دراسة لأكثر من 250 منصة تكشف لماذا فشل معظمها

5 دقائق
لماذا تفشل المنصات؟

أصبحت المنصات تمثل أحد أهم نماذج الأعمال في القرن الحادي والعشرين. في كتابنا المنشور حديثاً، نقسم المنصات إلى نوعين: منصات ابتكار، تسمح لشركات الأطراف الثالثة بإضافة منتجات وخدمات تكميلية إلى تكنولوجيا أو منتج أساسي. وتتضمن الأمثلة البارزة عليها نظام تشغيل "أندرويد" من شركة "جوجل" (Google)، ونظام "آي أو إس" (iOS) لهواتف آيفون من شركة "آبل" (Apple)، إلى جانب خدمات "أمازون ويب". النوع الآخر هو، منصات معاملات، وتسمح بتبادل المعلومات أو السلع أو الخدمات. وتشمل الأمثلة عليها "سوق أمازون" (Amazon Marketplace)، أو شركة "إير بي إن بي" (Airbnb)، أو شركة "أوبر" (Uber)، ولكن لماذا تفشل المنصات؟

تتمحور خمس من الشركات الست الأعلى قيمة في العالم حول هذين النوعين من المنصات. وفي تحليلنا لبيانات تعود إلى 20 عاماً، حددنا أيضاً 43 شركة منصات مطروحة للتداول العام، في قائمة فوربس غلوبال 2000. وقد حققت هذه المنصات المعدل نفسه من الإيرادات السنوية (حوالي 4.5 مليار دولار) الذي تحققه نظيراتها من غير المنصات، ولكنها استخدمت نصف عدد الموظفين. وكان لديها ضِعف الأرباح التشغيلية، وقيمة سوقية ومعدلات نمو أعلى بكثير.

وعلى أي حال، فإن تأسيس أعمال منصة ناجحة ليس بالأمر السهل. لقد مثّلت ما نسميها "بلاتفورمانيا" عملية استيلاء على الأراضي، إذ تشعر الشركات أنّ عليها أن تكون أول المتحركين لتأمين مساحة جديدة، والاستفادة من آثار الشبكة، وإقامة الحواجز أمام الدخول إلى السوق. وتعتبر جهود "أوبر" الدؤوبة للاستيلاء على كل مدينة في العالم، ورغبة شركة "إير بي إن بي" المتمثلة في تمكين مشاركة المساحة على نطاق عالمي، المثالين الأخيرين الأكثر وضوحاً.

تحديد مصادر الفشل

تكمن المشكلة في سؤال لماذا تفشل المنصات؟ في أنّ المنصات تفشل بمعدلات تدعو للقلق. ويستطيع المدراء تفادي الأخطاء الواضحة من خلال تحديد مصادر الفشل.
حاولنا تحديد أكبر عدد ممكن من المنصات الأميركية الفاشلة على مدار السنوات العشرين الماضية، والتي تنافست مع المنصات الـ 43 الناجحة، لنتوصل إلى فهم سبب فشل المنصات والطريقة التي تفشل بها. وسمحت لنا المنصات الـ 209 الفاشلة باستخلاص بعض الدروس العامة حول سبب الصعوبات التي تُحيط بالمنصات.

بلغ متوسط حياة المنصات الفاشلة حوالي 4.9 سنوات فقط. وانهار الكثير من منصات اقتصاد الأعمال المستقلة خلال عامين أو ثلاثة، بسبب عدم توفر عدد كافٍ من المستخدمين أو التمويل لها. ونظراً للحاجة إلى أموال طائلة، فمن غير المفاجئ أن تميل الشركات القائمة بذاتها إلى أن تكون حياتها أقصر من تلك التي استحوذت عليها شركة أكبر أو اتحاد شركات، أو انطلقت في البداية كجزء منها. ويبلغ متوسط عمر الشركات القائمة بذاتها 3.7 سنوات فقط. كانت الشركات المستحوَذ عليها، والتي تمتلك في العادة ميزانيات عمومية أقوى، قادرة على المقاومة فترة أطول (بمتوسط 7.4 سنوات)، أما الشركات التي كانت تمثل جزءاً من كيانات أكبر فكانت بمتوسط طول البقاء فحسب.

وقد جمعنا الأخطاء الأكثر شيوعاً ضمن أربعة تصنيفات: (1) سوء التسعير في أحد جوانب السوق، (2) العجز عن بناء الثقة مع المستخدمين والشركاء، (3) رفض المنافسة قبل أوانها، (4) الدخول في وقت متأخر جداً.

لقد درس الباحثون قرارات التسعير بشكل موسع من أجل معرفة لماذا تفشل المنصات؟ إلا أنّ المدراء لا يزالون يخطئون فيها. غالباً ما تتطلب المنصة ضمان جانب واحد من السوق، لتشجيع الجانب الآخر على المشاركة. ولكن معرفة أي الجوانب يتعين طلب ثمن منه وأي الجوانب يتعين تقديم عون مالي له قد يكون بمثابة القرار الاستراتيجي الوحيد الأهم بالنسبة لأي منصة.

وقد يكون على الشركات أن تتخلى عن التسعير المعقول عندما تتنافس منصتان أو أكثر على خلق آثار الشبكة. على سبيل المثال، قادت شركة "سايد كار" (Sidecar) نموذج التشارك في الركوب فيما بين الأقران قبل شركتي "أوبر" و"ليفت"، ولكنها لم تصبح أبداً علامة معروفة. عمدت الشركة إلى انتهاج الابتكار واستراتيجية محافظة بطيئة النمو لكي تتحمل المسؤولية المالية. وتمثل الخطأ القاتل في عدم الاعتراف بأهمية جذب جانبي المنصة. كما جمعت "سايد كار" رأسمال مغامر (جريء) أقل بكثير مقارنة بشركتي "أوبر" و"ليفت"، ولم تكن الشركة قادرة على جذب عدد كافٍ من السائقين والركاب للبقاء لفترة تتعدى مرحلة كونها شركة ناشئة. وبالطبع، فقد خسرت شركتا "أوبر" و"ليفت" مليارات الدولارات، ورغم من أنهما طرحتا أسهمهما للاكتتاب العام الآن، إلا أنهما لن تحققا أرباحاً أو تبقيا كأعمال قابلة للنمو.

تحديد السعر المناسب ضروري في المنصات كلها، مع أنه غير كافٍ لتحقيق النجاح. وتتطلب المنصات أيضاً الترابط بين طرفين أو أكثر، قد يعرفوا أو لا يعرفوا بعضهم البعض. وبالتالي، فإنّ بناء الثقة أمر أساسي، وهذا ما يتم عادة من خلال أنظمة التقييم أو آليات الدفع أو التأمين. وفي ظل غياب الثقة، يجب على الجهات الفاعلة في المنصة أن تتحلى بالإيمان. كانت شركة "إيباي" (eBay) في الصين، إحدى الشركات الفاشلة ضمن هذا التصنيف. كانت الشركة أول المتحركين، مع حصة مهيمنة في الصين في أوائل الألفية الثانية. ولكن شركة "علي بابا" (Alibaba) سيطرت على السوق. كان أكبر مصدر للفشل، حسبما صرّح الرئيس التنفيذي لشركة "إيباي" في الصين في إحدى المقابلات "أكبر مشكلة لإيباي.. كانت الثقة". اعتمدت "إيباي" على خدمة "باي بال" (PayPal)، التي صمّمت كنظام للدفع، وتشبه المصرف تماماً. لكن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة للمستهلكين الصينيين الذين لم يكونوا على معرفة بالتجارة الإلكترونية. استخدمت خدمة "علي باي" (Alipay) من شركة "علي بابا" نموذج المحفظة (الذي لم يصدر دفعات حتى يشعر المستهلك بالرضا). ذلك أبطل ميزة "إيباي" كأول المتحركين، وسيطرت "علي بابا" على نسبة كبيرة من السوق.

اقرأ أيضاً: 6 أسباب لفشل المنصات

ويتمثل أحد المفاهيم الخاطئة حول المنصات في أنك ستكون الفائز على المدى البعيد بمجرد أن تتأرجح كفة السوق إلى صالحك. غالباً ما يكون ذلك صحيحاً. ولكن ثمة طريقة أفضل للتفكير بشأن التحول في الأسواق تلك فرصة الفائز للخسارة. يمكن أن يسبب الكبرياء مع فرط الثقة والغرور، من بين تصرفات خاطئة أخرى، فشلاً ذريعاً. فمثلاً، كانت المتصفحات منصة ابتكار تقليدية، وكان على أصحاب المواقع تحسين مواقعهم لاستغلال مزايا أساسية في المتصفح. وعندما حصل متصفح "إنترنت إكسبلورر" (Internet Explorer) التابع لشركة "مايكروسوفت" على ما يقارب 95% من السوق بحلول عام 2004، صرّح النقّاد أنّ حروب المتصفحات قد انتهت، وأنّ السوق قد انقلبت، وفازت "مايكروسوفت". سيتطلب الأمر كارثة عظيمة لتخسر "مايكروسوفت"، ولكن هذا ما حدث بالضبط. استغرق الأمر حوالي عشرة أعوام كي تخسر "مايكروسوفت" مكانتها الريادية، ومكّن تطبيق منتج سيئ للغاية بين عامي 2004 و2008 ظهور "فيرفوكس" (Firefox)، ثم فتح ابتكار منتج رديء بين عامي 2008 و2015 الباب أمام متصفح "كروم" (Chrome) التابع لشركة "جوجل".

لربما كان أكثر أخطاء المنصة وضوحاً هو عدم الاكتراث بالتوقيت في السوق. توضح سوق الهواتف الذكية كيف لا يزال بوسع المنتجات الرائعة وجميع الموارد في العالم أن تؤدي إلى الفشل عندما يكون الداخل متأخراً جداً. ومرة أخرى، كانت "مايكروسوفت" هي الطفل المدلل للفشل. رغم مليارات الاستثمارات على مدار عقد من الزمان، انتهى نظام تشغيل و"يندوز فون" التابع لشركة "مايكروسوفت". لأن دخول مجال العمل بعد "آبل" بخمس سنوات، وبعد "جوجل" بثلاث سنوات، أفاد أنّ "مايكروسوفت" أضاعت نافذة المنصة ولم تتعافَ أبداً.

لماذا تفشل المنصات؟

وإليك بعض الدروس المستفادة من بحثنا في سبب فشل المنصات:

أولاً، لا بد للمدراء ورواد الأعمال أن يبذلوا جهوداً ملموسة للتعلم من الفشل

لأنّ الكثير من الأشياء قد تسير على نحو خاطئ في سوق المنصات. ورغم الفرص الإيجابية الضخمة المعروضة، إلا أنّ التوجه نحو استراتيجية المنصة ليس ضرورياً لتحسين احتمالات النجاح كعمل.

ثانياً، نظراً لأنّ المنصات مدعومة في نهاية المطاف بآثار الشبكة

فإنّ تحديد الأسعار بشكل صحيح، والتعرف على الجوانب التي يتعين دعمها مالياً، يبقى بمثابة أكبر التحديات. تمثلت الرؤية العميقة لشركة "أوبر" (والفشل العظيم لشركة "سايد كار") في الاعتراف بقوة آثار الشبكة بزيادة الحجم من خلال خفض الأسعار والتكاليف بشكل ملحوظ على جانبي السوق. وبينما لا تزال "أوبر" تعاني في إنجاح العوامل الاقتصادية (وقد تفشل كعمل)، بدأت "جوجل" و"فيسبوك" و"إيباي" و"أمازون" و"علي بابا" و"تينسنت" وغيرها من المنصات بتوجيه دعم مالي قوي لجانب واحد من السوق على الأقل، وانتقلت إلى تحقيق أرباح كبيرة.

ثالثاً، من المهم وضع الثقة على رأس الأولويات

أما الطلب من الزبائن أو الموردين بأن يتحلوا بالإيمان، دون تاريخ أو علاقات مسبقة بالجانب الآخر من السوق، فيحمّل عمل المنصة فوق طاقته. ويعتبر فشل "إيباي" في وضع آليات لبناء الثقة في الصين، كما فعلت شركة "علي بابا" مع موقع "تاوباو" (Taobao)، خطأ يستطيع مدراء المنصة تفاديه ويتعين عليهم القيام بذلك.

رابعاً، رغم أنّ الأمور قد تبدو واضحة

إلا أنّ التوقيت بالغ الأهمية. القدوم مبكراً مفضل، ولكن لا ضمانات للنجاح: تذكر "سايد كار". يمكن أن يكون التأخر قاتلاً. وتأخر "مايكروسوفت" الكارثي في بناء منافس لنظامي تشغيل "آي أو إس" و"أندرويد" هو من الأدلة الجيدة على ذلك.

وفي ختام الإجابة عن سؤال لماذا تفشل المنصات؟ قد يؤدي الكبرياء إلى كارثة. لا مبرر لإهمال المنافسة، حتى عندما تمتلك تقدماً هائلاً. إذا لم تحافظ على قدرتك التنافسية، فلن تجد مركزاً سوقياً آمناً. والإدارة الفظيعة من شركة "مايكروسوفت" لمتصفح "إنترنت إكسبلورر" هي مثال واضح على ذلك.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي