنّ البقاء والتحدث مع الحكومة أيضاً لا يفيدان على الإطلاق. أعتقد أنّ الرأسمالية كانت صامتة تماماً فيما يتعلّق بالتجربة النازية، لقد صمتت كلّ هذه الشركات الأميركية الكبيرة وغيرها بشأن ما يجري، وذلك في بلد يتعرض فيه اليهود إلى المقاطعة. حدثت أمور فظيعة حتى قبل عام 1937، وأعتقد أن هذا سيئ للغاية. وأيّا كانت الخلاصة، أعتقد أنّه لا يمكن الهروب من أنّه كان ينبغي أن تكون النتيجة أفضل. ومن الأمور السيئة الأخرى في هذه الحالة التي تقلق الطلاب هو أنّه لا توجد عواقب على سمعة الشركات، سواء بالنسبة لشركة "آي بي إم" أو أي شركة أخرى صمتت في تلك الفترة. أرى أنّ الحالة قوية لهذا السبب وهي مهمة للأشخاص الذين سيصبحون قادة أعمال في المستقبل.
بريان كيني: بكلمة أخيرة، وضمن هذه الحالة أيضاً، ماذا عن انتهاء واتسون من اجتماعه مع هتلر وذهابه لرؤية موسوليني؟
جوف جونز: كان واتسون يبالغ في قدرته على التأثير في الأحداث السياسية، ولكّنه لم يكن مؤثّراً، بل كان قائداً لامعاً في مجال الأعمال غير أنّه لا يفهم ما الذي يحصل مع هتلر وموسوليني، وهذا سيّئ أيضاً.
بريان كيني: هذه الحالة مهمة كثيراً، وأنا متأكد من أنّ الناس استمتعوا بالاستماع إليك وأنت تتحدّث عنها. شكراً لوجودك معنا جيف.
جوف جونز: هذا من دواعي سروري.
بريان كيني: شكراً لإصغائكم إلى برنامج "كولد كول"، وهو برنامج صوتي رسمي صادر عن كلية هارفارد للأعمال، وهو جزء من شبكة "إتش بي آر برزنتس" (HBR Presents). أنا مقدّم البرنامج، بريان كيني.