عند اقتراب الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر/ كانون الأول، يبدأ العمل بالتباطؤ. فاحتفالات موسم العطلة قائمة، ويصبح التواصل مع الزبائن والعملاء أصعب، ونشعر بتناقص الطاقة والحماس، ويتوقف معظمنا عن العمل تماماً من أجل قضاء العطلة مع العائلة والأصدقاء.
ثم يأتي شهر يناير/ كانون الثاني، ويجب أن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، ولكن بعد غياب أسبوع أو اثنين، قد تصعب علينا العودة إلى العمل على النحو المعتاد. إذا كنت تشعر بالكسل والملل، فأنت لست وحدك، لأن هناك عدة أسباب لهذا النوع من خمول ما بعد الإجازة، ولحسن الحظ هناك أيضاً ما يمكنك فعله للخروج من هذه الحالة.
كيفية علاج الخمول
ركز على ما هو آت
من الشائع في بداية العام الجديد أن نفكر بالعام الذي انقضى، تشير أبحاث حول نظرية المستوى التحليلي أنه كلما ابتعدت عن شيء ما زماناً أو مكاناً أو اجتماعياً، ستفكر به بتجرد أكثر. وسيقودك الخروج من المكتب والتفكير بالعام بأكمله إلى التفكير بمساهماتك، وليس بالمهمات التي أوكلت إليك فحسب، وهذا طبيعي وصحي. فعلى كل الأحوال، لا تتجسد مساهماتك في آلاف الرسائل الإلكترونية التي أرسلتها، وإنما في العلاقات التي وطدتها والمشاريع التي أشرفت عليها، والتعاون الذي ساعدت على استمراره نتيجة لهذه الرسائل الإلكترونية.
ولكن، على الرغم من أننا سنفتخر ببعض إنجازاتنا، إلا أننا قد نفكر أيضاً ببعض حالات الفشل التي مررنا بها، وهي غالباً ما يشكل مصدر قرارات العام الجديد بالنسبة لكثير منا.
يمكن أن تكون حالات الفشل التي تعرضت لها في العام المنقضي محبطة بلا شك، وعند حلول العام الجديد، قد تجد نفسك في حلقة من الأفكار حول ما كان يمكنك فعله بصورة مختلفة في الماضي. وهذا النوع من اجترار الأفكار سيزيد مشاعر الكآبة والتوتر التي تستنزف طاقتك.
ولذلك، عند العودة إلى العمل بعد الإجازة، من الضروري أن تبدأ بالنظر إلى ما هو آت في العام الجديد بدلاً من النظر إلى العام المنقضي، ويمكنك اعتبار الأهداف التي ترغب بتحقيقها تحديات جديدة ومصدراً للطاقة، لا تكفيراً عن الإنجازات التي لم تتمكن من تحقيقها من قبل. فالتركيز على المستقبل ورؤية الفرص الجديدة للنجاح يساعدان على توليد الطاقة اللازمة للبدء.
كن محدداً
قد يؤدي تفكيرك بالعام المنقضي إلى الالتزام بالتغيير أيضاً، وهذا أمر جيد، ولكن ليس إذا كانت التزاماتك إجمالية، كأن تزيد إنتاجيتك مثلاً أو تحصل على عمل جديد أو تصبح قائداً أفضل.
في الحقيقة، يمكن أن تكون هذه الأهداف الإجمالية عائقاً يتسبب لك بالشلل، لأنها ببساطة أكبر من أن تمكنك من إحراز تقدم ذي معنى. وإنما يجب عليك تحويل أهدافك إلى أفعال محددة تؤدي عند تراكمها إلى النتيجة المرجوة. يطلق على هذا النوع من الخطة المحددة اسم العزم على التنفيذ، وتتطلب أن تقسم الهدف العام إلى مهمات يمكن وضعها على جدول المواعيد.
ينطوي هذا التحديد على فائدتين.
الأولى هي أنه يتطلب منك التفكير فيما يجب عليك فعله من أجل تحقيق الهدف، وقد تكتشف أنك لا تعرف كل الخطوات أو أن بعض الخطوات تتطلب بعض المهارات التي يجب عليك تعلمها، وفي هذه الحالة، يمكنك البحث عن مرشد أو مدرب لمساعدتك.
