خطوات عملية لخلق بيئة عمل إيجابية موجّهة بغاية الشركة

7 دقيقة
الثقافة
shutterstock.com/wandee007

ملخص: تركز الشركات على نحو متزايد على غاية تتجاوز مجرد الربحية، ويتوقف نجاح دمج هذه الغاية المؤسسية الأوسع نطاقاً إلى حد كبير على الثقافة التنظيمية. يجب على القادة، على المستويات جميعها، أن يجسدوا قيم الشركة ويعبّروا عنها بصدق، كما يتضح من شركات مثل نتفليكس ولاش. ومن الضروري أن يرى الموظفون كيف يسهم عملهم اليومي في تحقيق هذه الغاية الأوسع، إذ تقدم شركتا أتلاسيان وسيسكو نماذج جديرة بالملاحظة في هذا الصدد. وما هو أهم من ذلك، يعزز تقدير السلوكيات التي تتماشى مع غاية الشركة ومكافأتها، كما رأينا في شركات باتاغونيا ويونيليفر، هذه الثقافة. في جوهرها، يمكن لثقافة حقيقية مدفوعة بالغاية أن تعزز إلى حد كبير حقوق المساهمين والإسهامات المجتمعية والإدارة الرشيدة للبيئة على المدى الطويل.

تروج شركات كثيرة لغايتها، مع التركيز على مبادئها التوجيهية التي تتجاوز مجرد تحقيق الربحية. في حين أن بعض الشركات تحرص بجدية على إعطاء الأولوية للممارسات الأخلاقية والمساءلة الواسعة النطاق، تجد شركات أخرى صعوبة في مواءمة إجراءاتها مع قيمها المعلنة. ما الذي يميز هذه الشركات؟ بصفتنا أساتذة جامعيين متعمقين في كل من الممارسات الصناعية والبحث الأكاديمي، فإننا ندرس العوامل التي تمكّن الشركات من التفوق، خصوصاً عندما تدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية في استراتيجيات أعمالها. يسلط تحليلنا الضوء على عامل حاسم: الثقافة المؤسسية.

السبب في ذلك هو أن الثقافة تحدد المعتقدات الأساسية والقيم المشتركة والمعايير المقبولة التي تؤثر في عقلية الموظفين وسلوكياتهم. قد تعلن الشركات التزامها بغايتها، ولكن دون ثقافة داعمة تتوافق مع هذه الغاية وتدعمها، لن يتمكن الموظفون من الحصول على الدعم لدمج هذه القيم المشتركة في عملهم. وجدنا أن النجاح في دمج غاية الشركة في عملياتها يعتمد على 3 استراتيجيات:

يجسد القادة الغاية على المستويات جميعها

في الثقافة القائمة على الغاية، يتحمل القادة مسؤولية رئيسية: يجب عليهم إبلاغ غاية الشركة وقيمها بوضوح وتجسيدها بأصالة وصدق. نقصد بالقادة كل شخص يدير فريقاً أو يوجّه عملية صنع القرار أو يشرف على تخصيص الموارد. يجب على هؤلاء القادة على مستويات المؤسسة جميعها إنشاء روابط واضحة بين الغاية والقيم والأداء، وتقبّل حتمية التنازلات على المدى القصير في السعي لتحقيق رسالة أكبر، والاستعداد للتغلب على التحديات الحتمية الكامنة في المبادرات القائمة على الغاية. يمكن للقادة تحقيق ذلك من خلال:

ربط غاية الشركة بالأداء

تحقق المؤسسات القائمة على الغاية النجاح إذا كانت غايتها متوافقة بصدق مع استراتيجيتها وعملياتها. تستخدم الشركات المختلفة أدوات متنوعة لتحفيز هذا التوافق. على سبيل المثال، لا تحدد ثقافة شركة نتفليكس قيمها الأساسية مثل "الحرية والمسؤولية" فحسب، بل تدمج هذه المبادئ أيضاً في صلب عملياتها من خلال تقييم الموظفين بناءً على هذه القيم. للتوضيح، تذكر الشركة أنها لا تقيس أداء موظفيها بناءً على عدد ساعات عملهم أو وجودهم في المكتب، بل بناءً على القيمة التي يجلبها كل موظف إلى أعضاء الفريق. علاوة على ذلك، تشجع الشركة القادة والموظفين على اتخاذ الإجراءات التي تحقق مصلحة نتفليكس الفضلى واتخاذ القرارات مع الأخذ في الاعتبار تأثيرها على المدى الطويل.

تسليط الضوء على حتمية التضحيات على المدى القصير

يتطلب الالتزام الحقيقي برسالة ما في كثير من الأحيان اتخاذ قرارات صعبة والاعتراف بالحاجة إلى تضحيات على المدى القصير. يجب على القادة أن ينقلوا هذه الحقيقة بشفافية، وأن يثبتوا أن هذه المقايضات تمهد الطريق غالباً لتحقيق نجاح مستدام طويل الأمد. تجسد شركة مستحضرات التجميل لاش خير مثال على ذلك، إذ رفضت التنازل عن موقفها المعارض للتجارب على الحيوانات، حتى لو أدى ذلك إلى فقدان السوق الصينية المربحة.

التطلع إلى غاية الشركة لتوجيه القرارات الصعبة

لن يكون الطريق إلى تأسيس ثقافة تتمحور حول الغاية خالياً من العوائق دائماً، لذلك يجب على القادة التحلي بالمرونة والتعلم من الصعوبات وإجراء التعديلات عند الضرورة.

على سبيل المثال، تمثلت غاية شركة إير بي إن بي في خلق عالم يمكن لأي شخص أن يشعر فيه بالانتماء، بغض النظر عن موقعه. لكن هذه الغاية واجهت تحدياً عندما أثار الباحثون والمستخدمون المخاوف بشأن التمييز العنصري على المنصة. رداً على الانتقادات والدعوى القضائية، أطلق قادة الشركة مشروع لايت هاوس (Project Lighthouse) الذي يهدف إلى فهم التمييز العنصري على المنصة ومعالجته. تعاونت الشركة مع منظمات الحقوق المدنية لتطوير أساليب لرصد حالات التمييز على منصتها مع مراعاة الالتزام بمعايير الخصوصية، وأعلنت على موقعها على الإنترنت أنها ستستخدم أي رؤى مكتسبة من مشروع لايت هاوس لتطوير ميزات وسياسات جديدة لإنشاء تجربة أكثر إنصافاً على منصتها، وبالتالي تحقيق رسالتها الدائمة المتمثلة في تعزيز الشعور بالانتماء.

بصورة عامة، لا يتحمل القادة مسؤولية توجيه مؤسساتهم نحو غاية محددة فحسب، بل ضمان تجسيدها كل يوم أيضاً. تمثل تصرفات القادة وقراراتهم وتواصلهم نموذجاً لبقية المؤسسة، ما يبرز أهمية الغاية في الواقع اليومي.

جعل الغاية ملموسة وملهمة لأعضاء الفريق

الموظفون هم الذين يحققون غاية الشركة ويسهمون في ربحيتها، لذلك من الضروري أن يفهموا كيف تسهم أدوارهم الفردية في تحقيق الغاية الشاملة للشركة وتعززها بطريقة ملموسة. وبالتالي، بينما يحدد قادة الفريق الاتجاه، وحتى تكون الثقافة القائمة على الغاية راسخة بعمق، يحتاج أعضاء الفريق إلى بعض المرونة لاتخاذ القرارات التي تتماشى مع هذه الغاية بصورة مستقلة.

نقترح 4 إجراءات أساسية يجب على المسؤولين التنفيذيين مراعاتها للمساعدة على تحقيق التوازن المناسب بين الاتجاه وحرية العمل والاختيار.

دمج الغاية في المهام والمسؤوليات اليومية

يجب أن يفهم الموظفون كيف تتوافق مهامهم ومسؤولياتهم اليومية مع غاية الشركة. في هذا الصدد، يُعد "دليل قواعد الفريق" الخاص بشركة أتلاسيان مثالاً نموذجياً. "دليل قواعد الفريق" هو أكثر من مجرد دليل؛ فهو يتكون من مجموعة من الموارد المستخدمة لعقد ورش عمل تهدف إلى تحسين العمل التعاوني في الفريق، كما يجسّد قيم الشركة، مثل الانفتاح والصدق والبناء مع الحفاظ على الشغف والتوازن، ما يوفر تمثيلاً ملموساً لكيفية توافق دور كل موظف مع غاية الشركة وأهداف الفريق.

دمج وجهات نظر أعضاء الفريق

يمكن أن يعزز التماس رؤى أعضاء الفريق بفعالية حول العلاقة المعقدة بين غاية الشركة وربحيتها الشعور بالشمول، ما يضمن شعور جميع أعضاء الفريق بالتقدير وبأنهم جزء مهم من عملية صنع القرار. من الأمثلة على الشركات التي تشرك موظفيها بفعالية في تحقيق غايتها شركة سيسكو، التي عززت ثقافة الثقة والابتكار والعطاء. تشجع الشركة الموظفين على متابعة شغفهم والتعاون مع أقرانهم والإسهام في القضايا التي يهتمون بها. من خلال إشراك قوة العمل بفعالية في المناقشات حول موضوعات مهمة مثل الاستدامة والتنوع وربطها بالمشكلات المستعصية التي يواجهونها في العمل الجماعي، يمكن للشركات الاستفادة من الرؤى على مستوى القاعدة الشعبية، خصوصاً رؤى الموظفين الذين يتفاعلون مباشرة مع الأسواق أو العملاء.

تحقيق التوازن بين الاستقلالية المتوافقة مع الغاية والمبادئ التوجيهية ومبادئ صنع القرار المحددة

يمكن أن يحفز تمكين الموظفين من اتخاذ القرارات في مهامهم اليومية مسترشدين بالقيم الأساسية للمؤسسة حلولاً مبتكرة تركز على العملاء. لنأخذ على سبيل المثال زابوس، وهي شركة تجزئة للملابس والأحذية عبر الإنترنت. تدرب الشركة، التي تتخذ من شعار "تحقيق السعادة" غاية لها، موظفيها على اتخاذ القرارات مسترشدين بهذه الغاية وفقاً لتقديرهم من خلال منحهم حرية التصرف في تقديم خدمة استثنائية لعملائهم دون الحاجة إلى الالتزام بالنصوص أو السياسات.

توفر الثقافة القائمة على الغاية أيضاً لصانعي القرار والموظفين مبادئ وتوجيهات واضحة لمساعدتهم على اتخاذ القرارات، خاصة في المواقف المعقدة أو الغامضة. على سبيل المثال، لدى شركة ستاربكس مجموعة من المبادئ التوجيهية والالتزامات المفصّلة التي توجه إجراءاتها وسياساتها حول التنوع والمساواة والشمول، وهي جانب أساسي من غايتها. كما طورت ستاربكس أيضاً أداة بسيطة لمساعدة موظفيها على اتخاذ قرارات أكثر أخلاقية بصفتها جزءاً من معايير سلوك العمل فيها.

تتطور الثقافة القائمة على الغاية باستمرار من خلال التجربة والخطأ وتسليط الضوء على المواقف الفريدة التي تمكن الموظفون من التعامل معها، ويحدث هذا التطور في المواقف التي تتطلب الاستقلالية في اتخاذ القرارات والالتزام بالمبادئ التوجيهية المعمول بها.

توفير آليات التقييم البنّاءة

لتمكين النمو المستمر والتوافق مع الغاية، يجب أن يتلقى أعضاء الفريق والقادة تعليقات حول كيفية توافق قراراتهم مع غاية الشركة. على سبيل المثال، توفر شركة سبوتيفاي لخدمات البث المباشر للموسيقى عبر الإنترنت، التي تتخذ من شعار "إطلاق العنان لإمكانات الإبداع البشري" غاية لها، التعليقات والدعم لفرقها من خلال منهجيات أجايل. تمكّن الشركة الفِرق من العمل باستقلالية ولكن على نحو تعاوني لحل المشكلات بطريقة إبداعية وتطوير منتجات جديدة، وفي الوقت نفسه، تمنح الفنانين والمستمعين منصة للتعبير عن الإبداع واكتشافه. من خلال ربط نظام تطبيق منهجيات أجايل بغايتها، تمكنت سبوتيفاي من تعزيز ثقافة الابتكار والتميز التي تعود بالنفع على كل من الشركة ومستخدميها.

باختصار، من الضروري التأكد من أن غاية الشركة ليست مجرد مفهوم للفرق وأعضائها، بل هي جانب ملموس ومهم. إذا رأى الموظفون أن مهامهم اليومية تسهم في تحقيق غاية أسمى، فإن مشاركتهم وتحفيزهم وتوافقهم مع قيم المؤسسة تزداد دائماً، وهذه العوامل جميعها تسهم في تعزيز ثقافة مؤسسية قائمة على الغاية.

ترسيخ الغاية من خلال التقدير والحوافز

يشكّل تقدير السلوكيات القائمة على الغاية ومكافأتها حجر الأساس لترسيخ أي ثقافة قائمة على الغاية. يكمن التحدي في صياغة أنظمة تشجع هذه السلوكيات لكنها لا تحفزها على نحو غير ملائم، في حين تعكس باستمرار الغاية الأساسية للشركة. في هذا السياق، يمكن للقادة أن يبدؤوا بما يلي:

تسليط الضوء على تضحيات ملموسة في سبيل تحقيق الغاية

عندما تعطي الشركة الأولوية لغايتها، حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالمكاسب المباشرة، فإنها تبعث برسالة قوية حول عمق التزامها. شركة باتاغونيا خير مثال يوضح هذا الجانب. تنصح الشركة عملاءها بعدم الاستهلاك المفرط، وبذلك تؤكد التزامها بالاستدامة واستعدادها في الوقت نفسه للتضحية بالأرباح القصيرة الأجل، الأمر الذي يلهم موظفيها احترامها والولاء لها.