والفائدة الثانية هي أن الأمور المحددة الكبيرة تجبرك على التصارع مع جدول المواعيد المكتظ، وأحد أسباب عدم القدرة على تحقيق الأهداف الهامة هو عدم امتلاك الوقت لتنفيذ المهمات التي تؤدي إلى النجاح. ولذلك، عندما تحاول إضافة مهمات جديدة إلى جدول أعمالك، ستضطر لمعرفة ما يمكن تغيير موعده أو تأجيله أو تفويضه كي تتمكن من المتابعة في تنفيذ التزاماتك.
أجر المقارنات الاجتماعية المناسبة
السبب الثالث المحتمل لخمول ما بعد الإجازة هو المقارنة الاجتماعية.
فنحن لا نقيّم الأمور على مقياس مطلق، بل نقيّم النجاح نسبة لمعيار ما، وغالباً ما يكون ذلك عن طريق مقارنة أنفسنا بشخص آخر، وهو ما يسمى المقارنة الاجتماعية.
هناك نوعان من المقارنة الاجتماعية، الأول هو المقارنة الاجتماعية الأعلى، وهي مقارنة نفسك مع شخص أفضل منك في مجال محدد. على سبيل المثال، قد ترى زميلاً كان معك في المرحلة الثانوية حصل على ترقية للتو، أو صديقاً من أيام الدراسة الجامعية اشترى السيارة التي تحلم بامتلاكها يوماً. تتسبب هذه المقارنات بشعورك بالاستياء من نفسك، لأنها تركز على ما يملكه الآخرون ولا تملكه أنت، سواء كان المال أو المركز الاجتماعي أو علاقة معينة. أما المقارنة الاجتماعية الأدنى فتكون مع شخص حاله أسوأ من حالك، وتتسبب عموماً بشعورك بالرضا عن نفسك ووضعك.
ولكن للأسف، يمكن للمقارنة الاجتماعية بنوعيها تثبيط همتك، فقد تغضبك المقارنة الأعلى لأنك سترى أن الأشخاص الذين تعرفهم ناجحون وسعداء أكثر منك ويتمتعون بثروة أكبر. وبسبب طريقة ظهور الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أن ترى الأماكن التي يقضون فيها إجازاتهم، أو ما ينشرونه بالنسبة إلى وظائفهم، ستعتقد بسهولة أنهم في وضع أفضل من وضعك، فيؤدي ذلك إلى رغبتك بالاستسلام.
وعندما تجري مقارنة اجتماعية أدنى، ستشعر أنك أفضل فيما يتعلق بما تملك وما أنجزته، ولكن لن يكون لديك حافز للاستمرار بمحاولة التقدم. بل ستشعر أنك راض عن وضعك الحالي، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى التراخي. غير أن شعورك بعدم الرضا عن أمر ما في واقعك الحالي، بالإضافة إلى وضع خطة تطوير من أجل الحصول على ما تريد سيولدان الطاقة التي تحتاج إليها لتحفيز نفسك.
لن تتمكن من منع نفسك من إجراء مقارنات اجتماعية، ولكن يمكنك استخدام هذه المقارنات صراحة كحافز لك. على سبيل المثال، يمكنك البحث عن منافس قريب منك، شخص ناجح أكثر منك قليلاً في مجال ما، ولكن أداءه قريب من أدائك كي تتمكن من رؤية ما يمكنك فعله كي تصل إلى مستواه.
كما يمكنك مقارنة نفسك اجتماعياً مع نفسك القديمة، ألق نظرة على مسارك، واعترف أنك تطورت مع مرور الوقت حتى وإن لم تتمكن من تحقيق جميع أهدافك. استثمر هذا التقدير لتطورك كي تحث نفسك على الاستمرار بالعمل من أجل تحقيق إنجازات جديدة.
لا أحد يرغب في بدء العام الجديد بعمل روتيني ممل، ويبدأ كثير منا شهر يناير/ كانون الثاني بالتركيز أكثر مما ينبغي على الماضي والاستياء مما لم ننجزه بعد، إلا أن إجراء بعض التغييرات الصغيرة على طريقة تفكيرك سيمكنك من بدء عامك الجديد بحماس.