تقدير التأثير القائم على الغاية والاحتفاء به

من المهم أن يفهم الموظفون التأثيرات البعيدة المدى لعملهم بما يتوافق مع غاية الشركة، بما في ذلك التأثير في العملاء والمجتمعات والمجتمع ككل. لقد حققت شركة لاش ذلك ببراعة. من خلال الاستفادة من قنوات التواصل المختلفة، مثل مقاطع الفيديو والأحداث، سلطت الشركة الضوء على تأثيرها في القضايا الرئيسية، بدءاً بالحفاظ على البيئة إلى حقوق الإنسان. يرتبط إظهار التأثير الذي يتوافق مع غاية الشركة ارتباطاً وثيقاً بتسليط الضوء على قصص نجاح الموظفين. تعزز الشركة من خلال هذا النهج تقدير التقدم المنجز في سبيل تحقيق غايتها.

علاوة على ذلك، من الضروري إظهار التوافق بين القيم الشخصية والقيم المؤسسية، ما يجعل الغاية حقيقة ملموسة بالنسبة لأصحاب المصالح في الشركة. على سبيل المثال، لا تُعد قصص أفراد مجتمع تريل بليزر (Trailblazer) الذي أنشأته شركة سيلز فورس مجرد مجموعة من الشهادات حول العقود الناجحة فحسب، بل هي أيضاً أمثلة ملهمة لكيفية استخدام الأفراد والمؤسسات لمنتجات سيلز فورس وخدماتها لتحويل حياتهم المهنية وأعمالهم، وإحداث تأثير إيجابي في العالم. تتوافق هذه القصص تماماً مع غاية سيلز فورس المتمثلة في تمكين المؤسسات من الأحجام جميعها من تحقيق غايتها الخاصة والإسهام في خلق مستقبل أفضل. يغرس الاحتفاء بالسلوكيات التي تعكس غاية الشركة شعوراً بالفخر ويعزز بيئة تعاونية أوسع حيث يمكن للموظفين التعلم والتحسن من خلال التعليقات المتبادلة ورؤية التأثير الإيجابي لعملهم على عملائهم.

دمج غاية الشركة في خطط الحوافز

يضمن دمج المعايير المتعلقة بغاية الشركة في برامج المكافآت تقييماً شاملاً للأداء يأخذ في الاعتبار نتائج الأعمال والتوافق مع قيم الشركة. تبرز في هذا الصدد سياسة المكافآت والترقية في شركة يونيليفر، حيث تدمج معايير الاستدامة في نظام تعويضات المسؤولين التنفيذيين. لا يؤكد هذا النهج أهمية الممارسات المستدامة فحسب، بل يحفز الموظفين أيضاً على المشاركة بفعالية في المبادرات التي تتوافق مع الغاية الأكبر للشركة.

يتطلب إنشاء مؤسسة قائمة على الغاية في سوق اليوم التي تركز بصورة أساسية على المساهمين ترسيخ ثقافة تتمحور حول الغاية بصورة متعمدة ومدروسة. ينطوي ذلك على إبلاغ غاية المؤسسة بوضوح ويتطلب قادة يجسدون بفعالية القيم المتأصلة في هذه الغاية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إنشاء أنظمة مكافآت رمزية ونقدية تبرز النتائج التي تتوافق مع غاية المؤسسة وتعززها.

تعزيز نهج قائم على الغاية هو في الواقع عملية مستمرة مليئة بالتحديات. تتطلب هذه العملية الالتزام الدائم والقدرة على التكيف والتحمل. في جوهرها، يمكن أن تكون غاية الشركة الأصيلة والمحددة بوضوح حافزاً يعزز المكانة السوقية ويبني ثقة قوية وطويلة الأمد مع أصحاب المصلحة ويعزز العمل التعاوني الفعال والمرونة الاستراتيجية، إذ تسهم هذه العوامل جميعها في تحقيق الربحية المستدامة بصفتها وسيلة فعالة تخدم قضية أسمى. في نهاية المطاف، فإن مردود هذا النهج هو تحقيق فوائد ملموسة للمجتمع والبيئة فضلاً عن قيمة كبيرة على المدى الطويل للمساهمين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي